الفصل 94
كان بستان الزهور حيث يُقام حفل رقص ضوء القمر يبدو باهتًا بعض الشيء، لأن جيزيل كانت قد قطعت جميع الأغصان بعناية.
لكن وجود الموسيقيين الذين يعزفون موسيقى الحفل، والحلويات الكثيرة الموضوعة على الطاولات المستديرة، وأبناء العائلات الجانبية المرتدين للبدلات والفساتين، خلق أجواء راقية ومميزة.
وفي ذلك المكان، كانت جيزيل تحدق في فاي، ثم مدت يدها نحو دوق كالينوس.
‘هـ… هِيَ!’
“سيدي الدوق، هل ترقص معي؟”
“لا بأس بذلك.”
صفق الكونت تيرين، الذي كان بجانبه، مؤيدًا.
“بالطبع، فالأؤلى أن يفتتح الدوق وزوجته الرقصة الأولى!”
وكانت فاي تراقب هذا المشهد بتعبير على وشك الانهيار.
‘إنه لي…! الدوق، وكل هذا الاهتمام يجب أن يكون لي!’
لكن بسبب صورتها التي حافظت عليها، لم تستطع أن توقف ذلك التصرف المزعج بسهولة.
فاكتفت بعضّ شفتيها مرارًا حتى كادت تنزف.
حتى غارنو لم يمنع الأمر، وسرعان ما انطلقت ألحان أنيقة للرقصة الأولى للزوجين.
تحت ضوء القمر، جذبت رقصة الزوجين في بداية الحفل أنظار الجميع.
“السيدة جيزيل ترقص برشاقة فعلًا. إنها تقود الدوق!”
“بل إنهما يبدوان رائعين معًا. كأنهما خُلِقا لبعضهما!”
رأت فاي نظرات الإعجاب في أعين الخدم والخادمات وهم يرمقون جيزيل، فعضّت على شفتيها بقوة.
حتى غارنو بدا مندهشًا ومُعجبًا. غارنو الذي أنقذت حياته بنفسها!
شعرت وكأنها تُطرد من مركز الاهتمام، وكان شعورًا بغيضًا لا يُحتمل.
ولهذا، كانت جيزيل، التي تتلقى كل تلك النظرات المليئة بالإعجاب….
‘حقًا أكرهها.’
كرهتها حتى ارتجف جسدها.
رؤية جيزيل تبتسم برقة وهي ترقص مع دوق كالينوس تحت ضوء القمر الهادئ فجّرت بداخلها إحساسًا بالدونية كانت تكبته طويلاً.
‘تلك المرأة… أتمنى فقط أن تموت.’
غرق بصر فاي في العتمة.
في عينيها، لم تكن ترى سوى جيزيل وهي ترقص بجمال كأنها راقصة محترفة.
وفجأة، وهي تتخيل يدًا كبيرة تظهر وتسحب جيزيل بعنف، استفاقت فاي من أوهامها.
‘لا، اهدئي. الحدث الحقيقي لم يبدأ بعد.’
حاولتٔ رسم ابتسامة على وجهها وقالت بصوت هادئ:
“أشعر بالغيرة حقًا. أتمنى لو أستطيع الرقص بجمال السيدة جيزيل.”
“هاها، أحقًا؟”
ضحك غارنو بلطف وهز رأسه، ثم مدّ يده نحو فاي.
“إذن، هل ترقصين معي رقصة واحدة؟”
رأت في عينيه نظرة دافئة، كما لو كان يُعاملها كحفيدته، فأومأت برأسها.
نعم، لا يزال غارنو بجانبها. فابتسمت فاي ابتسامة عذبة لم تكن على وجهها من قبل.
“بكل سرور.”
“لذا، رجاءً ساعدني مرة أخرى، سيدي غارنو.”
مدّت يدها نحو يده، لكن في تلك اللحظة—
“آه، آه!”
وضع غارنو يده على رأسه فجأة، ثم ترنح ليسقط أرضًا.
“سيدي غارنو!”
“آه… أااه…”
“يا إلهي! سيدي غارنو أغمي عليه!”
صرخة فاي المبالغ فيها جذبت انتباه الجميع نحوها.
“ما الذي يحدث…؟!”
“كيــــاااا!”
أسرع الجميع إليهم بوجوه مذعورة.
أمسك أحدهم بمعصم غارنو ثم صاح:
“نبضه بطيء جدًا!”
وتوقفت الموسيقى الهادئة التي كانت تغلف الحديقة الخارجية.
وتجمعت النظرات القلقة نحو فاي، التي كانت تجثو بجانب غارنو. لكنها كانت تقاوم ضحكة منتشية.
“دعوني أعالجه. سأستخدم قواي المقدسة!”
فورًا، مدّت فاي يدها نحو غارنو، وبدأ نور باهت يتجمع في أطراف أصابعها.
لكن في تلك اللحظة بالضبط—
“لا، لا! ابتعدي!”
اندفعت جيزيل كفرس سباق وقفزت أمام غارنو.
دفعتها بقوة، حتى تراجعت فاي جانبًا من دون مقاومة.
‘لـ… لو استخدمتُ قواي المقدسة فقط…’
لقد كان ذلك مسرحها.
كان عليها أن تعالج الأمر بنفسها.
لكن دوق كالينوس وقف إلى جانب جيزيل كما لو كان يحميها.
وكأنه كان ينتظر ذلك، رمقت جيزيل هينيسي بعينيها، ثم استلمت الجرعة المُعدة مسبقًا.
حتى تلك اللحظة، كانت فاي واثقة تمامًا.
‘لا، لا. لن تتمكن أبدًا من معالجته!’
كانت قد أعطته شايًا قبل بدء المهرجان، ولم تكن تعرف مكوناته الخاصة إلا فاي وحدها.
لكن…
“كح، كح!”
“لقد استيقظ.”
صفق هينيسي بارتياح وكأنه راضٍ تمامًا.
“كما هو متوقع من جرعة عائلتنا.”
“حقًا مذهل! كان من الجيد أننا وضعنا جرعة احتياطية!”
“جرعات عائلتنا عجيبة حقًا. فعالة جدًا، هاهاها.”
‘ما الذي يجري! منذ متى اشتهرت عائلة كالينوس بالجرعات؟!’
رأت فاي أن ملامح غارنو قد استعادت لونها، فعضت على شفتيها بإحكام.
المنصة التي كان من المفترض أن تُظهر فيها قواها، تحولت بشكل غير متوقع إلى مكان لمدح جرعات عائلة كالينوس.
“أشعر بألم مفاجئ في رأسي… ما الذي يحدث؟ يبدو أن الشيخوخة تُسبب النسيان… فاي؟”
حدّقت فاي في جيزيل بنظرة مليئة بالبكاء.
‘كان يجب أن أبدو مذهلة وأنا أُعالجه… لقد أفسدت كل شيء! كل شيء ضاع!’
كانت تخطط لمعالجة غارنو ببراعة ثم التخلص من جيزيل.
لكن…
بفشل خطتها الأولى، أصبحت فاي تشعر بقلق شديد.
كل الأضواء سُلطت على جيزيل وتلك الجرعة الملعونة.
‘فشلت خطتي الأولى، لكن الثانية لن أفشل فيها أبدًا.’
رفعت فاي عينيها إلى السماء.
في هذه اللحظة بالذات، حين يكون القمر في أعلى نقطة.
إذا منحت القوة لهذا الشيء المليء بتعلّق جيزيل، وحطمته…
‘إن نظرت في عيني خصمك، ثم حطمت الشيء المملوء بروحه وتعلقه، ستُفعّل التعويذة.’
قلبها ينبض بسرعة حتى أنها كانت تسمع دقاته في أذنيها، حدقت فاي في جيزيل.
“آنسة فاي، لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
“حسنًا، في الواقع….”
وفي اللحظة التي قالت فيها ذلك، أمسكت فاي بالشيء بقوة حتى أصدر صوت طقطقة.
كانت يدها مملوءة بقواها المقدسة.
‘قِيل لي إنني سأتمكن من الحصول على مكان سيدة منزل كالينوس.’
كان الهدف أمامها.
“كح، كح!”
بدأت جيزيل تسعل دمًا.
رأت فاي دوق كالينوس يُسرع بمنديله ليمسح فم جيزيل، فعضت على أسنانها.
‘هيا، جربي أن يسلب منكِ كل شيء!’
قالتها بنغمة مصطنعة، لكنها أضافت لمسة رقيقة بنهاية حديثها، وهمست بلطف:
“يا إلهي، آنسة جيزيل. هل أنتي بخير؟ ألا يجب أن تدخلي للراحة؟”
غطّت جيزيل فمها بمنديل صغير.
حتى تلك اللحظة، كانت فاي غارقة في النشوة.
كانت تظن أن جيزيل ستنهار قريبًا، تمامًا كما خططت.
لكن….
شعرت بنظرة من مكان ما، وعندما التفتت لترى، وجدت طائرًا أبيض ناصعًا جالسًا على غصن مكسور يحدق بها مباشرة.
‘غريب… لماذا هذا الشعور مألوف جدًا؟’
وفي اللحظة التي رمشت فيها فاي، شاع في قلبها إحساس بأنها تنفصل عن هذا العالم.
ثم، سمعت همسًا هادئًا قرب أذنها.
“الآن يا دوق، يجب أن تطعن القلب مباشرة.”
“ما الذي…؟”
وبينما كانت فاي تتراجع بخوف غريزي…
وقبل أن يتسنى لها التقاط أنفاسها، اخترق سيف الدوق الحاد الهواء بسرعة وشق الفضاء أمام عينيها مباشرة.
التعليقات لهذا الفصل " 94"