الفصل 86
***
مرّ حوالي ثلاثة أيام.
كانت فاي تكتسب الاحترام بهدوء داخل القصر.
كانت تعالج المصابين باستخدام قوتها المقدسة، ويقال إنها كانت تدمع كلما رأت شخصًا يتألم.
وبدأت في تلك المرحلة تظهر أتباع يرقّ قلبهم لمظهرها الضعيف والحنون.
أما جيزيل فكانت…
“آه، نمت جيدًا.”
“الآنسة جيزيل، لقد تجاوزتِ العشرين ساعة نوم.”
“همم… حسنًا، أظن أن الوقت قد حان.”
“عفوًا؟”
“لا شيء، تجاهلي الأمر.”
تمدّدت جيزيل وتثاءبت ثم خلعت ملابسها بخفة.
كانت رودينشا تساعدها في ارتداء الفستان، لكنها توقفت فجأة عندما رأت جيزيل تضع خاتمًا في إصبعها.
“ما هذا، سيدتي؟”
“آه.”
ابتسمت جيزيل ابتسامة خفيفة وقالت:
“خواتم العشرة أصابع التي أهداني إياها الدوق؟”
كانت يدها مزينة بخاتم من الفضة، وخاتم من الياقوت، وآخر من الياقوت الأزرق.
وقد اتسعت عينا رودينشا وكأنها ترى ثمار الحب تتجمع أمامها.
***
وهكذا خرجت جيزيل أخيرًا من غرفتها التي كانت تمكث فيها كالعاطلة عن العمل.
وأثناء تجوّلها في ممرات القصر بعد غياب طويل، راحت تمسّ ذقنها وتتأمل.
‘الأجواء توحي بالتوتر فعلًا.’
وبينما تتمشى بهدوء وهي تتمتم مع نفسها، اقتربت منها فاي بخطوات سريعة بعدما عرفتها من بعيد.
“السيدة جيزيل؟”
“مرحبًا، فاي؟”
“نعم.”
نظرت فاي حولها ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة.
“سيدتي، لماذا لم تخرجي من غرفتك طوال الفترة الماضية؟ لقد اشتقت إليك.”
“أما أنا، فلم أشتق إليك.”
“أ…. أنتِ تكرهينني، أليس كذلك؟ لهذا لم تتناولي فطيرة الزنجبيل التي أعددتها؟”
“همم؟ لا، ليس الأمر كذلك. فاي، هل تكرهين الطفيليات التي تعيش في إحدى مناطق القارة الجنوبية؟”
“ما هذا الكلام؟”
“أنا فقط…. لا أهتم بك أصلًا.”
ردّت جيزيل بلهجة ساخرة وهي تحاول تجاوز فاي.
لكن فجأة، أمسكت يد غريبة بذراع جيزيل بقوة.
“لا ترحلي، سيدة جيزيل.”
كان القبض قويًا لدرجة جعلت جيزيل ترتعش قليلاً.
لكنها نزعت يدها بقوة. ولدهشتها، انزاحت يد فاي بسهولة.
قالت فاي بصوت خافت:
“ستندمين على إهانتك لي، يا زوجة الدوق المزيّفة.”
توقفت جيزيل عن السير، ثم التفتت نحوها.
وسرعان ما احمرّت عينا فاي.
“ه… هه…”
وانهمرت الدموع من عينيها.
عندها فقط بدأت جيزيل تلاحظ أجواء المكان من حولها.
كان غارنو ونيسلان ويوليانا يقتربون من بعيد.
‘آه، لا يصدّق. كم هذا مثير.’
“ه… ههق… هل ترحلين؟”
كانت أكتاف فاي ترتجف، ودموعها تنهمر بغزارة، بينما جيزيل تبتسم ابتسامة جانبية ساخرة.
“كنت أتساءل إن كنتِ قد حسبتِ حسابًا أننا سنمر من هنا.”
عادةً، أنا أتجول في هذا الوقت، العاشرة صباحًا.
وغارنو ونيسلان ويوليانا يخرجون عند العاشرة والثلث، كي لا نلتقي.
ليس هناك سبب واضح، فقط لا أريد تزامن خطواتي معهم.
“مستحيل، لماذا تتهمينني بذلك؟”
“تمثيلك ضعيف.”
وبالفعل، وصل غارنو ونيسلان ويوليانا كما أرادت فاي.
“…. هل تكرهينني إلى هذا الحد؟”
“هم؟”
“أنا آسفة… لن أطمع في رجل السيدة جيزيل بعد الآن.”
“ما هذه القصة المبتذلة؟ السيناريو رخيص وسخيف! من كتب هذا؟”
رغم سخرية جيزيل، لم تتزحزح فاي عن دورها، وظلت تمسح دموعها بشدة.
“حسنًا، سأردّ عليكِ بدوري.”
ردّ؟ أي ردّ؟
ضحكت فاي في سرّها.
لقد رأى غارنو دموعها، وكذلك نيسلان ويوليانا.
وبعد بضع ثوانٍ فقط، سيقتربون أكثر.
ولا يهم إن اختلقت جيزيل أي عذر، أو لو خرجت إشاعة أنها كانت تزعجها، أو حتى أنهما تشاجرتا.
المهم هو أن تنتشر شائعة بأن هذه المرأة كانت تؤذيني.
فاي ستكون البطلة، وجيزيل الشريرة.
لكن جيزيل اتخذت قرارًا لم تتوقعه فاي.
صفعة!
“م… ما هذا؟!”
لقد صفعَتها!
وبيدها المليئة بالخواتم!
فانفجر الدم فورًا من داخل فم فاي.
“هذه الصفعة بسبب أنكِ تجرأتِ على وضع فطيرة الزنجبيل على طاولتي.”
“مـ… ماذا…؟!”
كانت فاي تتوقع أعذارًا أو رد تمثيلي مماثل، لا صفعة فعلية.
“لما لا تردين؟”
رفعت جيزيل يدها مرة أخرى.
صفعة!
هذه المرة كانت أقوى حتى انتفخت خدود فاي.
ألم يكن من المفترض أن تمثّل، أو… أو على الأقل تتفاعل؟ هل تعني أنها ستواصل ضربها أمام الجميع؟!
لكن ابتسامة جيزيل كانت باردة، وهي تحدق بفاي وتحرك رأسها بخفة.
“هذه الخواتم، من الدوق الذي تحبينه كثيرًا. كيف تشعرين حين تُصفَعين بها؟”
عندها فقط فهمت فاي..
“لا يجب العبث مع السيدة الصغيرة.”
“هناك سبب لهيمنتها على القصر.”
“نحن لا نجرؤ على إثارة غضبها.”
وأخيرًا، أدركت معنى تلك العبارات!
كانت تحدّق في جيزيل بعينين متورمتين، لكن جيزيل رفعت كتفيها بلا مبالاة.
“ما الذي تنظرين إليه؟”
“…أ، أنتِ… لِمَ… لِمَ أنتِ شريرة هكذا؟”
“نعم نعم، أنا أشر شخص في العالم، وفاي أطيب واحدة في الكون~”
همست جيزيل بنبرة منخفضة في أذن فاي، وكأنها ترى من خلال روحها.
“أعرف أنكِ تريدين أن تظهري بمظهر ‘الطيبة’ من خلال تشويه سمعتي.”
“…..”
“هل أبدو لكِ كشخص يقلق بشأن ما يُشاع عنه؟”
ابتسمت جيزيل ابتسامة شيطانية.
رغم ملامحها الضعيفة والبريئة، إلا أن القشعريرة التي أثارتها جعلت شعر الجسد يقف.
وفي تلك اللحظة بالضبط، اقترب كل من غارنو ونيسلان ويوليانا بسرعة.
“م، ما الذي يحدث هنا؟”
“أوه، فاي! يا طفلتي!”
تحول الممشى الهادئ إلى فوضى عارمة.
احتضن غارنو فاي بقلق، ثم صرخ في وجه جيزيل.
“أن تضربي فاي؟ لا حد لشروركِ!”
“نعم~! جيزيل دائمًا شريرة~!”
“هاه، إذن هل يمكنني بتأديبكِ أنا أيضًا؟”
لكن جيزيل لوحت له بيدها وهي تبتسم ببشاشة.
“لا يمكن~”
“…هاه.”
“الدوق يكره بشدة أن تؤَنّب جيزيل~!”
ظل كل من فاي ويوليانا ونيسلان يحدقون في الجدل بين غارنو وجيزيل بذهول.
فقد كان كل ما يحدث خارجًا عن نطاق المنطق لديهم.
نظر نيسلان إلى غارنو الذي بدأ يمسك مؤخرة عنقه من القهر، وتمتم بلا وعي.
“كنّتنا قوية جدًا.”
“أنا قلقة في الحقيقة… كم رغبتْ في صفعها، لتنتظرها في الممشى وتفعلها بهذه الطريقة… لا بد أنها كانت تغلي من الداخل. يؤسفني أنني كحماة لم أستوعب ذلك.”
شعر أنها قد تكون على حق بعد سماع ذلك، وبدأ وجه نيسلان يشحب.
“في الواقع، هذا ردّ فعل ضعيف من جيزيل مقارنة بما تستطيع فعله، لذا أنا قلقة….”
لقد مرّت بالكثير، ما يفوق مجرد صفعة.
وأثناء شجار غارنو وجيزيل اللفظي، اقتربت يوليانا قليلاً وحدقت في فاي ببرود وهي توبخها.
“ما بكِ؟ هل تُصفعين هكذا بلا رد؟ يا لكِ من ضعيفة.”
“هـ، هـييييك…”
لكن غارنو، رغم انشغاله في مهاجمة جيزيل، سمع كلمات يوليانا وسارع بحماية فاي.
“لا تتفوهي بكلمة واحدة على فاي.”
“أبي.”
ابتسمت يوليانا برقي وقالت:
“أنا أصبر بالفعل.”
“…ماذا؟”
“يجب أن تكون شاكرا أنني لم أطرد تلك الفتاة حتى الآن، احرص فقط ألا تقترب منّي أو من جيزيل أو زوجي في المستقبل.”
“ي، يوليانا!”
“الناس بلا تربية دائمًا هكذا.”
كلماتها هذه كانت مناقضة تمامًا لما قالته سابقًا عن حبها لكون جيزيل بلا تربية.
فاي، التي تلقت صفعة وإهانة في آن، شعرت بالظلم مضاعفًا وانفجرت بالبكاء..
رأى غارنو ذلك، فمشى بغضب وقال لخادمه المرافق:
“لقد بلغ بي الغيظ مداه، هذا لا يُحتمل.”
“الجد غارنو؟”
“الدوق ذهب إلى اجتماع سياسي، صحيح؟”
“صحيح، ولكن…”
“قبل أن يعود، اطردوها.”
“عفوًا؟”
“اصعد فورًا إلى الطابق الثاني. هذه أوامر من رب العائلة السابق. تخلص من كل متعلقات تلك الشريرة وارمها خارجًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 86"