الفصل 85
***
سحبت اللحاف قليلًا والتقيت بنظرات دوق كالينوس.
كان دوق كالينوس يحدّق بي بثبات.
وملامحه كانت جامدة بشكل مخيف.
“أمم… هل أنت غاضب بسببي؟”
“لا يمكن لذلك أن يكون السبب. لقد غضبت عندما سمعت أنك كنتِ مع تلك التي تُدعى فاي.”
رغم قوله هذا، إلا أن عضلات وجهه بقيت متجمدة كما كانت.
ربما لو كان هناك أحد غيري، لهرب مذعورًا من شدة الخوف.
‘لكن لماذا أشعر بالاطمئنان وأنا أرى ذلك الوجه؟’
كان يحدق بي بنظرة خالية من المشاعر، ثم نادى الخادمة لتسلمه كوبًا.
ربما أعطاني إياه لأهدأ…. لكن….
“بحسب نتائج الأبحاث، هذا هو أكثر شيء فعّال للتهدئة، وهو أيضًا أبعد مادة ممكنة عن (ذلك الشيء).”
“نعم، بالتأكيد ليس له أي علاقة بالزنجبيل.”
الشيء الذي قدّمه لي كان الماء.
حتى في هذه اللحظة، كان يتحدث عن نتائج الأبحاث، ولم أستطع كبح ضحكتي.
‘كنت متوترة، لكن الجو ارتاح فعلًا.’
نظرت إليه وابتسمت له بابتسامة أكثر إشراقًا.
“بفضلك، تحسّن مزاجي. شكرًا لك.”
“……أعتقد أنني أول مرة أسمع أحدًا يقول إن مزاجه تحسّن بسببي.”
“إذًا سأكررها كثيرًا من الآن فصاعدًا. في الواقع، أنا غالبًا ما أضحك بفضل وجودك، وهذا أسعدني.”
رغم أنني فقط أنهيت شرب الماء وألقيت دعابة خفيفة، بدأ وجهه بالاحمرار قليلًا.
“كثيرًا ما، أسعدكِ؟ أنا؟”
“هم؟ أمم… نعم.”
زاوية شفتيه ارتفعت قليلاً، وطرف أنفه احمرّ قليلًا.
لقد رأيت من قبل علامات التوتر عليه، كاحمرار أطراف أذنيه، لكنه الآن…
لكن رؤيته يتجمد تمامًا وكأنه آلة ثم يحمرّ وجهه بالكامل…
‘هذه أول مرة أراه هكذا.’
كأنه لا يعرف كيف يتصرف.
مدّ يده وأخذ الكوب، ثم تمتم.
“المشاعر التي أيقظتِها بداخلي لأول مرة… غريبة جدًا.”
رأيتُه لا يزال متيبّسًا، فابتسمت وأومأت برأسي بلطف.
“وأنا كذلك أراك غريبًا، دوق.”
بعد برهة، جلست بجانبه.
الآن لم يكن وقت المشاعر، بل وقت التفكير بعقل.
‘فاي…’
كان من الضروري التخلص من فاي التي تجرأت على إذلالي بتلك الفطيرة.
ولحسن الحظ، كان بجانبي أقوى حليف يمكن أن أحصل عليه.
“ليس لديك أي نية للزواج من فاي، صحيح؟”
بدأ الاحمرار يتلاشى عن وجهه، وحلّ مكانه برود مخيف.
“حتى لو كان الثمن موتي، فلن يحدث ذلك أبدًا.”
“إذًا، ممتاز.”
بما أنها استخدمت فطيرة الزنجبيل لإهانتي، فالخطوة التالية لفاي ستكون كسب ود عائلة الدوق.
على الأغلب، ستتظاهر بالبراءة والقداسة لجذب الأنظار.
“سأنتقم من فاي.”
“هل من الضروري أن تتّسخ يداكِ من أجلها؟ يمكنني فقط نفيها إلى الأبد.”
لا، لا يمكن.
فاي المريبة لا بد أن لها خلفية تدعمها.
“لديّ بعض التخمينات، لكن يجب أن أتأكد من أنها لن تجرؤ على فعل شيء قذر كهذا مجددًا.”
كيف تجرأت على وضع فطيرة زنجبيل أمامي؟
لن أترك الأمر يمرّ مرور الكرام.
ضغطت أسناني وأنا أحدق بالدوق.
“فقط ساعدني. هل يمكنك إحضار خاتم صغير؟”
“خاتم؟”
“نعم. عشرة خواتم من فضلك، حتى أستطيع ارتداء واحد في كل إصبع.”
***
كما توقعت تمامًا، كانت فاي تحاول جني ود سكان القصر.
حصلت على بعض التعاطف، والآن حان وقت كسب القبول الكامل.
وكان لديها قصة مناسبة لذلك.
أنقذت غارنو من الحمى القاتلة في القارة الشرقية.
ومن الطبيعي أن تُكرّم كمنقذة حياة في قصر كالينوس.
لكن، هذا القصر كان غريبًا فعلًا.
حتى حين تمشي وتتكلم بلطف مع الآخرين، لم تجد ردًا يُذكر.
وحتى حين رتبت لقاء شاي مع بعض الخدم….
“آه، ما اسمكِ أيتها الخادمة؟”
“مورتين.”
“أنا فاي! تعرفينني، صحيح؟ أنا من أنقذت السيد غارنو، ولهذا أنا هنا!”
“آه، فهمت.”
رغم أن الرد موجود، إلا أنه كان باهتًا، مما جعل وجه فاي يحمرّ.
‘أعرف السبب. لا بد أنه بسبب جيزيل.’
لقد انحاز جميع الخدم والخادمات منذ وقت طويل إلى صف جيزيل. كانوا يعاملونها كقديسة.
فغيرت فاي استراتيجيتها.
توجهت إلى المبنى الجانبي حيث يقيم الأطباء والصيادلة والباحثون.
وحاولت نشر شهرتها هناك أيضًا….
“آه، أنتم تعلمون أنني أنقذت السيد غارنو، صحيح؟ بالمناسبة، ما قائمة الغداء اليوم؟”
“أسياخ الدجاج المشوي.”
“واو، رائع. يجب أن أعمل بجد على البحث إذًا.”
بدت فاي ككلب يطارد دجاجة وهربت منه، ووقفت أمام المختبر وشفاهها ملتوية.
“‘فهم أنكم تفضلون جيزيل عليّ، لكن ردودكم الفاترة هذه غريبة فعلًا!’
شعرت بالإحراج، وحاولت مرارًا أن تبرز قدراتها.
“لـ، لماذا؟ ألا تندهشون من كون فاي منقذة حياة؟”
“أمم، لا، ليس كثيرًا. أنجزتِ أمرًا مذهلًا، لكننا رأينا أداء أعظم بكثير.”
“أداء أعظم…؟”
أولئك الذين كانوا غير مبالين منذ لحظة، انفجروا حماسة فجأة.
“نعم! لقد رأيت ذلك بعيني! عندما وضعت السيدة موجي يدها على القلب، استيقظ السيد نيسلان على الفور!”
“آه، أين يمكنني أن أجد السيدة موجي الآن….”
بعد أن هدأوا قليلًا، تحدث أحد الباحثين بجدية.
“منذ أن رأيت ذلك المشهد، بدأت أعتبر السيدة موجي قدوتي في فن الطب.”
كانوا غير قابلين للتأثر بعد ما رأوه.
‘من تكون هذه الموجي على وجه الأرض؟’
كان الأمر صعبًا للغاية.
لكنها لم تستطع التراجع.
يجب عليها أن تصبح زوجة دوق كالينوس.
‘لترسيخ وجودي، لا بد أن أستخدم تلك الطريقة.’
قبضت فاي على قبضتها.
حتى لو تطلّب الأمر قوة زائدة، كان عليها أن توجّه ضربة واحدة حاسمة.
***
“ما ذلك الشيء الأبيض والمستدير في السماء؟”
“يقال إنه كرة من القوة المقدسة التي صنعتها الآنسة فاي.”
“الآنسة فاي تعالج مرتزقا ينزف دمًا تحت تلك الكرة المقدسة!”
وبالفعل، وسط سيل من الضوء الأبيض النقي، كانت خصلات شعر فاي الزهرية تتمايل بخفة.
تُرى، أين أصيب ذلك المرتزق؟
ولماذا كان في الحقول أصلًا؟
حتى قبل أن تنشأ لدي أي تساؤلات، كان المرتزق الذي نزف دمه كنافورة يتلوى ويرتجف بشدة.
حينها رفعت فاي يدها، وأطلقت من أطراف أصابعها قوة مقدسة متلألئة، وشكلت هالة ضوء بيضاء.
هل تكون هذه هي القديسة التي لا نراها سوى في اللوحات التاريخية؟
رؤية المرتزقة ينزفون لم تكن أمرًا جديدًا، لكن رؤية شخص يُشفى من خلال النور، كان مشهدًا يُشبه المعجزة بحق.
“كوه، كوه… كح!”
“لا بأس الآن. فاي عالجته بقوتها المقدسة!”
بين الناس الذين كانوا دومًا أقوياء لا يعرفون الضعف، بدأت موجة صغيرة من الاضطراب بالظهور.
لم يسبق لهم أن رأوا سيدة تبكي كالظباء العاشبة، أو تقلق على شخص ينزف وتعالجه بقوة مقدسة.
كانت فاي، بفستانها الأبيض، تعتني بالجريح بدفء.
حتى عندما تلطخ ذيل فستانها بالدم، لم تظهر عليها أي علامة انزعاج.
“أليست تبدو كقديسة؟”
“لكنها تهدد مكانة السيدة.”
“…لكن، هي لم تقل يومًا أنها تريد أن تصبح السيدة صحيح؟ لا أعلم… ربما كنا نحكم عليها مسبقًا.”
كما أن هناك من يثق بجيزيل أكثر من أي شخص، فلابد أن هناك من بدأ يشعر بالتعاطف تجاه فاي.
وبشكل خاص، أولئك من الفروع الجانبية للعائلة الذين لم يكونوا مقربين من جيزيل، راحوا ينظرون إلى فاي بنظرات راضية.
“تملك قوة مقدسة بالفعل…”
“بلا شك، ستكون فائدة كبيرة لعائلتنا.”
وفاي، التي سمعت كل تلك الهمسات، ابتسمت ابتسامة عريضة.
‘تمامًا كما خططت.’
وفي هذه الحالة، فقد حان وقت الانتقال إلى المرحلة التالية من خطتها.
التعليقات لهذا الفصل " 85"