الفصل 76
***
“أ، أنقذوني! أرجوكم، أنقذوني!”
لم تستطع لاهانا أن تفهم ما الذي يحدث بالضبط.
في اللحظة التي ضغطت فيها جيزيل على الزر، بدأ العالم أمام عينيها يشتعل بلهب هائل.
“لِ، لماذا منزلنا يحترق؟”
“ي، يجب أن نهرب. الآن فوراً. ثم نستدعي ساحراً!”
دَفعت لاهانا والدتها التي كانت تركض بعَرَج، ثم صرخت.
“تَنَحّي عن طريقي!”
لكن مهما ركضت بكل جهدها، لم تستطع الخروج من الممر.
‘ما، ما هذا؟ هل هو وهم؟’
جيزيل، التي كانت تبتسم بتلك البشاشة الغريبة، اختفت في لحظة ما.
ثم…
“أبي؟”
من خلف الباب الذي لا يُفتح إلا لمن يحمل دم العائلة، حيث كان يُخضِع ريويس لغسيل الدماغ، ظهر مركيز سيلينتشيوم في الممر.
نظر المركيز حوله بذهول وسأل باستغراب.
“ما الذي… يحدث هنا؟”
“أنا أيضاً لا أعلم. هذا المستوى من السحر صعب ما لم يكن هناك تنين.”
“من الأفضل أن نُفكّر في الهروب أولاً.”
لو كانت جيزيل قد استخدمت سحر الوهم، لكان طائر السولسي الذي يحمي القصر قد تصدى له.
لكن الغريب أن طائر السولسي لم يكن موجودًا أيضًا.
مرتبكين، أخذوا يركضون بعينين مملوءتين بالذعر وهم يلتفتون في كل اتجاه.
رائحة الدخان الخانقة ملأت أنوفهم وجعلتهم يسعلون بجنون.
“كُح! كُح كُح!”
لم يستطيعوا التمييز بين الواقع والوهم.
وللمرة الأولى، شعرت لاهانا بأن حياتها ربما تكون في خطر حقيقي.
توسعت عيناها بجنون وهي تنظر حولها.
“تَنَحّوا! قلت لكم، تَنَحّوا!”
“لاهانـا!”
“قلت لكم تَنَحّوا! أنا يجب أن أعيش!”
دفعت لاهانا أفراد أسرتها بعنف وأسقطتهم أرضاً وهي تركض بجنون نحو النافذة وتطرقها بقوة.
كان ذلك غريزة النجاة في أبشع صورها.
‘يجب أن أعيش، أنا يجب أن أعيش!’
كانت تحدق من النافذة بشرود، ثم وكأنها أدركت شيئاً فجأة، حاولت فتحها بسرعة.
لكن القصر من الداخل والخارج كان يشتعل بالكامل.
ومن خلف النافذة، ظهر لهم وجه أليسا.
“ابنتي… أليسا!”
بكلمات اختنق بها، بدأ مركيز سيلينتشيوم يذرف الدموع وهو ينظر إلى ابنته التي لطالما تمنى رؤيتها ولو في حلم.
“لماذا فعلتم ذلك؟”
لكن أليسا كانت باردة…
باردة لدرجة تجعل العظام تقشعر من نبرة صوتها.
“…ماذا؟”
“لماذا عذبتم ابني بهذا الشكل؟ لم أكن أرغب في ذلك! لماذا؟!”
تقدمت أليسا إلى الأمام وهي تصرخ من أعماق قلبها، ولمّا رآها المركيز، جلس على الأرض مذهولاً.
“أ، أليسا…”
“بسبب موتي، عذبتم ابني، واحتقرتموه، وغسلتم دماغه… هل تظن أنني كنت سأحب ذلك؟!”
حينها صرخت لاهانا باستعطاف نحو والدها وقد بدأ الذعر يأكل ملامحها.
“أبي! هذا وهم! لا أعلم ما الذي فعلته تلك المرأة، جيزيل، لكنه ليس أختي الحقيقية…!”
صرخت لاهانا بأعلى صوتها.
لكن المركيز وزوجته لم يكونا يسمعانها، فقط نظروا إلى أليسا بفم مفتوح.
فالصورة التي رأوها كانت مطابقة تمامًا لأليسا لدرجة يصعب تصديق أنها وهم.
وفيما كانوا متجمدين في أماكنهم، بدأت ألسنة اللهب تتصاعد وتبتلع القصر بأكمله.
وهكذا بدأت آلام الاحتراق وهم أحياء.
***
تُرى، ما نوع الحلم الذي يعيش فيه أفراد عائلة سيلينتشيوم داخل هذا الوهم؟
رميت من يدي اللعبة التي تظاهرت بأنها مفتاح قنبلة.
‘أعلم أنهم يتعذبون وهم يحترقون، لكنني لا أعرف بالضبط كيف يبدو لهم الأمر.’
نظرت إلى كوكو، الذي كان يرقص بحماس على كتفي وهو في حالة شفافة لا يراه أحد سواي.
“كوكو! (اللعب بالنار ممتع! سأُريهم كابوسًا لا يُنسى، والآن جاء دوركِ لنشر الفوضى!)”
نظرت إلى أفراد عائلة سيلينتشيوم يتلوون على الأرض وهم يتعذبون وضحكت بخفة، ثم قررت تنفيذ المرحلة التالية.
‘أتمنى أن يتذوقوا على الأقل نصف ما مرّ به ريويس.’
لكن لا يزال هناك حاجز أمامي.
الدوق كالينوس بنظارته ذات العدسة الواحدة.
“كل ما فعلتِه هو ضغط الزر، ومع ذلك سقطوا فجأة. صحيح أن الباب انفجر، لكن…”
“آه…”
“ما الذي جرى بالضبط؟ أحتاج لتفسير.”
قلت لرئيسي العزيز بكل احترام.
“لقد استخدمت عليهم سحر وهم عبر مفتاح زائف، سيدي. وقد منحتهم حلماً جميلاً.”
في الحقيقة، زر القنبلة ذاك كان مزيفا.
أنا في الواقع أُجيد السيطرة الكائنات الوهمية، لكنني لم أرغب في كشف هذه الحقيقة، لذا أمسكت بأي أداة عشوائية وتظاهرت أنها أداة حقيقية.
‘طالما أنهم فقط يصدقونني، أليس كذلك؟’
لكن، على عكس أغبياء سيلينتشيوم، فإن الدوق كالينوس أذكى بقليل…
“….حلم جميل، إذن.”
“نعم. على أية حال، لندخل إلى الداخل الآن.”
كان من الواضح أنه لا يزال يشكّ بي.
لكن، هناك شيء أهم من ذلك في الوقت الحالي.
فبعد أن أوقعتهم في كابوس مؤلم، كان عليّ تنفيذ الجزء التالي من الخطة.
“الباب يُفتح الآن. كان هناك طائر وهمي أبيض يُدعى سولسي يحرس المدخل حتى الآن. لكنه طار بعيدًا مع الانفجار.”
“بالفعل، طاقة الحارس قد اختفت.”
لقد كان يتمتع بحس مدهش بالفعل.
نظر إلى الوضع من حوله وقال بتحليل دقيق.
“يبدو أن ريويس بالداخل. فلنذهب ونراه.”
دخلت الغرفة معه بخطى سريعة.
ثم بدأت أقترب منه شيئًا فشيئًا…
ريويس…
كان داخل صندوق صغير يكاد يكون مصممًا على مقاس جسده تمامًا.
لم يكن قادرًا على التفكير في شيء، ولا حتى على التنفس بشكل طبيعي.
كنت أسمع صوت بكاء طفل صغير منكمش داخل صندوق خشبي، ولم أستطع حتى أن أومئ برأسي، بل تجمدت في مكاني.
“…عمي؟”
عندما فتح الدوق باب الصندوق، رفع ريويس رأسه ببطء وهو يبكي داخل حجرة صغيرة تشبه صندوق الحبوب.
ثم التقت عيناه بعيني.
حدّق بي ريويس بعينين واسعتين.
“الأميرة جاءت لتنقذني…!”
“نعم، جئت لأنقذك.”
قلت ذلك بنبرة قوية.
وكان ذلك حين همّ الدوق كالينوس بتفكيك غطاء الصندوق.
عندها، خفض ريويس رأسه مجددًا وهمس بصوت خافت:
“قالوا لي إنني طفل سيئ، لذا يجب أن أفكر كثيرًا داخل هذا الصندوق….”
“ماذا؟”
“جدي قال ذلك. الطفل السيئ يجب أن يُعاقب.”
زفرت تنهيدة طويلة وأنا أرى الطفل يرتجف خوفًا.
عندها، سأل الدوق كالينوس بصوت منخفض:
“يعني، إذا ارتكب شيئًا سيئًا، عليه أن يدخل إلى الصندوق ويفكر في سبب فعله؟ شيء من هذا القبيل؟”
“نـ… نعم…”
“أبدًا لا. أنت لست طفلًا سيئًا!”
وبينما كنت أقول ذلك، فكك الدوق كالينوس الصندوق بسهولة.
ولئلا يفزع الطفل، احتضنته فور خروجه من الصندوق.
“لا ينبغي أبدًا أن تتعرض لمثل هذا الأمر. ريويس يجب أن ينشأ وهو يتلقى الحب فقط، حسنًا؟”
“.…لست متأكدًا.”
“سأعلمك كل شيء، خطوة بخطوة من الآن فصاعدًا. الأشياء الجيدة، والممتعة، وكل شيء.”
رغم نبرة التردد في صوته، أحاط ريويس عنقي بذراعيه بينما كان يخفض رأسه.
“هممم….”
ثم رفعه الدوق كالينوس في حضنه قائلًا:
“لنذهب.”
“قبل أن نخرج، لنجمع أولًا أدلة الفساد.”
كانت هناك غرفة مليئة برفوف الكتب المرتبة بعناية.
ومن ضمنها، وثائق تصف تعليم ريويس وأدلة على سوء المعاملة، وقد جُمعت جميعها بوضوح.
“لماذا لم يتلفوا هذه الأدلة؟”
“يبدو أنهم اعتبروها مستندات ضرورية ليومٍ ما.”
كان صوته يرتجف من شدة الغضب.
“لنأخذها معنا.”
“حسنًا، سأجمع كل شيء. لقد جلبت معي قطعة أثرية ذات مساحة داخلية موسعة.”
أخرجت من جيبي صندوقًا صغيرًا بحجم راحة اليد، وابتسمت بثقة.
‘إنه نفس الصندوق الذي انتزعته من كيما قديمًا لأضع فيه الأرباح.’
حصلت على سجلات عائلة سيلينتشيوم، وعلى كل ما ارتكبوه من جرائم.
بكلمة واحدة، حصلت على كل أسرارهم القذرة.
“حسنًا، هل نخرج الآن؟”
خرجت وألقيت نظرة على أفراد عائلة سيلينتشيوم، الذين كانوا لا يزالون مطروحين على الأرض في الردهة وهم يتقيؤون من أفواههم.
الهلاوس المؤلمة التي عاشها أفراد عائلة سيلينتشيوم، ستظل تطاردهم إلى الأبد.
‘إن كانت كل أيام ريويس السابقة كوابيس، فالهلاوس التي تصور لهم القصر يحترق تُعد مكافأة.’
وعندما تنتهي تلك الهلاوس، سيكونون في السجن، بتهمة إساءة معاملة الأطفال.
‘وبالأدلة التي جمعناها اليوم، سأزجّ بهم في السجن الحقيقي كذلك.’
نظرت إلى لاهانا سيلينتشيوم الملقاة أرضًا والرغوة على فمها، بازدراء، ثم أدرت ظهري.
لقد كانت نهاية نظيفة تمامًا.
“رحلة شهر العسل انتهت. فلنرحل الآن.”
“لم يكن سيئا.”
هممت بإغلاق الباب الذي عاد الآن إلى شكله الطبيعي، ولحقت به.
لكن، في تلك اللحظة، سُمع صوت صرير، وسقط مقبض الباب على الأرض.
‘هذا لم يكن مقبضًا… أهذا حجر؟’
التعليقات لهذا الفصل " 76"