الفصل 74
“إذن، سأفعلها ألف مرة ومئة مرة إن لزم الأمر!”
أمسكتُ بيد ريويس بشدة وطبعت قبلة صغيرة على وجنته.
عندها اتسعت عينا ريويس بدهشة.
“واااو…”
قال الطفل وقد احمرّ وجهه بخجل.
“ريويس، هذه أول مرة يقبّل فيها!”
أشعر بعطفٍ أشد عليه الآن…
نظرت بحذر إلى دوق كالينوس وأومأت له بعيني.
“هيا، افعلها سريعاً.”
نظر دوق كالينوس إلى ريويس وكأن أمامه أصعب معضلة في العالم، ثم قبّله بسرعة على وجنته.
“هيه.”
ضحك ريويس ببراءة، ثم نظر إليّ وإلى دوق كالينوس بالتناوب.
“همم! إذا كانت الأخت وريويس تبادلا القبلة، والآن العم وريويس تبادلا القبلة، فـ…”
“هل ما زال هناك أحد؟”
شعرت بقشعريرة مفاجئة تسري في ظهري. وحين رفعت حاجبي قليلاً، صفق ريويس بفرح وقال بصوت مشرق:
“العم والأخت يجب أن يتبادلا القبلة أيضاً!”
“القبلة شيء…. يفعله الناس الذين يحبون بعضهم فقط.”
“إذًا، أنتما لا تحبان بعضكما؟”
“هذا…. ليس صحيحاً تماماً، لكن…”
لم أكن أعرف كيف أشرح الأمر، فتلعثمت. حينها فكر ريويس بعمق، ثم أومأ برأسه.
“العمم، قبّل أختي!”
نظر إليّ دوق كالينوس كما لو أنه يواجه أعقد مشكلة في حياته، فنفيت الأمر بعلامة X بكلتا يديّ وهززت رأسي بقوة.
فأمال ريويس رأسه باستغراب.
“همم! لا بأس، طالما أن ريويس ونونا يحبان بعضهما، وإذا كان العم لا يحبها، فـ….”
“ما الذي يعنيه هذا؟”
بدأ ريويس يثرثر بحماس، ثم أمسك بيد عمه بإحكام.
“لا شيء! العم لا يحق له تقبيل نونا! وإن أراد، عليه أن يستأذن من ريويس!”
لم أصدق أن دوق كالينوس، الذي ظننته سيتجاهل الأمر، بدت عليه علامات الانزعاج.
“ولماذا عليّ أن أستأذن منك إن أردت تقبيل جيزيل؟”
“لأن أختي ستتزوجني أنا!”
“لا. أنتما لن تتزوجا.”
لماذا هذا الجدل أساساً….
كانا جادين لدرجة أنني لم أستطع التدخل. وفجأة، تلألأت عينا ريويس وابتسم ببراءة.
“هممم، لا مفر! ريويس هو الأمير، ونونا هي الأميرة!”
“….والعم؟”
“العم يبقى عمًا فقط!”
“….”
“عمي، لا تكن غيورًا!”
“….ماذا تعني؟ أنا لا أغار.”
“همم، إذا شعرت بالغيرة، يمكنك تقبيل أختي!”
“هاه؟”
“مرة واحدة فقط، وسأسمح لك أنا، ريويس!”
توجهت نظرات دوق كالينوس نحو خدي، فأسرعت برسم علامة X من جديد.
وبينما كان ريويس يثرثر بحماس، بدأ فجأة يشعر بالنعاس وأغلق عينيه بإحكام.
“إذًا، تصبحون على خير! نلتقي في الصباح!”
يقال إن الأطفال ينامون فجأة بعد الثرثرة، ويبدو أن هذا صحيح.
تنفستُ الصعداء وكأن عبئًا ثقيلاً زال عني.
وحين بدأت أسمع أنفاس ريويس الهادئة….
أدركت فجأة أنني ما زلت ممسكة بيد دوق كالينوس.
فأسرعت بسحب يدي منه وجلست بوضعية رسمية محايدة.
عندها تمتم دوق كالينوس بنبرة اندهاش:
“أنفاسكِ تغيّرت.”
“….هل تزعجك أنفاسي؟”
“لا، بل تعجبني.”
تعجبه؟
ضيّقت عينيّ وبدأت أقيّم المسافة بيني وبينه. رغم وجود ريويس بيننا، لكن لصغر حجمه كنا شبه ملتصقين.
“لم لا تنامين؟ هل تريدين أن أُغني لكِ تهويدة؟”
….أن يتحدث عن التهويدات بذلك الوجه الجاد، أمر يبعث على التهديد أكثر من الطمأنينة.
وبسبب ثقته الغريبة، سألته بحذر:
“أمم، هل سبق لك أن غنّيت تهويدة من قبل؟”
“لم أفعل.”
“إذًا كيف تنوي الغناء لي؟”
عندها مدّ يده لتغطي عيني بلطف وهمس بصوت منخفض:
“الهيدروجين، الهيليوم، الليثيوم، البيريليوم، البورون، الكربون، النيتروجين، الأكسجين، الفلور، النيون، الصوديوم، المغنيسيوم، الألمنيوم…”
“….؟”
“السيليكون، الفسفور، الكبريت، الكلور، الأرجون، البوتاسيوم، الكالسيوم….”
سرد لا معنى له لعناصر الجدول الدوري بطريقة مرعبة.
‘ما هذا… ما الذي أستمع إليه؟’
لكن عندما أصغيت جيدًا، لاحظت أن له نغمة معينة وكأنه يغنيها.
بدأت أفرك ذراعي من القشعريرة التي سرت بي وهمست:
“هل هذه… تهويدة؟”
“بالطبع. التهويدة تُطمئن القلب من خلال إيقاع متكرر، وهذا ينطبق هنا تمامًا.”
“صحيح أن هناك ايقاع… لكن…”
ربما تهدف إلى إيقاظ الصدمة بدل التهدئة.
الظلام كان يملأ رؤيتي بفعل يده التي حجبت ناظري.
وبينما كنت أحدق في يده المغطية لعيني، غرقت في التفكير.
‘بصراحة، حتى لو كان شيئًا عديم الفائدة كهذا، فهو شكل من أشكال التلامس، ولهذا أشعر بالتوتر بعض الشيء.’
رمشت بعيني.
ربما لأن رموشي طويلة، شعرت بأنها تدغدغ راحة يده.
“يدك… ألا تشعر بالدغدغة؟”
كنت سأقول إنني أعتقد أنني أستطيع النوم الآن، وأن بإمكانه إبعاد يده.
“نعم. أشعر بأن قلبي يدغدغ. كأن مئة بذرة هندباء تلامس قلبي في آنٍ واحد.”
“أمم….”
تفاجأت من استخدامه لتعبيرٍ أدبي كهذا، رغم كونه من النوع التحليلي.
لكنني لم أستطع إنكار أن كلماته كانت رومانسية بشكل مفرط.
‘هل فقدت عقلي؟’
أم أنني بدأت أعتاد على طريقته الغريبة في الكلام؟
‘لماذا يبدو وكأنه يبوح بمشاعره نحوي مباشرةً؟’
وحين فكرت في هذا، شعرت وكأن قلبي سقط على الأرض فجأة.
‘هو مجرد رجل مباشر في كلامه. لا أكثر.’
أقنعت نفسي بذلك، وأغمضت عيني بإحكام لأتجنب أن أشعر بأي خفقة.
“يبدو أنك تغطّين في النوم. إذًا، أتمنى لكِ أحلامًا سعيدة.”
وبصوته الهادئ كأن لا شيء يعنيه…
غرقتُ في نومٍ عميق.
***
بالنسبة للبعض، كانت ليلة رومانسية، وبالنسبة لآخرين، ليلة عادية.
كان أفراد عائلة سيلينتشيوم مجتمعين في غرفة صغيرة وسرية، يهمسون بكلمات مريبة.
“لا أفهم لماذا تغيّر ريويس فجأة. إنه يتبع تلك الجيزيل بإخلاص، ولا يصدق كلامنا. هذا غير معقول تمامًا.”
“أنا أيضًا لا أستطيع استيعاب الأمر، عزيزي… حقًا.”
لكن لاهانا وحدها كانت أكثر برودة واتزانًا.
“لكن لا بأس. في النهاية، ريويس خاضع لغسيل دماغنا، أليس كذلك؟”
“لا نعلم كيف أصبح يتبع جيزيل، لكن من الناحية القانونية، من الصعب أن تأخذه منا. لم تتمكن حتى من إيجاد دليل على إساءتنا له، أليس كذلك؟”
تبادلوا النظرات فيما بينهم.
“لا يمكننا أن نسمح لتلك العائلة بأخذ ريويس منا، أبدًا.”
كانت ملامح مركيز سيلينتشيوم مليئة بالحقد والرغبة في الانتقام.
“اسمعيني جيدًا، لاهانا. من هو الذي قتل أختك؟”
“عائلة كالينوس، بالطبع.”
“أخذوا ابنتي التي كانت تعيش حياة طبيعية وسعيدة، وأغووها، ثم لم تمضِ عشر سنوات حتى ماتت.”
همس بصوت خفيض وهو يقبض على كأسه بقوة.
“لن أسامح أبدًا العائلة التي قتلت ابنتي. أبدًا!”
كان ماركين كالينوس، شقيق دوق كالينوس، قد قُتل في معركة ضد الوحوش.
وبعد ذلك، قيل إن إليسا الضعيفة لم تحتمل خبر وفاته، فانتحرت بنفسها.
‘لكن لا يمكن أن تكون ابنتي قد فعلت ذلك. لا يمكن أبدًا!’
إيليسا لم تكن لتغادر هذا العالم فجأة وتترك والدها العزيز. كانت فتاة تسعد بأبسط زهرة صغيرة.
صحيح أنها كانت ضعيفة، وكانت تعتمد كثيرًا على ماركين…
‘من المؤكد أنها ماتت ميتة غامضة على يد تلك العائلة الملعونة!’
غضب مكبوت لا مكان له، تراكم على مدى سنوات طويلة.
كان عليه أن يجد ضحية يفرّغ فيها هذا الغضب، وهكذا بدأ حقده تجاه عائلة كالينوس وریویس.
ولذلك، من أخذوا ابنته، عليهم أن يعطوه كل شيء في المقابل.
بغض النظر عن ما سيكون هذا الثمن…
“السيد سولسي سيخفي كل ما تفعله عائلتنا.”
“بالطبع، كما هو الحال دائمًا.”
***
بالتأكيد، سقطت في نومٍ عميق بفضل دوق كالينوس.
لكن بطريقة غريبة، وبينما رأسي كاد ينفجر من الصداع، عبست في نومي.
“كو. (استيقظي).”
كنت أحاول أن أنام جيدًا، لكن ضوءًا ساطعًا فجأة أضاء أمام عيني. عبست كثيرًا وتمتمت بانزعاج.
“ما الأمر؟ قلت لك أن تبقى شفافًا. لا تظهر أمامي.”
“كو! (قلت لكِ أنني سأكون مفيدًا جدًا! الآن بالذات!)”
بسبب كوكو الذي ظل يثرثر بجانبي، فتحتُ عيني فجأة.
“مهلًا… لماذا الجو موحش هكذا؟”
بفضل الجرعة، أصبحت حواسي أكثر حدة، وأصبحت ألتقط الأصوات المحيطة وأقرأ الأجواء بسهولة.
‘ولكن، لماذا فجأة!’
كان ريويس ودوق كالينوس، اللذان كانا ينامان إلى جانبي، قد اختفيا دون أثر.
التعليقات لهذا الفصل " 74"