الفصل 73
اتخذت جيزيل تعبيرًا باردًا بينما أعادت احتضان ريويس بشكل محكم.
“جيزيل تريد أن تتجول في القصر.”
وفي تلك الأثناء، لم يفهم أحد من الحاضرين ما الذي تفكر فيه جيزيل بالضبط.
لقد أقلقهم معرفتها بشأن المربية والمعلم، لكنها الآن تتحدث فجأة عن التجول في القصر.
ومن بينهم، كان مركيز سيلينتشيوم هو الوحيد الذي حافظ على رباطة جأشه، وكان واثقًا بأن جيزيل لن تملك أي دليل قاطع.
وضع المركيز المنديل جانبًا وتحدث ببرود.
“نعم، سأرشدكِ في الجولة. رغم أنه لا يوجد شيء يستحق المشاهدة.”
كانت جملته تحمل تهكمًا خفيًا مفاده: “ومع ذلك، هل أنتِ متحمسة لرؤية القصر؟”
“نعم، يبدو بلا قيمة.”
وللأسف، لم تكن جيزيل من النوع الذي تنفع معه التلميحات.
شدّت ريويس أكثر إلى حضنها، وهمست له بخفوت وهي تنظر إلى البالغين.
“لا شيء مهم، أليس كذلك يا ريويس؟ لا تقلق.”
وعندما تقدم دوق كالينوس مشيرًا إليهما، أحدثت درعه صوتًا معدنيًا باردًا.
نظرت جيزيل إلى المركيز، وزوجته، ولَاهانا الذين ارتجفوا للحظة بسبب ذلك الصوت.
ثم قالت جيزيل بلهجة مؤكدّة وهي تحدّث ريويس الذي كان يرمش داخل حضنها.
“مقارنة بهذه الأخت، فهم لا يُعتبرون شيئًا يُذكر.”
***
تجوّل المركيز سيلينتشيوم، ولَاهانا، والدوق كالينوس، وجيزيل في الطابق الثاني من القصر معًا.
كانت أشعة الشمس الدافئة تتسلل إلى الممرات بينما كانت جيزيل تسير وتتحدث فجأة.
“قصر سيلينتشيوم جميل حقًا.”
“نعم، فقد بناه أول رئيس للعائلة، وكان ساحرًا بنفسه.”
“أوه، هو من بناه بنفسه؟”
“صحيح. ويُقال بأن طائره الأليف، عصفور الصنوبر الأبيض، لا يزال يحرس هذا القصر. لذلك اتخذناه رمزًا لعائلتنا.”
أصدرت جيزيل صوت “هممم” وسارت بخطى غير منتظمة.
أما دوق كالينوس، فكان يسير بلا مبالاة وهو يحمل ريويس النائم بين ذراعيه.
لم يبدُ عليه أي اهتمام أو غضب.
أما لَاهانا، فكانت تراقب تصرفات جيزيل، وابتسمت بسخرية بينما كانت تراها تدقّق في كل زاوية من زوايا القصر.
‘السبب واضح… إنها تحاول العثور على دليل يثبت إساءة معاملتنا لريويس.’
منذ وفاة زوجة ابنهم الضعيفة، أصبحت عائلة كالينوس ضعيفة أمام سيلينتشيوم.
لكن لا يمكن معاقبتهم دون دليل، لذلك كانت جيزيل تسعى للحصول على دليل ملموس بأي ثمن.
‘لكننا أزلنا كل الأدلة مسبقًا، فلا مشكلة.’
وفوق ذلك، كان لديهم ما يعتمدون عليه بثقة.
“هممم، ما هذا؟”
وصلت جيزيل إلى غرفة في أقصى طرف القصر، وأمالت رأسها.
كان على الباب نقش لطائر الصنوبر الأبيض، وكأنه على وشك التحليق.
كانت أجمل وأفخم غرفة في القصر.
“آه، نعتذر، لكن لا يمكنكِ دخول هذه الغرفة.”
“فقط أفراد العائلة لهم الحق في دخولها، هوهو.”
“آآه، فهمت.”
مدّت يدها نحو المقبض محاولة فتح الباب.
لكنه لم يتحرك إطلاقًا.
تأمل دوق كالينوس الباب وقال بلا مبالاة.
“أحيانًا توجد غرف مخصصة للعائلة فقط، سيدتي.”
“همم، حسنًا. لا بأس إذًا.”
ابتعدت جيزيل بهدوء عن الباب، وأشارت لَاهانا إليه مبتسمة.
“بما أنك اخترتِ قصرنا، عائلة سيلينتشيوم، فعلينا أن نردّ الجميل. سأرشدك إلى غرفة رائعة.”
ثم تمتمت لَاهانا بصوت منخفض وهي تحاول كتم تعبيرها الساخر المعتاد.
“غرفة رائعة بالفعل.”
***
كان ريويس يدور بعينيه حول الغرفة، وكأنها أول مرة يرى فيها غرفة جميلة.
“ريويس هذه أول مرة ترى فيها هذه الغرفة؟”
“نعم! غرفة ريويس كانت بيضاء وبيضاء وبيضاء فقط! لكن هنا….”
“……”
“هنا كبير وجميل!”
رأى دوق كالينوس ريويس يلمع عينيه بدهشة، فشدّ على أسنانه بغيظ.
تحدثت بهدوء.
“ريويس إن بقيت مع الأخت، سنقيم في غرفة أجمل من هذه، صحيح~؟”
“هممم؟ لااا، حتى لو لم تكن الغرفة أحلى!”
أمسك ريويس بطرف فستاني بقوة وصرخ بجدية.
“طالما أنا مع الأخت، فكل شيء بخير!”
“وسأكون معكَ دائمًا، لا تقلق، حسنًا؟”
“نعم!”
شعرت بغصة في حلقي بسبب كلمات هذا الطفل الصغير، فبدّلت ملابسه الى ملابس النوم ثم تمددت على السرير.
كان دوق كالينوس يغيّر ملابسه، وقد التفتُّ إليه للحظة.
حين لاحظني ريويس أنظر إليه، قال:
“هل الأخت تحب الشخص اللي يلبس درعًا؟”
“هممم؟”
“أنتِ تنظرين إلى العم طوال الوقت….”
هل كنتُ أحدق في دوق كالينوس إلى هذا الحد؟
أدرت عيناي نحوه والتفتُّ إلى ريويس.
“والعم أيضا ينظر إليكِ فقط…”
عند كلمات ريويس، احمرّ شحم أذن دوق كالينوس بعد أن أنهى تغيير ملابسه، وقال بهدوء:
“تجنب الحديث الذي قد يُساء فهمه، ريويس.”
لكن ريويس نفخ وجنتيه وأمسك يد الدوق الخشنة بقوة.
“إذًا، لننم نحن الثلاثة معًا!”
“…هاه؟”
“ريويس، والأخت، والعم، ننام معًا!”
“ح، حسنًا. ريويس، أنت تنام في الوسط، حسنًا؟”
تمددت بجانب ليويس، فمدّ يده الصغيرة وأمسك يدي بقوة.
وكان وجهه ممتلئًا بالخجل والحمرة.
“مع العم، و… و… الأخت معًا.”
“هممم؟”
“عندما ننمام الثلاثة معًا، يكون رائعا….”
“بالطبع، إن كان هذا ما يريده ريويس، فكيف نرفض؟ فقط قل ما تريد.”
ثم نظرت إلى دوق كالينوس وتحدثت بنبرة فيها شيء من الحزم.
“استلقي هنا. في هذا المكان بجانبي.”
كان صوتًا حازمًا للغاية.
***
…وهكذا، أنا على اليسار، ريويس في المنتصف، ودوق كالينوس على اليمين.
هكذا استلقينا نحن الثلاثة.
“نظرْتِ إلى ريويس قبل أن تستلقي، صحيح؟ شكرا لكِ!”
ريويس، الذي أمسك بيدي بإحدى يديه وبيد دوق كالينوس باليد الأخرى، وضع يدينا على صدره الصغير.
“تشاان!”
ثم جعلني أنا ودوق كالينوس نمسك بأيدي بعضنا البعض.
شعرت بشيء كالكهرباء فحاولت أن أسحب يدي بسرعة…
“قرأت في كتاب حكايات قديم! عندما ينام الأب والأم والطفل معًا، يفعلون هذا…”
“آه، أريد حقًا أن أمسك اليد. إنه شعور رائع، أليس كذلك؟”
عندما شكّلت بفمي عبارة “قل نعم!” باتجاه دوق كالينوس، أومأ برأسه بلا مبالاة.
“حسنًا. إلى متى علينا أن نبقى ممسكين بالأيدي؟”
“أبقوا أيديكم فوق ريويس، ومتشابكة جيدًا!”
عندما رأيت ريويس يبتسم كاشفًا عن أسنانه الأمامية، شعرت بانقباض في قلبي، فتعمدت أن أضغط على يد دوق كالينوس بقوة أكبر.
“حسنًا، سأبقى ممسكةً بيدك حتى أموت.”
“…….”
نظر إليّ دوق كالينوس بطرف عينه، ثم أعاد نظره إلى ريويس.
ربما كان يزعجه الإمساك بيدي، لكن علينا البقاء كذلك حتى ينام ريويس.
‘أشعر وكأن النبض يخفق من اليد.…’
ريويس، وهو يضحك بخفة، بدأ يغفو بينما يومئ برأسه.
شعرت بخفقات في قلبي.
“أختي، لا تذهبي الى أي مكان…”
“أجل، لن أذهب إلى أي مكان.”
حتى وهو ينعس، ظل ريويس ينظر إليّ.
‘قلبي يؤلمني…’
توفي والدَا ريويس عندما كان صغيرًا لدرجة أنه لا يتذكرهما.
كم يا ترى كان يفتقد دفء البشر، وهو محاط بأقارب لا يشبهون البشر؟
“آه، كم أنت جميل.”
“هذه أول مرة أسمع ذلك.”
“لا، لمَ لا تسمع ذلك؟ من المؤكد أن والديك كانا يقولان مرارًا كم أنت جميل، يا ريويس.”
“.…لا. لم يكونا كذلك. هما لم يحبان ريويس، لذا اختفيا.”
لم أستطع قول أي شيء عندما سمعت ريويس يقول ذلك.
فقط حركت شفتي بصمت، فأغمض ريويس عينيه بإحكام وترك فمه مرتخيًا.
“أتعرفين، قرأت في كتاب حكايات، أنه من الطبيعي أن تكون العائلة معًا!”
“……هممم.”
“لكن ريويس لا يمكنه ذلك.”
“ها؟ لماذا؟”
“ريويس طفل سيء. لأنه وُلد، ماتت أمه، لذلك ربما لا يمكنه البقاء طويلًا مع الأخت أيضًا….”
“من هذا الذي قال هذا الكلام الحقير-؟ عفواً، من الذي قال هذا؟”
قال ريويس بصوت منخفض بينما رمش برموشه.
“الخالة لاهانا قالت ذلك…”
اندفع إليّ شعور بالغضب العارم، رغبة مجنونة في إعدام تلك الـXX الحقيرة التي آذت هذا الطفل الصغير اللطيف.
“الأخت ستبقى مع ريويس طويلًا جدًا، وسنكون سعداء معًا.”
“نعم! ريويس بخير الآن. هو مع نونا ومع العم!”
ضحك ريويس وهو يرمش بعينيه.
هل كان مرهقًا بعد رحلة طويلة؟ بدت قطرات من النعاس تتدلى على أطراف عينيه.
“ريويس يريد أن يفعل شيئًا أخيرًا قبل النوم…”
“همم؟”
احمرّ خد الطفل الممتلئ الطري.
“مثلما في كتب الحكايات، قبل النوم…”
كان ريويس يتحدث بحماسة كطفل بريء، ثم فجأة خفَت نبرة صوته وانحنى رأسه بتردد.
ثم هز رأسه نافيًا وقال:
“…لا، لا شيء.”
أملت رأسي باستغراب.
لماذا هذا التعبير المليء بالاستسلام؟
ما معنى “مثلما في كتب الحكايات، قبل النوم”؟
بدأ عقلي يعمل بسرعة، متذكّرةً تجربتي في حياتي السابقة كمن يقرأ القصص للأطفال كعمل جزئي.
‘آه، فهمت الآن.’
راقبت ريويس وهو يرفع رأسه بحذر.
ثم نظرت في عينيه الصغيرتين وابتسمت.
“أنت تريد قبلة تصبح على خير، مثلما في القصص، قبل النوم، صحيح؟”
عند كلمتي، احمرّ وجه ريويس مثل الفجل وقال بهمس خجول:
“نعم! ل، لكن…”
ثم قال بصوت أضعف:
“ريويس بخير. إذا لم تريدي، فلا بأس… ك، كنت فقط أجرب أن أقولها!”
كل ما يريده هو قبلة صغيرة كما يفعل الأب أو الأم.
هل يُفترض أن يبدو بهذه الهيئة المنكسرة وكأنه يُطلب منه ألا يُكره؟
لسببٍ ما، بدت كتفاه أصغر من ذي قبل.
التعليقات لهذا الفصل " 73"