المبلغ كان هائلًا، كما يسبق أن رفض أحد أوامره حتى الآن.
لم يكن قد لجأ إلى التهديد قط، بل كان دائمًا يقنع الآخرين من خلال خلق ظروف سلسة..
كان لديه نوع من الفخر بقدرته على النجاح في الإقناع، وذلك بفضل اقتراحاته المنطقية دائمًا..
“افعلها.”
“نعم!”
“وهذا أيضًا.”
“أجل! تلقيت الأمر، سـيدي!”
مسح ذقنه وسرح في التفكير..
‘ما المشكلة هذه المرة؟’
“لقد، أنت عالق في التفكير مجددًا. ما موضوع بحثك هذه المرة؟”
“الزواج.”
“هل، هل يعني ذلك أنك، وقعت، في الحب، حينها…؟”
في اللحظة التي فتح فيها المستشار فمه، كان الدوق كالينوس غارقًا في أفكاره..
مهما فكّر في الأمر، كانت جِيزيل المرشحة المثالية للزواج.
‘… ستعود إليّ، أليس كذلك؟’
ولكن نظرتها جعلته يشعر بالحيرة..
‘إنها تثير فضولي.’
لم يكن بارعًا في تحليل مشاعر الناس، لذا قرر اللجوء إلى الكتب مجددًا للعثور على إجابة..
“سمعت أن كسب الأشخاص الموهوبين يتطلب السعي خلفهم ثلاث مرات على الأقل. ورد ذلك في الصفحة 3050 من دراسة الأسئلة والأجوبة للحياة الاجتماعية السليمة.”
“متى حفظتَ ذلك أيضًا…؟ حسنًا، مفهوم.”
… متى ينبغي أن يذهب لرؤيتها مجددًا؟
مع شعور غريب بعدم الارتياح، بزغ صباح اليوم التالي.
وفي تلك اللحظة، أدرك السبب الذي جعل جِيزيل لا توافق على طلبه فورًا..
“سيدي الدوق! لقد عاد الكونت فلوريت من رحلته البحرية بعد خمس سنوات!”
“ماذا؟”
الكونت فلوريت، والد جِيزيل بالتبني، الذي كان الجميع يتوقع موته، قد عاد..
وليس هذا فحسب…
“وردت أخبار أنه عاد ومعه إرث نفيس، كان الكونت سيهيرا قد فقده!”
إرث الكونت سيهيرا، الساحر العظيم ووالد جِيزيل الحقيقي!
***
بمجرد أن سمعت ماريبوسا بعودة شقيقها الكونت فلوريت، جرّتني من الخزانة..
ثم أعدّت لي غرفة على عجل، وسكبت جرعة منومة سرًّا في كوب شايّ.
لكنني لم أشربه، فانتهت المحاولة بالفشل، إلا أنها أثارت استيائي بشدة.
‘في الماضي، تلك المرأة استغلت غيابي أثناء النوم لتستولي على الحديث مع الكونت فلوريت.’
كانت تخبره أنني لا أستطيع التأقلم مع هذه العائلة، وأنني أرغب في الرحيل.
ثم حرّضته ليمنحني منزلاً صغيرًا ويطردني.
وهكذا، لم أملك حتى فرصة للدفاع عن نفسي، وخرجت من المنزل مفلسة تمامًا!
‘لكن هذه المرة، أعتزم التقرب من الكونت فلوريت.’
في حياتي السابقة، جاء أبي بالتبني في النهاية إلى قبري نادمًا.
اعتذر لي عن معاملته الباردة طوال تلك السنين..
‘لكنني لا أصدقه. لو أراد الاهتمام بي حقًا، لكان بإمكانه ذلك منذ البداية.’
لم أعد أرغب في التعلق بالناس أو منحهم مشاعري.
ولكن…
‘على الأقل، كان الكونت فلوريت الشخص الوحيد الذي اعتذر لي.’
بما أنه القوة الحقيقية في هذه العائلة، فهناك احتمال لإصلاح علاقتنا.
‘لو تمكنت من كسبه إلى جانبي، فسأضمن بقائي في المستقبل.’
تحت أشعة الشمس الدافئة، مشيت ببطء نحو نافورة تريفي الخاصة بعائلة فلوريت..
“ها! كيف تجرؤين على الوجود هنا أمام النافورة وأنتِ معاقَبة؟”
“وهل هذا من شأنك؟ الجو جميل.”
“اختفي من أمامي.”
لكن رغم كلماته، لم يجرؤ آبيسان على الاقتراب مني.
‘تمامًا كما هو متوقع، شخص ضعيف أمام الأقوياء وقوي أمام الضعفاء.’
رغم أنه كان يضخ أموالًا إلى الأكاديمية كل عام، فإنه لم يستطع تجاوز دائرة السحر الأولى..
ومع ذلك، كان يتفاخر دومًا بأنه سيصبح ساحرًا عظيمًا.
‘ورغم ذلك، لطالما كان ينظر إليّ بازدراء. لأنه على الأقل كان يملك ما يكفي من المانا للالتحاق بالأكاديمية، بينما لم يكن لدي أي مانا على الإطلاق.’
رمقتُ المكان بنظرة ساخرة.
في حياتي السابقة، كانت هذه الساحة هي مسرح اللقاء المؤثر بين الكونت فلوريت وأبيسان..
في الرواية الأصلية، استعان أبيسان بمساعدة ماريبوسا لاستخدام مجموعة من الأدوات السحرية لإنتاج ضوء خافت بالكاد يلمع.
وبمجرد أن رأى الكونت فلوريت ذلك الضوء، غمره السرور وأثنى عليه بحرارة..
“أريد صنع قوس قزح أيضًا. باستخدام سحر الضوء.”
“أنتِ؟ سحر؟ بلا مانا؟ هل تخططين لاستخدام أداة سحرية مجددًا؟ أين هي؟ أعطيني إياها.”
كانت الشائعات حول عدم امتلاكي مانا منتشرة في المجتمع الأرستقراطي.
رفعتُ يديّ وهززتُ كتفيّ بلا مبالاة.
“مَن يعلم~؟ ليس لدي أي فكرة.”
كان سحر الضوء مقتصرًا على قلة مختارة من السحرة الذين يتمتعون بمانا نقية بدرجة استثنائية..
“إذن، أبيسان. هل تراهن معي؟”
“رهان؟ على ماذا؟”
“لنتنافس، أنت وأنا، ونرَ من منا أكثر براعـة في السحر.”
“…هاه، ولكن بدون استخدام تلك الأدوات السحرية اللعينة، صحيح؟”
“نعم، بدون الأدوات السحرية.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة..
“إذًا، تريدين أن تتلقّي درسًا قاسيًا على يديّ؟ يا لكِ من حمقاء.”
“آه، يا سمكة البَلَم. لا أسمع ثرثرتك. حسنًا، إذا كنتُ أفضل منك في السحر…”
(سمكة البلم نوع من الأسماك يعيش في المياه العذبة والمالحة في كوريا، استخدم فالسياق كإهانة تقريبا)
“سمكة بَلَم؟ مالذي تتحدثين عنه؟”
“إذا كنتُ أفضل منك، فستركع وتتوسل لي. مفهوم؟”
***
“يااااه، لا أصدق! أخي! لقد مرّت خمس سنوات كاملة!”
رغم أن ماريبوسا، الأخت الصغرى، ركضت نحوه والدموع تملأ عينيها، فإن الكونت فلوريت ظل جامد الملامح، لا يبدي أي اهتمام..
“ماذا عن القصر؟”
“اعتنيت به جيدًا، بالطبع!”
“أقدّر لكِ اهتمامك بإدارة شؤون العائلة أثناء غيابي.”
“أوه، أخي العزيز! هذا أقل ما يمكنني فعله!”
“ماذا عن أبيسان وجِيزيل؟”
“أوه، لا تقلق! لقد حرصتُ على تربيتهما وتوجيههما كما ينبغي.”
نظر إليها بصمت..
خلال رحلته، كان قد ترك شؤون العائلة الخارجية تحت إدارة مجلس الشيوخ، لكنه الآن علم أن ماريبوسا أشرفت على الشؤون الداخلية والاجتماعية بكل دقة.
كان ممتنًا لها على ذلك، لذا، خفّ توتر عينيه قليلًا.
“يبدو أن الطفلين بخير. سأذهب لرؤيتهما أولًا.”
نهض ممسكًا بالعقد، أحد مقتنيات الكونت سيهيرا.
تبِعته ماريبوسا، متظاهرة بالدلال وهي تقول:
“أبيسان سيكون عند النافورة. أما جِيزيل، فهي كسولة جدًا وتحب الزوايا، لذا غالبًا ستكون نائمة داخل الخزانة.”
“…هكذا إذن.”
“نعم، بالطبع!”
‘لم أكن أعلم أن جِيزيل تحب الاختباء في الخزائن.’
راقبت ماريبوسا تغير تعابيره باهتمام. لم يكن شقيقها يظهر مشاعره أبدًا، لكنه الآن بدا مختلفًا قليلًا..
وبعينين متألقتين، سألته:
“بالمناسبة، أخي! ذلك العقد… أي نوع من الأدوات السحرية هو؟”
لكن جوابه جاء باردًا على الفور..
“ماريبوسا، هل أنا ملزم بإخباركِ؟”
“…لا، طبعًا لا. بالتأكيد لست كذلك!”
وفي اللحظة التي وصلوا فيها إلى نافورة تريفي، رأى الكونت فلوريت مشهدًا ساحرًا..
كانت هناك هالة مضيئة رائعة تتدفق من السماء.
وفي الوقت ذاته، انفجرت مياه النافورة القديمة، المنحوتة عليها تماثيل ملائكة صغار، في مشهد مبهر.
انعكس الضوء على المياه، مُشكّلًا قوس قزح مذهلًا.
“آه، ما أجمله! انظر إلى هذا القوس القزح!”
“إنه قوس قزح مذهل. هذه الهالة النقية… لا بد أن مانا مُلقي هذا السحر خالصة تمامًا.”
لم يرَ مثل هذا القوس القزح من قبل سوى مرة واحدة فقط—عند الكونت سيهيرا، صديقه القديم..
وفي اللحظة التي كان يتأمل فيها المشهد، وضعت ماريبوسا يدها على فمها وهمست بدهشة:
“يا إلهي… يبدو أن ابني النبيل قد أبدع أخيرًا!”
“مذهل. هل هذا نتيجة سنوات من التدريب؟”
“بالطبع! ابني وريث جدير بعائلة فلوريت!”
لكن… كلما اقتربوا، زاد شعور الكونت فلوريت بأن هناك خطبًا ما..
“…أبيسان؟”
“أ… أمي!”
كانت عينا أبيسان ممتلئتين بالدموع..
نظرت ماريبوسا إلى الجهة المقابلة له، مصدومة.
“ج- جِيزيل؟”
كانت تلك الهالة المضيئة، وذلك القوس القزح النقي الذي غلّف نافورة تريفي، ينبعثان من أطراف أصابع جِزيل.
شعرها الفضي اللامع تألق تحت ضوء الشمس، ولوّحت بيدها قائلة بابتسامة ساخرة:
“يا إلهي، أليس قوس المطر هذا جميلًا؟ صحيح، أبيسان؟”
التعليقات لهذا الفصل " 7"