الفصل 69
#الفصل 16: ريويس كالينوس
“إذاً عليّ أن أستعد.”
لكن قبل ذلك، كان عليّ أن أتخلص من هذه المناديل الملطخة بالدم.
بعد أن مشيت طويلاً أبحث عن مكان لأخفيها، وصلت إلى غرفة الغسيل في أطراف القصر.
‘جيد، هذا المكان مناسب.’
ابتسمت بخبث وأنا أتفحص المكان من حولي.
‘هل أخفيها هنا؟’
لكن في تلك اللحظة بالضبط…
“…أوه؟”
…اللعنة، التوقيت سيء، يبدو أن أحدهم قادم.
استدرت محاوِلة أن أقطب وجهي قدر الإمكان لأبدو كشخص شرير…
“م-ملاك…؟”
…لكن حين سمعت ذلك الصوت في أذني، رسمت بسرعة ابتسامة مشرقة على شفتيّ.
وتظاهرت بأنني ملاك.
لأن الذي كان أمامي طفل بعينين واسعتين وخدين محمرّين!
بشرته ناصعة البياض، ويداه الصغيرتان المتسختان بالتراب، وشعره الأشقر وعيناه الزرقاوان… لم يكونوا من هذا العالم.
لقد كان ملاكاً صغيراً شديد الجمال.
‘هل يعقل أن يكون لدى دوق كالينوس الشرير ملاك صغير كهذا؟ بل ويكون موجوداً قرب غرفة الغسيل؟’
ذلك الطفل اللطيف والرائع بدأ يتمتم بشفتيه الصغيرتين:
“أنتِ أيتها الأخت… خادمة؟ هل أتيتِ حديثاً؟”
يبدو أن الأخبار لم تصله بعد.
ربما يظن أنني خادمة؟
‘مع أنني أرتدي اليوم فستاناً جميلاً جداً. هل ترتدي الخادمات مثله؟’
أم أنه لم يتعلم بعد التمييز بين الفساتين؟
نظرت إلى الملاك الصغير الذي كان يحدق بي بعينين لامعتين، وهمست له بصوت خافت.
بأنني لست خادمة، بل سيدة هذا القصر.
“…كيف يمكنني مساعدتك، أيها الزبون الصغير؟”
مهلاً، لحظة فقط. فمي قال شيئاً ودماغي كان في مكان آخر!
يبدو أن عقلي اللاواعي تفعّل بفعل خبرتي الطويلة في الوظائف المؤقتة.
شعرت وكأنني عدت إلى أيام عملي في مدينة الملاهي وأنا أدير سيارات التصادم للأطفال.
وبينما أنا أعضّ لساني بضيق، تمتم الطفل وقد بدا أنه مقتنع بأنني خادمة:
“واو… أختي الخادمة! ح-حقاً أتيتِ! أمنيتي تحققت!”
لم أكن أعلم عمره بدقة بسبب صغر حجمه، لكنه بدا في حدود الخامسة من عمره، ونطقه كان غير واضح.
“أوه، آسف. كلامي غريب….”
لا، ليس كلامك، بل الموقف كله غريب.
بدأت أشكّ أنه ربما ابن أحد الخدم، بسبب خضوعه وخجله.
رغم أنني أعرف أن بيت دوق كالينوس لا يشغّل الأطفال، لذلك ربما هو ابن أحد الخدم.
نسيت تماماً أمر المناديل، وركّزت على الطفل أمامي.
لكن….
‘لماذا يده مليئة بالجروح؟’
ربما لاحظ أن نظري توجه نحو معصمه.
فأخرج زجاجة صغيرة من جيبه.
‘ما هذا؟ هل هي… جرعة سحرية؟’
“أنا… لست طفلاً سيئاً! ولا أشعر بالألم حتى ولو أخذت واحدة فقط!”
ومع انسياب الجرعة، بدأت الجروح على معصمه تختفي تدريجياً.
أغمض الطفل عينيه بإحكام، وهو يهمس بصوت خافت وسط الألم:
“أ-أنا أتصرف كـطفل طيّب جدًا!”
ربما بفضل سنواتي الطويلة في الحياة الاجتماعية…
أصبحت بارعة في قراءة الأجواء.
‘ما القصة هنا؟’
لا أعلم من هو هذا الطفل تحديداً، لكنني أشتمّ رائحة قضية مريبة.
قررت أن أبدأ بالتحقيق في هوية هذا الطفل ذي الشعر الذهبي والعينين الزرقاوين.
بالتأكيد ليس طفلاً عادياً، الملاك الصغير كان يحدق بي وهو يتمسك بأطراف كمّي.
“ما اسمك؟”
هزّ رأسه بالنفي.
“هل تحب الطعام؟”
هزّ رأسه مجدداً.
كان يحدق بي بقلق واضح وهمس بصوت خافت:
“أ-أنا… في الحقيقة، لا يُفترض أن أكون هنا…”
“هم؟ لماذا؟”
“يجب أن أختبئ فقط في الغرفة. لا يُفترض أن يروا وجهي. ولا يُفترض أن أتكلم أيضاً!”
“أيها الصغير، هل تسللت إلى هنا خفية؟”
كأنه كان سيهز رأسه، لكنه تمتم:
“أنا أختبئ هنا. عائلتي… لا تحبني…”
شعرت بألم في قلبي حين رأيت كتفي الملاك الصغير ينحنيان.
شعره الذي بدا كأنه منسوج بخيوط الذهب كان يتطاير مع الريح. غرقت في التفكير وتوقفت فجأة.
وفي تلك اللحظة…
سمعت صوتاً حاداً كأنه ينادي.
“سيدي الصغير!”
….سيدي؟
اختبأ الطفل بسرعة خلف ظهري.
اقتربت امرأة ترتدي فستاناً أنيقاً وهي تعقد حاجبيها بقلق.
“هل رأيتِ طفلاً صغيراً هنا؟”
كانت تنظر إليّ بنظرة متعالية قليلاً.
‘هل الإهانة شيء ملازم لي في هذا العالم؟’
هل ما زلت عالقة في هذه الرواية اللعينة؟
“لماذا؟”
“آه، كنتَ هنا. هيا نذهب! نحن مشغولون!”
نظرتُ إلى يد الطفل التي كانت تمسك بطرف فستاني وترتجف.
كلما اقتربت نظرات تلك المرأة من الطفل، ازداد ارتعاشه. يبدو أنه يخافها.
لو تصرفتُ معها بلطف وأدب، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الطفل أكثر.
“لا أريد.”
ارتسمت على وجهها ملامح انزعاج واضحة.
ربما لم تعتد سماع مثل هذا الرد من أحد داخل طبقة النبلاء.
تظاهرت بأنني امرأة مشاكسة وتقطبت جبيني عمداً. فقالت بحدّة:
“أنتِ حتى لا تعرفين من يكون هذا الطفل.”
صحيح، لكنها لا تعلم أن الأشخاص المزعجين لا يتأثرون بالكلام المنطقي.
“وماذا في ذلك؟”
“إنه من سلالة عائلة كالينوس!”
“آه، هذا جيد إذن.”
“ماذا….؟”
أمسكتُ بيد الطفل الصغيرة بقوة.
اتسعت عيناه من الدهشة. لكنني نظرت إليه بعينين دافئتين، أردت إيصال الطمأنينة إليه.
“يبدو أن المعلومات تصل متأخرة عندكم. سأتولى أمر هذا الطفل. آه، بالمناسبة….”
لو كان هذا الطفل حقاً من سلالة كالينوس…
وإن لم يكن ارتجاف هذا الطفل في كل مرة تلتقي بها نظرات تلك المرأة به مجرد صدفة…
‘الحقيقة أن المشاغبين الحقيقيين لا ينهون الأمر من أول ضربة.’
المرحلة الأولى: تسأل الموظف عن اسمه عند ارتكابه لخطأ بسيط. الهدف هو جمع المعلومات عنه.
المرحلة الثانية: تتجاهل أخطاءك وتضخّم أخطاء الطرف الآخر، وتنشرها على الإنترنت.
وفي هذا العالم، يُمكن نشرها كـإشاعة.
المرحلة الثالثة: تلعب دور الضحية بدرجة مبالغ فيها.
المرحلة الرابعة: في النهاية، تفسد الرأي العام وتُجبر المحل على الإغلاق.
هكذا يُعدّ سيناريو المعتوهين بدقة على أربع مراحل.
‘نبدأ أولاً بتفعيل المرحلة الأولى.’
“ما اسمك؟”
هكذا يتصرف المعتوه دائمًا.
يبدأ بجمع المعلومات أولًا.
نظرت المرأة إلى الطفل بتعبير ممتعض وهمست:
“لاهانا سيلينتشيوم. أنا نبيلة. وأنتِ؟ تبدين كأنك سيدة من عائلة نبيلة، لكن كيف عبرتِ باب آل كالينوس؟”
يبدو أنها بدأت تتجاهل آداب التخاطب بسبب غضبها.
أملت رأسي بتفكير.
‘عائلة سيلينتشيوم، أليس كذلك؟’
شقيق دوق كالينوس الراحل، ماركين كالينوس.
وزوجته الراحلة، إليسا، كان اسم عائلتها قبل الزواج سيلينشيوم.
كانت عائلة سيلينتشيوم عائلة فقيرة، لكن ماركين الذي أحب إليسا من النظرة الأولى، أصر على الزواج بها.
وبفضل استثمارات آل كالينوس، ازدهرت العائلة بسرعة.
‘وقد قيل إن طفل ماركين وإليسا يعيش لدى آل سيلينشيوم، على ما أذكر.’
إذن، هذه الشقراء ذات العينين الزرقاوين، على الأغلب أخت إليسا سيلينتشيوم.
“ريويس! لقد تدحرجت وسط الغبار مجددًا ويجب أن تستحم! ولا توجد خادمة حتى… أسرع وتعال فورًا!”
ريويس كالينوس.
وريث آل كالينوس، ويُقال إنه يُربى لدى عائلة أمه. رغم أن السبب الدقيق غير معروف.
‘على كل حال، هذا ليس من شأني الآن.’
الأهم أن هذا الطفل الصغير خائف من تلك المرأة.
قلت وأنا أميل رأسي بازدراء:
“أنتِ مزعجة.”
“م-ماذا؟ ماذا قلتِ للتو؟”
“سآخذ هذا الطفل معي.”
“هل تدركين أنك تختطفين نبيلاً؟”
أجبتها ببرود:
“اختطاف؟ أنا فقط آخذ الطفل لدوق كالينوس شخصيًا.”
“ماذا…؟ ومن تظنين نفسك؟”
قلت وأنا ممسكة بيد الطفل:
“ليس هناك سبب يجعلني أخبرك.”
قبضت على يد الطفل المرتجفة بقوة، وهتفت بثقة:
“هيا، صغيري! لنذهب!”
التعليقات لهذا الفصل " 69"