الفصل 68

كانت ترتدي فستانًا أحمر صارخًا من الرأس حتى أخمص القدمين.

قبعة مزينة بريش أحمر، حذاء أحمر، وحتى القفازات كانت حمراء.

ومع ذلك، لم يكن ذلك اللون الأحمر يبدو غريبًا على الإطلاق.

بل على العكس، فقد انسجم انسجامًا تامًا مع الألوان الزاهية الرائجة حاليًا في المجتمع المخملي.

‘صحيح أن لون ‘سيلستين الأخضر’ هو الأجمل والأزهر بين درجات الأخضر، لكن أكثر الألوان لفتًا للنظر يبقى الأحمر دائمًا.’

فمجرد وجودها بحد ذاته، بلون أحمر قانٍ، زاهٍ ومترف، كان كافيًا ليتفوق على أي لون آخر.

حتى السيدات الأخريات في مجموعة “موتو”، اللواتي كنّ متأنقات بفساتين خضراء من تدريجة “سيلستين”، شحب لون وجوههن.

‘هذا الشعور، إنه تمامًا…’

‘نعم، تمامًا كما لو كنا وصيفات الشرف في حفل زفاف!’

نهضت شيربل المرتبكة بسرعة لتقود كوردليا إلى المقعد الرئيسي.

“تشرفت بلقائكِ.”

“تـ، تشرفت بلقائكِ، الآنسة كوردليا.”

“أعتقد أن الجميع كان ينتظر هذا اللقاء في ‘موتو’ بلهفة شديدة.”

سواء أحرجت كلماتها المباشرة السيدات أم لا، واصلت كوردليا الحديث دون مبالاة.

“وأنا أيضًا كنت متحمسة جدًا لهذا اللقاء….”

قالت كوردليا بنبرة خفيفة، وكأنها تهدم بسهولة ما بناه المركيز بيرتو.

“لابد أنكن تتساءلن لماذا أتيتُ بهذا الفستان الأحمر الصارخ.”

“الآنسة كوردليا، إن أردتِ الصراحة، نعم. لقد وضّحنا رمز اللباس في بطاقة الدعوة.”

عندها قالت كوردليا شيئًا لم يستطع أحد الرد عليه.

“التنين يفضل الألوان النارية.”

قالت ذلك وهي تلاعب الخاتم الروبي في إصبعها.

“من المؤسف أن يتم الاستغناء عن اللون الذي اختارته مجموعة ‘موتو’، لكن لهذا الموسم الاجتماعي، أفضل أن يكون اللون الأحمر هو اللون الرائج.”

كوردليا، الابنة الصغرى النبيلة لعائلة إنفيرنا الدوقية، كانت سيدة يُحسد عليها الجميع.

ورغم أنها كانت غائبة لبعض الوقت بسبب إقامتها في الخارج، إلا أن تأثيرها في المجتمع لم يكن بسيطًا.

لكن، لو كان ذلك هو كل ما في الأمر، لكان يمكن لـ “موتو” أن تتجاهلها بصعوبة.

غير أن كوردليا ذكرت شيئًا آخر… شيئًا لم يمكن تجاهله: التنين.

وجود تنين لا يقتصر تأثيره على المجتمع المخملي فقط.

فالتنين العظيم مخلوق قوي، يمكن أن يصبح قوة قتالية تضاف إلى جيش الإمبراطورية.

“أعتقد أنكن فهمتن قصدي الآن.”

لكن، إن أصبح اللون الأحمر هو الرائج في المجتمع، فسيفقد “سيلستين الأخضر” بريقه.

‘لا، علي أن أتماسك. يمكنني التغلب على هذا بطريقة ما.’

لكن عزم شيربل، التي شحب وجهها فجأة، تلاشى سريعًا، فالوضع لم ينتهِ بعد.

ابتسمت كوردليا وأضافت:

“آه، وكدت أنسى. هناك أمر آخر أردت الحديث عنه. عن ذلك الرسام الشهير الذي يستخدم ‘سيلستين الأخضر’ في لوحاته.”

“…عفوا؟”

“الرسام الذي رسم اللوحة التي عرضتها الآنسة شيربل في حفلة اليخت الوهمية.”

تغيرت ملامح شيربل إلى الارتباك، عندها ضحكت كوردليا بخفة وقالت:

“هناك شائعات تقول إن ذلك الرسام، ‘تاران’، هو نفسه المركيز بيرتو.”

في الظروف العادية، لو اتضح أن الرسام تاران هو فعلاً المركيز بيرتو، لكان الناس تقبلوا الأمر بنوع من التردد والإعجاب.

لكن، في الوقت الحالي، سمعة المركيز بيرتو آخذة في التدهور منذ “يوم القديس غلاديوس”.

“رجل تحيط به الفضائح، ومع ذلك اختار هذا اللون كموضوع رئيسي للوحاته… من الصعب أن يصبح هذا اللون الرائج في المجتمع.”

وقفت كوردليا من مكانها، وقالت بنبرة قاطعة:

“…من المؤسف حقًا.”

شحب وجه شيربل حتى صار كالورقة البيضاء.

‘هذا التصريح بمثابة حكم بالإعدام على موضة سيلستين الأخضر!’

***

“جلالتك –! هل سمعت الخبرررر–!”

“عدد خاص! لقد صدر عدد خاص!!”

كان دوق كالينوس قد توجه إلى العمل في وقت مبكر من الصباح.

ولا أحد يعلم متى أصبحا مقربين، لكن هينسي وأغنيس كانا يطرقان بابنا في حالة من الهلع.

كانا كالبائعين الذين يأتونني كل صباح لتقديم جرعة سحرية كهدية، مثل بائعي العطور.

لكن هذه كانت المرة الأولى التي يوقظاني فيها بهذه الحماسة.

“ما الأمر؟”

“مبروك، سيدتي!”

“على ماذا؟”

“كنتِ تخفين قوتك، أليس كذلك؟ يا لحظكِ العجيب!”

“أعني، ماذا حصل بالضبط؟”

سمعت منهما باختصار مبالغ فيه، مفاده أن “التنين أعلن أن اللون الأحمر هو لون الموسم المقبل في المقهى الذي أملكه”، ففتح فمي بدهشة.

“بما أن التنين صرّح بذلك في مقهى القهوة، الجميع يتوجه إليه الآن.”

“حتى الجرعات الحمراء بدأت تنفد من السوق!”

“…هل التنين بهذه الأهمية فعلاً؟”

ضرب هينسي الأرض بقدمه وقال:

“هل هذا سؤال؟ وجود التنين أو عدمه يمكن أن يُحدث فارقًا في قوة الأمة!”

“يا إلهي، تخيّلوا مدى سعادة الآنسة كوردليا، صديقة التنين. لا بد أن تشعر وكأنها تملك العالم!”

…أنا، التي أتحكم في التنين، لا أشعر بالسعادة لهذا الحد.

‘لم أكن أعلم أن كوكو عظيم إلى هذا الحد.’

كنت أظنه مجرد بيضة تتغذى على المانا فحسب…

لكن على ما يبدو، كانت كوردليا كريمة للغاية.

كل ما طلبته منها هو أن تضع الأساس لتدمير مركيز بيرتو بشكل كامل.

1. أن ترتدي فستانًا باللون الأحمر بدلًا من الأخضر.

2. أن تنشر إشاعة أن الرسام “تاران” هو في الحقيقة مركيز بيرتو.

كان هذان فقط كل ما طلبته منها…

لكنها ذهبت إلى حد القول إن اللون الأحمر هو اللون الذي اختاره التنين، وسلبت بذلك تأثير لون “سيلستين الأخضر”!

بفضل ذلك، يبدو أن خطة دمار مركيز بيرتو ستتحقق في وقت أقرب بكثير من المتوقع.

“اخرجا الآن.”

“نعم! نكرر تهانينا!”

بعدما طردت هينيسي الذي راح يرقص رقصة تهنئة بحماسة، أخرجت “أداة النقود السحرية” لأراجع الدفاتر.

“حسنًا، التمويل الحالي كافٍ لهذا الحد.”

“كو؟ (كافٍ من أجل ماذا؟)”

“الآن بعد أن أصبح مركيز بيرتو على عجلة من أمره، سيبدأ بالتخبط تدريجيًا. كل ما عليّ فعله هو الجلوس ومراقبة الفوضى آخذةً بعض الكعك، وأنتظر لحظة تخبطه… آه، أرعبتني!”

نظرت إلى التنين الذي كان مختبئًا تحت الأرض وقد أصبح شفافًا جزئيًا.

“كوكو.”

“كو؟ (ماذا؟)”

“أوه، صحيح، أنت تملك أيضًا قدرة التلاشي، أليس كذلك؟”

“كو. (أنا تنين عظيم. أجيد حتى سحر الوهم! وعلى فكرة، رأيتِ مدى عظمة سمعتي، أليس كذلك؟)”

“حقًا؟ عظيم جدًا. إذًا استقلّ بنفسك. كن تنينًا عظيمًا بحق.”

بكلامي البارد، أصبح جسد كوكو أكثر شفافية.

“كو. (لا يمكن. لا أستطيع العيش بلا مانا.)”

“تنينٌ لا يفعل شيئًا سوى التهام المانا؟ أنتَ حرفيًا مجرد حشرة مفترسة.”

“كو. (سأرد لكِ الجميل.)”

“كوكو، كيف ستردّ لي الجميل؟ هل ستتقيأ ذهبًا؟”

“كو، كوكو. (أنا لست تنين ذهب، لا يمكنني التقيؤ بالذهب.)”

حتى كلامه مختصر ومقتضب.

بدأت أتناول الجرعات السحرية كما لو أنني أملأ دلوًا مثقوبًا بالماء.

‘نعم، الآن فهمت لماذا ينفق كبار السحرة الكثير من المال. كلهم يمتلكون هذه الحيوانات الأليفة عديمة الفائدة التي تستهلك المانا بلا توقف!’

على كل حال، لن أطرده، فشهرة “تنين” ما زالت مهمة.

‘قد تكون قدرات كوكو الخاصة مفيدة جدًا عند مواجهة الذكور النادمين لاحقًا.’

لكن، في الوقت الحالي، هو يستهلك المانا بكثرة شديدة!

أخذت أشرب الجرعات التي تركها هينيسي بلا توقف وأنا أتنهد بعمق.

في اليوم التالي.

في النهاية، بسبب الآثار الجانبية لفقدان المانا على يد كوكو هذا اللعين، بدأت أبصق دماً.

“كو… كوح!”

اختبأت بسرعة خلف شجرة وسددت فمي بمنديل وأنا أبصق الدم. يبدو أنني تحملت كثيرًا، فخرج الكثير من الدم.

مع ذلك، ربما لأنني عززت سلطتي على كوكو، تمكنت أخيرًا من جعله يختفي حسب إرادتي.

“كه، كهك، كح! كو، كوح!”

بعد أن نزفت كثيرًا، بدأت أستعيد وعيي.

‘ماذا لو استمررت بالبصق هكذا وانكشف أمري؟ هذا مقلق.’

كم سيكون الأمر مزعجًا لدوق كالينوس إذا اكتشف أنني أبصق دماً؟ حتى يوليانا ونيسلان سيُصدمان.

طالما بصقت الدم بسرية ونظفت كل شيء، فلن يلاحظ أحد أنني أفعل ذلك….

‘المشكلة هي كيف سأتعامل مع هذا المنديل الملطخ بالدم.’

للأسف، معظم النبلاء لا يقومون بالأعمال بأنفسهم. ومن الصعب إخفاء الغسيل بشكل خاص.

عدت إلى غرفتي وأنا أفكر مليًا، لأجد أن الوصيفات قد أحطن بي وقد بدا عليهن التوتر الغريب.

“سيدتي، لدينا أخبار سارة!”

“ما الأخبار؟”

“السيد ريويس قادم لزيارتنا!”

“إنه يسبق السيد غارنو في القدوم!”

أنا أعرف دوق غارنو السابق جيدًا. لكن اسم “ريويس” كان غريبًا عليّ بعض الشيء.

“من هو ريويس؟”

“آه، إنه ابن شقيق الدوق!”

استحضرت في ذاكرتي شجرة العائلة التي سمعتها سابقًا أثناء توقيع العقد.

صحيح، لقد ذُكر وقتها أن هناك وريثًا صغيرًا في العائلة.

قالوا إنه صغير في السن، في حوالي الخامسة من عمره، على ما أذكر؟

‘كيف سيكون هذا الطفل؟ كونه وريث عائلة كالينوس، هل سيكون متعجرفًا للغاية؟’

نظرت في الهواء بنظرة حازمة وقلت:

“إذًا، متى سيصل ريويس؟”

“يبدو أنه سيصل قريبًا.”

“من المقرر أن يصل، غالبا اليوم أو غدًا…..”

ماذا؟ سيصل بهذه السرعة؟