الفصل 60
#الفصل 13. إحتفال القديس غلاديوس
أشرقت شمس إحتفال القديس غلاديوس الذي كان الجميع يترقبه.
وقبل بدء الحدث الرئيسي، وهو مسابقة المبارزة، اجتمعت سيدات المجتمع الأرستقراطي العازبات في حفلة صغيرة مسبقة.
كان اسم تلك الحفلة هو “حفلة فلورا”.
عادة ما كانت حفلات المجتمع تعجّ بالأحاديث المختلفة، لكن موضوع اليوم بلا شك كان إشاعة زواج دوق كالينوس.
“سمعتنَ جميعًا تلك الإشاعة، أليس كذلك؟”
“عن أن دوق كارلينوس سيصطحب آنسة معه في هذا العيد، صحيح؟”
“نعم، مثير للحماس، أليس كذلك؟”
من السيدات ذوات النفوذ الساعيات لأن يصبحن زهور المجتمع، إلى القادمات حديثًا من الريف، كلهن بدَون متحمسات بشدة.
وقد تبادلن النظرات الحادة بينهن بخبث مبطن.
في آذانهن جميعًا كانت تُزيِّنهن زهرة بلون أخضر باهت، ترمز إلى تكريم القديس غلاديوس الذي مات دفاعًا عن شعب الإمبراطورية.
وتنقّلت النظرات خفية تتفحّص زهور بعضهن بعضًا.
“الزهرة خاصتكِ يا آنسة تبدو وكأنها تفتحت في الشتاء.”
بمعنى أنها ذابلة.
“هممم، وزهرتكِ تبدو وكأنها تفتحت لتوّها.”
بمعنى أنها خشنة وغير مشذبة.
حفلة فلورا، التي كانت ساحةً لتبادل الكلمات بين السيدات بمظهر هادئ، كانت في الحقيقة حربًا صامتة بلا رصاص.
لكن، كما في كل حرب، لا بد أن يكون هناك منتصرة.
“آه! انظرن، الآنسة شيربل قادمة.”
وحين رأينها تقترب من بعيد بخطوات بطولية، اتسعت عيون الجميع.
صحيحٌ أنها كانت جميلة دائمًا، لكن اليوم كانت مذهلة أكثر من المعتاد.
فستان أخضر زاهٍ وأنيق، ينبض بالجمال والبراءة.
تعلّقت أنظار الجميع بالآنسة شيربل التي بدت مذهلة في الأخضر اللافت.
“سيدة شيربل!”
“يا إلهي، ما ذلك الفستان الرائع؟”
“يبدو عليكِ رائعًا!”
لم تنسَ أن تدير نفسها بلطافة، ممسكة بطرف فستانها، لتستعرض أناقتها بطريقة طفولية بعض الشيء.
“هذا اللون يُسمى سيلستين غرين. ماركيز بيرتو أهداني إيّاه.”
“حبّ الماركيز لخطيبته لا يُضاهى، حقًا!”
الجميع صدّق دون تردد أن سيلستين غرين سيصبح اللون الأعلى قيمة في المجتمع.
“حين عاد من رحلته، طوّر هذا اللون استنادًا إلى صبغات استخدمها أهل القارة الشرقية في لوحاتهم.”
وانهمرت نظرات الإعجاب على الفستان الأخضر الأنيق.
شيربل، التي نسجت سمعتها في المجتمع بخيوط دقيقة لأجل هذا اليوم فقط، ابتسمت بسعادة.
لكن، فجأة، قالت إحدى السيدات الغافلات:
“بالمناسبة، ألا ترتدين زهرة في أذنكِ، انسة شيربل؟ إنه عيد القديس غلاديوس!”
عندها، ابتسمت شيربل ابتسامة خفيفة كأنها تذوب.
“صحيح، اليوم عيد القديس غلاديوس.”
“أليس من الطبيعي؟ زهرة النصر ستكون في أذن الآنسة شيربل، بكل تأكيد.”
“آه!”
تنهّد الجميع بإعجاب وهم يتبادلون النظرات.
خطيب شيربل هو ماركيز بيرتو، المبارز الوسيم ذو التصنيف العالي سيد الهالة.
إن وُجد من سيفوز في مسابقة المبارزة المقامة في عيد القديس غلاديوس، فلا بد أنه هو.
“كما أن الآنسة شيربل هي زهرة المجتمع.”
“أوه، حقًا.”
“نسبها، شخصيتها، أخلاقها، أناقتها، وخطيب مثالي… صحيح أن الإمبراطورة لم تُعلن بعد، لكنها حتمًا ستكون الإمبراطورة القادمة، أليس كذلك؟”
تنهّد الجميع بحسد وهم ينظرون إلى شيربل.
وللحظة، بدت أذناها العاريتان أكثر ما يُحسد عليه.
في تلك اللحظة، قالت إحدى السيدات المقرّبات من شيربل بابتسامة ساخرة:
“ها هي قادمة.”
“هم؟”
“جيزيل فلوريت. توقعت ألّا تأتي، خصوصًا بعد أن اختفت السيدة ماريبوسا فجأة.”
دخلت جيزيل مكان حفلة فلورا، ممسكة بطرف فستانها المتطاير.
وكانت بعض السيدات يتهيأن للسخرية كعادتهن، لكنهن توقّفن فجأة لرؤية أناقتها المذهلة.
“ذلك الفستان…”
“ما هذا اللون الغريب…”
كان لونًا واضحًا ومذهلًا يتفوّق على أناقة فستان “سيلستين غرين” الذي ترتديه شيربل.
فستان بنفسجي بلون زهرة السوسن الملكية، أنيق، نبيل ونادر.
تبادلت السيدات النظرات في ارتباك.
فلم يكن من الممكن انتقاد ذلك الفستان. كان تحفة فنية بكل ما للكلمة من معنى.
لكن شيربل، ابتسمت بأناقة وقالت:
“فستانكِ جميل جدًا، آنسة جيزيل.”
“همم، نعم~ إنه جميـل!”
هناك شيء غريب في طريقة كلامها.
ضيّقت شيربل حاجبيها وهي تنظر إلى أذنيها.
“ثمة شيء لا يمكن إخفاؤه، حتى بفستان بنفسجي.”
“آه.”
“مثل الوقاحة التي تجهل الأدب، على سبيل المثال. لماذا لم تزيّني أذنيكِ بالزهرة؟”
“لا تقولي لي… هل تظنين أن المركيز بيرتو سيهديكِ زهرة النصر؟”
ضحكت الحاشية المحيطة بالآنسة شيربل بصوت عالٍ عند هذا الكلام.
وأصبحت أذنا جيزيل الفارغتان مادة للسخرية.
لو كانت جيزيل السابقة، لكانت قد تماسكت بصعوبة عن البكاء!
لكن جيزيل اليوم رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
“لأن زهرة النصر لي.”
وانفجرت موجة أخرى من الضحك.
حتى الآنسة شيربل لم تستطع منع نفسها من الضحك بسبب هذا التصريح الطفولي.
لكن في الوقت نفسه، أزعجتها وقاحة جيزيل التي تطمع علنًا في خطيبها.
“حقًا يا جيزيل، ما زلتِ تحلمين بأوهام؟ لعلّك لهذا السبب ‘من جديد’ ارتكبتِ أمرًا كهذا.”
“يا إلهي، هل هناك شيء آخر؟ غير طمعها في رجال غيرها؟”
“لقد أخبرني خطيبي بأمر مسلٍ جدًا. يُقال إن الآنسة جيزيل تدير مقهى! تعرفن المكان، صحيح؟ ذلك المرتبط بدار الأوبرا.”
صُعقت السيدات من هذا الكشف المفاجئ، واتسعت أعينهن بتمثيل مبالغ فيه.
“يا إلهي، إنه مشهور! سبق وزرته!”
“…لو كنت أعلم أنه مملوك لتلك الفتاة، لما ذهبت إليه أبدًا.”
“هاه… ما هذا على وجه الأرض… أن تُكشف فتاة غير متزوجة تدير عملًا باسم مستعار…؟”
نظرت إليهن جيزيل بصمت، ثم تمتمت كما لو كانت تتحدث إلى نفسها:
“حقًا، لا أستوعب هذا العالم. في زمن الكل فيه يعمل، أن تُدان فتاة لأنها تدير عملاً باسم مستعار…؟”
ومن بين كلماتها، كان يمكن سماع همسات عن الظلم والافتراء.
ابتسمت شيربل بسخرية وهي تسمع ذلك.
“ربما السبب ليس أنها تُدير عملاً… بل لأنها جيزيل من تديره، أليس كذلك؟”
“لكنه ليس مملوكًا لجيزيل.”
وانطلقت موجة أخرى من الضحك.
“هل من الممكن أن ليدي شيربل تكذب؟ لا تحاولي إخفاء الشمس براحة يدك.”
“لا فائدة من النقاش. همم، حسنًا. كل ما تقوله شيربل صائب~ تمامًا!”
“…..”
“نعم نعم، شارلوت ذكية جدًا. الأفضل على الإطلاق!”
نظرت السيدات لبعضهن بذهول إزاء هذا الأسلوب الغريب الخارج عن السيطرة.
فجيزيل في الماضي كانت غبية وعاجزة، أما الآن فهي… كأنها فقدت عقلها.
‘لا أستطيع…. لا أستطيع حتى أن أغضب!’
شَهقت شيربل من الغضب، لكن صوت البوق من بعيد قطع الجو.
كان إعلان بدء “مبارزة الفرسان”.
انتفضت السيدات من أماكنهن وكأنهن أصابتهن قشعريرة.
وبدأ الرجال المشاركون في الظهور الواحد تلو الآخر.
“آه، هناك! إنه المركيز بيرتو، أليس كذلك؟”
أشرق وجه شيربل فور رؤية خطيبها.
“كم هي محظوظة!”
“آه، أترين؟ عائلة كالينوس وصلت أيضًا!”
في الحديقة المخصصة للمبارزة، تم تخصيص مقاعد لكل أسرة نبيلة.
وبينما كان كل فرد يتوجه إلى مقعد عائلته، استدارت جيزيل أيضًا لتغادر.
وعندها، ألقت الانسة شيربل تحية ماكرة وراء ظهرها:
“سأنتظر اللحظة التي تزيّنين فيها أذنيكِ بـ’زهرة النصر’.”
“آه، نعم! انتظريها جيدًا، بالتأكيد~♡”
ثم رمقت جيزيل شيربل بنظرة جانبية قبل أن تتجه إلى حيث كان جالسًا كونت فلوريت.
حتى تلك اللحظة، لم تكن سيدات المجتمع قد أصابهن الارتباك بعد.
أي، على وجه التحديد… حتى جلست عائلة دوق كالينوس بجانب عائلة كونت فلوريت.
التعليقات لهذا الفصل " 60"