الفصل 45
“فيما بعد، ربما سيكون من الجميل أن تذهبا في موعد… وتحتفظا بلقطاتكما الجميلة معًا. كلها ذكريات، أليس كذلك؟”
لم تستطع أن ترفض أو تتصرف بفظاظة، وهي تنظر إلى عينيّ والد زوجها الضعيف، الصافيتين والبريئتين.
‘إنه عدوي الطبيعي، عدوي!’
وهكذا، ومع قلب مثقل بالحزن، خرجت مع دوق كالينوس في موعد ليس بموعد.
بينما كنا نسير عبر الحي الريفي حيث يسكن النبلاء الصغار، ظهرت منشورات معلقة أمام كل متجر تقريبًا.
مررت بها بنظرة حيرة، فرأيت أدوات تسجيل مكدسة تحت لافتة كُتب عليها: “مجموعة أدوات ماجينتا التجارية”.
[<أداة تسجيل الفيديو>: تأجير مجاني لمدة شهرين ونصف! مع تقديم ياقوت عالي الجودة مجانًا!]
“الكونت روناس بدأ يتحرك.”
“يبدو أنه استهدف جمهورًا مختلفًا.”
على ما يبدو، تحرك بسرعة أكبر مما كان متوقعًا. بل ويبدو أن الأمر فعّال أيضًا، إذ تُباع أدوات التسجيل كالنار في الهشيم.
قمت بتكوير المنشور بين يديّ ودفعته في جيبي، وأنا أتمتم لنفسي.
“ذكي بالفعل. حتى تقليد كهذا قام به.”
دوق كالينوس نظر إلى عبارة “شهرين ونصف” بوجه خالٍ من التعبير. يبدو أنه غاضب من أن استراتيجيتنا التسويقية قد قُلّدت.
حسنًا، من الطبيعي أن يغضب حين يعلم أن أداة من صنع عائلة كالينوس، وخاصة تلك التي صممها والده بعناية، قد بدأت تتراجع في السوق…
“لماذا اختاروا مدة الإيجار شهرين ونصف بالضبط؟ هذا ليس رقمًا طبيعيًا. كان من الأفضل اختيار شهر أو شهرين.”
‘أهذا ما يشغلكَ الآن؟’
أدار دوق كالينوس وجهه بملامح باردة. المهم هو أن موقعهم في السوق بات مهددًا.
في السوق، دومًا ما تُباع البدائل الأرخص حتى لو لم تكن الأفضل، وأحيانًا قد تهدد هذه البدائل الأفضلَ نفسه.
وبينما كنا نمشي ونراقب المنشورات المتشابهة المعلقة على الجدران، سمعنا بعض المارة يتهامسون.
“يقولون إنهم يعملون على تحسين الشاشة. سيطلقون إصدارًا بالألوان الكاملة قريبًا، رغم أنه سيستغرق وقتًا.”
“وحتى لو ظهرت مشكلة صغيرة، قالوا إنهم سيبدلونها مجانًا.”
كان الحديث يدور حول اختراع الكونت روناس.
أخذت ألوّح بمروحة الريش بخفة، وأنا أستمع إلى أحاديث الناس.
“لا داعي لسماع المزيد. هيا بنا. انتهى موعدنا لهذا اليوم.”
مددت يدي لأتشبث بذراعه، لكنني توقفت بسرعة. لم يكن هناك من يراقبنا، لكنني كدت أمسك بذراعه بحكم العادة.
لكن في تلك اللحظة تحديدًا…
“حسنًا، لنذهب.”
شعرت بدفء لطيف على كتفي. لقد تحرك تلقائيًا ليأخذ بيدي ويقودني.
اقترب مني فجأة، ومع ذلك لم يكن هناك أي عطر ينبعث منه.
وغريب أن غياب الرائحة هذا راق لي. ربما لهذا السبب بالتحديد…
“همم، لا تقلق كثيرًا.”
“قلق؟”
نعم، وجهه لا يعكس أي قلق فعلي، لا من قريب ولا من بعيد.
“لا داعي للقلق من أشياء كهذه. فنحن لدينا سلاح أكثر متعة.”
…أفشيت سرًا من أسرار العمل. ولو قليلًا فقط.
***
“تأجير مجاني لمدة شهرين ونصف، ومع تقديم الأحجار الكريمة، مبيعات منتجاتنا ترتفع بسرعة! نسبة استحواذنا على السوق أصبحت ملحوظة!”
في الوقت ذاته، داخل متجر “ماجينتا” الذي يديره الكونت روناس تحت اسم مستعار، كانت الأجواء حماسية أكثر مما كان متوقعًا.
صحيح أن قدرات منتجهم أضعف بكثير من أداة الفيديو بالألوان الكاملة التي يقدمها دوق كالينوس.
لكن يبدو أن سياسة التوفير بين البخلاء كانت فعالة، إذ اجتذبتهم عروض الإيجار المجاني والأحجار الكريمة.
الرجل المعروف بمدير متجر ماجينتا، قام بتقليب الدفاتر وهو يرد:
“إنها حرب استنزاف فعلًا. إنها مسألة من سيصمد أكثر.”
“لا أعرف كم أنفقت عائلة كالينوس على مشروعهم، لكنهم على الأرجح مفلسون بسبب حرب الوحوش.”
تذكّر ما كانت كايتلين قد قالته سابقًا. ابتسم الكونت روناس برضا وهو يداعب شاربه، لكن مدير المتجر تردد قليلاً قبل أن يتكلم.
“في الواقع، لدي شعور غير جيد حيال الأمر. ربما من الأفضل التراجع عن هذا المنتج والانتظار حتى يعود المركيز بيرتو.”
“هاه، عن ماذا تتحدث؟ لقد استثمرنا مبلغًا كبيرًا، لا يمكنني التراجع الآن!”
“حسنًا، سنواصل المحاولة إذًا.”
في الواقع، رغم أن الأداة الملونة جذابة، إلا أن كثيرًا من الناس كانوا مترددين بسبب علاقتها بعائلة كالينوس.
وفوق ذلك، الشراكة مع مجموعة “كيمار” الجديدة التي لا تمتلك أي خبرة في التسويق أو العلاقات.
‘والأهم، لا أحد يمكنه مجاراتي من حيث العلاقات والنفوذ!’
متحمسًا لاحتمال قلب الطاولة، توجه الكونت روناس للقاء أحد أصدقائه القدامى من الأكاديمية لتسويق اختراع عائلته.
رأى صديقه القديم، الفيسكونت سيسيلا، جالسًا في مقهى، يحدق في صندوق صغير بحجم راحة اليد.
“الفيسكونت سيسيلا؟ ما هذا الذي تمسك به؟”
“آه، أتيتَ، أيها الكونت روناس.”
سارع الفيسكونت سيسيلا، أحد أصدقاء روناس في الأكاديمية، إلى إخفاء الأداة في جيبه. ظر إليه الكونت روناس بدهشة وسأله:
“ما الأمر؟ هل أنت أيضًا تملك أداة من عائلة كالينوس؟”
“في الواقع…”
“كفى، استخدم أداة عائلتنا. نحن نوفر تأجيرًا مجانيًا لمدة شهرين، ونمنح أحجارًا كريمة فوق ذلك.”
لكن الفيسكونت سيسيلا بدا غير مقتنع وتمتم:
“المشكلة ليست في المال.”
“الشاشة؟ نحن نحاول تطويرها لتصبح ملونة أيضًا.”
“ليست هذه هي المشكلة.”
ثم أخرج الأداة وأراها للكونت قائلاً:
“هذه الأداة، عند تشغيلها لتسجيل الفيديو، تظهر شاشة غريبة في البداية. ألا يثير فضولك؟ لهذا جربت تأجيرها.”
“ماذا؟ وما الغريب في الأمر؟”
شغل الفيسكونت الأداة، وظهرت صورة ملونة مذهلة على الشاشة.
“يسمونها ‘شاشة التحميل’.”
“شاشة… التحميل؟”
“هذه الشاشة غريبة جدًا لدرجة أن سيدات المجتمع مهووسات بها، وهذا ما يجعل الشركات الظاهرة على الشاشة حديث الناس باستمرار.”
“ماذا؟!”
نظر الفيسكونت إلى الكونت روناس بنظرة فيها شيء من الشفقة، وقال:
“إذا أردت البقاء في أجواء المجتمع الراقي، لا يمكنك الاستغناء عن هذه الأداة.”
***
[الصوت الجميل لأوبرا المسرح يعود مجددًا!]
السيدة نوفمبر، التي تعمل كمغنية في دار الأوبرا، وجدت نفسها مدهوشة بمشهد “شاشة التحميل” داخل الأداة السحرية.
خلال تشغيلها وإيقافها المستمر للأداة المخصصة للتسجيل، كان يُعرض على الشاشة مقطع لها وهي تغني.
الصوت النقي والعذب الذي ينساب من الشاشة.
كان بالضبط المقطوعة الرئيسية “أغنية الليل” من أوبرا “زهرة الإمبراطور” التي تلعب فيها دور البطولة.
يُقال إن شاشة التحميل صُممت بهذا الشكل لتصدر صوتًا عند التسجيل أو التصوير، حتى لا تُستخدم الأداة دون إذن الطرف الآخر.
“سيدة نوفمبر، صوتكِ جميل حقًا!”
“وهذه التاج الفاخر الذي ارتديته في تلك المقطوعة، يبدو أجمل داخل الأداة السحرية، أليس كذلك؟”
“يقولون إن هناك عالمًا لا يمكن رؤيته في الأداة ذات التصوير بالأبيض والأسود، ولا يمكن مشاهدته إلا بالألوان.”
بعد مرور إعلان بعنوان “شاهدوا دار الأوبرا الجميلة من منازلكم”، ظهر مشهد لمقهى مفعم بالألوان الزاهية.
[صوت منعش ومتعة تتفجر في الفم]
تسببت عبارة الإعلان التي جمعت بين “الانتعاش” و”الانفجار في الفم” في إثارة الشهية تلقائيًا.
ظهر مشهد يُسكب فيه شراب الروم الأصفر الفاتح على كأس زجاجية، تلاه مشهد لصينية مليئة بحلوى الليمون الأخضر.
بفضل الألوان الطبيعية الزاهية، كانت المشاهد تشكل عرضًا بصريًا يثير اللعاب تلقائيًا.
كل مرة تُطفأ فيها الأداة السحرية وتُعاد تشغيلها لتسجيل مقطع، كانت شاشة التحميل تعرض تلقائيًا مشاهد من الأوبرا والمقهى، مما ضاعف من فعالية الدعاية.
“هل سمعتِ؟ تذاكر دار الأوبرا تُباع بالكامل يوميًا.”
“وهذا المقهى أيضًا، سمعتُ أن عليك الوقوف في طابور لتزوريه.”
لطالما كان يُقال إن دار الأوبرا والمقهى في عالم الأرستقراطية هما كالإبرة والخيط، لا يفترقان، ولكن بسبب تأثير “شاشة التحميل”، أصبحت النساء الأرستقراطيات يزرن دار الأوبرا ثم يتوجهن إلى المقهى للثرثرة أكثر من أي وقت مضى.
“طعمه لذيذ حقًا، أليس كذلك؟”
“والتحلية هنا لا بأس بها أبدًا.”
من دون أن تشعر، التهمت نوفمبر كل ما في طبق الكرومبل بطعم التفاح المنعش.
بفضل إعلانات شاشة تحميل الأداة السحرية، ومن خلال حديثها، بدأت أخبار المقهى تنتشر شيئًا فشيئًا.
“لكن، من يا ترى صاحب هذا المقهى الحقيقي؟”
طعام جميل وعطر، أسعار معقولة، والأهم من ذلك، موقعه المثالي بجوار دار الأوبرا.
بدأ الفضول يراودها فجأة بشأن مالك هذا الذوق الرفيع. لكنها كانت مجرد تساؤلات شخصية.
على الأقل، في الوقت الحالي.
***
“يا إلهي، لقد فزنا بالجائزة الكبرى هذه المرة!”
“سمعت أن دار الأوبرا دفعت المزيد مقابل إعلانات في أدوات التسجيل السحرية! حتى خدم العائلات الأخرى يسألون إن كان بإمكانهم الحصول على واحدة!”
خدم دوق كالينوس بدأوا بالكلام وكأنهم يعوضون عن كل الإحباطات التي شعروا بها سابقًا.
“الكل يطلب أن تُدرج إعلاناته في أداة التسجيل. لكن كيف تُدرج هذه الإعلانات أصلاً؟”
“من يدري؟ لابد أن السيد كيمار هو من تولى الأمر. أليس رائعًا؟”
همس أحد الخدم بصوت منخفض:
“لكن سمعت أن السيد كيمار لديه سيدٌ حقيقي آخر يخدمه؟”
التعليقات لهذا الفصل " 45"