الفصل 36
“كنت أرمي الحليب و لم أنتبه! لكن لماذا أنتم هنا أصلًا؟”
“…سيدتي! ما الذي تفعلينه على وجه الأرض!”
“جيزيل كانت تدرس قواعد الإتيكيت وتعرضت للكثير من الضغط، ففقدت أعصابها!”
“هذا التصرف يبدو مخالفًا لقواعد الإتيكيت.”
فتحت عينَي على وسعهما وأملت رأسي بتعجب.
“أوه، حقًا؟ إذن، لما لا نناقش قواعد الإتيكيت من البداية للنهاية معًا؟”
“أولًا، أنا الآن بصدد تعليم الخادمات، لذا…”
آه، لا يهمني ذلك.
“ها! إذن، أنتِ تقولين إن جيزيل أدنى شأنًا من هؤلاء الخادمات؟”
أُطلقت من فوري منطقًا غير عقلاني قائمًا على الأبيض والأسود.
وأخذت ألوّح بيدي وأُثيرها عمدًا.
“أشعر أني أُهان حقًا! أنا غاضبة جدًا ولا أستطيع التحمل! سأهدم هذا النافذة أولًا!”
هل كان بسبب ضربي على صدري مثل غوريلا غاضبة؟
فقدت كايتلين كل اهتمامها بحليّ الخادمة، ورفعت شعرها المبلل بالحليب الذي كان يقطر على وجهها.
“انتظري هناك ولا تتحركي.”
***
الخادمات اللاتي كنّ يتعرضن للتوبيخ تحت النافذة انتصبن آذانهن دون وعي.
“هل هي تلك؟ الفارسة البيضاء التي ستنقذنا؟”
خادمات العائلة كنّ يُعاملن بإهانة من طرف كايتلين، تُسلب منهن أغراضهن ويُضربن.
ومع ذلك، لم يكن بمقدورهن مغادرة المنزل.
لأن كايتلين كانت تكتب توصيات سيئة لكل من تعارضها وتغادر، بحيث لا يتم توظيفهن في أي مكان آخر.
“حتى لو أخبرنا السيدة، لن تهتم لموظفين تافهين مثلنا.”
“أتمنى فقط أن يظهر شخص من العدم وينقذنا!”
“صحيح، حتى ولو كانت الآنسة الصغيرة! كم سيكون رائعًا لو هزمت كايتلين!”
لكن شيئًا كهذا لم يحدث قط حتى الآن.
ثم بدأ صوت جدال يتعالى من جهة النافذة.
“سيدتي، التزمي بالإتيكيت!”
“الإتيكيت، أيتها العزيزة كيتلين لونارس، هل تعلمين ما هو أصلًا؟”
“الإتيكيت هي الآداب التي يجب الالتزام بها، طبعًا.”
“إذن، هل تعلمين ما هي الآداب التي يجب الالتزام بها تحديدًا؟”
في حين كانت جيزيل وكايتلين تتجادلان بصوت عالٍ من بعيد، اقتربت الخادمات من رودينشا وهمست إحداهن:
“تلك… أليست هي السيدة الصغيرة؟”
“أعتقد ذلك، يبدو أنها هي.”
“إذن ربما…”
لكن أقدم خادمة بينهن هزّت رأسها.
“كايتلين تفوز دائمًا. تعرفن هذا، أليس كذلك؟ كل من تجرأت على مواجهتها طُردت من هنا. هل ستكون السيدة الصغيرة مختلفة؟ كايتلين تحظى بثقة السيدة الكبرى.”
كانت رودينشا تعض على شفتيها بصمت وهي تفكر.
“بحسب ما سمعته من إيفانكا، لا تبدو السيدة جيزيل شخصًا سيئًا… على العكس، كايتلين هي السيئة حقًا.”
إيفانكا، خادمة الظل التابعة لكايتلين، فتاة في الثالثة عشرة من عمرها.
رودينشا وضعت يدها على صدغها متذكرة نظرة الإعجاب في عيني تلك الطفلة الصغيرة.
***
بعد الشجار المحتدم مع جيزيل، ذهبت كايتلين إلى غرفة يوليانا.
كانت قد ساعدت السيدة الكبرى في استعداداتها للنوم، وهمست مثل الأفعى:
“هل سمعتِ، سيدتي؟ ما فعلته جيزيل بي، سكبت الحليب عليّ! حتى الأوغاد لا يفعلون ذلك!”
حدّقت يوليانا في كايتلين من خلال المرآة بصمت، ظنّت كايتلين أنها توافقها، فاندفعت بالكلام بحماس.
“وفوق ذلك، كنت أقوم بتعليم الخادمات هذه المرة…”
“كايتلين.”
“نعم، سيدتي؟”
“هل تستخدمين تعبير ‘أوغاد’ لوصف السيدة التي ستخدمينها مستقبلاً؟”
شحب وجه كايتلين من الكلام الذي تلا ذلك.
“…أعتذر، سيدتي.”
هذا ليس ما توقّعته.
ما يحدث مختلف تمامًا عمّا خططت له.
“لا تنسي لماذا وظفتكِأساسًا. “
“نعم…”
“أنتِ تملكين يدًا خفيفة، ولسانًا سليطًا، وميلاً للقيل والقال، وكل عيوبك هذه… هل تعلمين لماذا غضضتُ الطرف عنها رغم معرفتي بها؟”
ارتجف صوت كايتلين بشدة.
“لأنني، أعمل كمصفاة لهذا المنزل، سيدتي.”
“يجب ألا تنسي أنكِ مجرد مصفاة تمنع دخول الضعفاء إلى عائلتنا. هل تفهمين؟”
“…نعم، سيدتي. بالتأكيد. أنا ممتنة لكم لأنكم آويتموني دومًا.”
قبل عدة سنوات، كانت ستُطرد من منصبها كخادمة رئيسية في بيت ماركيز يانسن بعد أن أثارت المشاكل، لكن يوليانا أخذتها تحت جناحها.
الجميع، ما عدا كايتلين ويوليانا، ظنّوا أن السيدة الكبرى كانت معجبة بها لا أكثر.
“هذا هو دوركِ الوحيد.”
سواء قبضت كايتلين على يدها غضبًا أم لا، أغلقت يوليانا عينيها بهدوء.
***
في اليوم التالي، وقت الغداء.
كنت أسير دون وجهة محددة، حتى وصلت إلى حديقة الملحق، وجلست على المقعد تحت شجرة ضخمة.
“هناك شيء غريب.”
هل السبب هو حواسي المطورة بسبب الجرعة التي تناولتها من عائلة كالينوس؟
منذ أن دخلت هذا القصر، وأنا أشعر بشيء ما ينغزني باستمرار.
‘بل وحتى الآن أيضاً…’
كان لدي شعور مزعج بأن هناك من يراقبني من مكان ما.
حدقت بعيني نصف مغمضتين وأنا أراقب ما حولي.
“هممم…”
كلما فكرت في الأمر، زادت قناعتي بأن هناك من تم زرعه خصيصًا لمراقبتي.
ومن ذا الذي يملك الجرأة على مراقبتي من عائلة كالينوس سوى شخصين؟
‘غالبًا إما يوليانا… أو تلك التي تعاديني بشدة، كايتلين، أليس كذلك؟’
ربما أرادوا أن يراقبوني فقط لأجل رؤية الفوضى التي أُحدثها.
لكنني هززت رأسي في داخلي.
‘أحتاج إلى استخدام التحفة السحرية عبر قلب المانا، وإذا كان هناك مراقب، فسوف يكون عائقًا.’
بل، ربما من الأفضل أن أبتز المراقب لأحصل على نقطة ضعف كايتلين وألوّح بها كما أشاء.
ويمكنني كذلك استغلاله لنشر الشائعات عني بطريقة عكسية.
‘إن كان كذلك، فيجب أن أمسكه أولًا.’
وبينما كنت أضع ذقني على كفي وأفكر في كيفية الإمساك بذلك المراقب المزعج، سمعت صوتًا غريبًا فوق رأسي، من الشجرة.
فيييك!
‘ما هذا الصوت؟ صفير؟ هل هو كسلان مثلاً؟’
ما إن قلت ذلك حتى أدركت كم أن تمثيلي سيء. لكن لحسن الحظ، لم يبدو أن الطرف الآخر انتبه.
شاشاشاك—
هذه المرة، سُمِع صوت زحف غريب وكأن شيئًا ما يتحرك فوق الشجرة.
‘هممم، يبدو أن امتلاك حاسة سمع قوية بشكل مفرط قد يصبح مزعجًا بالفعل.’
رفعت رأسي بسرعة نحو الأعلى.
‘يا الهي. بصري الجانبي ممتاز فعلًا.’
شاشاشاك. رأيت شيئًا يتحرك، يشبه كتلة من الفرو.
“ما هذا، قطة؟”
ذلك الشيء، أو بالأحرى ذلك المراقب الذي يشبه كتلة الفرو، تفاعل بالتأكيد مع كلامي.
بدت عليه علامات الارتباك، ثم سقطت ثمرة من فوق الشجرة، كما لو كان قد أسقطها دون قصد.
عندما سقطت الثمرة على رأسي، عندها أدركت الحقيقة.
هناك شيء ما بالتأكيد فوق تلك الشجرة.
وذلك الشيء هو…
“من أنت؟ هيا انزل. أنت تراقبني، صحيح؟”
شعرت به ينكمش قليلًا بعدما شعر بنظراتي. لم يكن يبدو كشخص بالغ، فتمتمت ببطء:
“لن أوبخك، فقط انزل بسرعة. ولا تحاول أن تكون لطيفًا.”
تودودوك—
سقط من الشجرة شيء يشبه جروًا بريًا صغيرًا.
“أنا لس، لست لطيفة ع، على الإطلاق…!”
ظننته جروًا بريًا، لكنه كان إنسانًا.
طفلة صغيرة، ترتدي زي الخدم، مليئة بالجروح والخدوش.
التعليقات لهذا الفصل " 36"