الفصل 35
أنا أعرف هذا التعبير.
إنه تعبير وجه شخص يفتح قلبه بصدق.
لكنني لم أقل إنني لا أريد سماع قصته بدافع المجاملة!
“رغم أن ما حدث مؤسف، إلا أنني لا أستطيع فعل شيء حياله…”
تمتمت بتوتر بينما بدأت أرجع خطواتي إلى الوراء بحذر.
“لا أعلم ما هي قصتك، ولكن لدي تركيز سيء، وقدرة سمعي ليست الأفضل أيضًا. هل أُرشّح لك معالجة نفسية ممتازة؟”
“بما أنكِ أصبحتِ من عائلتنا، فلا بد أن تسمعيها. إنها قصة قديمة.”
لااا!
إن سردك لقصة حزينة سيهدم عزيمتي التي بنيتها بصعوبة حتى لا أبدو متأثرة!
***
نظر نيسلان إلى جيزيل التي كانت تتحاشى عينيه، ثم جلس على الطاولة المقابلة لها.
لم يكن يعرف كيف ستتلقى كنّته العزيزة هذه الحقيقة، لكنه تنهد قليلًا وبدأ بالكلام.
“حينما اجتاحت طاقة الشياطين أرض الوحوش، خرجت مع ابني البكر إلى ساحة المعركة. كان ذلك من أجل حماية سكان الإقليم. لكننا علقنا داخل كهف من الأوهام صنعته الوحوش.”
كانت معركة شرسة حتى الموت.
سقط عدد لا يُحصى من الأرواح، ومات نائبه في نفس المعركة.
ولم يبقَ سوى نيسلان وابنه الأكبر، محاصرين داخل الكهف، في واقع لم يكن واضحًا إن كان وهمًا أم لا.
وحتى المعركة الأخيرة التي خاضوها هناك، بدت بلا طائل.
“في تلك اللحظة، مات ابني في سبيل إنقاذي.”
“…آه.”
“وهكذا بقيت على قيد الحياة، حياة واهنة لا تستحق الذكر.”
“لا، هذا ليس…”
“لقد قررت أن أعيش في عزلة، لمدة خمس سنوات داخل الحاجز، وأنا أحمل هذا الشعور بالذنب… تجاه زوجتي، وتجاه العائلة، وتجاه الدوق فينتين كالينوس، الذي ورث عبء هذه العائلة عن غير قصد.”
تغير تعبير جيزيل شيئًا فشيئًا عند سماع كلماته.
بدأت ملامحها، التي كانت ثابتة وهادئة، تتصدع، وهو أيضًا بدا وكأنه استعاد وعيه.
تصرفها، وكأنها لا تهتم، ومع ذلك حرصها على تعابير وجهها، ووضعها لمنديل على الطاولة دون تردد…
جعلت كل شيء يبدو أقل عبئًا من الكلمات الثقيلة للمواساة الحقيقية.
ربما لهذا السبب وجد نفسه يتحدث أكثر مما كان ينوي.
‘في الحقيقة، هناك أمور أكثر تعقيدًا مرتبطة بهذه القصة…’
لكنه أغلق فمه بعدما كاد يتكلم مجددًا.
‘لا، لا يمكنني أن أقول المزيد.’
ثم ابتسم بهدوء، وضغط بالمنديل المجهول الذي وضعته جيزيل على الطاولة، على عينيه التي امتلأت بالدموع.
لم يرد أن يُثقل على قلبها أكثر مما فعل.
“شكرًا لكِ يا جيزيل، على الاستماع إليّ. أنا سعيد جدًا لأنني حصلت على كنّة. بعد أن فقدت ابني الحنون، أصبحت هذه العائلة خالية من أي دفء.”
“آه، نعم.”
“أنا في غاية السرور لأن كنّة مرحة جاءت إلى بيتنا. آه، ولكن لا تفهميني خطأ. لا أعني أنه يجب أن تبقي مرحة طوال الوقت. فقط، عيشي بالطريقة التي تريدينها.”
“أ- أجل، حسنًا.”
كان ممتنًا لأنها لم تبكِ معه.
فقط إصغاؤها الصامت كان كافيًا لتفريغ عقدة طال احتباسها داخله.
ففي بعض الأحيان، تكون اللامبالاة اللطيفة أعمق أثرًا من الشفقة المفرطة.
وظل يبتسم بلا توقف.
قلبه، شيئًا فشيئًا، كان ينفتح على الكنّة الجديدة.
***
‘هاه، لم يُكشف أمري!’
في الواقع، الصوت الذي صدر من الخارج كان بسبب الخادمة الصغيرة ذات الثلاثة عشر عامًا، إيفانكا.
‘يا إلهي، لحسن الحظ!’
زحفت إيفانكا على الحائط بيديها الصغيرتين وهي تهرب ببطء وحذر.
يبدو أن أحدًا لم يلحظ وجودها بعد.
‘وأنا ممتنة أيضًا لأنني، كما قالت كايتلين، صغيرة كجرذ قذر من مجاري المدينة!’
رغم أنها بدت كأنها في العاشرة من عمرها بسبب سوء التغذية، إلا أن عمر إيفانكا الحقيقي كان ثلاثة عشر عامًا فقط.
وبعد أن تخلّت عنها والدتها، قضت ما يزيد عن خمس سنوات خادمة تُستعمل للإهانات على يد كايتلين.
“لقد التقطتكِ من بين النفايات وربيتك، فعليكِ أن تكوني ممتنة لي، أليس كذلك؟”
“ن-نعم!”
“الميزة الوحيدة التي تملكينها هي أنك تعرفين كيف تتسللين مثل الجرذ.”
“م-معك حق…”
“ربما تشعر السيدة بالشفقة نحوك، لذا لا تظهري لها وجهكِ أبدًا، مفهوم؟”
قالت ذلك ثم داست على قدمها، ولا تزال عظامها تؤلمها حتى الآن.
في منزل كالينوس، يمكن لأي خادمة ترغب في المغادرة أن تأخذ توصية من السيدة، مع مكافأة إنهاء خدمة محترمة، وتغادر بهدوء.
لكن السبب في أن إيفانكا لا تزال في بيت كالينوس هو…
‘لأنه إن تركت كايتلين، فلن يكون لي مكان آخر أذهب إليه.’
إيفانكا تحمل سرًا كبيرًا لا يمكن كشفه أبدًا.
وكانت كايتلين تحافظ على ذلك السر.
خفضت كتفيها وهي تمسك بقلم صغير، وبدأت تكتب ملاحظاتها بدقة بيديها الصغيرتين.
[السيدة تناولت شيئًا، ثم توجهت إلى السرير. بعد ذلك، ل-لا أعلم ماذا حدث!]
وما إن أنهت الملاحظة، حتى ركضت على عجل نحو كايتلين.
كان عليها أن تجري بأقصى سرعة حتى لا تتلقى ضربة على رأسها منها.
#الفصل التاسع: عندما تكون رئيسة الخدم شريرة
مر يومان، ثلاثة، أربعة أيام.
‘أصبح من الصعب الآن تجنب والد زوجي.’
منذ أن اعترف نيسلان بماضيه لي، يبدو أنه فتح لي قلبه تمامًا.
عادةً، لا يجب أن يكون هناك شخص يعاملني بهذه الطريقة.
‘يبدو أنني حرفت القصة الأصلية بشكل كبير، مما جعل القوة القسرية للأحداث تختفي إلى حد كبير، ولهذا السبب بدأ بعض الأشخاص يشعرون تجاهي بمودة من البداية.’
بالطبع، كان ذلك أمرًا مفرحًا، لكنني كنت في حالة من الذهول المستمر لأنني لم أتوقع أن ينشأ بيننا هذا النوع من المودة.
وعلاوة على ذلك، بعد أن استمعت إلى قصة نيسلان، أصبح من الصعب أن أكون وقحة أمامه، لأنني شعرت بالكثير من الشفقة تجاهه.
‘نعم، يبدو أنني يجب أن أكون شريرة بطريقة غير مباشرة!’
لذا، كنت في الآونة الأخيرة أبحث عن فرص لكي أكون شريرة مع الآخرين، ولكن جميع الخدم الجدد الذين تم تعيينهم بالقرب مني…
“آه، من الشرف أن أخدم السيدة!”
“سأكون مخلصة لضمان عدم تسريب أي شيء عن السيدة.”
كانوا جميعًا في مواقعهم كعمال بدوام جزئي مخلصين، وبالتأكيد لا يمكنني أن أتعامل معهم بفظاظة.
‘إنهم طيبون جدًا. طيبون بشكل مبالغ فيه!’
هل هناك من يستخف بي؟
أريد شخصًا يتجاهلني تمامًا ويقول “لا يمكنني قبول هذه الزوجة!” ثم يتجاهلني.
في تلك اللحظة، كما لو أن هناك إشارة إلهية، سمعت صوتًا قادمًا من النافذة المفتوحة قليلاً.
“هل تريدين مغادرة العائلة الآن؟”
بانتباه، بدأت أسمع صوت كايتلين وهي تعاتب الخادمات. كان صوت إحدى الخادمات المرتبك، وهي تتحدث عن جرعة من أحد الأدوية.
“آه، لا! ليس هذا!”
“تصرفكِ غير لائق. ذوقك رخيص، وصوتك يشبه صوت المحتاجين. كل شيء فيكِ لا يعجبني.”
كانت خادمات العائلات الرفيعة عادةً من بنات الأسر النبيلة، نشأن في العائلة نفسها.
لكن بسبب الجو المغلق في عائلة كالينوس، كان من النادر أن تعمل بنات الأسر النبيلة كخادمات.
‘خادمات عائلة كالينوس هنّ من النبلاء الصغار الذين تم طردهم من عائلاتهم.’
هزّيت رأسي داخليًا ثم نظرت مرة أخرى من النافذة.
“آسفة.”
“…سأصلح تصرفي.”
“ولكن، لودينشا.”
“نعم؟”
من النافذة المفتوحة، استمر صوت كايتلين الحاد في الوصول.
“لقد أخبرتكِ عدة مرات أن تلك الأقراط اللؤلؤية لا تناسب الخادمات.”
“فـ، الأمر هو… لقد أخذتِ شيئًا يخص أكسيلا في المرة الماضية أيضًا… ولم تُعيديه بعد…”
عيني كايتلين أصبحت حادة بشكل ملحوظ.
رحت أراقب شعرها البني وعينيها الحادتين والشر في نظرتها الحمراء المتوهجة، ثم ابتسمت بخفة.
‘كايتلين روناس. كانت خالة كونت روناس الحالي.’
لو سار كل شيء كما القصة الأصلية، لكنت التقيت بها لأول مرة بعد عدة أشهر في حفل اجتماعي سري ينظمه بيرتو.
(هنا يبدأ فلاش باك)
“ما هذه الأقراط؟ هل سرقتِها؟”
“لم أسرقها… على الإطلاق.”
“إذن كيف تجرئين على ارتداء أقراط جميلة كهذه وأنتِ ترتدين هذا الفستان الرخيص؟”
كانت أقراط اللؤلؤ هدية لي من الكونت فلوريت قبل أن يبحر.
لكن كايتلين اكتشفت ذلك وأظهرت رغبتها في أخذ الأقراط.
“عار لعائلة فلوريت، جيزيل. أجيبي.”
“…أنا… لست عارًا لعائلة فلوريت.”
“نحن نعتبر أنه عار أن تلاحقي الرجال هكذا.”
“…..”
“ربما هذا أمر طبيعي بالنسبة لكِ، لأنك نشأت بدون أن تتعلمي شيئًا من قبل.”
سمعت تلك الكلمات، وشعرت بضبابية في عينيّ، وسقطت فاقدة للوعي.
عندما استيقظت، اختفت الأقراط التي كانت تتدلى من أذني.
‘لن أسمح لأولئك الذين عذبوني في حياتي السابقة بالنجاح.’
كنت بحاجة إلى شخصية شريرة للانتقام، وظهور مديرة الخدم كان بمثابة نعمة.
‘الشرير يجب أن يتعامل مع الشرير.’
في تلك اللحظة، كانت هناك حلوى على الطاولة تركتها إحدى الخادمات.
حتى الحليب البارد كان موجودًا.
رفعت الكأس بأناقة وسكبته تحت النافذة.
“آه!”
“أوه، عذرًا!”
أومأت بيدي إلى كايتلين التي كانت قد أصبحت مثل الفأرة المبللة بالحليب تحت النافذة.
التعليقات لهذا الفصل " 35"