اتسعت عينا جيزيل بدهشة.
“كما توقعت، سمو الدوق، إنك حقًا طيب!”
أثناء نظرها إليه بابتسامتها السعيدة، شعر بإحساس غريب يتسلل إليه.
“أنت فعلًا أفضل رئيس عمل على الإطلاق!”
كان قلبه يقفز كسمكة طازجة، ثم يهدأ، وكلما نظر إلى وجه جيزيل، أحس بدغدغة في أطراف أصابعه.
يبدو أن هذا الشعور أيضًا يحتاج إلى دراسة… لكن لو أردت تبسيطه، فهو…
كان أقرب إلى “الفرح” الناتج عن إفراز السيروتونين والدوبامين.
ربما لأنه، ولأول مرة في حياته، يراه شخص آخر ليس كمصدر للخوف بل كشخص يمكنه الاعتماد عليه.
فقال مؤكدًا مرة أخرى:
“نعم، أردتُ أن أساعدك.”
“إن كنت ستساعدني حقًا، فلنخرج غدًا في موعد! لنشرب فنجان قهوة معًا، ما رأيك؟”
***
لكن، رغم أن دوق كالينوس لم يكن يعلم، لم يكن الوحيد الذي قضى ليلته مشوشًا تلك الليلة.
فبفضل سجلات كيما، حصل الكونت فلوريت على وقت راحة أطول، ما أتاح له معرفة المزيد عن جيزيل.
‘يالهم من حثالة… كل هؤلاء الحقراء!’
كان الغضب يملأ قلبه حتى بدا له أن مجرد القتل لا يكفي عقابًا لهم.
وسط الكم الهائل من الوقائع، وصل إلى مقطع كانت فيه عدة سيدات يرمين أطعمة ذات روائح لاذعة كالبصل والثوم على جيزيل. لم يستطع منع عينيه من الاحمرار.
يجب أن أقبض على كل تلك القاذورات وأضعهم أمام جيزيل.
تبنّاها ليحميها نيابة عن والدها الراحل، لكنه فشل في حمايتها من كل ذلك.
كان من حق جيزيل أن تلومه… لكنها بدلًا من ذلك، اختارت الاقتراب منه.
وعندما بدأت تقارير “تحركات جيزيل فلوريت” الموضوعة بجانب سريره تتبلل بدموعه، اتخذ قراره.
“ماريبوسا فلوريت.”
“نعم، أخي؟”
حدّق بها وهو يهمس بصوت منخفض:
“كنتِ تعلمين بكل ما حدث لجيزيل، أليس كذلك؟”
“لقد فكرت كثيرًا خلال فترة العقوبة، لكن… مع أن جيزيل كانت مسكينة، إلا أنني لست السبب، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“هي من أخطأت وتسببت بكل ذلك! لماذا تُحمّلني الذنب وحدي؟ أنا أيضًا عانيت كثيرًا بعد طلاقي وعودتي للمنزل! أنا أختك، أليس كذلك؟ لماذا لا تصدقني أبدًا؟”
“أنتِ الآن…”
“كما توقعت، كنت هكذا منذ صغرنا. لم تصدقني أبدًا. لم أكن أعلم أن جيزيل ستُعامَل بتلك الطريقة.”
وأثناء مراقبتها لتجمّد تعابير شقيقها شيئًا فشيئًا، واصلت ماريبوسا التفكير.
‘لا بأس، لقد ضبطتُ كل أقوالي. يمكنني التملص.’
وكان لا يزال لديها ورقة رابحة.
“حتى إن لم تتدخلي مباشرة، فإنك تتحملين مسؤولية عدم قيادة الصغيرة بطريقة صحيحة بصفتك كبيرة العائلة.”
“صحيح، ولهذا السبب كنت أقوم بأمور جيدة ككبيرة للعائلة!”
“ما الذي تعنينه؟”
رفعت ماريبوسا يدها بسرعة، يلمع فيها شيء ذهبي.
كان دعوة مذهبة تحمل ختم صقر أسود في وسطها.
لوّحت بها بحماس وهي تقول:
“إنها دعوة من عائلة كالينوس!”
“وكيف يعرفكِ آل كالينوس؟”
“لقد كنتُ أُدير بعض الأعمال التجارية، ويبدو أنني جذبت انتباههم.”
في الواقع، كان دوق كالينوس قد حجز غرفة خاصة في المقهى الذي أنشأته.
بل وطلب لقاءً خاصًا معها.
كنت واثقة أن تزايد زيارات النبلاء للمقهى سيزيد من نفوذي. أن يكون أول الزبائن هو دوق كالينوس… كل شيء يسير كما خططت.
لقد أتت إشاعاتها التي بثّتها بين طبقات المجتمع أُكلها. فابتسمت بفخر وهي تغطي فمها.
“اختلاس؟ يا للسخرية. لقد كنتُ فقط أهتم بمشاريع تعود بالنفع على العائلة. وقد كسبت صداقات مع عائلات نبيلة أخرى. أفهل تُريد أن تعاديني بسبب فتاة غبية تافهة جلبناها من الخارج؟”
لكن نظرة الكونت فلوريت لم تتزعزع.
“لا تُلصقي بجيزيل أوصافًا كهذه.”
“…ها، آسفة. على كل حال، اسمح لي بالخروج غدًا من العقوبة. يجب أن ألتقي بدوق كالينوس من أجل العائلة!”
ومع أنه كان سيد العائلة، لم يكن يملك مبررًا قويًا يمنعها من لقاء دوق من كبار النبلاء.
وضع يده على جبهته وتمتم:
“ماريبوسا فلوريت… سأبحث أكثر عنكِ. تذكّري، حتى وإن كنتِ أختي، لن أُظهر أي رحمة.”
كان الكونت فلوريت أذكى من ماريبوسا.
لم يكن فقط على وشك كشف إساءتها لجيزيل، بل أيضًا على وشك معرفة وجود المقهى السري.
كان كل شيء قاب قوسين من الانهيار…
لكن ما زال هناك أمل واحد.
إن استطعتُ التحالف مع عائلة كالينوس، فلن يجرؤ أخي على إبعادي بسهولة.
وقد تتمكن أيضًا من الانتقام من جيزيل، التي جعلت شقيقها يحتقرها.
‘سأجعلك تركعين يا جيزيل… ستندمين على جعلتي عدوًّا لك. كم أنتِ حمقاء.’
***
في صباح اليوم التالي.
توجّهت ماريبوسا إلى الطابق الثاني من المقهى.
بما أن خطتها نجحت وأتاحت لها فرصة التواصل مع نبلاء رفيعي المستوى، وجب عليها استغلالها لأقصى حد.
بدأت منذ الفجر بتأنيب الطاهي والنادلات لإعداد أشهى وأندر الأطباق.
‘يجب أن أغتنم هذه الفرصة لأُحسن ضيافة سمو الدوق قدر الإمكان.’
جلس دوق كالينوس في أرقى غرفة خاصة في المقهى.
كان وجهه المعتاد، الذي يشبه قاتلًا بدم بارد، يجعل ركبتيها ترتجفان من الرهبة.
رغم تذكّرها لكل الشائعات الغريبة المرتبطة به، سارت ماريبوسا نحوه بخطوات مرتعشة لكنها مجبرة.
ففي هذه اللحظة بالذات، بدا لها كحبل النجاة الوحيد وسط أزمة العقوبة.
“دوق كالينوس، أعلم أن سموكم لا يظهر عادة في المناسبات الاجتماعية، فكم هو شرف عظيم أن تتكرموا بالحضور إلى هنا…!”
“لمَ، هل هناك مشكلة؟”
“أبدًا لا! بل أنا من هرعت إلى هنا فور سماعي أنك ترغب برؤيتي!”
رغم جلوسها قبالته مباشرة، ظلت تنحني دون أن تتجرأ على التقاء نظراته، فحدّق بها وقال:
“أردت أن أُعرّفكِ بخطيبتي.”
لم تكن طريقته في الكلام تتماشى مع أساليب المجتمع الراقي، لكنها كانت مباشرة وصادمة.
رفعت ماريبوسا رأسها فجأة وقالت بدهشة:
“يا إلهي! إذاً هناك سيدة محظوظة ستصبح دوقة كالينوس! تهانينا، سمو الدوق! ويا لسعادتنا أنكم أخبرتمونا بهذا أولًا، إنه شرف كبير لعائلتنا!”
ثم تنهدت من أنفها وهي تفكر:
‘نعم! ماريبوسا هذه لن تُهزم بسبب عقوبة تافهة! ما حدث مع تلك النكرة جيزيل كان مجرد نحس عابر!’
انفرجت شفتا دوق كالينوس قليلًا.
بدت ملامحه وكأنها تسخر، لكن ماريبوسا تجاهلت ذلك وأقنعت نفسها أنه مجرد توهم.
“افتحي الباب.”
“ن-نعم!”
مع كلمات دوق كالينوس، بدأ الباب يُفتح ببطء، وتركيز ماريبوسا كان مُسلطًا نحو المدخل.
لكن لم يكن هناك أحد خلف الباب.
وبينما هي مشوشة، ألقت نظرة من شرفة الغرفة الخاصة باتجاه الشارع.
“آه! السيدة ذات المظلة البيضاء في الطابق الأول، أهي السيدة التي ستُصبح ربة منزل عائلة كالينوس؟”
“نعم.”
كانت السيدة ترتدي قبعة مزينة بشبكة بيضاء وممسكة بمظلة بيضاء، لذا لم يظهر وجهها بوضوح.
حتى وإن لم أر وجهها، فهي من ستصبح زوجة دوق كالينوس… يجب أن أكسب ودها بأي ثمن.
من المؤكد أن السيدة التي ستصير ربة منزل عائلة كالينوس ستُحدث ضجة في الإمبراطورية كلها.
تنهدت ماريبوسا بفخر وأخذت تمدح بصوت مرتفع عمدًا:
“يا للجمال الذي لا شك فيه! لا بد أنها سيدة نبيلة، أنيقة وراقية بكل معنى الكلمة!”
ثم بدأت تُسمع خطوات كعب عالي تصعد إلى الطابق الثاني.
لم تتمكن من رؤية الوجه بوضوح بسبب الضوء المعاكس، لكن خطوات السيدة كانت مهيبة وأنيقة.
هناك شيء مألوف بشكل غريب في هذه الهالة…
شعر فضي يتماوج بخفة، وفستان كلاسيكي من قماش ناعم…
وفي تلك اللحظة، تلاشى الضوء المعاكس، وظهر وجه السيدة أخيرًا.
“أنا أصلًا دائمًا…”
“……جيـ، جيزيل؟!”
“أنيقة، وراقية بالفعل.”
التعليقات لهذا الفصل " 26"