“هناك أمر أود إعلانه لجميع الشخصيات البارزة في المجتمع الراقي الذين تجمعوا هنا اليوم.”
تنحّت ماريبوسا جانبًا من على المنصة العالية في قاعة فلوريت.
ومن الظل الذي كانت تخفيه، ظهر رجل قصير القامة ومتقدم في السن—الفيكونت ميلفيان.
“أود إبلاغكم بخبر ارتباط عائلتنا، عائلة فلوريت، بعائلة الفيكونت ميلفيان.”
إلى جانبه، وقفت جيزيل بملامح قاتمة..
مدّ الفيكونت ميلفيان يده المتغضنة بابتسامة زاحفة.
“أوه، جيزيل. أيتها السيدة الجميلة.”
“….”
“كيف ترين شعري؟ أليس براقًا وجميلًا؟”
لكن جيزيل لم تقل شيئًا، فقط خفضت نظرها بهدوء.
وكأنها تستغرق في الرثاء لحالها.
أما النبلاء الواقفون أسفل المنصة، فقد تبادلوا النظرات وشرعوا في الضحك بسخرية..
“انظروا إلى الآنسة جيزيل، وجهها يبدو كسمكة صغيرة محبوسة في أعماق البحر.”
كانوا يقصدون أن وجهها كئيب ومظلم كسمكة أعماق البحار.
أخذوا يتهامسون ضاحكين، يلوّحون بمراوحهم، مستمتعين بنشر الشائعات..
“اليوم حضر بعض النبلاء رفيعي المستوى أيضًا، ألا ينبغي للخطيبة أن تبدو أكثر لياقة؟”
“انظروا إليها، تتجرأ على الوقوف هنا بذلك الفستان البالي. لا عجب أنها ‘محبوبة الجميع’.”
“إذا تمت خطوبتها للفيكونت ميلفيان فعلًا، فستصبح ‘محبوبة الجميع’ حرفيًا!”
كان الجميع يعرف أن جيزيل تتشبث بالماركيز بيرتو والدوق ليشانييل بلا كرامة..
ورغم السخرية اللاذعة، لم تفعل شيئًا سوى أن تخفض رأسها وتتنهد كعادتها.
“هاه….”
وكانت ترتجف كجرو مبتل بالمطر..
عندها، همست ماريبوسا لها ببرود..
“إنه يوم إعلان خطوبتك، ومع ذلك جئتِ مرتدية هذا الفستان البائس والوضيع، جيزيل فلوريت.”
ازدادت الابتسامات الساخرة عمقًا، عندما بدا أن جيزيل على وشك البكاء..
لكن فجأة، رفعت رأسها ببطء، وفتحت شفتيها المرتعشتين.
“آه، يا لكم من مزعجين.”
تجمّد الجو في الحال.
“ماذا قلتِ للتو؟”
“قلت إنكم مزعجون.”
“……ماذا؟ ماذا قلتِ؟”
“ماذا؟ هل لديكِ مشكلة في السمع؟”
كانت شفتا جيزيل ترتجفان كأنها ستنقضّ على أحد، وعيناها تقدحان شررًا.
حدّقت فيها ماريبوسا بصدمة..
“هل سمعت… خطأ؟”
“كنتُ أتكلم مع نفسي، لكن يبدو أن آذان السيدة ماريبوسا حادة للغاية.”
هل فقدت عقلها فجأة؟
القاعدة العامة في كل العصور: لا تقترب من الشخص المجنون.
لذلك، أخذ الجميع خطوة للوراء، غير قادرين على النطق بأي كلمة..
***
‘ههه، لم تعد ألاعيبكم السخيفة تؤثر عليّ.’
في حياتي الأولى، كنتُ جيزيل، بطلة مأساوية في قصة ندم.
لكن في حياتي الثانية؟
3650 يومًا من العمل في مختلف الوظائف.
مطاعم شواء، دور سينما، مقاهٍ للأطفال، مكاتب حكومية، بل وحتى مركز اتصال للتسوق المنزلي..
نعم، لقد كنتُ في حياتي الثانية طاردة الزبائن المزعجين!
‘اغتابوني، اشتموني، افعلوا ما شئتم. لن أسمح لكم بالنيل مني بعد الآن!’
في حياتي السابقة، تعاملتُ مع عدد لا يُحصى من العملاء الذين يظنون أن موظفي الخدمة أقل شأنًا منهم..
تذكرتُ أول وظيفة لي، ‘مروّجة عروض في متجر’.
“أليس هذا عرض تخفيضات؟ لماذا لا يُطبق الخصم؟ هل تستهزئون بالزبائن؟!”
حينها، قذفني أحد الزبائن بلعبة محشوة، وكأنني مذنبة..
انحنيتُ بخنوع، متمتمةً باعتذار…
“هذا المنتج ليس ضمن فترة التخفيضات، لذا…”
“إذًا، هل تقصدين أنني أنا المخطئ هنا؟ لا يمكنني قبول هذا. أحضري لي المدير فورًا.”
“المدير… في الواقع…”
“هل هذا هو مستوى تدريب الموظفين هنا؟”
“أنا آسفة، حضرة الزبون…”
“آه، لا بأس. فقط نادوا لي المدير! ما الفائدة من الحديث مع مجرد عاملة بدوام جزئي؟”
في تلك اللحظة، اجتاحني شعور خانق بالإهانة الشديدة..
بكيت كثيرًا في ذلك اليوم.
لكن كما يقولون، حتى الكلب الذي يعيش في المعبد ثلاث سنوات يمكنه تلاوة بعض التعاويذ، وبالمثل، فإن عشر سنوات من العمل في مجال الخدمات تجعلك عالمًا أنثروبولوجيًا في ثقافة الزبائن المزعجين.
“أنتِ هناك، أيتها العاملة! هناك شعرة في طعامي! أين المدير؟!”
“الشيف لدينا أصلع تمامًا.”
“كح، كح!”
مع هذا النوع من الزبائن، كان مجرد قول الحقيقة كافيًا لجعلهم يغادرون بسلام.
لكن هناك نوعًا آخر، أكثر خبثًا وإزعاجًا.
“هاه، اسمعي. أنا خبير في اللحوم، وأعرف تمامًا أن هذه الكمية ليست وجبة لشخص واحد.”
“في الواقع، إنها كذلك.”
“أنا من حي ماجانغدونغ، لدي خبرة في هذا المجال! كيف تكون هذه وجبة فردية؟ هاه؟ نادوا لي المدير!”
على الطاولة أمامه، كانت قطعة اللحم غير المطهية بالكاد قد لامست الشواية..
تعمّق الجميع في المطعم في المشهد، بينما أخذتُ نفسًا عميقًا وبدأتُ بالتحدث بصوت عالٍ، متصنعة البكاء.
“المدير… المدير توفي الليلة الماضية.”
“مـ، ماذا؟!”
اتسعت عينا الزبون المزعج بصدمة، بينما بدأ الزبائن الآخرون يتهامسون حوله..
“ماذا؟ المدير مات؟”
“يا إلهي، هل يتشاجر مع شخص متوفٍ؟ أي نوع من الحثالة يفعل ذلك؟”
وبينما كان المدير، الذي كان في طريقه للخروج من المطبخ، يلاحظ المشهد، تراجع على الفور إلى الخلف، وهمس بشفتيه: “حسنًا، سأعود للحياة غدًا.”
مسحتُ دموعي المصطنعة بسرعة وتحدثتُ بنبرة عملية وجافة..
“بالنيابة عن المدير الراحل، سأشرح لك. نحن نستخدم ميزانًا إلكترونيًا لوزن اللحوم، كما ترى؟”
“متى… متى أمسكتِ بهذا الميزان؟!”
“وجبة الشخص الواحد هي 150 جرامًا بالضبط. كل شيء دقيق.”
ما زلتُ أتذكر كيف احمر وجه الزبون المزعج حتى صار أشبه بالطماطم.
‘لقد تعاملت مع جميع أنواع الزبائن المزعجين منذ مراهقتي وعلى مدى أكثر من عشر سنوات. هل تعتقدون حقًا أنني لا أستطيع مواجهة هجومهم المغلف بالسخرية؟’
‘بالمقارنة مع هؤلاء الذين كانوا يقدمون شكاوى ليلًا ونهارًا في العصر الحديث، هؤلاء مجرد نباتات دفيئة حساسة.’
نظرتُ إلى ماريبوسا، مائلة رأسي قليلاً.
“جيزيل، لم أعد أستطيع تحمل وقاحتك. قلتُ لك أن تصمتي.”
“عفوًا؟”
حسنًا، حان وقت تطبيق المرحلة الأولى من فنّ طرد الزبائن المزعجين.
أولًا، عليك خفض نبرة صوتك ببطء وتغيير الأجواء… وبعدها…
“هل تناولتِ سمكًا مؤخرًا؟”
غطيتُ أنفي بهدوء شديد..
وبكل سكينة واتزان، وجهت لها هجومًا شخصيًا مدمرًا.
وجه ماريبوسا، التي كانت سريعة البديهة، احمرّ في لحظة.
“ما هذا الهراء، جيزيل؟ كم أنتِ وقحة وقذرة.”
“آه، حسنًا. فهمت. كما تقولين، أنا قذرة، لذا سأرتدي كيس قمامة وأذهب لأدفن نفسي تحت الأرض. ما الفائدة من بقائي حية؟”
“مـ، مـ، ماذا؟!”
المرحلة الثانية من فنّ طرد الزبائن المزعجين
عندما يبدأ عقل الخصم في التشوش، استخدمي تقنية “الهجوم الذاتي الحاد والمبالغ فيه” لإغلاق فمه تمامًا.
ماريبوسا، التي انقطع كلامها تمامًا، نظرت حولها ثم وجهت بصرها نحو الطاولة بجانب المنصة..
‘أستطيع توقع خطوتها التالية… هذه المرأة لا تستطيع التحكم بغضبها.’
ثم تذكرتُ شيئًا مهمًا—هذه أنا التي تواجهها.
هذا العالم يميل إلى فقدان الحبكة والمنطق كلما تعلّق الأمر بي، مما يعني أنني أستطيع التنبؤ بالضبط بما ستفعله بعد ذلك..
وكما توقعت، أمسكت بفنجان الشاي بقبضة محكمة، ملامحها غارقة في الغضب، ثم سكبت محتوياته مباشرة باتجاهي.
تششش!
“أوه، يا إلهي!”
“الفيكونت ميلفيان!”
“هـ، هـ، هل أنت بخير؟!”
لكن… الشاي لم يصبني أنا.
في اللحظة الأخيرة، انحرف مسار السائل الساخن، ليصب مباشرة على وجه الفيكونت ميلفيان، الذي كان يحاول التربيت على يدي قبل قليل..
أو بالأحرى…
“هـ، هاه…؟!”
الشاي لم يصب وجهه فحسب، بل اصطدم بباروكته السوداء الكثيفة، التي طارت وسقطت بلا حول ولا قوة على الأرض.
-بوووف.
سقطت الباروكة على البلاط الرخامي، بينما انعكست أنوار الثريا على جمجمته اللامعة تمامًا، المتألقة في الهواء.
“شـ، شعري…! ماذا… ماذا حدث؟!”
شحب وجه الفيكونت ميلفيان وهو يدرك ما حدث، ثم انحنى بسرعة ليجمع باروكته المتدحرجة، قبل أن يدوس على الأرض بغضب..
أما أنا، فقد غطيتُ فمي بيدي، وابتسمتُ بخبث.
“أوه، يا لها من مفاجأة! هل هبّت الرياح فجأة؟ لعلها بفعل رائحة فم ماريبوسا؟”
بالطبع، ماريبوسا ليست ساحرة تمتلك القدرة على توجيه تيارات الشاي بمنحنيات متقنة.
لكن…
‘بفضل معاملتكم لي كخادمة طوال هذا الوقت، تعلمتُ بعض تعاويذ التنظيف البسيطة، وهذا يشمل السحر الهوائي، للأسف.’
صحيح أن طاقتي السحرية كانت شبه مستنزفة، لكن القليل من السحر الهوائي؟ هذا في متناولي.
أما ماريبوسا، فلن تشك أبدًا، لأنها ببساطة تؤمن بأنني غير قادرة على فعل أي شيء.
وأيضًا…
‘الأمر لم ينتهِ بعد.’
تششش!
بابتسامة واسعة، سحبتُ من جيب فستاني ذلك الشيء الأسود اللامع، ورفعتُه عالياً.
التعليقات لهذا الفصل " 2"
Bruhhh..حبيت البطلة😂💔💔💞