تبدّت على وجوه ثلاثيّ السحرة التافهين ملامحُ ذهول، وفي اللحظة نفسها اتسعت عينا سيرا، زميلة غرفة بيلا، حتى كادتا تخرجان من محجريهما.
“مرحبًا؟”
خطوات تقترب بثبات.
نعم، إنّها…
“لقد عدت.”
“……؟”
إنها الساحرة المتهوّرة المشاكسة ذات الدائرة الأولى، بيلا، التي ظهرت فجأة في برج السحر.
لكنها هذه المرة لم تكن ترتدي عباءة سوداء كسائر السحرة، بل فستانًا أنيقًا وجميلًا.
“هربتِ من برج السحر، فمن أين لكِ المال لشراء فستان كهذا؟”
“دفعت ثمنه ذهبًا يا جولد، تمامًا كما يوحي اسمك.”
تجهم وجه جولد من هذه المزحة المفاجئة، لكن سرعان ما أطلق ضحكة ساخرة ازدراءً بها.
“ما الذي تهذين به؟ من أين لك المال؟ أنتِ بيلا!”
“لا.”
“هاه… لقد فقدتِ صوابك.”
انفجر الثلاثي بضحكة تهكمية، بينما بادلتهم بيلا ضحكة أكثر خفة ومرحًا.
“تنحّي جانبًا يا بيلا. يبدو أنكِ جئتِ لأنكِ سمعتِ أن دوق كالينوس ومعه الكونت قادمان، لكنكِ بلا أي إنجازات بحثية، لذا لن تشاركي.”
لمعت أعين الثلاثة بنظرات حادة، لكن بيلا اكتفت برفع كتفيها بلا اكتراث.
“همم… على ما يبدو أنكم لا تدركون الموقف بعد.”
وبينما أنهت عبارتها الغامضة، دوّى صوت ضجيج بالخارج.
لم يكن هناك أوركسترا كما في حفلات القصر، لكن أصوات دخول الحاضرين كانت واضحة…
“إنه دوق كالينوس!”
“وبرفقته الكونت ميلاندورف.”
“بيلا، هل أنتِ بخير؟ لماذا لا تأتين أمامنا؟”
ظهرت على وجوه من حولها علامات القلق، فكونت ميلاندورف كان راعي أولئك الثلاثة.
لكن بيلا وقفت شامخة.
وما إن فُتح الباب، حتى دخل الدوق كالينوس والكونت ميلاندورف وسيد برج السحر معًا.
ابتسمت بيلا بهدوء وهي تحدق فيهم، بينما اقترب الكونت منها قائلًا.
“آه! هكذا تبدين إذن! سمعت أن لديكِ مهارة تنكر مذهلة!”
“اصمت.”
“آه، حاضر حاضر!”
مسح الكونت يديه متوددًا، فتبدلت أجواء الحاضرين إلى الغرابة، خصوصًا الثلاثي الذين صُدموا بالمشهد. عندها تكلم جولد بارتباك.
“أيها الكونت ميلاندورف…؟”
“أيها الشاب، هل تعرف أين نحن؟ التزم الصمت!”
بل وتلقى التوبيخ بدلًا من الترحيب، فازداد ذهولهم.
حينها مدّ دوق كالينوس يده نحو بيلا.
“زوجتي؟”
أمسكت يده بصمت، بينما ارتسمت علامات الحيرة على وجوه الحاضرين.
“……؟”
“منذ متى كانت إمبراطوريتنا تقبل تعدد الزوجات؟”
ولمن لا يزال عقله متجمّدًا، ابتسمت بيلا قائلة.
“يبدو أن هناك سوء فهم.”
ثم ضربت الأرض بقدمها بخفة، وفجأة…
انقشعت عنها تعاويذ الإخفاء بلا صوت.
فتبدّت ملامحها الرقيقة، وشعرها الفضي الطويل، وعيناها البنفسجيتان… الوجه المعروف في أنحاء الإمبراطورية.
إنها جيزيل، زوجة دوق كالينوس.
لوحت بيدها بخفة للوجوه التي شحب لونها.
“مرحبًا؟”
“م- ماذا…؟”
“لقد استمتعت حقًا. ألستم سعداء برؤيتي؟”
خيم الصمت الثقيل على برج السحر، وابيضّت وجوه الثلاثي تمامًا.
من كان ليتصور أن جيزيل زوجة الدوق هي نفسها بيلا التي يعرفونها..
لو علموا لالتزموا الهدوء، ولما تسببوا بأية مشاكل.
فهؤلاء لا يعرفون سوى الخضوع للأقوياء والتجبر على الضعفاء.
لكن جيزيل لم تكن تنوي مسامحتهم.
“أنظروا إلى نظراتكم.”
أسندت ذقنها إلى كفها وردت عليهم ببرود.
“يا رفاق، أنا أعلم تمامًا ما أنتم عليه.”
“إذًا…؟”
“إذًا ماذا؟ إن كان لديكم عقل فضعوا هذا الكلام فيه جيدًا.”
“……”
صمتوا، عاجزين عن الكلام.
ولهم الحق، ففكرة أن ساحرة عظمى تخفي قوتها وتتسلل إلى البرج فكرة لا يستوعبها عقلهم.
“هل تريدون أن أخبركم بمقولة شهيرة قرأتها في كتاب؟”
ابتسمت بخبث.
كانت من مسلسل في الحقيقة، لكنها قالت “كتاب” لأنهم لا يعرفون المسلسلات أصلًا.
‘أنا حقًا أراعي شعورهم.’
ثم أومأت برأسها.
“المعاملة بالمثل.”
“……”
“إن لم تردّ الصاع صاعين فلن يعرف الناس قدر أنفسهم.”
الجبروت يقابَل بالجبروت، والظلم بالظلم.
ابتسمت وهي لا تزال تسند ذقنها.
‘حان وقت لعبة مسلية أخرى.’
“ماذا هناك؟”
“……”
“أنا أشعر بملل شديد.”
“أ- أعني…”
“هممم، ما رأيكم أن تتسلّوا قليلًا؟”
لقد عبثوا مع الشخص الخطأ.
أنا ضيقة الصدر للغاية.
كانت تنوي أن تذيقهم العذاب، حتى ينالوا جزاءهم العادل في النهاية.
***
بعد أن أشبعت غيظها من جولد وسيلفر وبرونز، طردتهم من برج السحر.
وبما أن الطرد كان باسمها، فلن يستطيعوا العمل كسحرة مجددًا.
لقد كان ذلك أشد عليهم من الموت.
لكن العنف داخل البرج أمر لا يُسمح به.
حتى راعيهم الكونت ميلاندورف أُجبر على دفع تعويضات.
صحيح أنه لم يكن يعلم، لكن الجهل أيضًا جريمة.
وبهذا عمّ السلام برج السحر، وتخلّصنا من الأشرار، بل وحصلنا على باحثين جدد لدراسة “السفر عبر الزمن”.
بعد ذلك أعدت دوق كالينوس الى قصره.
“لكنني وصلت للتو.”
“أشكركَ على قدومك، يمكنكَ الانصراف الآن.”
“كنت أود البقاء ومساعدتكِ…”
“مكانك في قصر الدوق، وأنت مشغول بما يكفي.”
“صحيح أنني مشغول، ولكن…”
“سأعود قريبًا. وأكون شاكرة إن راقبت الكونت ميلاندورف كي لا يثير المشاكل.”
وبعد رحيله، التفتت إلى سيد البرج وأعلنت رسميًا.
“أحضروا جميع مواضيع البحث.”
كنت ارتدي نظارة بإطار أحمر لا يعرف أحد من أين جاءت بها، وأحدق بهم بصرامة.
بل بدوت وكأن الاقتراب مني مخاطرة.
رأيت وجهي في المرآة، وبدوت كشخص لا تريد أن تعبث معه.
أومأت إليهم بإشارة صغيرة.
أما السحرة الكسالى فارتبكوا، في حين أضاءت عيون الباحثين الجادين.
صحيح أن توافد المتدربين لطلب المساعدة أمر مزعج، لكن…
ابتسمت بمرح نحو سيد البرج.
“أمهلوني أسبوعًا فقط.”
“لكن، مع كل هذه المساعدة… ماذا عن الأجر؟”
أجابته برفع كتفيها.
“ليس مهما، سأستلمه فور الانتهاء.”
بعد أسبوع، لن يبقى لسيد البرج الكسول ذرة من راحة.
ابتسمت بثقة قائلة.
“لنبدأ بإعادة الانضباط إلى برج السحر.”
التعليقات لهذا الفصل " 173"