***
بصراحة، لم أكن أستمع جيدًا لما كان يقوله.
هل من الضروري أن أنصت باهتمام لكل ما يقوله صبي في الثامنة عشرة من عمره؟
في الحقيقة، سبب صمتي قبل قليل كان بسيطًا.
رائحة الشاي أعجبتني، فاحتفظت بالمذاق في فمي طويلًا لا أكثر.
ربما، ومن دون قصد، جعلته يشعر بالذنب.
حدّقت فيه كما لو كنت أراقبه عن كثب.
فأخذ يشيح بنظره عني مرارًا وهمس قائلًا:
“إن كنتِ قد تأذيتِ، فأنا آسف. قول هذا… قد يكون قد جرحكِ.”
آه، إذن هذا هو الأمر.
هل يعقل أن يكون لدى الدوق فينتين كالينوس جانب لطيف هكذا؟
يا للعجب، من يصف عينيه الحمراوين بأنها عيون شيطان سيقع مغشيًا عليه لو رأى هذا الوجه الآن.
وبعد لحظة صمت قصيرة، همس بصوت منخفض.
“لكن، لا يهم كل شيء آخر الآن، أردت فقط… أن أسأل شيئًا. هل حقًا…”
تنفس بعمق للحظة، ثم تمتم بهدوء.
“هل حقًا… أخي، الآن… قد رحل عن هذا العالم؟”
لم أملك الشجاعة الكافية لأجيبه بصدق على ذلك السؤال.
لأن عينيه بدتا وكأنهما مجروحتان.
وكأنه جرو صغير تخلّى عنه صاحبه.
لكنني لم أستطع الكذب عليه.
تنهدت تنهيدة طويلة.
“نعم، لقد توفي.”
توهّجت عينيه من طرفيهما، وكأنه على وشك البكاء.
عندما يكون هكذا…. فإن قلبي يتألم حقًا.
مددت يدي نحوه.
“فتحت عينيك لتجد أن أخاك قد توفي، وقيل لك إنك تزوجت من امرأة غريبة فجأة، ولا يوجد أي أثر لأخيك، فلا بد أنك شعرت بالارتباك، أليس كذلك؟”
“…..”
نظر إليّ بطرف عينيه ثم أشاح بنظره.
“وفاة أخي… كانت صدمة كبيرة.”
“…..”
“لكن لدي شيء أقوله…. لم أفكر يومًا أنكِ امرأة غريبة. ربما…. كنتِ امرأة لا تفارق ذهني.”
“امرأة لا تفارق ذهنك؟”
“نعم. كل عشر دقائق تقريبًا… أجد نفسي أفكر بكِ.”
“….؟”
“منذ ذلك اليوم في الأوبرا، أظن. لا أتوقف عن التفكير… حتى في أفكار خاطئة عنكِ…”
ما هذا…؟
“هل هذا… اعتراف؟”
“…..”
احمرّ وجه فينتين مجددًا.
أظن أن الوقت قد حان لأتوقف عن اللعب بمشاعر شاب في الثامنة عشرة.
ابتسمت بلطف ومددت يدي نحوه.
“يدك.”
“ماذا….؟”
“في مثل هذه الأوقات، علينا على الأقل أن نتشارك بعض الدفء بالكلام.”
“ما هذا الهراء؟ لا توجد أي نتائج بحثية تؤكد ذلك.”
أجبته بهدوء.
“نُشرت ورقة بحثية قبل عشر سنوات، عندما فقدتَ ذاكرتك، حول تأثير اللمس الجسدي على النفس.”
“حقًا؟”
“نعم.”
“….إذن، بعد إذنكِ.”
ببطء، وضع أطراف أصابعه على يدي.
يا له من بريء.
بصراحة، لا أعرف إن كان هناك بحث كهذا أصلاً.
لكنني أعلم شيئًا واحدًا.
عندما يفقد الإنسان من يحب، فإن ألم اليأس ذاك قد يهدأ من دفء شخص آخر.
ولهذا السبب، مددت له يدي.
ولكن، في اللحظة التي تلامست فيها أطراف أصابعنا، تجهم وجهه قليلًا.
“ما الأمر؟”
“أظن أن ذاكرتي…. بدأت تعود قليلًا.”
“ماذا؟”
“هل كنتُ أستخدم معكِ الحديث الرسمي، لا العفوي؟”
اتسعت عيناي بدهشة.
“كنتَ تتحدث بأسلوب عفوي، ثم تحولتَ للأسلوب الرسمي بعد الزواج.”
“صحيح…. لقد تذكرتُ ذلك الزواج المتسرع. أمام والدي….”
“زواج متسرع، تقول؟ لقد عقدنا قراننا رسميًّا وقلنا عهودنا بوضوح.”
“…وتذكرتُ شيئًا عن عقد الزواج أيضًا… بعض الذكريات المتفرقة…”
غريب.
ربما كان اللمس الجسدي هو المحفّز الذي يعيد ذكريات دوق كالينوس.
فهل أمسك يده بقوة أكثر؟
ولكن، في اللحظة التي كنت على وشك أن أمسك يده بقوة، انتفض فينتين فجأة واقفًا.
“لا يمكن.”
آه، هل بدأ مجددًا بموضوع العفة قبل الزواج؟
حسنًا، سأتركه وشأنه هذه المرة.
خصوصًا وأن لدي موعدًا لاحقًا.
***
“جيزيل! سمعتُ أن دوق كالينوس الوغد ليس في حالة جيدة هذه الأيام، أليس كذلك؟”
في تلك الأثناء، كنتُ قد أمسكتُ من قبل الكونت فلوريت، الذي جاء إلى القصر متأخرًا، وسحبني إلى غرفة الاستقبال.
مهما يكن، فهذه مملكة قائمة على النظام الطبقي.
‘الكونت فلوريت، يبدو أنه بدأ يتصرف دون مراعاة للمقامات…’
على أي حال، جلس الكونت فلوريت على أريكة غرفة الاستقبال وهو يزمجر غضبًا.
“أنا غاضب أصلًا لأنهم سمحوا بذلك الزواج السخيف!”
“نعم، تبدو غاضبًا جدًا فعلًا.”
وجهك أحمر فاقع، حقًا…
“بالضبط! حتى لو شتمته كل يوم، لن يكون كافيًا. ثم يأخذك معه، ويتصرف بهذه الهشاشة؟ لا يعجبني هذا إطلاقًا!”
“أحقًا؟ لكن ما هذه الرزمة من الأدوية في يدك؟”
“همف!”
“مكتوب عليها: إلى السيد فينتين كالينوس.”
“لا شيء مهم! مجرد أدوية متبقية جلبتها دون تفكير.”
هذا يشبه الأب أو الجد الذي يُغلي الأعشاب كلما مرض طفل في البيت.
‘كنت تقول إنك تكرهه، ويبدو أنك بدأت تشعر نحوه بشيء من الود.’
إن كان الأمر كذلك، فليس شيئًا سيئًا.
قال الكونت فلوريت وهو يشهق بتكبر.
“لكن، طالما أنكِ تحبينه، وقد جعلكِ سعيدة، مع ذلك! ما زلت لا أعترف به كصهر لي!”
مرت سنوات على زواجنا، فماذا ستفعل إن لم تعترف به…؟
كادت هذه الكلمات تفلت من لساني.
‘لكنني ابنة صالحة.’
….فابتلعت كلماتي بصعوبة داخل صدري.
“على أي حال، سأرحل الآن. جيزيل، الطبيب قال إن تلك الأدوية مفيدة للذاكرة، تأكدي أنه يتناولها!”
ربما شعر بالحرج من كونه قلقًا على الدوق، فهرب بسرعة دون أن ينتظر حتى ردي.
بينما كنت أتابعه يغادر، فتحتُ كيس الدواء وتفحصته.
[فعّال في تقوية الذاكرة]
عندما رأيت كلمة “الذاكرة”، غمرني شعور حزين مفاجئ.
لأنني أعلم أن جيزيل، بالنسبة لفينتين كالينوس ذو الثامنة عشرة، لا تمثل له أي معنى.
تنهدتُ بعمق وأنا أقبض على كيس الدواء الذي تركه الكونت فلوريت خلفه.
رغم أن مضايقته أمر ممتع…
….فجأة، تمنيت أن يستعيد ذاكرته في أقرب وقت.
“آه، صحيح، جيزيل؟”
“نعم؟”
“كان هناك شيء أرسلته عائلتكِ من قبل.”
“ما هو؟”
“رواية بعنوان [السفر عبر الزمن]، لا أعلم إن كانت مجرد رواية أم بحثًا نظريًا؟ هل تودين قراءتها؟”
فتحتُ عينَيّ على اتساعهما.
السفر عبر الزمن؟ حقًا؟
فجأة، ظهر أمامي حديث عن طريقة للعودة بالزمن، وكأنه كان بانتظاري.
***
بعد أن استلمتُ المعلومات المتعلقة بالسفر عبر الزمن من الكونت فلوريت مباشرة.
ذهبتُ على الفور إلى فينتين.
لكن حالته بدت أسوأ من ذي قبل.
لم يستطع حتى أن ينظر في عينيّ، ووجهه كان محمرًا كمن شرب الخمر.
‘هل هو حزين بسبب شقيقه؟’
…لو استعاد ذاكرته فقط، لتمكّن من تهدئة مشاعره تدريجيًا.
رفعتُ الأوراق أمامه بهدوء.
“أراك متعبًا لأنك لم تتمكن حتى من العثور على أثر لأخيك، لذا، دعنا نعود إلى الماضي معًا. سأساعدك على توديعه ولو لمرة أخيرة.”
“وكيف سنعود إلى الماضي؟ ماذا تعنين بذلك؟”
ابتسمتُ ابتسامة عريضة.
“أعني، ما يُسمى، السفر عبر الزمن.”
ربما هو لا يتذكر الآن.
لكن قبل فترة، عدتُ عبر الزمن والتقيتُ بوالديّ في شبابهما.
“لكن السفر عبر الزمن مستحيل. هناك مفارقة زمنية تمنع حدوثه أساسًا.”
رفعتُ إصبعي إلى شفتيه وابتسمت. فورًا، توقّف عن الكلام.
بدأ أنفه يحمرّ من حيث لمستُه.
“ما، ما الذي تفعلينه فجأة؟”
“عمومًا، نعم، السفر عبر الزمن مستحيل. لكن…”
سحبتُ إصبعي عن شفتيه وأنا أبتسم.
“أنا ساحرة عظيمة، ألا تذكر؟”
التعليقات لهذا الفصل " 162"