“حديقة… الأشجار التذكارية؟”
ما وقع في مجال رؤيته كان شجرة نُقش عليها اسم شقيقه.
فأمسك فينتين بكتف الخادم الذي كان يروي الشجرة بسرعة.
“أيها الخادم.”
“آه، نعم! أحيي سمو الدوق!”
نظر فينتين إلى الخادم المنحني، وعضّ شفتيه قبل أن ينطق.
وبينما كان يُمسك بكتف الخادم بإحكام، تمتم بأسنانٍ مطبقة:
“هنا كان مكتب شقيقي، الذي كان وريث العائلة.”
“آه، نعم…. صحيح، كان كذلك.”
“كان كذلك؟ ماذا تعني بقولك هذا؟ لماذا اختفى مكتب شقيقي؟”
“بناءً على أوامر السيدة يوليانا، دوقة كالينوس السابقة، حُوّلت هذه الحديقة إلى مكانٍ لحفظ رفاته.”
“رفاته؟”
“ذلك يعني…”
“ما الذي تعنيه؟ تكلّم بوضوح.”
حينها فقط، بدأ الخادم يتلعثم وهو يعترف بالحقيقة.
“لقد… توفي أثناء معركة طاحنة وهو يدافع عن العائلة.”
ريويس، والخادم، والناس جميعهم…
قالوا إن شقيقه قد مات.
ولم يكن هناك دليل في أي مكان على أن شقيقه وزوجته ما زالا على قيد الحياة.
‘إن كان الأمر كذلك، فهل ماتا حقًا معًا…؟’
رفضًا منه لتقبل هذه الحقيقة، هزّ فينتين رأسه نافيًا داخله.
لم يخطر بباله قط، حتى في أشد المعارك، أن شقيقه قد يموت.
لكن…
جلس فينتين ببطء على الأرض.
“سيّدي الدوق…”
همس الخادم بحذر، لكن فينتين تمتم وهو جالس على الأرض:
“اخرجوا جميعًا. ولا تسمحوا لأحدٍ بالدخول إلى هذه الحديقة.”
“حاضر.”
كان لا يزال مجرد فتى أحمق في الثامنة عشرة من عمره.
لم يكن بطلاً أسطورياً قضى على كل الوحوش، لم يكن “فينتين كالينوس” الذي تمجده القصص.
في تلك اللحظة، سُمعت أصواتٌ صاخبة من خلف النافذة.
كانت أصوات حرس الشرف يرددون هتافاتهم القوية.
توجهت أنظار الخادم وفينتين إلى الخارج حيث يُجرى أحد الطقوس الصباحية للحرس.
كان من التقاليد التي بدأت في عهد شقيقه لتعزيز ولاء الجنود لعائلة كالينوس.
هتف الحرس بأصوات مدوية ومهيبة:
“من أجل بطلنا العظيم!”
“من أجل دوق كالينوس العظيم، فينتين، من أنهى حرب الوحوش!”
“ومن أجل الدوقة جيزيل، التي أنقذت الإمبراطورية من السقوط على يد قوى الشر!”
استمع فينتين لكل ذلك المديح، ثم أعاد بصره إلى عمق الحديقة.
بل بدقة، نحو تلك الشجرة التي قيل إنها تحفظ رفات شقيقه.
“سخيف… كل هذا مجرد XX.”
من لم يستطع حتى حماية شقيقه، كيف يُعتبر بطلاً؟
بعكس نفسه المستقبلي، كان لسانه حادًا إلى حدٍّ ما.
ولهذا، لم يكن هناك من يمكنه منعه، سواء كان خادمًا في الردهة أو جنديًا خارجًا.
لكن في تلك اللحظة…
صدر صوت طقطقة من فتح الباب.
مسح فينتين بعنف طرف عينيه المحمرتين وقال بحدة:
“قلت بوضوح ألا يدخل أحد، أليس كذلك؟”
“يا إلهي.”
صوت مألوف.
بل مألوف لدرجة أن جسده تحرك تلقائيًا نحوه.
اقتربت جيزيل منه ومدّت يدها.
“انهض أولًا.”
“……”
“ولا تبكِ.”
قال لها بنبرة جافة.
“أنا لم أبكِ. البكاء هو فعل ينتج عن تحفيز الغدد الدمعية حول العين مما يؤدي إلى إفراز مفرط للدموع كاستجابة فسيولوجية لتنظيم المشاعر. لم أتعرض لأي تحفيز من هذا النوع.”
“حتى في هذا الوضع، تحافظ على طبعك الفريد. على كل حال، إن واصلت الجلوس بهذا الشكل، فإن الدورة الدموية في الجزء السفلي من جسدك ستضعف، ما قد يسبب اضطرابًا في تدفق الدم إلى القلب.”
استمع إلى كلماتها في ذهول.
كلامها كان منطقيًا بالفعل.
لكن شعوره بالذنب لعدم قدرته على حماية شقيقه منعه من القيام بأي شيء.
حينها، اقتربت جيزيل منه ومدّت يدها مجددًا.
“إن لم تستطع النهوض وحدك، فامسك بيدي.”
“……”
“وإن لم ترغب بإمساك يدي، أعرض عليك قدمي.”
“أنا… لا أكره إمساك يدكِ.”
قبض فينتين بسرعة على يدها بإحكام.
‘ما الذي يحدث لي؟’
تحرك جسده من تلقاء نفسه.
كأنه معتادٌ على ملامستها دائمًا.
“حتى بعد أن فقدت ذاكرتك، ما زلت على حالك، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تضغط على يده وتبتسم له بابتسامة مشرقة.
‘تبدو كملاك…’
في تلك اللحظة، اختفى الدم من وجه فينتين.
تلك لم تكن فكرة خطرت له بإرادته.
‘هل فقدتُ صوابي حقًا؟’
هل هذا العالم هو المجنون؟ أم أنه هو من فقد عقله؟
“لن تنهض؟”
استفاق من أفكاره على صوتها.
‘هل جننت؟ كيف يمكنني، بعد أن فقدت ذاكرتي وشقيقي، أن أنظر إلى تلك المرأة وأفكر أنها… ملاك؟’
إنه أمر لا يعقل.
ومع ذلك، ها هو أمر لا يعقل يحدث أمامه.
***
“لقد مزجت شاي البابونج بالبرتقال. يقولون إنه فعّال في تهدئة الأعصاب.”
“أنا متأكد من أنني أمرت بعدم السماح لأي أحد بالدخول. فلماذا دخلتِ؟ وما هذا الوقت المفاجئ لشرب الشاي؟”
وُضع إبريق الشاي والفناجين فجأة على طاولة حديقة الأشجار.
سكبتُ شاي البابونج المختمر بعناية في الفنجان وقلت:
“اشرب بسرعة فنجانًا.”
“ألا تسمعين ما أقوله؟”
“أسمعك جيدًا.”
“فلماذا لا تردين؟ سألتكِ عن سبب هذه الجلسة المفاجئة لشرب الشاي.”
كانت نبرته مشحونة حقًا بالرهبة. لكنني ارتشفت الشاي بهدوء.
‘أنا أعلم أن داخل هذا الغلاف المخيف، هناك شاب علمي.’
لذا، لم يكن مخيفًا.
‘آه، طبعًا، هو لا يخيفني أصلًا…’
رفعتُ يدي بخفة ولوّحت مبتسمة.
“سأخبركِ إذا شربتَ رشفة واحدة.”
رمقني بنظرة حادة، ثم رفع الفنجان وشربه دفعة واحدة.
“ألم يكن ساخنًا؟”
بما أن وجهه احمرّ، فلا بد أنه كان ساخنًا.
عندما نقرْتُ لساني، سارع لتبرير نفسه.
“لم يكن ساخنًا أبدًا.”
“أوه، حسنًا. على كل حال، وجهك يبدو أفضل بكثير من قبل. قبل قليل، كان وجهك غارقًا تمامًا في اليأس، وكأنك على وشك البكاء.”
“تعبير وجهي لا يعكس مشاعري.”
“لكنه كان يعكسها، في الواقع.”
“……”
حتى الآن، ملامحه لا تزال متجهمة.
بعد أن شربتُ رشفة أخرى من الشاي، غيّرتُ الموضوع بخفة.
“على أي حال، سأخبركِ بسبب هذه الجلسة. سمعتُ أنك كنت تبحث عن أخيك.”
“…كيف علمتِ بذلك؟”
“الخدم أخبروني بكل شيء طبعًا.”
“لكني أنا الدوق. هل تقصدين أن زوجة الدوق تتجسس على كل تحركاته؟”
اختفت ملامح وجهه خلف ظل بارد.
‘يا إلهي، يبدو أنه لم يكن يعرف ما الذي فعله مستقبله…’
ابتسمت ابتسامة عريضة، وأخرجت ورقة عهوده من جيبي.
“بفضل تهديدك في الماضي، يا فينتين كالينوس.”
أخذ الورقة بسرعة، وارتسمت على وجهه علامات يأس.
“هذه هي الورقة التي جعلت من والدي عبدًا لأمي، أليس كذلك؟”
صحيح، إنها “وثيقة العبودية”.
تلك التي سلمني إياها دوق كالينوس الحقيقي عندما تزوّجني.
وفيها بنود غريبة مثل: “يُسمح لجيزيل بمراقبة جميع تحركات فينتين، وتثبيت جهاز تتبّع عليه” وما إلى ذلك.
‘أنا قلت له إنها غير ضرورية، لكنه أصرّ على إعطائي إياها.’
لم أتخيل أبدًا أن هذه الوثيقة ستفيدني في موقف كهذا…
“وبناءً على ذلك، فأنا أراقبك الآن بدقّة، وأينما ذهبت أستطيع معرفة مكانك.”
عندها، مرّر فينتين يده على وجهه الجاف، وضحك ساخرًا.
“يا له من أحمق كنتُ عليه في المستقبل. ليس فقط أنني سلّمت طوقي لامرأة لا أعرفها، بل حتى لم أستطع إنقاذ أخي…”
“بل كان زوجي ذكيًا.”
“وتوقفي عن مناداتي بالزوج.”
“ولمَ؟ أنت زوجي.”
“بالنسبة لي، كلمة ‘زوجة’ لا تعني إلا الفعل ‘ينكر’.”
(في اللغة الكورية كلمة زوجة هي جزء من كلمة ينكر، مثلا في العربي باب وبابــونج)
“آها.”
لم أعلّق لفترة، مكتفية برشفة من الشاي، فقال وهو يتجنّب نظراتي ويتمتم باعتذار خافت.
“حتى لو كنتِ قد تأذيتِ… فلا أستطيع أن أقبلكِ كزوجة لي بعد.”
حسنًا، لو قلت إنني لم أتأذَ، فستكون كذبة.
“في الواقع لم أتأذَ.”
نعم، كانت كذبة.
التعليقات لهذا الفصل " 161"