#الجزء الثاني من القصة الجانبية: زوجي أُصيب بفقدان الذاكرة (بسبب تجربة علمية)
دوّيٌ عنيف، كأن السماء والأرض قد انشقتا، مزّق السكون فجأة.
امتلأت المنطقة المحيطة بمختبر فينتين بالدخان الأسود، وخرج المساعدون المذعورون واحدًا تلو الآخر، كما لو أن الأمر طبيعي تمامًا.
نظر كبير مساعدي دوقية كالينوس إلى الممر المدمر وتنهد وهو يفكر.
‘هل لأن السيدة جيزيل سافرت قليلًا؟ يبدو أنه اندمج في تجاربه أكثر من المعتاد.’
ويبدو أن ذلك جعله يهمل قواعد السلامة.
ومع ذلك، لم يشعر أحدهم بالقلق على فينتين.
فمن يملك شخصيةً مرعبة، وجسمًا مرعبًا، وقدرة شفاء مرعبة مثل فينتين، لا يُقلقهم عليه قدر ما تقلقهم العصارة اللذيذة للديك الرومي الذي سيُقدَّم على المائدة اليوم.
وبالفعل، وتمامًا كما كانوا يتوقعون، خرج فينتين من المختبر المملوء بالدخان وهو في أتمّ حال.
رغم وجود بعض السخام على خده، ورغم انبعاث القليل من الدخان منه….
ظلّ المساعدون مع ذلك يتظاهرون بالقلق مجاملةً منه.
“هل… هل أنتَ بخير، يا… يا سمو الدوق؟”
وهنا…
“…..”
تقطّب جبين دوق كالينوس، أو بالأحرى، فينتين، وسأل بتجهم:
“لماذا أنا الدوق؟”
“ماذا… م… ماذا؟”
“أليس والدي هو الدوق؟”
“ما، ما الذي….”
“وفوق ذلك، أنا لست الوريث. كيف أكون أنا دوق كالينوس، متجاوزًا شقيقي؟ أيعقل هذا؟”
صحيح أن دوق كالينوس كان يتحدث بطريقة غريبة أحيانًا، لكنه لم يُنكر لقبه ولو مرة.
ساد الصمت للحظة، فقد عجز المساعدون عن الكلام بسبب هذا الموقف المفاجئ.
“…..”
“ثم إنكم كلكم كأنكم شِختُم قليلًا. وجوهكم لا أعرفها. تبدو أكبر باثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر من ذكرياتي.”
أحد المساعدين، وكان يعتني بمظهره كثيرًا، أخرج مرآة يد صغيرة بسرعة من جيبه.
“لكنني كما كنت….؟”
لا يفهم ما الذي يعنيه الدوق بكلامه.
وسط الفوضى، تَقدّم كبير المساعدين، الذي عادة ما يكون الأقرب إلى الدوق.
“يا… سمو الدوق؟”
“…سمو الدوق؟”
تقطب جبين فينتين بتجهم. ولكن بعد لحظة من التردد، ابتسم كبير المساعدين وكأنه فهم شيئًا، ورفع يده قائلاً:
“آه، هل هذه إحدى تجاربكَ علينا هذه المرة؟ سيكون رائعًا لو أخبرتنا مسبقًا بموضوع التجربة!”
“…..”
“هاها، أم أنها مزحة لطيفة لتعرضها على السيدة جيزيل؟”
“ما هذه الترهات؟ ومن هي جيزيل هذه؟”
لم يقم فينتين، دوق كالينوس، قط بتجارب على البشر.
ولم يكن ليمازح بشأن جيزيل، حتى مزحة خفيفة.
فهو كان يُقدّرها كثيرًا.
لكن عندما ذُكر اسم ‘جيزيل’، لم يظهر على وجهه أدنى أثر لأي شعور.
‘عندما كان يُذكر اسم السيدة جيزيل، كانت درجة حرارة خده ترتفع عادةً بمقدار 0.1 درجة….’
لكن الآن، لا تعبير على وجهه، والهواء من حوله بارد كالجليد.
لقد أنكر جيزيل تمامًا، عن وعي.
‘…..لماذا يحدث هذا فجأة؟’
سأل كبير المساعدين، المرتبك أكثر فأكثر، بحذر:
“سمو الدوق… هل أنت جادّ؟”
“هل هناك أحمق يمزح بأمر كهذا؟ على كل حال…”
“ن- نعم؟”
سأل فينتين، وهو ينظر إلى مساعدٍ ما زال يجهل حقيقة ما يحدث، بنبرة هادئة:
“ما خطب صوتي؟ يبدو كصوت رجل مسن، وقد تجاوز سنّ البلوغ.”
ردّ عليه المساعد، وقد نسي الموقف تمامًا بسبب الغضب:
“إنه صوت منخفض… ووقور! إذا كان صوتكَ يُعتبر مسنًّا، فهل صوتي أنا صوت سمكة حبّار؟”
“نعم، حبّار. لذا لماذا صوتي يبدو وكأنني قد شِخت؟”
تجاهل فينتين مشاعر كبير المساعدين، الذي تحوّل فجأة إلى حبّار، وعاد ليعبس من جديد.
كان الآن محاطًا بالكثير من الأسئلة.
ولا شيء يبدو منطقيًا في عقله.
عندها، قال المساعد، بصوتٍ مرتجف:
“لأن… لأنكَ تجاوزتَ الثلاثين من العمر يا سمو الدوق…”
“….ماذا؟”
للمرة الأولى، اتّسعت عينا فينتين الذي كان يتصرّف كدمية خشبية، وبدا مذهولًا بحق.
“مزحة سخيفة.”
“ماذا؟ مزحة؟”
“أنا في الثامنة عشرة من عمري هذا العام.”
مـ… مـــاذااااا؟
***
تم استدعاء الطبيب الخاص بعائلة كالينوس على عجل.
وكان الوحيد الذي بدا هادئًا تمامًا هو فينتين، الذي تمدد على السرير بهدوء.
“لستُ مريضًا. ولم أفقد عقلي كذلك.”
“أرجو الانتباه إلى ما تقوله، يا دوق. الأقوال الطائشة تسيء إلى الوقار….”
“نعم، مفهوم. يا أمي.”
حبست يوليانا أنفاسها.
فرغم مظهره المتجهم قليلًا، فإن سكوته الهادئ ذكّرها تمامًا بفينتين عندما كان في الثامنة عشرة.
وأثناء تبادل الحديث، كان الطبيب الواقف عند السرير يقلب زجاجات الدواء بتعبير مرتبك.
“أعني، هذه الحالة….”
“هذه الحالة؟”
بعدما فحصه طويلًا مستخدمًا كل الأدوات الممكنة، بدت علامات الذهول على وجهه.
ثم نظر إلى فينتين وأفراد عائلة الدوق المجتمعين عند جانبه.
“الأمر هو… مممم…”
“ما الأمر؟”
“لقد فقد كل ذكرياته بعد سن الثامنة عشرة.”
فقد دوق كالينوس ذاكرته!
وكان لوقع تلك الكلمات أثر كبير.
على فينتين، وعلى يوليانا كذلك.
تبادلا النظرات وتمتم كل منهما بهدوء.
“أمر صادم فعلًا.”
“نعم، يا أمي. أشعر بصدمة شديدة أيضًا. فقدان الذاكرة، يا له من أمر غريب.”
رأى الطبيب تعابير وجهيهما الهادئة وفكر:
…. لا، لا يبدو عليهما الصدمة فعلًا.
حينها سأل فينتين.
“هل كل شيء آخر بخير عدا الذكريات؟”
رغم عبوسه الشديد، لم ينكر الواقع.
وكان هذا مختلفًا تمامًا عن مرضى فقدان الذاكرة المعتادين.
“آه، وربما فقد أيضًا مشاعره مع ذاكرته.”
“فقدان المشاعر؟”
أراد الطبيب أن يبدو حماسيًا في عرضه.
لكن بدلاً من أن يتنهد الجميع بقلق….
“فينتين لم يكن لديه مشاعر في الأصل.”
…. لم يحدث شيء كهذا.
“الطبيب ما زال جديدًا في العائلة، فلا يعرف الأمور بعد، سيدتي. لكنه موهبة ضمناها بعد فحص دقيق.”
“حقًا؟ على أي حال، فلنكتفِ بتسجيل أنه فقد الذاكرة فقط.”
بدوا جميعًا هادئين.
وكان الطبيب، الذي انضم للعائلة مؤخرًا، هو الوحيد الذي كان يدور بعينيه بذهول.
“ع، على أية حال، إن أردنا استعادة الذاكرة، فلا بد من وسيلة لذلك.”
“وما الوسيلة المتاحة لاستعادة الذكريات؟”
“أولًا، يمكن عرض بعض ذكريات الماضي، لتحفيز مركز الذاكرة في الدماغ.”
تبادل والدا الدوق النظرات.
وكان فينتين يراقبهم بوجه ينم عن اهتمام.
***
اتخذ والدا الدوق قرارًا حاسمًا.
فأحضرا كرات الذاكرة التي سُجلت فيها الذكريات التي فقدها.
ولكن….
“هذه إحدى كرات الذاكرة التي تصورك في سنواتك المتقدمة. تم تسجيلها يوم زفافك من جيزيل…”
“نعم، يبدو أنني أبتسم بزاوية عشرين درجة من طرف شفتي.”
“……”
“أجهل كم كنت معجبًا بها لأصل إلى هذا الحد. لم أبتسم بهذه الطريقة في حياتي من قبل.”
بدلًا من استرجاع الذكريات، كان منشغلًا بتحليل نفسه داخل كرة الذاكرة.
‘إنه ابني، ومع ذلك…. مجنون فعلًا.’
استثارة مشاعر فينتين أو استرجاع ذكرياته بدت أمرًا مستحيلًا.
وفوق هذا، ظل يعبس وكأن الأمر يزعجه.
“ثمة ما هو أهم من استعادة الذكريات.”
“وما الذي قد يكون أهم من ذلك؟”
“متى سيتم ترميم مختبري؟ هناك تجارب كثيرة لم تُستكمل بعد.”
“لا، لنفكر في الذكريات أولًا، ثم نعيد ترميم المختبر بعد ذلك.”
“كل دقيقة وثانية مهمة في التجارب. فالفارق الزمني البسيط يُحدث فرقًا كبيرًا في النتائج. والأهم، أنني فضول بشأن ماهية التجربة التي كنت أجريها حاليًا.”
تنهدت يوليانا في سرّها من كلماته الحادة.
‘أنجبته من رحمي، ومع ذلك… إنه مجنون تمامًا.’
بل وصل به الأمر إلى أن نهض وكأنه سيتوجه إلى المختبر حالًا.
‘لا يمكن السكوت بعد الآن. لا بد من إجراء حاسم.’
تنهدت يوليانا، فقال الدوق السابق الذي كان يراقبها بصوت حذر:
“فينتين، يبدو أن الحل الوحيد هو…”
“نعم؟”
“علينا أن نحضر جيزيل.”
التعليقات لهذا الفصل " 157"