“هل قطعتم الأخشاب جيدًا جميعًا؟”
“نعم!”
.…لكن الأمر الغريب حقًا هو التالي.
كانوا حقًا يبدو عليهم التبعثر والفوضى….
‘لكن ما إن وصل والدي حتى انضبطوا فورًا؟’
.…لم يبدو حتى وكأنه حاول ضبطهم عمدًا.
نظر إلى المرتزقة الذين كانوا يقفون باستقامة، ثم أشار إليّ بذقنه.
“ما رأيكِ؟ أليس لديكِ رغبة في الفرار الآن؟ أنتِ نبيلة، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، تحدث أفراد فرقة المرتزقة بحذر.
“تلك الآنسة، إنها قوية.”
“مستحيل، أليس كذلك؟”
مستحيل؟
مستحيييل؟
آه، على وجه الأرض.
بناءً على خبرتي في العيش في دولة تقدر الأخلاق والمبادئ، كانت هناك أوقات أردت فيها أن أُحسن معاملة والدي الشاب.
لكن هذا الوالد، يسخر ويمزح بطريقة مبالغ فيها حقًا.
“الكونت سيهيرا كان يشبهكِ كثيرًا!”
“آه، حقًا؟ يشبهني أنا؟”
“نعم، كان يشبهكِ في تلك الهالة القوية العظيمة لديكِ.”
كانت هناك لحظات شعرت فيها بالفخر بسبب ذلك.
ولكن….
راح يتفحّص المرتزقة المنضبطين بنظره، ثم دقّ الأرض بقدمه ليجذب انتباهنا من جديد.
“حسنًا، استعدوا جيدًا. ابتداءً من الغد، سنخرج لصيد الوحوش السحرية.”
“أوه.”
“هؤلاء الـXXX. اللعينون الـXXX. علينا القضاء عليهم جميعًا، دون استثناء. سواء كنت نبيلًا أم لا، ستصبح مرتزقًا وتقتلهم جميعًا.”
“…….”
“أما حثالة قوات الدفاع الإمبراطورية، فلا يجيدون شيئًا سوى إزعاج الناس.”
“آه…….”
“سأتولى تنظيف جثث الوحوش بنفسي وأجلبها. وإذا تذمّر أحد في ذلك الوقت، فلن أتركه وشأنه.”
رفعتُ الراية البيضاء بكلتا يديّ وقدميّ.
ذلك الرجل، هو الجنون بعينه.
صحيح أن قوات الدفاع الإمبراطورية لا تحرّك ساكنًا.
لكن أن يتحول شخص يحمل لقب الكونت، ويُعدّ من كبار السحرة، فجأة إلى مرتزق دون أي خطة أو تدبير؟!
‘إذا فكرت بالأمر… أليس هذا أمرًا غير منطقي بالكامل؟’
لا مقدمة.
لا خطة.
ببساطة، إنسان مثل الجرافة يسير على كل شيء!
‘بماذا يشبهني، بالضبط؟’
…كونت فلوريت، لن أتركَك وشأنك.
***
اليوم الثاني في حياة المرتزقة.
اليوم الثالث منذ استخدمتُ <تدفق الزمن>.
أصبحتُ أتكيف أكثر فأكثر مع هذه الحياة القاسية كمرتزقة.
ربما لأنني عشتُ حياةً مليئة بالأعمال الجزئية كإنسانة من العالم الحديث؟
“عندما رأيتكِ أول مرة، ظننتك آنسة من أسرة نبيلة ترتدي فستانًا، فحكمت عليكِ مسبقًا، لكنك أكثر من يمثل المرتزقة حقًا.”
“حقًا؟ اقطع المزيد من الخشب هناك.”
“أمرك.”
“أنتِ بارعة، فعلًا.”
“هاها! شكرًا.”
“جيزيل، هذه الأخشاب.”
“آه، فينتين. لماذا تقطع الخشب؟ إنهم يقومون بكل شيء بأنفسهم.”
جلستُ على جذع شجرة قُطع حديثًا وأنا أراقبهم.
وفي يدي قطعة من لحم ضبع وحشي المشوي، كنت أتناولها بهدوء.
‘كما يقولون، المديح يجعل الحوت يرقص. يبدو أنهم يقطعون الأشجار بنشاط.’
صحيح أنهم ليسوا حيتانًا، لكن يبدو أن الثناء جعل أكتافهم ترتفع بفخر.
كانوا يقطعون الأشجار بحماسة كبيرة.
وبينما كنتُ أنظر إليهم برضا، صرخ نائب قائد فرقة المرتزقة بصوت عالٍ.
“انظروا إلى جيزيل جميعًا! تأكل ضبعًا مشويًا كاملاً بيد واحدة، يا لها من قوة هائلة!”
.…ما هذا؟
“لقد تغلبت بوحش وحيد القرن العملاق بيد واحدة فقط! إنها حقًا مرتزقة بكل ما في الكلمة من معنى!”
هذا ليس مدحًا، أليس كذلك…؟
لكن لحظات المرح مع فرقة المرتزقة كانت مجرد لحظات مؤقتة، فهناك مشكلة أخرى.
نظرتُ بحدة إلى والدي.
“أريد أن أسألك شيئًا.”
“تفضلي.”
“هل أنت تنوي نقل هذا الجبل بنفسك؟”
بصراحة، وصلتُ إلى مرحلة لم أعد أشعر فيها بالذنب وأنا أخاطبه بـ”أنت”.
‘يبدو أنني أصبحتُ ابنةً عاقة.’
أما والدي، الذي لا يعلم أنه يتلقى لقب “أنت” من ابنته المستقبلية، فقد نظر إليّ باستغراب وسأل:
“كيف عرفتِ؟”
“هل أساعدك؟”
“وأنتِ، ماذا ستساعدين.…؟”
لا حاجة لقول المزيد.
من بين أناملي انبثق نور ساطع.
في لحظة، بدأ سطح الأرض يميل.
ثم……
تحركت حفرة ضخمة من التراب إلى الجهة اليمنى.
“هكذا يمكننا تحريكها بسهولة.”
في تلك اللحظة، ومض بريق في عيني والدي.
كأنه وجد عاملةً نادرة نافعة….
‘لقد وقعتُ في ورطة.’
.…وقعتُ في ورطة حقيقية.
ركض إليّ بسرعة وهو يصرخ بصوت عالٍ.
“أوه، أعجبتِني قليلًا. لكنني ما زلت الأفضل.”
في تلك اللحظة، بدا وكأن زلزالًا قد حدث. صوت تهشّم قوي، وكأن صاعقة ضربت الأرض.
أغمضت عيني بإحكام لمقاومة ذلك الزلزال الهائل الذي يشبه التسونامي… أو هكذا ظننت.
“جيزيل، لا بأس. اطمئني.”
…لقد كان بفضل دوق كالينوس، الذي حمى محيط الأرض بقوة سيفه، فصرنا في أمان تام.
تمسكتُ بيد فينتين بقوة، وكان الأمر ذاته مع باقي المرتزقة.
“هيه، انتهينا، أليس كذلك؟”
“واو، حسبت أن انهيارًا أرضيًا وقع…”
“يجب أن يكون على هذا المستوى، على الأقل.”
وفجأة، راودني تساؤل وأنا أحدق فيه.
‘والدي الآن قوي… أقوى مني بكثير.’
قادر على دخول عش الوحوش بمفرده، وإبادة أعداد لا تُحصى منهم.
يستطيع نقل جبل بمفرده إن أراد.
لكن… لماذا؟
لماذا ترك كل تلك القوة تُسلب منه بتلك السهولة؟
***
اليوم الثالث لانضمامي إلى فرقة المرتزقة.
اليوم الرابع لاستخدامي لـ<تدفق الزمن>.
واليوم هو أول مرة أراقب فيها قوة الكونت سيهيرا الحقيقية.
“اليوم! سندخل عش الوحوش جميعًا!”
“أوووو!”
“لنتحقق من قوة المرتزق الجديد! ضربة مزدوجة!”
كنت أراقب ظهره بتذمر بينما نتقدّم نحو عش الوحوش، ولم أتمالك نفسي من التفكير.
‘يا إلهي، هذا الرجل وحش فعلاً.’
كان يذبح الوحوش من كل نوع، دون أن يظهر عليه أي تعب أو يترك ثغرة واحدة.
يأكل فطورًا، يكتشف عشًا للوحوش، فيبيده.
ثم يتناول الغداء، يعثر على عش آخر، فيذبح من فيه.
يتعشى، ثم يجد عشًا جديدًا، فيقتل…
“واو، مجنون فعلاً. كنز هنا! سأنقلك إلى مكان آخر.”
“كوووه؟”
“آه، تتساءل إن كنت سأرسلك إلى قرية أخرى؟ لا، لا.”
“كوووه؟”
“سأرسلك إلى العالم الآخر، لماذا تسأل؟”
….نعم، بدلًا من أن يقتلهم، كان يسرق مخازن كنوز الوحوش بنذالة.
‘حسنًا، قيل إن الوحوش هنا أذوا سكان القرى.’
كثير من الناس قتلوا على يد هذه الوحوش، ولهذا يُعامَل والدي الآن على أنه بطل…
‘لكن، مع ذلك، ما زلت أشعر بالضيق تجاه الأمر.’
عندما نظرت إليه بتمعّن، هز كتفيه وقال:
“ما بكِ، هل أنا وسيم جدًا؟ أدهشكِ جمالي؟”
“بالفعل… مذهل.”
ذلك المرتزق المغرور المزعج…
‘ما الذي أعجب الكونت فلوريت فيه يا ترى؟’
تساءلت مجددًا بجدية، بينما انضممت إلى دوق كالينوس وبقية المرتزقة.
“هذا آخر عش للوحوش…”
فتح والدي فمه ببطء، ثم خطا بضع خطوات.
اقتربتُ منه لأسمع ما كان يتمتم به بين أسنانه.
‘ماذا قال بالضبط…’
كووونغ، كوغو غوونغ!
في تلك اللحظة، انشقّ الكهف من المنتصف فجأة، ولم يبقَ سوى أنا والكونت سيهيرا.
‘تبا…’
لقد علقنا.
هل نحن معزولان الآن؟
سمعت ضجة تشبه تحطيم الصخور.
لابد أن فينتين هو من يصرخ ويحاول إنقاذي. فرفعت صوتي قائلة:
“فينتين، لا بأس! سنُدمّر عش الوحوش ثم نخرج! العَب مع المرتزقة ريثما ننتهي.”
جاء صوت مكتوم من الجهة الأخرى من الجدار، يبدو أنه ردّ على كلامي.
نظرت إلى الكونت سيهيرا بطرف عيني وسألته:
“ماذا سنفعل الآن؟”
“ماذا عسانا نفعل؟ ليس أمامنا سوى الخروج من الممر الآخر الموجود في نهاية العش.”
وأشار إلى عمق الكهف المظلم.
“هذه المرة، تقدّمي أولًا. سأراقبكِ لاختبار مهاراتك.”
ثم شبك ذراعيه فجأة، وكأنه لن يتدخل.
…آه، بجدية.
‘أليس هذا مجرد تكليف لي بأعمال إضافية؟’
عبست وجهي، لكن لم يكن ذلك المكان صعبًا جدًا أو مليئًا بوحوش معقدة.
كمرتزقة، لم تعد الوحوش شيئًا مخيفًا جدًا في الحقيقة.
لكن…
ظهر على وجهي تعبير قلق.
‘هناك شيء غريب في الأجواء…’
حتى وإن كنا داخل الكهف، فحواسه لا بد أنها متقدمة. من المفترض أن تكون رؤيته حادة مثل وحش.
لكن تصرفاته كانت مريبة.
لم تكن خطواته واثقة كما المعتاد، بل بدا وكأنه يتردد.
كان يتصرف وكأنه لا يرى شيئًا.
‘ما الأمر؟’
رغم حيرتي، واصلنا التقدّم داخل الكهف الذي كانت حجارته تتوهج بلؤلؤة الليل، حتى غمرنا الظلام الكامل.
‘من الآن فصاعدًا، عليّ التركيز جيدًا.’
أنا والكونت سيهيرا لم نُصدر أي صوت، حتى أنفاسنا بالكاد كانت تُسمع.
ثم، جاء الهجوم على حين غرة.
التعليقات لهذا الفصل " 153"