في تلك اللحظة، لمس دوق كالينوس جبهتي وكأنه يدلكها، ثم همس قائلاً:
“على أية حال، مبارك انضمامكِ، جيزيل. ارخي تعبير وجهك.”
“…….”
همس لي بصوت خافت لا يكاد يُسمع إلا عند أذني:
“في النهاية، لقد التقيتِ بوالدك. أنا أيضاً كنت متوتراً، فهو… حماي…”
“……ماذا؟”
تذكّرت دوق كالينوس في الماضي.
لقد قال لوالدي بالتبني، الكونت فلوريت، “سعيد بلقائك، يا حماي”، أليس كذلك؟
وحين نظرتُ إليه بعينين ضيقتين، همس دوق كالينوس بصوت منخفض:
“سأحرص على إكرام حماي.”
… مهاراته الاجتماعية، ربما قد تطورت قليلاً؟
نظرت إليه وأنا أشعر بالرضا.
في تلك اللحظة، وبينما كان والدي يفتّش المنشورات وأخرج [قائمة فرقة المرتزقة]، التفت نحوي ونظر إليّ.
“حتى لو فقدتِ بطاقة الهوية، فلا بد أن لديكِ هوية ما، صحيح؟”
“آه.”
“حتى لو كانت مزيفة، قوليها. كي أتمكن من تقديمكِ للمرتزقة الآخرين.”
ربما كنت متحمسة جداً للقاء والدي لدرجة أنني لم أفكر بالأمر جيداً.
لم يخطر ببالي حتى استخدام هوية مزيفة.
“أنا فقط… جئت من منطقة ريفية ما في الأطراف…”
وحين تلعثمت، تدخل دوق كالينوس بسرعة وهو يراقب الوضع عن كثب.
“صحيح. إنها نبيلة من بلدة صغيرة تُدعى أداليا، تقع في منطقة بروفانس على بُعد حوالي 150 كم من العاصمة.”
…ماذا؟ هل هذا مكان حقيقي؟
لكن وجه فينتين ظل هادئاً ونقياً.
كان يبدو وكأنه لا يمكن أن يكذب أبداً، فارتبكتُ من مظهره البارد وغير المبالي.
في تلك اللحظة، الكونت سيهيرا، لا، والدي، هز كتفيه وقال:
“آه، تلك المنطقة. لا يعرفها أحد تقريباً. سكان العاصمة لا يذهبون إليها على الإطلاق. هل أتيتِ في نزهة، أم ماذا؟”
“تقريباً… نعم. هاهاها.”
“أنا قائد وحدة صيد الوحوش هذه، قائد المرتزقة. اسمي فيليكس.”
“……فيليكس؟”
“نعم. ناديني فيليكس.”
هناك شيء غريب.
إنه الكونت سيهيرا.
وليس هناك سبب يجعله يخفي ذلك، أليس كذلك؟
‘…أظن أن لا اسمه الحقيقي ولا المستعار كان فيليكس.’
نقر لسانه وقال:
“إنه اسم مستعار.”
“آه، كما توقعتُ….”
“تسألين لماذا اخترتُ اسماً مستعاراً؟ لا تظهري ذلك الوجه. لا أحب اسمي الأصلي. أردت فقط أن يُنادى عليَّ بلقب لطيف.”
“بلقب لطيف؟”
“نعم، أنا لطيف بطبعي، كما تعلمين.”
….لست لطيفاً إطلاقاً. هل هو مجنون؟
ما هذا الشعور وكأنني أخسر أمامه في معركة جنون؟
برفع حاجبيّ، شعرت بشعور غريب لا يمكن إنكاره.
أنا، جيزيل.
ولدت لديّ رغبة بالمنافسة مع أبي الذي التقيت به لأول مرة.
***
“هل أنتِ بخير، جيزيل؟”
مرّ يوم منذ انضمامنا إلى فرقة المرتزقة.
ويومان منذ أن كنّا مع <تدفق الزمن>.
وفي هذه اللحظة بالذات.
كنت أندم بشدة على قراري بالانضمام إلى فرقة المرتزقة لأجل لقاء والدي.
“كم عدد الأشجار التي يجب قطعها؟”
تذمرتُ، فأجابني أحد رجال فرقة المرتزقة:
“لكي تصيدي الوحوش، يجب أن تتمرني هكذا. إنها تمارين تقوية لياقة بدنية، كما تعلمين!”
“وما علاقة الوحوش بالأشجار؟”
تمتم أحد زملائي المرتزقة بوجه متجهم:
“أعتقد أننا نبيع هذه الأخشاب. في الواقع، نحن حطّابون، وذلك القائد جشِع للمال… هكذا نسميه.”
…كما توقعت. إنه والدي.
حتى سمعته ليست جيدة جداً.
‘أشعر أن الكونت فلوريت كان مدهشاً بحق…’
لكن لماذا، رغم ذلك، يعمل هؤلاء المرتزقة بجد بينما يلعنونه في سرّهم؟
بمعنى آخر، لماذا لا يهربون؟
وبينما كنت أقطع الأشجار بلا اهتمام، نظرت حولي.
لكن بقي هناك شيء يثير الشك.
“لماذا جاء النبلاء إلى فرقة المرتزقة؟”
“وزوجان معاً أيضاً.”
“قيل إن القائد اختبرهما برمي سلايم، لذا من الواضح أنهما ضعيفان، أليس كذلك؟”
“نحن لا نقبل بالضعفاء عادةً.”
كانوا يثرثرون بجانبنا، يغمغمون بكلام غمزي كأنه غيبة أمامية، لا خلفية.
‘أجواء فرقة المرتزقة سيئة جداً أيضاً، أليس كذلك؟’
ما هذا على وجه الأرض؟
وبينما كان دوق كالينوس يستمع لتلك الهمسات، قال بصوت خافت فيه تهديد:
“كفّوا عن الثرثرة.”
…حتى من لا يعرف حقيقته، يمكنه أن يدرك بسهولة أنه ليس شخصاً عادياً من مجرد جملة واحدة.
الشخصيات التي كانت تثرثر علنًا صمتت بسرعة.
واصلت الحديث بنبرة تهديدية وأنا أقول لهم:
“حقًا، ما هذا التسلّط السخيف؟”
“جيزيل.”
هززت رأسي بحزم نحو فينتين الذي أمسك بذراعي، وأجبت بثبات:
“لا أستطيع أن أهدأ.”
فرفع فينتين كتفيه وقال:
“لا بأس، لا حاجة لأن تهدئي. كنت أفكر في إعارتك سيفي، فحسب.”
“آه.”
“من الأفضل أن تستخدمي السيف بدلاً من تلطيخ يديكِ بالدماء.”
“مفهوم. إن استدعى الأمر، سأستخدم السيف.”
وبينما كنت أتلقى السيف منه وأحدق فيهم بنظرة شرسة، صاح أحد المرتزقة بتحدٍ:
“ماذا ستفعلين؟ هل تستطيعين حتى خدش أحدهم بذلك السيف؟ وأنتِ فقط سيدة رقيقة؟”
“هاه…”
مررت يدي بين شعري بنفاد صبر.
عندها عرض المرتزق اقتراحًا بدا مغريًا:
“قبل أن يأتي القائد، ماذا لو راهنّا على من يقتل وحش وحيد القرن الموجود هناك أولاً؟”
“أوه.”
“بصراحة، أستطيع تصديق قوة ذلك الرجل، أما أنتِ يا جيزيل؟ لا تبدين قوية إطلاقًا.”
‘يسخر مني فقط لأني امرأة؟’
بصراحة، لم يكن قتل زحيد القرن أمرًا صعبًا عليّ أبدًا.
لوّحت بالسيف بخفة وقلت:
“وحيد القرن؟”
ابتسمت وأنا ألوّح بمعصمي مرات عدة.
وفور أن أومأ المرتزق برأسه،
حدّقتُ بثبات في الوحش الذي كان يزفر بجانب عشه.
ثم…
دويّ!
قبل أن يتمكن المرتزق من القيام بأي حركة، انطلقت من يديّ ومضة ضوء بيضاء.
وسقط وحيد القرن الذي كان قرب عشه أرضًا منهارًا.
“أوه، يبدو أنني فزت.”
تغيرت ملامح المرتزقة من مجرد تعليق بسيط.
بصراحة، مجرد عرض هذا العرض الاستعراضي للمرتزقة كان مرهقًا، لكن…
‘سأستخدم انتصاري في القضاء على وحيد القرن لفرض الهيبة، ثم أستعبدهم لأسبوع كامل. سيقطعون الأشجار بدلًا عني.’
نظرتُ بعينين تتلألآن بجنون، متحمّسة لفكرة أن أوزع المهام المملة.
…أليس هذا رائعًا جدًا؟
“ما رأيكم يا رفاق؟”
“…….”
رمقوني بنظرات مذهولة، وكأنهم لا يصدقون ما حدث.
‘فرض الهيبة تحقق، لكن…’
أحسست أنه لا يزال ينقصني القليل.
نظرتُ إلى وحيد القرن الآخر المتبقي، بجانب جثة الأول.
حسبما سمعته، هذا الوحش المجنون قتل إنسانًا خلال هجومه على قرية.
وكانوا يهمسون بأن والدي هو من قيده بيده.
قيل إنهم كانوا ينوون قتله لاحقًا.
‘همم، سأقتله أنا الآن.’
دويّ.
“تم القضاء على الوحشين.”
وقفت أمام جثة وحيد القرن وبصقت بخفة:
“تفف.”
‘أظن أن هذا كافٍ لفرض الهيبة الآن.’
كانت وجوه المرتزقة الذين اعتادوا معاملتي كـ “سيدة لطيفة” تتغير شيئًا فشيئًا إلى الذهول.
“ذاك…”
نظرت إليهم وأنا أرفع كتفيّ بلا مبالاة.
“هل انتهينا الآن؟”
فتقدم أحد المرتزقة الذين تحدوني وسأل بأدب:
“عذرًا، لا يبدو أنكِ من النوع الذي يعمل كمرتزق. من تكونين بالضبط….؟”
“ساحرة.”
“……؟!”
“هل هذا يجيبك؟”
حدّق مرتزق آخر نحوي مرتبكًا وقال:
“لست مطّلعًا كثيرًا على هذا المجال…”
فأجبته بتعالٍ وأنا أرفع ذقني بنظرة متغطرسة.
“إذاً، فقط الزم مكانك واصمت.”
وبفضل تكليفي لهم بالأعمال المملة، أنهيت حصتي من العمل بكل راحة.
وبعد قليل.
بدأت الشمس تغرب ببطء، وعاد والدي وهو مخمور بعد أن شرب الجعة في الحانة.
التعليقات لهذا الفصل " 152"