خاتمة (٢)
لا أدري ما الذي كان يزعجني تحديدًا، لكن شيئًا واحدًا فهمته.
حين شعرت بالارتباك، حاولت أن أعض شفتاي، لكن عن طريق الخطأ عضضت أطراف أصابعه.
“آه! آسفة.”
حين لامس طرف لساني الناعم إصبعه، اقترب وجهه ببطء نحو وجهي، ثم تبع ذلك قبلة خفيفة على جبيني وأنفي.
كانت لمسة خفيفة تكاد تثير الدغدغة، لكنها مليئة بالمودة، فضحكت بصوت منخفض كابتسامة خفيفة.
“ما هذا…”
“يبدأ الأمر هكذا.”
التقت عيناه بعينيّ مرة أخرى، وعندما أغمضت عينيّ خجلاً، لمست شفاهه شفاهي مجددًا.
كانت قبلة أكثر شغفًا، حتى كادت تخنقني من شدتها.
“آه…!”
اشتدت الحرارة داخلي، فأطلقت زفرة قصيرة دون وعي.
كأنما حاول يهدئني، انزلقت يداه نزولًا على عنقي.
انتشرت دفء ناعم تدريجيًا.
كانت المحبة التي أظهرها تشوش أفكاري حتى شعرت بارتباك غريب يتسلل إلى نفسي…
وما إن انفجرت أنفاسي المحبوسة، حتى تداخلت أصابعه مع أصابعي، كأنه لا يريد تركي أبدًا.
في منتصف الليل العميق.
بكيت حتى أُنهك جسدي واحمرَّ طرف عيني.
***
‘أشعر كما لو أن جسدي قد تعرض لضرب مبرح.’
في صباح اليوم التالي، أو بالأحرى حتى الظهر، لم أتمكن من النهوض على الإطلاق.
فقط…
كنت أفكر في نفسي:
‘حقًا، دوق كارينوس ليس شخصًا عاديًا.’
رغم أنها كانت الليلة الأولى، لم أتوقع أن يستمر الأمر حتى فجر اليوم التالي…
لكن رغم ذلك، لم أظنه رجلاً أنانيًا يسعى فقط لإشباع رغباته.
‘ربما يمكنني وصفه كروبوت مدرب جيدًا.’
مع تقنيته الرائعة، بدا لي أنه ليس من الرجال العُزّاب، ربما كان لديه امرأة أخرى قبلي.
فتحت عيني بشك.
في تلك اللحظة، جاء دوق كالينوس إلى جانب السرير وهو يحمل وجبة خفيفة وقال:
“لقد استيقظتِ، جيزيل. اليوم، ظننت أنك لن تستطيعي الذهاب إلى غرفة الطعام، فأحضرت لكِ شيئًا.”
“أحضرتها بنفسك؟”
“نعم، اخترت ما هو مفيد للجسم.”
قلت له بنبرة فيها نصف شكوى: “بسبب من لم أستطع النهوض؟” فابتسم بخفة.
“أعتذر.”
جلس على حافة السرير ونظر إليّ، ثم أزاح خصلات شعري وقال:
“لم أستطع السيطرة على نفسي.”
في تلك اللحظة، شعرت بحرارة دقيقة في عينيه.
تصاعد الجو من جديد.
من النظرة الدافئة، بدا كما لو أنه يريد أن يتكرر الأمر صباحًا أيضًا.
‘مستحيل.’
قلت بهدوء رافضة.
“قلتُ إنني أفضل قبلة النوم.”
توقف لوهلة ثم احتضنني بقوة.
وأثناء دفنه وجهه في صدري، تمتم بهدوء:
“لا أريد الذهاب إلى العمل اليوم.”
“ماذا؟”
“سأضرب عن العمل.”
سمعت أن الاندفاعات المفاجئة تكون مخيفة.
الدوق الذي يبدو وكأنه محترف في كل شيء فجأة يقع في الحب ويعلن الإضراب…
‘حقًا، أنت عازب بالفطرة؟’
حدقت في عيني دوق كالينوس بصدمة. كانت عيناه تلمعان وكأنهما تريدان ابتلاعي.
‘لقد جننت.’
رسمت علامة X بيدي وقلت:
“أود أن أذهب لشرب الشاي مع يوليانا.”
***
هربت إلى جلسة الشاي مع يوليانا، لكن…
‘يبدو أن هنا أيضًا لن يكون سهلاً.’
وأثناء السير إلى مكان الجلسة، قابلت الخدم والخادمات الذين همسوا لي كأنني لطيفة.
“سمعت أنك بكيتِ. حقًا أنت لطيفة…”
“إنها الجاذبية المفاجئة لبطلة الإمبراطورية.”
لا أعلم من الذي نشر الشائعة…
لكن ماضيّ الأسود حين بكيت بحرقة على موت دوق كالينوس أصبح الآن أمرًا معروفًا.
‘يبدو أن الكثيرين كانوا هناك عند القبر في ذلك اليوم، لذا كان هناك جمهور كبير شاهد المشهد.’
أكثر من يثير الشك هو ذلك الكوكو الذي اختفى فجأة.
‘هل ينشر قصتي ، ذلك التنين الوغد؟!’
وضعت يدي على جبيني وزفرت بعمق.
عندما فتحت باب الجلسة، رأيت يوليانا.
“وجهك يحمل الكثير من القلق.”
“هذا صحيح.”
قالتها لأن الجميع من الخدم يتحدثون عن ماضيي الأسود، وفكرت أن يوليانا قد علمت أيضًا، لكنها أجابتني بشكل غير متوقع:
“لا تخجلي كثيرًا. لأنني كنت هكذا أيضًا.”
انبهرت بقولها، ووضعت ذراعيها أمام صدرها كأنها تخبرني بشيء عزيز عليها.
“هل تريدين أن تسمعي؟”
أصغيت بتركيز.
فهمست لي وكأنها تروي قصة من الماضي البعيد:
“كانت هذه قصة منذ زمن بعيد جدًا. منذ عشرين عامًا…”
***
حين كانت يوليانا دوقة شابة، وكان نيسلان دوقًا شابًا.
كان في قصر دوق كالينوس آنذاك حديقة صغيرة من الورود.
كانت يوليانا صغيرة، وعلى الرغم من برودتها، إلا أنها كانت بريئة جدًا.
لعب غارنو المزاح عليها حين قال لها: “زوجكِ ملعون في تلك الحديقة!” فصدقت ذلك.
“نيسلان! نيسلان!”
تجولت في الحديقة في فوضى دون أن تجد حذاءها، ووجهها محمر.
وأخيرًا وجدت زوجها مستلقيًا هناك.
اقتربت منه والدموع في عينيها وقالت بتردد:
“قالوا إنك ستموت!”
“….؟”
“من قال إنك ستموت؟ لماذا تموت؟”
فتح نيسلان عينيه باندهاش وقال:
“ماذا؟ أنا سأموت؟”
نظرت إليه يوليانا محتارة وسألته:
“حسنًا، لأنك ملعون في حديقة الورود، ستموت…”
“هذه أول مرة أسمع بذلك.”
“آه، كان والدي يقول ذلك…”
“ربما كان يمزح.”
جلست يوليانا على الأرض وهي مرتبكة.
“كنت قلقة جدًا لأنك ستموت.”
“لن أموت. لقد وعدت بأن أكون عبدكِ.”
“أوه، صحيح….”
ابتسم نيسلان بابتسامة لطيفة كخروف.
“كيف لعبد أن يموت قبل سيده؟”
“….لماذا قد أموت… أنت حقًا.”
كان ذلك بمثابة تذمر صغير، كأنه يشعر بالخيانة لأنه انخدع.
احتضن نيسلان يوليانا بحنان وهمس:
“حسنًا، سأغير كلامي. كيف لي أن أموت وأترككِ، يوليانا؟”
“حسناً، إذن.”
احمرَّ وجه يولِيانَا في لحظة.
كانت ملامحها شبيهة بفتاة وقعت في الحب، لم أكن لأراها في يولِيانَا التي أعرفها.
بينما كنت أشاهدهما، كان عمال الحديقة الذين كانوا يقصّون الأغصان في حديقة الورود ولم يتمكنوا من المغادرة بسرعة بسبب الزيارة المفاجئة لزوجي الدوق، يتبادلون النظرات ويضحكون بخفة.
وبمجرد أن سمعت همساتهم المحبة قائلين: “أليس الزوجان لطيفين جداً؟”، أصبح وجه يولِيانَا أحمرَّ أكثر…
ولحسن حظها، أو لسوء حظها، تحولت قصة حديقة الورود إلى حكاية رومانسية للزوجين الشابين، وكانت تروى أحياناً على ألسنة الخدم.
كلما سمعت يولِيانَا تلك الشائعات، احمر وجهها خجلاً، أما نيسلان فكان سعيداً.
بالطبع، مع مرور الوقت، تقاعد عمال الحديقة، ولم يعد نيسلان ويوليانا يستعيدان تلك القصة…
وأصبحت في النهاية ذكرى قديمة يتذكرها فقط القليلون.
***
… يالِ حماي الرومانسي بحق.
‘ربما تكون التعليقات الرومانسية التي ينطق بها الدوق غريزياً موروثة.’
أومأت برأسي في داخلي.
رفعت يولِيانَا فنجان الشاي برشاقة وقالت:
“يبدو أن الحب أيضاً يُورَّث.”
عند هذه الكلمات، ضحكنا أنا ويولِيانَا متبادلتين تغطية أفواهنا.
كان مصطلح “وراثة الحب” يبدو ظريفاً جداً.
‘وبالمناسبة، أصبحت يولِيانَا أكثر ارتياحاً الآن.’
كانت تنظر إليّ في الماضي بحدة وكأنها تقرأني، مما جعلني أشعر بالتوتر.
‘بالطبع، لم أشعر بالخوف من يولِيانَا كثيراً حتى في السابق، فهذا ليس من أسلوبي.’
في تلك اللحظة، نظرت إليّ يولِيانَا وركّبت ساقها فوق الأخرى.
“آه، على ذكر ذلك…”
“نعم؟”
“هناك أمر مهم أردت أن أخبركِ به.”
ظهرت عليَّ ملامح التوتر.
عندما تقول يولِيانَا شيئاً هكذا، يعني أن الأمر جاد.
عبست قليلاً وأعلنت يولِيانَا لي:
“صاحب الجلالة أمر بتجهيز مكان للأبطال خلال الغد.”
“أوه، سمعت ذلك. لكن فكرة مكان للأبطال تبدو مرهقة قليلاً.”
شعرت بانتفاخ خفيف في خديَّ.
‘أنا بطلة؟’
لم أكن سوى شخص تحرك بدافع الانتقام الخاص والمصلحة، وبالصدفة أنقذت البعض…
لكن يولِيانَا ردت بحزم، كأنها تقطع الشك بالسكين:
“لو لم تكن بطلاً لإنقاذكَ العديد من الناس، فماذا تكون؟ بل ربما جاء التكريم متأخراً.”
حسناً، يبدو أن يولِيانَا أيضاً قد وقعت في حب نيسلان بشدة.
تنهدت بتشاؤم نصف مستسلمة.
“آه، حسناً.”
“آه، وأمرني جلالته أن أبقي هذه المسألة سرا للغاية.”
مرت على وجه يولِيانَا لحظة ارتباك.
كنت أتساءل ما هو الأمر الذي يجب أن يبقى سراً، وشعرت بفضول غريب.
‘إذا كان الإمبراطور نفسه يقوم بهذا، فلابد أن هناك أمراً مريباً…’
شعرت بتوتر، وشربت رشفة من الشاي.
ثم…
“لقد بدأوا بالفعل بتحضير احتفال إمبراطوري كامل بعنوان ‘السيدة جيزيل دوقة كالينوس’ كبطلة.”
“بفتت…!”
انتهى بي الأمر الى بصق الشاي بشكل سيء.
لكن، لم يكن هذا هو المهم.
“هل تقولين إنهم سيقيمون احتفالاً بي باعتباري بطلة؟”
بدأ العرق ينساب على ظهري.
التعليقات لهذا الفصل " 147"