الفصل 145
في تلك اللحظة، خطرت ببالي كل رايات الموت التي أقمتها أنا ودوق كالينوس.
“بما أنني أملك صورة لجيزيل، فقد استطعت استخدام 15% من قوتي المعتادة.”
دوق كالينوس، الذي أخذ صورتي معه إلى الحرب ضد الوحوش.
“إذن، عندما ينتهي كل هذا… سأعترف بمشاعري أنا أيضًا.”
وأنا، التي أجلت اعترافي كما لو كنت بطلة في فيلم حزين.
توالت في رأسي آلاف الأفكار المليئة بالندم.
كنت غبية.
ماذا لو كان قد مات فعلًا؟
كان عليّ أن أعترف مسبقًا.
مشاعر لم أكن متأكدة منها حتى الآن، بدأت تندفع في داخلي فجأة، فقط لمجرد احتمال أنه قد مات.
لم يعد بوسعي الإنكار بعد الآن.
أنا أحب دوق كالينوس.
وأحبه بشدة.
لكن، لم أستطع أن أقول له أي شيء حتى الآن.
لم أستطع أن أخبره، ولو بكلمة صادقة، أنني أحبه…
“لماذا، هناك…”
عندما ارتجف كتفيّ وزفرت أنفاسي بصعوبة، همس سام بتردد.
“أنا، أنا آسف حقًا، سيدتي.”
كان أنفه محمرًا وكأنه بكى لفترة طويلة.
نظرت إلى وجهه البريء وأنا أمسح وجهي بيدين مرتجفتين.
“ليس لك ذنب، هيا بنا.”
تركت سام خلفي، وواصلت صعود التل حيث تنتشر القبور.
ثم…
عند أعلى نقطة في التل، حيث تفتحت الأزهار البيضاء، وُضعت شاهدة قبر وحيدة.
وهناك، رأيت اسم “كالينوس” محفورًا على الحجر.
وكان بجانب القبر زهور الأقحوان وكأن أحدهم قطفها ووضعها للتو.
“ما هذا…”
“سيدتي…”
لم أهتم بما إذا كان سام يمسح دموعه أم لا، وجلست على الأرض أمام القبر مترنحة.
شعرت بالفرسان من حولي يتبادلون النظرات في حيرة، ثم انسحبوا بهدوء.
لكن لم يكن لدي طاقة لأكترث بهم.
اقتربت من الشاهدة أكثر.
“…أنت، مت هنا؟”
الحجر البارد الذي لمستُه بأطراف أصابعي كان صامتًا.
“كذب.”
همست بصوت خافت وأنا أمسح دموعي التي تساقطت كالمطر على ظهر يدي.
“لقد أدركت للتو أنني أحبكْ.”
لكن لم يكن هناك من يجيب.
صوتي المرتجف تردد وحده في الفراغ.
“أحبكَ أيها الأحمق.”
….بمجرد أن قلتها، شعرت بالغضب أكثر.
“أيها الغبي!”
لكن لم تأتِني أي إجابة.
“يبدو كأنك ستظهر أمامي كما لو كان كل هذا كذبًا… لا يبدو أنك مت فعلًا…”
وبدأ الدمع يتساقط من عينيّ من جديد.
“أنت…. أسوأ من دوق ليشانيل حتى.”
كان عليّ ألا أتجاهل رايات الموت التي ظهرت حينها.
كان عليّ ألا أبقى مكتوفة الأيدي، بل أن أسحق كل شيء كالعادة.
لا، كان عليّ أن أرافقك..
لا، على الأقل، كان يجب أن أعترف لك بأنني أحبك!
وفي اللحظة التي كنت أضرب فيها صدري غارقة في الندم، سمعت صوت دوق كالينوس يتردد كأنه صدى في رأسي.
“ولماذا أكون أسوأ من ذلك الرجل؟”
يبدو أنني أشتاق له لدرجة أنني بدأت أسمع صوته في رأسي.
أجبت وأنا أبتسم بسخرية.
“لأنكَ تركتني ومُت.”
كرهت نفسي لأنني أردت التحدث معه حتى ولو بهذه الطريقة.
لكن فجأة…
سمعت صوتًا حقيقيًا ينبعث قرب أذني، بصوت حائر.
“أنا… متُّ؟”
لم يكن الصوت شبيهًا بالهلاوس، بل كان واضحًا جدًا.
قفزت من مكاني فجأة وحدقت به.
‘هل أنا… أتخيل؟’
وإذا لم يكن ذلك وهمًا…
“شـ…”
“…؟”
“شبح!”
اقترب مني خطوة واحدة.
تراجعت إلى الوراء في رعب وسقطت على الأرض.
“شبح!!”
ارتطمت بالأرض وجسدي كله يرتجف وأنا أحدق به كأنني رأيت شبحًا.
نظر إليّ دوق كالينوس بفضول ثم مد يده إليّ.
“شبح؟ أنا شخص حي تمامًا.”
أشرت إليه بإصبع مرتجف وقلت:
“ق، ق، قالوا إنك مت! الجندي الكشّاف، قال ذلك.”
حكّ مؤخرة عنقه وهو يرد.
“يبدو أن الشائعة وصلت بشكل خاطئ.”
“ليست شائعة! لقد رأيت الفيديو بعيني. رأيتك وسط الانفجار ومُتّ بوضوح. هل يعني هذا أن الفيديو مزيف؟”
“آه، الانفجار حقيقي. كانت الحالة طارئة، لذا زرعت أكبر عدد ممكن من القنابل للقضاء على الوحش بسرعة.”
“إذاً، الرجل الذي كان في الفيديو…. لم يكن أنت؟”
“لا، أنا الوحيد الذي تورط في الانفجار.”
“….؟ عادةً، الناس يموتون إذا كانوا بالقرب من قنبلة عندما تنفجر، أليس كذلك؟”
“الناس العاديون يموتون إذا كانوا داخل الانفجار، نعم، لكنني لا أموت.”
….إنه حقًا يشبه الشبح.
أشرت إليه مرة أخرى وسألته بعينين متسعتين.
“إذاً، الدم والقطع الممزقة التي كانت في الحفرة؟”
“آه، ذلك الوحش بدا كالشجرة، لكنه كان يشبه الإنسان. وعندما مات، تناثرت منه الدماء والأنسجة.”
“إذاً، إذاً… كلام سكان القرية عن أنك متّ بتلك الطريقة!”
“أنا أيضًا لا أفهم ماذا كانوا يقصدون بذلك.”
نظر إليّ وهو يحك مؤخرة رأسه مرة أخرى، فتمتمت بصوت مكسور.
“فـ، فـ، فما قصة شاهد القبر هذه! مكتوب عليها اسمك، كالينوس!”
قال بصوت متحسر:
“سمعت أن أحد خدم عائلتنا مات هنا ودفن بلا شاهد قبر. فقمنا بتجديد المكان ووضعنا الزهور الجديدة له.”
نظرت إليه وإلى القبر بالتناوب بذهول.
“…والآن بعد أن أفكر في الأمر، القبر يبدو قديمًا بعض الشيء…”
وما إن أنهى كلامه، حتى ابتسم بخفة وقال:
“ثم، لو كنت قد مت فعلًا، هل كانوا ليدفنوني في مثل هذا القبر؟”
صحيح، من غير المعقول أن يُدفن دوق كالينوس في مكان كهذا!
كنت قد فقدت قدرتي على الحكم السليم.
إذًا، سام خدعني، وسكان القرية خدعوني، وحتى شاهد القبر خدعني…
‘لقد… أضفت لحياتي لحظة سوداء جديدة، أليس كذلك؟’
مسحت آثار دموعي اليابسة على خدي بخشونة.
“على أي حال… من الجيد أنكَ، أنك على قيد الحياة.”
ابتسمت بابتسامة محرجة، محاوِلة إنهاء هذا الموقف المحرج.
لكن دوق كالينوس، الذي كان يحدق بي مطولًا، همس بصوت خافت.
“قوليها مرة أخرى.”
“مـ، ماذا؟”
“الكلام الأول الذي قلتِه منذ قليل.”
كان وجهه يوحي بأنه سمع كل شيء، وكأن ما سمعه أسعده بشدة…
لم أستطع أن أنطق بكلمة.
مستحيل!
لذا، قلت:
“أ، أظن أنني نسيت أمراً طارئاً في القصر! سأذهب الآن!”
واخترت الهروب.
رفعت تنورتي وبدأت أركض بأقصى ما أستطيع.
كنت أعلم أن هذا ليس خياراً عقلانياً، لكنني لم أرغب في أن أُظهر وجهي المتوهج خجلاً!
وعندما كنت أركض نحو السهول الممتدة خلف التل—
سمعت صوتاً ينبعث من الخلف، وكأن الأرض تهتز.
وعندما التفتّ إلى الوراء، تجمد وجهي من الذهول.
“لماذا، لماذا تتبعني؟!”
“لأن جيزيل تهرب.”
قالها بهدوء، على عكس أنفاسي المتقطعة.
وبينما كنت أبطئ خطواتي دون وعي—
“لماذا تهربين؟”
مدّ يده، وجذبني إلى حضنه وهمس.
عانقني بشدة، حتى كدت أختنق من شدّة الضمّة.
“لقد قلتِ إنكِ تحبينني.”
غرست وجهي في صدره خجلاً، دون أن أتمكن من الرد.
لكن دوق كالينوس، وكأنه لا يعرف الخجل، تابع حديثه بخفة.
“إذاً، جيزيل. كما وعدنا في الكهف، سنتزوج الآن حقاً. لا تراجع أبداً.”
“همم، لا تراجع أبداً، هذا أشبه بشراكة استغلالية….”
يا لساني، لا يسكت حتى في مثل هذا الموقف…
كنت أرغب في عض لساني، لكنه تمتم بنبرة مظلومة:
“ليست شراكة استغلالية. ألم أقل إنني سأعطيكِ خمسمئة مليار؟”
كنت على وشك الشكوى من أن هذا العرض لا يحمل أي رومانسية، لكن—
عندما التقت عيناي بعينيه اللامعتين.
نظرة مليئة بالتوقّع، وارتجافة خفيفة في جسده تعبّر عن بهجة مكتومة.
وحتى احمرار خفيف على وجنتيه، وابتسامة لطيفة ترتسم على شفتيه.
كان يبدو سعيداً، لأي شخص يراه.
ولذلك، لم أرغب في تحطيم تلك السعادة، أبداً.
“… خمسمئة مليار، حسناً، إذن، وظّفني مدى الحياة. سأكون مخلصة.”
وبينما كنت أقولها بعفوية، ابتسم بخفة ووجنتاه متوردتان.
“سأكون أنا أكثر إخلاصاً. لأنني….”
رفعت رأسي ونظرت إليه، فالتقت عيوننا، وتمتم بصوت خافت:
“لأنني أحبكِ.”
كانت عبارة قيلت فجأة، دون أي تحضير، دون أي رومانسية.
لم تكن فيها مزحة، ولا أي دلال، بل كانت صادقة وبسيطة.
لكن، لماذا يخفق قلبي بهذه القوة؟
‘واو، لا بد أنني جننت فعلاً.’
أحببت رجلاً مجنوناً بحق، ويبدو أن حتى كلماته الغريبة باتت تجعلني أرتجف من الشوق.
غمرت وجهي في صدره، محاوِلة إخفاء حمرة وجهي.
“أنا أيضاً، … أحبك.”
“لم أسمعكِ. قوليها مرة أخرى.”
أغمضت عينيّ بإحكام وفكّرت.
نعم، الآن وقد أدركت أنني أحبه، عليّ أن أقولها دون أي ندم.
لم أعد بطلة قصة ندم.
أنا…
رفعت رأسي ونظرت إليه بنظرة متحدّية.
“أنا أيضاً أحبك…!”
… لأنني الآن أكتب قصة حب جديدة مع دوق كالينوس.
في تلك اللحظة، اقتربت شفتاه فجأة.
توقف على مسافة تكاد تلامس طرف أنفي، فرفعت بصري نحوه وابتسمت بتوتر.
“هل هذا أيضاً جزء من تجربة للدوق؟ أم أنك خططتَ لهذا؟”
وفي لحظة، تلامس طرفا أنفينا.
كانت أقرب مسافة بيني وبينه على الإطلاق.
ورأيت عينيه المنحنيتين بلطف بوضوح تام.
“لا، الآن ذهني فارغ تماماً. أعتقد أن هذا هو….”
حدّق بي بعينيه الحمراوين، وهمس بصوت خفيض:
“أعتقد أنه غريزة.”
وفور انتهاء كلماته، أحاطني دوق كارلينوس من خصري بيد واحدة.
داخل توتر مشدود ومكثّف—
لامست شفتاه شحمة أذني بخفة، ثم طبع قبلة على خدي، وجبهتي، وعظمة أنفي.
رويداً، ببطء، وحينما بدأت أكتم أنفاسي، أمسك بذقني بلطف بيد واحدة.
أغلقت جفوني المرتعشة بإحكام.
وأخيراً…
تلامست شفتاه مع شفتي.
تكرر عضّ الشفاه، واختلطت أنفاسنا معاً.
… كانت قبلة أولى، عميقة لدرجة أن أنفاسي تعثرت.
<النهاية الرئيسية. يتبع في فصول الخاتمة!>
التعليقات لهذا الفصل " 145"