الحلقة 142
“…في وضعٍ مليء بالوحوش، هل عقد زواج دائم هو الأهم الآن ؟”
“نعم. إنه الأهم على الإطلاق. إذًا، هل سنمضي الآن في زواج دائم بعقد حياة؟”
فتحتُ فمي وأنا أحدّق في عينيه اللتين أصبحتا صافيتين بعد كلامي.
‘ن-نعم، قد يكون الأمر مهمًا… أيضًا.’
فلم يكن هناك أي أثر لنظراته المتذبذبة كما كان من قبل.
وكان ذلك وحده كافيًا بالنسبة لي.
قلتُ بصوت عالٍ كأنني أغني في جوقة موسيقية:
“…نعم! لنغيره إلى عقد لمدى الحياة!”
نهض بهدوء، ثم وجّه طعنته بدقة إلى قلب القنطور.
“أووووووو―!”
ذلك الوحش الذي كان يهتاج بجنون سقط أرضًا ميتًا دفعة واحدة.
وفي الكهف الذي عمّه السكون، حدّق بي دوق كالينوس.
“جيزيل، هل تتذكرين ما قلتِه لي ذات مرة؟”
“أم، أيّ قول تقصد؟”
“حين قلتِ إن الحياة أقصر مما نتوقع، وأنك تريدين أن تشعري بالسعادة كثيرًا. وأن ما أفعله ربما يكون سببًا في سعادة شخصٍ ما.”
“آه، وقلتُ لك حينها أيضًا: شكرًا لأنك ساعدتني في الوصول إلى السعادة، دوق.”
حدّق بي وهو يتكلم.
“في الحقيقة، كنتُ أظن أن لا الموت ولا الحياة يحملان أي معنى. لكنك قلتِ إنك ستعيشين حياتكِ، أية حياةٍ كانت، بتحدٍ وإصرار.”
هل قلتُ ذلك فعلًا؟
لسببٍ ما، شعرتُ بالحرج، وكأنّ كلماتي السابقة كانت جادّة أكثر من اللازم للموقف الحالي.
ثم احتضنني جسده المرتعش، وهمس بخفوت:
“في تلك اللحظة شعرت أنني واجهتُ أصعب سؤال في حياتي. لكنني أظنني عثرت الآن على الإجابة.”
رأيت النور يتسلل شيئًا فشيئًا إلى عيني دوق كالينوس اللتين كانتا دائمًا ضبابيتين.
“وأنا أيضًا… أريد أن أتعامل مع الحياة بجدية، تمامًا مثلكِ.”
“…..”
“….وأريد أن أكون سعيدًا معكِ، لوقتٍ طويل.”
كان صوته متكسّرًا قليلًا.
ابتسمتُ بخفة، لأبدّل الأجواء، بينما أستمع إلى صوته الذي بدا وكأنه فكر مليًّا قبل أن ينطق.
“إذًا، الجواب الذي وجدته… هو أنا، أليس كذلك؟”
“نعم، إجابتي هي… أنتِ، جيزيل.”
وحين أنهى جملته بهدوء، أمسك بيدي.
طقطق، طقطق―
تساقطت قطع الجليد واحدة تلو الأخرى من سقف الكهف مع اهتزازٍ عنيف.
وسُمع صوت ارتطام شيءٍ ما من بعيد.
وحش ضخم بلا وجه، بجسد إنساني، اقتحم الكهف مدمّرًا ما في طريقه.
دمدمة، دمدمة!
كلما اقترب الوحش، ارتجّ الكهف بصوتٍ هائل.
إن تمكّنا من القضاء على ذلك الوحش، فستتدفق موجة جديدة من الوحوش المجنونة.
في تلك اللحظة، أمسك دوق كالينوس سيفه بإحكام.
“أنا أيضًا، أريد أن أواجه الحياة، وأكرّس نفسي لها بكل صدق.”
هجم على الوحوش دون تردد، سواء كانت أرجل الوحش العملاق التي تطير نحونا، أو الوحوش الغريبة التي تفوح منها رائحة الدم.
وأنا في حضنه، رأيت رقصة سيفه المجنونة والمذهلة.
الوحوش الكثيرة كانت تسقط أرضًا واحدة تلو الأخرى…
لقد “استيقظ”.
…ربما لم يكن الوقت مناسبًا لمثل هذه المشاعر، لكنني شعرت أنني أرى مسار حياته، وكان ذلك جميلاً.
وأنا أحدّق فيه ببلاهة، احتضنني دوق كالينوس بقوة أكبر بعدما قضى على أكثر من نصف الوحوش.
في ظلمة الكهف، كان هو وحده يضيء.
حبست أنفاسي وأنا أحدّق فيه.
حتى أثناء قطعه الوحوش بلا توقف، لم تتغير نظراته القوية الموجهة نحوي.
“سأحميكِ… حتى لا تتعرضي للخطر.”
همس نحوي مرة أخرى، وهو يقبض على سيفه بإحكام.
“بدلًا من التعلق بالماضي الذي لا شكل له، لأجل المستقبل معكِ يا جيزيل. لذا، عندما نخرج من هنا، نحن…”
واضح جدًا.
الكلمات التالية ستكون اعترافًا بالحب بلا شك.
‘إنها راية موت.’
لكنني رفعت يدي وسددتها إلى فمه قائلة:
“قلها بعد أن ننجو، مفهوم؟!”
رقصة سيف دوق كالينوس المجنونة عادت للانطلاق ببراعة.
“الآن بعدما قضينا على هذه الوحوش، فلنخرج، أليس كذلك؟”
لكن ربما بسبب انفجار عددٍ هائل من الوحوش…
كواااااعغغغ―
في نهاية معركة بكل ما نملك من قوة، بدأ الكهف بالانهيار بأصوات مدمّرة.
ركضنا بسرعة هاربين من الصخور المتساقطة التي بدت وكأنها ستقتلنا.
ولحسن الحظ، حين اقتربنا من مدخل الكهف…
رأينا مدخل الكهف الذي كانت الوحوش تسدّه قد انكشف أخيرًا.
“بقي فقط أن نخرج!”
تمامًا حين وصلنا إلى المدخل المضيء، حيث يُرى شعاع الضوء…
“…هل تظنين أنني سأدعكما تهربان بسهولة؟”
دوق ليشانييل… لا.
وحش مخيف المظهر، مغطى بالكامل بحراشف الأفعى، قد ظهر.
***
كانت خطة دوق ليشانييل بلا شك مثالية.
لكنّ الموقف الذي شاهده من خلال عيني الوحش لم يكن بتلك السهولة.
كان من المقزز رؤية شخصين يتغلبان على المحن والصعاب وكأنهما بطلا هذا العالم.
وعادت مشاعر الدونية القبيحة، التي كان قد كبحها بجهد، لتأكل أعماقه من جديد.
“اللعنة…!”
بدأت الحراشف تظهر ببطء على ظهر يده.
كان ذلك نتيجة جانبية للقوة التي اكتسبها، التحول إلى وحش.
كلما قطع الدوق كالينوس الوحوش، شعر ليشانييل بألم يمزق جسده وكأن لحمه يُنتزع، لكنه سرعان ما استقام واقفاً.
وظهر للحظة جسم أفعى لزج عند خاصرته.
“كهكهكه…”
وإن لم تستطع الوحوش التي استدعاها أن تنجح، فلا بأس، سيقتلهم بنفسه.
ومن أطراف أصابعه، التي اقتربت من مدخل الكهف، انطلقت مجسات مرعبة تشبه ألسنة الأفاعي.
“هراء!”
كان هدف هجومه الحاسم واضحاً… جيزيل.
في غفلة منها، بدأت المجسات تلف جسدها بإحكام.
لكن دوق كالينوس كان أسرع.
بدأ سيفه يقطع المجسات التي التفّت حولها.
وعندما سال سائل لزج أشبه بالدم من المجسات، تألم ليشانييل وانحنى جسده ملتويًا.
“أه… أآآه…!”
لكن الألم لم يدم طويلاً.
فقد تولّدت مجسات جديدة تشبه الأفاعي من جسده.
ثم، وهو يلهث بقوة، لفّ جيزيل مجددًا وبدأ يخنق عنقها.
“أيها المجنون!”
تلوّت جيزيل بجنون، بينما ارتسمت على وجه ليشانييل ابتسامة نشوة.
لكن في تلك اللحظة بالذات…
أمسك دوق كالينوس بسيفه بكلتا يديه.
واندفع فجأة من الأرض، مقترباً من جسد ليشانييل.
طعنة، اثنتان.
لكن الطعنات الخفيفة قرب الحراشف لم تُخرج قطرة دم واحدة.
لم يُعر ليشانييل اهتماماً، مستمرًا في خنق جيزيل.
“ا… النجدة…”
تحولت ملامح جيزيل إلى اللون الأرجواني، وبدأ جسدها يتلوى في محاولة يائسة للتنفس.
ثم توقف السيف الذي كان يطعن الحراشف فجأة.
في تلك اللحظة، التقت نظرات الدوقين.
عينان حمراوان مليئتان بعداوة واضحة.
لم يكن فيهما أي أثر لصدمة الطفولة أو صدمة الأخ… بل كانتا تحتويان على إصرار واحد فقط: قتل ليشانييل.
“وجدته.”
ارتسمت ابتسامة باردة على طرف شفتي دوق كالينوس.
وأخيرًا، طعن السيف الخاص به خاصرة ليشانييل، في موضع خروج المجسات.
“آاااااااه!”
كان يبحث وسط الحراشف ليصل إلى النواة.
“غخخخ!”
لكن ليشانييل التوى في اللحظة الأخيرة، فانحرفت الطعنة قليلاً.
نجا بالكاد، وسقط أرضًا.
وفي اللحظة التي اختفت فيها الحراشف والمجسات عن جسده، سقطت جيزيل أيضًا على الأرض.
لكنها نهضت فوراً.
رغم الكدمات التي كانت تغطي جسدها، لم تبدُ وكأنها تأبه بها إطلاقًا.
“أوه، أيها القمامة. كنت قد نسيت هذا.”
ثم أمسكت به وسحبته من ياقته، وجرّته إلى خارج الكهف.
ورمته بكل قوة.
ارتجف جسد ليشانييل على الأرض كالحشرة، وراح يحدّق بجيزيل.
“كه، كهكهكه…”
تدفقت من عينيه نظرات حاقدة قاتلة.
بل أكثر دقة…
‘رفيق إلى طريق الموت… لن يكون سيئًا إن كنتِ أنتِ.’
وفي تلك اللحظة، خرج ضوء هائل من طرف أصابعه.
واندفع الضوء بسرعة مباشرة نحو قلب جيزيل كما لو كان محاولة يائسة أخيرة.
لكن جيزيل رفعت يدها.
“يبدو أنك فهمت شيئًا خطأ.”
“ماذا تقولين…!”
“نحن الآن خارج الكهف.”
بمعنى آخر، يمكنني استخدام السحر أيضًا.
فجأة خفتَ الضوء.
وتوقف الهجوم الذي انطلق نحوها في منتصف المسافة بينها وبين ليشانييل.
وظهر في السماء وهج أبيض نقي يهتز بعظمة.
أطلقت جيزيل ضوءًا من أطراف أصابعها، وبدأت تدفع به ضوء ليشانييل بعيدًا.
“م… ما هذا…؟”
تحرك الضوء الذي أصابته قوتها ببطء نحو ليشانييل.
“لقد كنت أدرس سحر الانعكاس.”
ومهما كان سحر الانعكاس قويًا، لا يمكنه رد كل القوة بالكامل.
لكن جيزيل، بصفتها سيدة التنين، وبما أنها صاحبة المصير الحقيقية لساحرة عظيمة، فقد فعلتها.
حدقت في كرة الضوء المعلقة في المركز، وصفّرت بمزاح.
وفي تلك اللحظة، أصبحت الكرة العملاقة التي جمع فيها ليشانييل آخر قواه المقدسة شوكة مرتدة اخترقت قلبه.
التعليقات لهذا الفصل " 142"