وما زاد الأمر إثارة أن المحتوى كان ممتلئًا بالمعلومات القيّمة.
‘خَطُّ اليد هذا… يشبه إلى حدٍّ ما خطَّ الكونت سيهيرا. هل هذا لأنهما أبٌ وابنته؟’
في تلك اللحظة، دخل مساعده وألقى نظرة خاطفة على الكتاب الذي كان يقرأه، ليعقب بانبهار:
“أوه؟ هذا من أكثر الكتب مبيعًا في المكتبات مؤخرًا! اشتريته لأفهم توجهات الإمبراطورية، لكنه ممتع وسلس بشكل غير متوقع!”
“حقًا؟ لا عجب أنه أصبح من الأكثر مبيعًا.”
“نعم! إنه يثير ضجة كبيرة حاليًا. لقد حطم الرقم القياسي للماركيز الراحل بيرتو! لم أكن أعلم أن سموك يملك هذا الكتاب أيضًا!”
“أجل.”
بينما كان يتأمل الغلاف بعمق، بدا عليه التساؤل فجأة..
‘جيزيل لم تدرس في الأكاديمية، فكيف ساعدت في تحريره؟’
راح يفكر فيما إذا كان معلمها الخاص موهوبًا إلى هذه الدرجة، وفي تلك اللحظة لمح مساعده يربت بظهر الكتاب على كتف أحد الحاضرين:
“يا هذا، جرّب أن تقرأه.”
“العنوان غريب بعض الشيء… أشعر أنني يجب أن أخفيه أثناء القراءة.”
لكن رغم تردده، كانت يده تتحرك لا إراديًّا لالتقاطه. لا بد أنه فضوليٌّ بشأن كيفية جني 10 مليارات.
بدأت الأيدي تتسارع في تقليب الصفحات، وسرعان ما تجمع الحاضرون حوله..
“ما رأيك؟ إنه عملٌ تجاري ناجح، أليس كذلك؟”
“همم؟”
“واو، هذا ممتع بالفعل! لم أقرأ كتابًا في التنمية الذاتية من قبل، لكن هذا مختلف!”
“بالمناسبة، في أول صفحة مكتوب: ‘شكر خاص إلى جيزيل’… من تكون هذه جيزيل؟ إنه اسم الآنسة، أليس كذلك؟”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة رقيقة تلقائيًّا..
“إنها بالفعل جيزيل.”
في تلك اللحظة، قال أحد الحاضرين، الذي كان مقربًا من ماريبوسا وجاء لفحص الحسابات، بنبرة ساخرة:
“مستحيل! الآنسة جيزيل؟ لا بد أنها وضعت اسمها فقط دون أن تفعل شيئًا. أليس كذلك؟”
توجهت الأنظار كلها إليه، وأشدها برودة كانت نظرة الكونت فلوريت نفسه، الذي همس بصوت متجمد:
“أنت.”
“ن- نعم؟”
“هل تتحدث عن سيدة العائلة بهذه الطريقة عادةً؟”
“أنا… لم أقصد…”
حدّق فيه الكونت لحظة، ثم أمر بصوت صارم:
“اخرج فورًا.”
“عذرًا؟”
“ألم تسمعني؟ اخرج. حالًا.”
وهكذا، تم طرده وسط أجواء مشحونة بالبرود.
في تلك اللحظة، تذكر الكونت كلمات جيزيل:
”ماريبوسا خطبتني لرجل يكبرني بثلاثين عامًا… وليس لدي وصيفة حتى.“
في الأيام العادية، لم يكن يملك دقيقة فراغ للتفكير في جيزيل.
كان مشغولًا بإدارة أعماله باسم مستعار وتهدئة الاضطرابات المحتملة في الإقليم.
بالكاد استطاع تدبير وقت لهذا الاجتماع العائلي، فكيف كان له أن يلتفت إلى ابنة صديقه؟
ولكن بعد أن أهدته جيزيل هذا الكتاب، بدأت الشرارة التي تركتها تشتعل ببطء..
‘لا بد أن هناك أمرًا مريبًا في أجواء هذا القصر.’
لطالما اعتقد أن احتضانها كان كافيًا، لكنه أدرك الآن أنه ربما أهملها كثيرًا. لم يعد بإمكانه تجاهل هذا الشعور الغريب..
“يجب أن أرد على الهدية الثانية كما ينبغي.”
“ماذا؟”
عندما أمسك بذلك الكتاب السميك، تذكر فجأة أول مرة جاءت فيها الطفلة إلى القصر، وهي تمدّ إليه رسالة مجعدة بيديها الصغيرتين المرتعشتين..
حينها، أقسم على حمايتها.
“اكتشف كل ما حدث لجيزيل أثناء غيابي.”
“حاضر!”
“وتحقق أيضًا من نوع العمل الذي تقوم به.”
“سأخصص وقتًا لذلك، سيدي!”
وهكذا، انطلقت أولى خيوط التحقيق السرّي الذي لم يرد ذكره ولو لمرة واحدة في °هل ستندم إذا مِتُ°.
***
في نفس الوقت
“ماذا؟! دوق كالينوس، تقصد أن شقيقي الأكبر وجد أخيرًا سيدة ليتزوجها؟!”
اتسعت عينا الكونت تيرين – المعروف غالبًا بلقب “المتسكع عديم النفع لعائلة الدوق” – في صدمة تامة.
راقبه المساعد بحذر قبل أن يضيف بنبرة مترددة:
“نعم، لقد حصل حتى على موافقة مجلس الشيوخ. يبدو أنه وقع في حبها من النظرة الأولى!”
“شقيقي؟ يقع في الحب من النظرة الأولى؟ هذا مستحيل.”
شقيقه لا يهتم بشيء سوى السيوف المصممة للقضاء على الوحوش، والدروع الجلدية عالية الجودة، وجرعات العلاج.
الأهم من ذلك كله، كان مولعًا بتوزيع هذه الموارد على الفرسان والسحرة بكميات كبيرة..
“يبدو أنه قرر الزواج مباشرة بعد وقوعه في الحب! لقد تحققنا من الأمر مع مجلس الشيوخ، وهو حقيقي تمامًا.”
نظر تيرين إلى تعبير المساعد الجاد، وأدرك أنه لا مجال للكذب..
“إذًا، السبب وراء إعلان شقيقي المفاجئ عن الزواج هو…”
راح الكونت تيرين يفكر بعمق، يحلل شخصية شقيقه والوضع الحالي، حتى بدأ وجهه يشحب شيئًا فشيئًا.
“لا تقل لي… لا أريد حتى التفكير في الأمر، لكن لا بد لي من ذلك… هل يخطط لاختطاف السيدة؟! لقد ضغطنا عليه كثيرًا للزواج، فهل فقد صوابه وقرر أن—؟”
“مستحيل!”
“هل أنت متأكد؟ ألم تلاحظ أي تصرف مريب؟”
“لا، لا أعتقد ذلك… حسنًا، صحيح أن هناك بعض الحثالة هذه الأيام الذين يقومون بمثل هذه الأمور. يسمونه ‘الزواج القسري’، أليس كذلك؟”
شعر تيرين بقشعريرة تسري في عموده الفقري بينما تخيل سيناريوهات مرعبة..
“لا، لا. هذا مستحيل! أنت تبالغ في مخاوفك!”
بعد وفاة شقيقهم الأكبر على يد الوحوش، تحمل شقيقهم الثاني مسؤولية الأسرة في سن صغيرة.
رغم أنه كان غريب الأطوار إلى حد ما، إلا أنه كان رجلًا يتحمل أعباء ثقيلة على كتفيه..
لم يكن من الممكن أن يقدم على فعل دنيء كهذا… صحيح؟
“علينا مراقبة الوضع عن كثب.”
ومع ذلك، كانت غريزة تيرين تحذره من شيء غير طبيعي.
في صباح اليوم التالي – على مائدة الإفطار في قصر كالينوس
كان الكونت تيرين جالسًا مقابل دوق كالينوس، يتناول طعامه على مضض، لكن عقله كان في مكان آخر تمامًا..
‘هل يعقل أن يكون شقيقي في مزاج جيد اليوم؟’
لطالما كان يرتدي بدلات سوداء قاتمة وكأنها ملابس حداد، لكن اليوم… كان هناك منديل أبيض مزروع بعناية في جيب سترته.
ليس هذا فقط.
في العادة، كان دائمًا يحضر معه أبحاثه إلى طاولة الطعام، لكن اليوم لم يكن هناك أي وثائق على الإطلاق. لم يحدث ذلك من قبل..
‘هل حدث له شيء؟ حتى أنه بالكاد يأكل.’
بدأ القلق يزداد على وجه تيرين، وعقد حاجبيه في حيرة.
‘هو لم يختطف سيدة بالفعل، أليس كذلك؟’
كان يرغب في رؤية شقيقه الأكبر يستقر ويؤسس عائلة سعيدة، لكن ليس بهذه الطريقة!
حينها، قاطعه صوت دوق كالينوس العميق:
“تيرين.”
قفز الكونت من أفكاره، متوترًا من أن تكون هذه هي اللحظة التي سيعترف فيها شقيقه بجريمته الشنعاء..
“ن- نعم؟ ما الأمر؟”
“لدي ما أقوله لك.”
بدا صوته هادئًا كالمعتاد، لكن قلب تيرين كان يدق بجنون، متوقعًا سماع الجملة المرعبة: “لقد اختطفت السيدة.”
لكن بدلًا من ذلك، أسقط شقيقه قنبلة من العيار الثقيل على مائدة الإفطار:
“لديّ حبيبة.”
ولم يكتفِ بذلِك
“سأتزوج هذا الشهر.”
كانت قنبلة نووية عملاقة.
لم يستطع تيرين استيعاب الأمر، ضرب الطاولة وهو يصرخ
“ماذا؟! ستتزوج؟ من؟! من هي السيدة؟ أخبرني أنها سيدة بالفعل! لا تقل لي أنك ستتزوج رجلًا!”
“إنها سيدة.”
اتسعت عينا الكونت تيرين كسمكة خرجت من الماء، وقفز من مقعده في حالة ذهول..
“م- من تكون؟!”
“الآنسة جيزيل فلوريت.”
“ماذا؟!”
“هل تريدني أن أكرر كلامي؟”
جلس الكونت تيرين في مقعده ببطء، عاجزًا عن الكلام.
لقد كان يتردد على الدوائر الاجتماعية باستمرار، لذا لم يكن ممكنًا ألا يكون قد سمع عن جيزيل فلوريت..
‘جيزيل… ألم تكن تلك السيدة ضعيفة جدًا!’
التعليقات لهذا الفصل " 14"