الفصل 135
***
ظل الدوق ليشانييل يكرر في ذهنه كما لو كان يغسل دماغه بنفسه.
‘لم أهرب من ذلك المكان.’
رغم ترديده هذا كعذر، إلا أن ملامحه المتصلبة لم تلِن.
بخطى مهرولة، وصل الدوق ليشانييل إلى حيث توجد الكرة الكريستالية الصغيرة.
كانت إرثاً تركه له والداه قبل وفاتهما.
“إذا ظهر شقٌّ في حجر الحظ، فذلك يعني أن حجر حظ جديد وقوي قد ظهر.”
“وماذا أفعل حينها؟ لقد قلتما إنني طفل مميز يملك حجر الحظ.”
“عليكَ قتل من يملكه، أو سلبُه كل ما لديه. فأنت، يا بُني، مصيرك أن تكون المنتصر، أليس كذلك؟”
“لا أعلم ما الذي يجب أن أفعله.”
“إذن يا صغيري، حطّم هذه الكرة الكريستالية. فعندها، ستحلّ الفوضى على العالم، ومعها جميع الوحوش. أليس من رحم الفوضى يولد الأبطال؟”
استرجع كلمات والديه، ثم رمى الكرة الكريستالية على الأرض.
تحطّمت بصوت عالٍ!
وتدحرج الزجاج الذي اسودّ تماماً على الأرض.
ظل يردد في نفسه عبارتي “قدر المنتصر” و”ميلاد البطل”، وهو يعض على أسنانه بقوة..
لطالما كان عقلانياً، ولطالما حافظ على وجه طيب.
لأن الظروف كانت تهيّئ له ذلك.
لكن بعد أن سُلبت منه تلك الظروف، أصبح الدوق ليشانييل قلقاً ومضطرباً في هذه الفوضى الخارجة عن السيطرة.
ومع ذلك، كان هناك خبر سار.
فما إن غادر المكان الذي تحطمت فيه الكرة الكريستالية، حتى وصل إليه رسول من أتباعه يحمل خبراً.
“الشمال أيضاً أنهى كل الاستعدادات. على الأرجح، ستبدأ الوحوش في الهيجان قريباً.”
عند سماعه هذا، تغيّر تعبير وجهه.
‘لا يمكنني أن أظهر وجهاً متزعزعاً في وقت كهذا.’
أخفى الدوق ليشانييل كل علامات القلق والتوتر، وهمس بلطف مصطنع على غير عادته.
“يبدو أن الخطة تسير كما ينبغي. آه، صحيح، قيل لي إن برج السحر أرسل شخصاً.”
“نعم، صحيح، سيدي.”
“خذوه إلى القبو.”
“عفواً؟”
“سأقيّده وأمتص طاقته السحرية.”
“أ، أيمكننا فعل ذلك؟ ألا يعد هذا تحدياً لسيد برج السحر…؟”
نظر إلى تابعه الذي دارت عيناه في قلق، ثم ابتسم بلطف.
لم يكن هذا وقت الانشغال بتصرفات تافهة كتلك.
‘بما أنني لم أتمكن من انتزاع ما تملكه جيزيل، فأنا بحاجة حتى لأدنى أنواع المانا.’
لم يتردد.
استدعى سحرة آخرين، وامتص منهم المانا مراراً وتكراراً.
وبينما ينظر إلى وجوههم المذهولة ويسمع صرخاتهم، كان يشعر بتدفق المانا في جسده بلا أي انفعال.
‘…كما توقعت، لا يزال ذلك غير كافٍ إطلاقاً.’
ومضى قرابة يومين على ذلك.
وعندما جمع قدراً لا بأس به من المانا، وإن لم يكن كافياً تماماً، خرج من القبو حيث كان يحتجز السحرة وسأل أحد أتباعه المخلصين:
“أجبني. كيف هو الوضع في الشمال؟”
“الوحوش قد خرجت عن السيطرة بشكل تام، لدرجة أن الفرسان لا يمكنهم التعامل معها. حتى عائلة كالينوس تلقّت أنباء هيجان الوحوش.”
ارتسمت ابتسامة رضا على شفتيه.
نعم، أليس هذا طبيعياً؟
فحتى لو كان المصير سلسا، فلا تخلو ملحمة البطل من المحن.
حتى لو حاولت شوائب تافهة أن تضع أمامه المحن…
“دعوا الوحوش تنفلت كما تشاء. فثمة أمور ممتعة على وشك الحدوث.”
لقد درس دوق كالينوس بعمق مخيف.
من الأشياء التي يبغضها، إلى الوحوش التي يمكن أن تكون نقطة ضعفه.
“إذا مات أحدهم واختفى، فلابد أن نقيم كرنفالاً مبهجاً.”
كل هذا ليس محنة.
بل مجرد بداية لفصل ثانٍ باهر من حياته.
***
في تلك الأثناء، كانت العاصمة تضج بأجواء احتفالية، بينما لم تنتشر بعد أخبار هيجان الوحوش في الإقليم الشمالي.
أن تكون الطبيبة موجي هي نفسها دوقة جيزيل كالينوس!
امتلأ العالم بالاهتمام المفرط والشائعات حولي.
‘كيف يمكن للناس أن يغيّروا مواقفهم بهذه السرعة، كما لو يقلبون راحة اليد؟’
فقط كوردليا كانت الوحيدة التي بدت وكأنها تفهم ما جرى حتى الآن، وبقيت صامتة.
أما باقي السيدات والنبيلات، فكنّ يتهافتن على الحديث معي بأي طريقة كانت.
‘كما هو متوقّع، فإن الحبكة حيث تُخفى القوة دائماً ما تكون فعّالة في كل زمان ومكان.’
رغم أنني لم أقصد ذلك، إلا أن النتيجة كانت ممتازة، ففضلت التزام العزلة للحفاظ على هالة الغموض.
لكن…
“هل تعلمين، جيزيل؟”
“أوه، مضى وقت طويل، سيدة يوليانا.”
“رغم أن هويتكِ كموجي كُشفت، لم يتفاجأ أحد. لا نيسلان، ولا والدي، ولا حتى ريويس.”
“هييك….”
“يعني أنني الوحيدة في العائلة التي لم تكن تعلم أنكِ موجي حتى الآن.”
….تجمدت ساقاي أمام وجه يوليانا المتجمد كالجليد.
“ه، هكذا يبدو.”
شعرت وكأنني مذنبة، وانحنيت أمامها تماماً.
“نعم. هكذا جرت الأمور، من دون قصد…”
“لا أعلم ماذا يجب أن أناديكِ الآن.”
ثم همست حماتي، التي بدأت ملامحها القاسية تلين، وهي تمسك بيدي بإحكام.
“…هل أناديكِ بالمنقذة؟ شكراً لكِ.”
“آه…”
“أنا أيضاً أعرف كيف أقول شكراً. ألم أفعلها من قبل؟”
حين داعبت يدها الدافئة يدي، شعرت بالحنان.
في تلك اللحظة، دخل دوق كالينوس الغرفة مرتدياً زيه العسكري الكامل.
“هل يمكنني أيضاً أن أمسك بيد زوجتي؟”
…ما به هذا الرجل المباشر!
***
عدنا إلى غرفة النوم مجدداً.
“لماذا ترتدي الزي الرسمي؟ هل ستخرج؟”
“سمعت أن <بذور الوحوش> قد انفجرت في الشمال، لذا سأضطر للبقاء هناك لبعض الوقت.”
ما إن قال ذلك حتى تجمّد وجهي بالكامل.
كنت أتوقّع ذلك، نعم، لقد بدأ الأمر أخيراً.
‘ذلك اللعين، بدأ أخيراً.’
ابتسمت وأنا أمسك بذراع دوق كالينوس.
في اليوم الذي سرقت فيه قوى دوق ليشانييل المقدسة …
أخبرت دوق كالينوس مسبقاً بأن ذلك البعوض قد زرع <بذور الوحوش>.
وربما لهذا السبب، لم يبدُ دوق كالينوس متفاجئاً.
“لابد أن دوق ليشانييل هو من فعلها.”
“أجل، على الأرجح.”
“ذلك الوغد، لا بد أنه يشعر الآن بالكثير من التوتر والقلق. وأمثاله لديهم سمة معروفة. يتركون خلفهم الكثير من الأدلة على جرائمهم.”
لقد انتزعت من دوق ليشانييل كل شيء، شيئاً فشيئاً. شرفه، ماناه، وقواه المقدسة.
وهذه المرة، شعرت أن الضربة القادمة ستكون الأخيرة، فشدَدت قبضتي بكل قوتي.
حينها، فتح دوق كالينوس فمه.
“نعم. سأجمع الأدلة، وأقضي على الوحوش، وأعود سالمًا.”
كان في كلامه شيء يثير الريبة.
“ماذا تعني بأنك ستعود سالمًا؟ سأذهب معك أيضًا. سأحطم تلك الوحوش بنفسي!”
“لا، جِيزيل. أريدك أن تبقي في العاصمة، تراقبي وتتحققي من المعلومات فقط. لا يجوز أن تتصرفي بتهور.”
“آه، نعم! صحيح. لا بد أن يبقى أحد في العاصمة كمصدر للمعلومات، أليس كذلك؟ إذًا، سأقوم أنا بتحطيم ذلك الوغد دوق ليشانييل هنا، وأنت عد سالمًا—”
“هذا أيضًا غير مسموح.”
“ماذا؟”
“لا تواجهي دوق ليشانييل وحدكِ. لا أريدك أن تتأذي في وقت لا أستطيع فيه حمايتكِ.”
“لكن…”
“أعلم، جِيزيل قوية. لكن الأمر لا يخلو من الخطر.”
حدّقتُ فيه مطولًا.
لو كان الأمر في المعتاد، لهززت رأسي رافضة، لكن ملامحه كانت صادقة لدرجة أنني لم أستطع معارضته.
“……سأحاول قدر الإمكان. لكن عليكَ أن تعدني. عد سالمًا.”
“نعم. بالطبع سأعود سالمًا. أعدكِ.”
مدّ إصبعه الخنصر وكأنه يطلب مني عقد وعد صغير.
فمددت خنصري أيضًا وربطته بخنصره قائلة:
“نعم، وعد.”
ظننت أن كل شيء قد انتهى، وأنه سيتوجه الآن إلى الشمال.
“آه، وأيضًا……”
لكنه لم يغادر، بل تردد للحظة، ثم همس لي بهدوء:
“عندما أعود، سأعترف لكِ مجددًا، كما ينبغي.”
……ألم يعترف لي بالفعل؟
“مهلًا، إذًا ما الذي كنت تفعله طوال الوقت؟ أكان تهديدًا بدلًا من اعتراف؟”
وضع يده على ذقنه وفكر مليًّا.
“ربما يكون كذلك. على كل حال، قصدي أنني سأعترف لكِ مجددًا بطريقة صحيحة، لأكسب قلبكِ تمامًا.”
لحظة.
الآن فهمت لماذا شعرت بأن كلماته مألوفة جدًا…
شحبت ملامحي.
‘الاعتراف بالحب بعد النجاة من المعركة؟ أليست هذه راية الموت الكاملة؟’
وحتى هذا لم يكن كل شيء.
من داخل سترته الرسمية المرتبة، أخرج بورتيه صغيرًا لي، لا أعلم متى رسمه أصلًا.
“لماذا تحمل صورتي معك؟”
“آه. لأتأملها أثناء القتال كلما سنحت لي الفرصة. لأستمد القوة. يُقال إن الجميع يفعلون ذلك.”
وما إن قال هذا حتى ازداد وجهي شحوبًا.
تبًا، لقد فعلها.
…راية الموت!
التعليقات لهذا الفصل " 135"