الفصل 133
***
“إن كان لديكِ ما تقولينه، فلتقولي لي مباشرة.”
نظرتُ إلى سيد برج السحر العجوز الذي كان يحدق باتجاهي.
“سيد البرج… لا، الجد، لقد أتيتَ أيضًا، أليس كذلك؟”
ارتفع حاجباه بانزعاج حين سمعني أناديه بـ”الجد”.
“أولًا، هلا شرحتَ لي الأمر؟”
“شرح؟ هل رأيتِ شيئًا ما في التراس؟”
“هاهاها… أنا لم أذكر شيئًا من هذا القبيل، لكن يبدو أنك تظن أنني رأيت شيئًا.”
حين بلغ الغضب بي حدًا أقصى، بدأت أفكر بعقلانية على غير العادة.
قلت تلك العبارة التي كنت أتحاشاها دومًا، ظنًّا مني أنها ليست مهمة، وابتسمت ابتسامة خفيفة.
“لا بأس، أتيت اليوم للحديث مع ‘سيد البرج’. لذا، يا جد، تنحَّ جانبًا من فضلك.”
“ما الذي…؟”
نظرت إلى سيد البرج، لا، إلى الجد، الذي بدا نادرًا ما يُفاجَأ، وابتسمت له ابتسامة مشرقة.
ثم نظرت مباشرة إلى الرجل الذي قدّم نفسه باسم “جيروم”، ذلك السكرتير.
“ما سبب خداعكَ لي بشأن عدم كونك سيد البرج؟”
“ماذا؟”
ذلك العجوز ليس سيد البرج الحقيقي.
بل هذا الرجل في الأربعين من عمره، المرهق والذي تظاهر بكونه سكرتيرًا، هو سيد البرج.
‘ما كان يزعجني منذ قليل هو: كيف علم هذا ‘السكرتير’ بمحادثة دارت بين والديّ وسيد البرج؟’
“آه…”
“ليس لديك موهبة في التمثيل على ما يبدو.”
“أجل، لقد اكتشفتِ الأمر، أليس كذلك؟”
حين اعترف بذلك بكل بساطة، هززت كتفيَّ بلا اهتمام.
“أظن أنه حان الآن وقت سؤالك عن سبب خداعك لي. أنا أهددك الآن، بالمناسبة.”
“تهديد؟ هل تجرؤين على تهديد سيد البرج؟”
رمقتُ ذلك العجوز المنتحل شخصية سيد البرج بنظرة حادة.
“ولِم لا؟ أنت اختبرتني، أما أنا فلا يُسمَح لي؟”
في تلك اللحظة، تدلّت شفتا ‘جيروم’، سيد البرج المتخفي، إلى الأسفل.
“حسنًا، أعترف، لقد أسأت التقدير. لم يكن هناك سبب خاص، كنت فقط أشعر بالفضول بشأن شخصيتكِ. شعرت أنك لن تتحدثي بصراحة لو علمتِ أنني سيد البرج.”
“وماذا بعد؟”
“صحيح أنني سيد البرج، وأن دوق ليشانييل أظهر قدرات استثنائية أثناء تدريبه هنا، لكن هذا لا يعني أنني أوليته اهتمامًا خاصًا. في الحقيقة، لم أكن مهتمًا كثيرًا بعالم الناس أصلًا.”
“لا يهمني إن كان ما تقول صحيحًا أو لا. فقط أخبرني بكل ما تعرفه.”
“…لكن ثمة أمر يجب أن أخبركِ به، دوق ليشانييل كان مهووسًا بالوحوش السحرية. إلى حد جنوني تقريبًا. وأظن أن هذا الهوس كان سببه شعور بالنقص تجاه دوق كالينوس. رغم أنه كان يتظاهر بخلاف ذلك، إلا أنه كان يتأثر به كثيرًا.”
الهوس بالوحوش السحرية، والشعور بالنقص تجاه دوق كالينوس.
‘في هذه اللحظة، من المؤكد أنه يغلي من الداخل. هل يمكن أن يكون يخطط لاستخدام الوحوش ضدنا؟’
لكن حين نظرت إلى دوق كالينوس أمامي، بدا هادئًا للغاية.
وبينما أفكر في احتمالية أنني أغفلت دليلًا ما، سألته وأنا أنظر إليه:
“هل حصل أمر مريب متعلق بالوحوش في الآونة الأخيرة؟”
أخذ الدوق يفكر بعمق.
“لا شيء بارز على ما أظن… صحيح، كانت هنا قصة ‘بذور الوحوش’.”
لكن في تلك اللحظة بالتحديد، خرج صوته بنبرة بطيئة:
“الآن وقد ذكرتِ الأمر، لقد تلقيت تقريرًا من فرقة الأمن بالأمس. يبدو أن أمرًا غريبًا قد حدث.”
“غريب؟ تقول…؟”
“قالوا إنهم وجدوا جثثًا لوحوش ميتة قرب شارع ميموند. وأظن أن الحادث تكرر هذا الصباح أيضًا.”
شارع ميموند… ذاك قريب من منزل الكونت فلوريت.
‘وحوش ميتة، إذًا… يبدو أن هذا الوغد بدأ يتخبط يائسًا.’
لكن ما دام قد أحدث فوضى من هذا النوع، فأنا أرحب بذلك.
اتسعت عيناي بحماس.
‘في الحقيقة، لم يكن لدي أي دليل لأزج بذلك القذر في السجن.’
كنتُ أملك فقط شكوكًا قوية في تورطه بموت والديّ، دون أدلة مادية.
لكن إن واصل ارتكاب الحماقات بهذا الشكل…
‘فهذا يعني أنه يمنحني الوقت لأمسك بالدليل وأُسقِط عليه العقاب. يا لها من خدمةٍ عظيمة منه.’
وقفت فجأة، وأمسكت بيد دوق كالينوس.
“أمسكتِ بيدي فجأة… هذا يمنحني أملًا.”
حين قال ذلك، بدأت أشعر بالحرج من إمساكي بيده…
‘تماسكي يا جيزيل، لا تدعي العواطف تسيطر عليك! نحن في حالة حرب الآن!’
لكن يبدو أن الجسد لا يمكنه مقاومة بعض التغيّرات.
ففي اللحظة التي تلامست فيها أيدينا، احمرّت أذناه وأذناي معًا، بلا أي قدرة على التحكم.
ففتحت فمي بسرعة لأقول:
“لنذهب إلى قصر الكونت فلوريت، حالًا!”
***
“هل ما رأيته للتو حقيقي؟”
كان الكونت فلوريت يستعد للنوم وهو يرتدي منامة متطابقة مع صديقه المقرب، الكونت سيهيرا، ويضع قبعته.
ولكن…
“س، سيدي الكونت! ما الذي يحدث على وجه الأرض؟! كيف يمكن لمخلوق شيطاني أن يظهر فجأة في قصرنا؟!”
“اهدأ. هل هذا الأخطبوط العملاق الذي يبدو وكأنه نشأ بشكل طبيعي، هو من أطاح بسقف قصري الآن؟”
“يبدو… نعم، يبدو كذلك!”
“في الآونة الأخيرة، تكررت حالات ظهور المخلوقات الشيطانية الصغيرة في العاصمة.”
كان المخلوق الشيطاني العملاق، “الأخطبوط”، بحجم بيت كامل، وكان يتسلل إلى القصر ويحطم كل الأشياء الثمينة بأطرافه اللزجة.
“كرووو―”
“آااااه!”
وحتى إنه بدأ بنفث مادة سامة تشبه الحبر، مما جعل القصر على وشك أن يُدمر تمامًا.
عقد الكونت فلوريت حاجبيه، وسحب سيفه على الفور.
“ذلك الحقير، السافل الذي اختطف ابنتي!”
“آه… استخدام هذا النوع من الأوصاف مع وحش…”
في العادة، تظهر الوحوش في الشمال، لذا فإن ظهورها في العاصمة يُعد أمرًا نادرًا للغاية.
لكن بما أنها ظهرت، فلا بد من التعامل معها بشكل مناسب.
رفع الكونت فلوريت سيفه وأخذ نفسًا عميقًا.
“لو كان صديقي العزيز حيًّا، لقال على الأرجح: ‘هذا المخلوق اللعين قد جُن تمامًا.'”
“لقد بدأت تتحدث عبر لسان صديقك الكونت سيهيرا كما يحلو لك.”
“على أي حال، هذا ليس المهم. المهم الآن هو أن أثبت أن مهاراتي في المبارزة لم تَصدأ بعد.”
اقترب الأخطبوط العملاق ببطء.
كان الخدم يتساقطون واحدًا تلو الآخر بعدما أصيبوا بسُمّه الأسود. لم يبدو أنهم ماتوا، لكن إصاباتهم كانت خطيرة.
رفع الكونت فلوريت سيفه ووجّهه نحو الأخطبوط، الذي كان يقتحم قصره ويُحطم أثاثه الثمين في طريقه إليه.
“اسمعني جيدًا، أيها المساعد. إن متُّ هنا اليوم….”
“لِمَ تتحدث عن الموت، سيدي الكونت! إن كان أحدهم سيموت، فهو هذا المخلوق المجنون الذي ظهر فجأة ودمّر قصرنا بدون أي سبب مقنع!”
زمّ الكونت شفتيه عندما سمع كلام مساعده.
ثم عبس وجهه وهو يرى أحد المخلوقات الحارسة ذات المجسات يتجه نحوه بسرعة.
“كم هو مزعج.”
غرس سيفه في أحد تلك المخلوقات الصغيرة وقال:
“على أي حال، لو مُتُّ، أخبر جيزيل أنني أحبها… كخخ!”
“تتظاهر بالبكاء بتعبير جامد إلى هذا الحد؟”
رفع المساعد سيفه أيضًا وانضم إلى المعركة ضد المخلوقات.
“أنا لا أُخفي مشاعري. أنا فقط متحسر جدًا الآن.”
تحطّم!
صدر صوت تحطم جرة ثمينة كانت تزيّن أحد الممرات، وهي تذكار من رحلة بحرية.
“لقد طارت خمسة مليارات ذهب في لحظة.”
ظل الكونت فلوريت يقتل الوحوش ببرود، بينما كان يتذمر ببكاء مصطنع.
لكن في تلك اللحظة بالذات…
“ه، هاااه!”
من طرف المجس الذي قطعه، ولدت عدة مخلوقات جديدة متطابقة تمامًا مع الأصلية.
‘هذا…’
رغم أنه لم يكن يرى المخلوقات كثيرًا، فقد كان واثقًا أن ما يحدث الآن ليس أمرًا طبيعيًّا.
انشغل الكونت فلوريت بمراقبة نهاية المجس المقطوعة، فأنزل سيفه للحظة.
سسسس…
“سي، سيدي الكونت! خلفك!”
التعليقات لهذا الفصل " 133"