الفصل 131
ما إن خطوت داخل الفضاء المتاهة حتى شعرت برأسي يدوخ.
قال سيد برج السحر ذو الشعر الشائب:
“برج السحر عبارة عن برج مدبب في أعلاه، يتكوّن تقريبًا من مئة طابق. جميع السحرة يصعدون ويهبطون عبر السلالم.”
ما كان لي إلا أن أتبع هذا العجوز الذي بدأ بالسير أمامي.
‘حتى هؤلاء العجائز يصعدون ويهبطون كل مرة؟ إذًا أين الصعوبة؟’
لكن، حين وصلت إلى الطابق السابع والسبعين…
“عذرًا، إلى أين تأخذني بالضبط؟ إلى الجحيم؟”
شعرت بأن جسدي سيتحطم.
رغم أنني استعدت الكثير من المانا وعززت جسدي بالكامل، لم أتحمل الدرج الحلزوني المؤدي للطابق السابع والسبعين.
“مستحيل.”
نظرًا لضحك سيد البرج الكبير وكأنه لا يشعر بأي تعب، لم أتمالك نفسي من العبوس.
فتح باب غرفة صغيرة تقع على الجهة المقابلة من الدرج وقال:
“هذا هو المكان، تفضّلي بالجلوس، سيدتي الدوقة.”
مسحت العرق المتصبب من جبيني وجثوت على المقعد الذي أشار إليه.
كنت متعبة جدًا حتى أنني لم أجد الطاقة لأقول أي مجاملات.
نظرت إليه مباشرة وتحدثت بصراحة.
“هاه… سمعت أن والديّ زارا حضرتك في آخر مرة.”
“آه، نعم.”
همس بذلك بصوت خافت وهو يرفع فنجان الشاي بخفة.
“لقد كانا هنا بالفعل…”
بدت نظراته وكأنه يسترجع الماضي، فتمتمت أنا بهدوء.
“سمعت أنهما تحدثا عن حجر الحظ حينها. أود أن أسمع القصة بتفاصيلها.”
“فلنتحدث بينما نقدم لكِ بعض الشاي أولًا.”
في تلك اللحظة، اقترب السكرتير من سيد البرج وهمس بشيء في أذنه.
رغم أنه كان قريبًا جدًا، لم أسمع أي صوت. على الأغلب استخدم تعويذة.
“آه، فهمت.”
“نعم، سيدي.”
داعب سيد البرج لحيته البيضاء وهمس قائلًا:
“يبدو أن أمرًا عاجلًا قد طرأ، وسأضطر للانصراف قليلًا.”
“ماذا؟ كم ستستغرق من الوقت؟”
“لا تقلقي، سأعود قبل نهاية اليوم. يمكنكِ قضاء الوقت في قاعة الكتب.”
وقبل أن أعترض، نهض سيد البرج وغادر بسرعة.
‘ما الغرض من تسلق كل هذه السلالم إذًا؟’
كل ما أردته هو سماع كلام عن وصية والدي، لكنني تُركت وحيدة في الطابق السابع والسبعين من البرج، مع السكرتير فقط.
‘صحيح أنني لست متوترة بفضل رفقة حيواناتي الأليفة، لكن حجم الغرفة يجعلني أشعر بالارتباك.’
عندما دخلت لأول مرة بدت الغرفة كأنها صالة استقبال عادية، لكن ما إن غادر سيد البرج حتى تحولت إلى مكتبة شاسعة.
أخذت نفسًا عميقًا وأخذت أتفحص المكان.
عندها بادرني السكرتير وكأن فكرة مسلية طرأت له.
“حسب ما أذكر، تحدّث هنا ثلاثة أشخاص ذات مرة: سيد البرج، ووالداكِ، سيدتي الدوقة.”
لم أتذكّر الكثير عن والديّ.
‘لكن من الغريب فعلًا أن السكرتير يتذكرهما.’
وقفت وسألته وكأنني أختبره.
“إذًا، هل يمكنني إلقاء نظرة على المكتبة قليلًا؟ لا مانع؟”
***
قادني سكرتير سيد البرج إلى المكتبة.
“يمكنكِ تصفح أي كتاب تشائين.”
‘رغم أن هناك من يراقبني، إلا أن فتح المكتبة فجأة بهذا الشكل… يثير الشكوك فعلًا.’
أومأت برأسي وبدأت أستعرض عناوين الكتب.
كانت كلها عناوين مملة تجلب النوم، من النوع الذي يحبه رئيس مجلس الشيوخ هينسي.
“الأجواء هنا هادئة.”
“والداكِ عاشا في البرج لبعض الوقت. كانا روحَين حُرَّتين، لذا لم يتركا وراءهما آثارًا كثيرة.”
“أحقًا؟”
“هل ترغبين في إلقاء نظرة؟”
أشار لي نحو رف قديم ملئ بالكتب البالية. وكان في أحد أطرافه كتاب كتب عليه اسم والدي.
“إنه كتاب لا يُفتح. على الأرجح أنه موضوع تحت تعويذة.”
لكن…
كنت أستطيع أن أرى بوضوح.
الجملة المكتوبة على غلاف الكتاب كانت: “هل ستندم إذا متُّ؟”
‘ما الذي يفعله عنوان هذا الكتاب هنا؟’
شعرت بأن وجوده هنا لم يكن مجرد صدفة، وبدأت أشعر بالتوتر.
بدا أن السكرتير لاحظ نظري المركّز على عنوان الكتاب، فقال لي:
“آه، ‘هل ستندم إذا متُّ؟’، يبدو كعنوان رواية ميلودرامية.
بيننا نقول ممازحين أن حتى الساحر العظيم كان يحب القصص الرومانسية الميلودرامية.”
عضضت شفتي بقوة.
‘لا، هذا ليس مجرد مزاح. لماذا هذا العنوان بالذات؟ هذا مريب جدًا!’
كنت أعتقد حتى الآن أن “هل ستندم إذا متُّ؟” هو عنوان رواية قرأتها في حياتي السابقة، وأن البطلة جيزيل كانت أنا في تلك الحياة السابقة.
لكن إن صح ذلك، فكيف يمكن تفسير وجود هذا العنوان ضمن تركة والديّ؟
طرقت على سطح الكتاب برفق وسألت بصوت منخفض:
“هل هناك طريقة لفتح هذا الكتاب؟”
“مم… بما أنه محاط بتعويذة، فقد يحتاج إلى مانا قوية جدًا.”
ثم أضاف:
“الكتب تنقسم إلى نوعين: كتب تمتلك شخصية، وأخرى جامدة بلا روح. هذا الكتاب من النوع الأول، لذا إن لم يرد أن يُفتح، فلن يكون فتحه سهلًا.”
***
… الفضول يقتل الإنسان.
كنت على وشك استنفاد كل المانا التي سرقتها من دوق ليشانييل لفتح كتاب واحد، لكنني توقفت في آخر لحظة.
‘لا يمكنني الاستمرار. صلابة هذا الكتاب أقوى من أي مانا!’
استلقيت على الأرض بشكل عشوائي.
“متى سيأتي سيد البرج؟”
نظر إلي السكرتير بنظرة غامضة ثم ابتسم.
“يبدو أنه مشغول جدًا، ربما يتأخر قليلاً. هل ترغبين في تناول الطعام قبل أن يصل؟”
…. في الوقت الذي كان فيه الجميع في حالة من الارتباك، الطعام؟
لكن الطعام ليس مذنبًا، فهززت رأسي موافقة.
“على الأقل يجب أن أشبع بطني أولًا. يرجى إرشادي.”
مضيت خلفه دون شكوك إلى التراس* الذي أشار إليه.
(“التِراس” هو مساحة خارجية مستوية، تكون عادةً جزءًا من مبنى أو متصلة به، وتُستخدم للجلوس أو الاسترخاء.)
كان المكان الصناعي المزخرف كما السماء الليلية، وكأن المجرات تُمطر فوقنا، كان دافئًا وجميلًا للغاية.
“النجوم التي تضيء هذا التراس ليست كالنجمات العادية.”
نظرت إلى رأسه وأومأت برأسي.
“هذا هو المكان الذي صنعه أول سيد للبرج. عندما تصل إلى هذا المكان، ستتوهج النجوم فوق رأس من جاء هنا.”
“أوه، يا له من أمر رائع!”
“كما تتوهّج حياة الإنسان بحيويّتها، تتلألأ النجوم بلون أبيض وأحيانًا أصفر. تبدو كل نجمة وكأنها تروي قصة مختلفة، تُذكّرنا بتنوّع مسارات الحياة. لذا، فإنّ هذه النجوم تعكس حاضرنا ومستقبلنا. أليس ذلك رائعًا؟ كأنّ تنوّع حياتنا ينعكس في هذا المشهد البديع…”
استمر في شرحه، ولكن فجأة توقف عندما نظر إليّ.
“همم؟”
“….”
كان تعبيره غريبًا بعض الشيء.
“ما الأمر؟”
حينها استطعت أن أرى عبر النافذة المقابلة فوق رأسي.
كانت هناك مجموعة من النجوم اللامعة تسبح فوق رأس السكرتير.
لكن فوق رأسي، كان هناك ظلام دامس.
لم يكن هناك شيء.
‘ما هذا؟ أليس من المفترض أن تضيء النجوم؟ هل يعني هذا أن حياتي كلها ظلام؟’
كنت في حالة من الذهول ومررت يدي عبر شعري كمن يحاول فهم الأمر، ثم قلت مازحة:
“ماذا يعني هذا؟ هل يعني أن حياتي ليست سوى ظلام؟”
“همم.”
لكن تعبير السكرتير كان جديًا، وكأنّه كان في وضع حرج وهو يراقبني.
‘ما الذي يعنيه هذا؟ ما معنى هذا الأمر؟’
نظرت بتوتر إلى النجوم التي كانت فوق رأسه.
‘ماذا يعني هذا التحول المفاجئ في القصة؟’
ثم…
رأيت تعبير السكرتير الذي كان يبدو وكأنه يفكر في شيء ما، فابتسمت برفق.
“أيها السكرتير.”
“…نعم؟”
“أنا سريعة البديهة.”
“ماذا تعنين؟”
“لقد جلبتني هنا عمدًا، أليس كذلك؟ ما الهدف من ذلك؟”
في تلك اللحظة، تغير تعبير وجهه ليظهر عليه الارتباك الشديد.
التعليقات لهذا الفصل " 131"