الفصل 126
من المدهش أن جيزيل لم تكن الوحيدة الخارجة عن طورها في تلك اللحظة.
شدّ دوق كالينوس قبضته على خصر جيزيل أكثر وهمس لها بصوت منخفض:
“كما هو متوقع من زوجتي، من الجميل رؤيتكِ بهذا القرب.”
“نعم، أليست جيزيل محبوبة جداً؟~♡”
“إذا أمرتِ، كل من تسوّل له نفسه أن يمس زوجتي الحبيبة ولو بطرف إصبعه، سأقطع رأسه وفقاً لشرف الفروسية.”
تجمد الجميع في مكانهم أمام تصريح دوق كالينوس المجنون.
كان من السخيف أن يتحدث عن ‘الفروسية’ بذلك الوجه القاتل…
“زوجته الحبيبة؟”
نعم، كانت تلك الجملة تحديداً هي المشكلة الأكبر.
صحيح أن دوق كالينوس أظهر رغبة تملّكية تجاه جيزيل في الاجتماعات الرسمية من قبل، مما أكسب البعض مناعة تجاه تصرفاته.
لكن إعلان الحب بهذا الوجه المخيف في مكان عام هو أمر مختلف تماماً!
مجرد إعلان الحب ذاك من دوق كالينوس كان كفيلاً بإخماد الشائعات بينه وبين جيزيل على الفور.
عبس دوق ليشانييل، وقد فهم فوراً أن هذا كله كان جزءاً من صراع خفي.
‘رأيته يفعل هذا من قبل، لكن تصرفه وكأنه واقع في حبٍ حقيقي… هذا مثير للشفقة.’
بالنسبة له، الذي لا يؤمن بشيء يُدعى الحب، كان حبّهما يبدو تافهاً.
قطّب حاجبيه كما لو أنه يرى شيئاً مقرفاً، ثم بدأ يتحرك مجدداً.
وبينما كانت الابتسامة ‘المقدسة’ مرسومة على وجهه.
توجهت أنظار جميع أفراد الطبقة الراقية إليه، بما أنه مضيف هذه الحفلة.
“أوه، جيزيل. لقد نزعتِ القناع.”
“نعم. إذاً؟ هل من مشكلة؟ جيزيل تحب لفت الانتباه! فهذا يجعلها تبدو مميزة!”
“لا توجد مشكلة. آه، لقد حان وقت الرقصة الأولى على ما يبدو.”
رفعت جيزيل كتفيها كأنها تقول ‘وما شأني؟’، فتراجع دوق ليشانييل ووجهه يحمل تعبيراً مبهماً.
كانت جيزيل تودّ لو تشتبك معه أكثر، لكنها شعرت بشيء من خيبة الأمل، إذ بدأ صوت الأوركسترا يُسمع في الأرجاء.
‘الآن، سيبدو دوق ليشانييل كالرجل المتسامح الذي يتحمل جنوني.’
لكن الحقيقة ليست كذلك.
عند النظر إلى الشائعات التي انتشرت بين جيزيل ودوق ليشانييل، فإن هذا المشهد لم يكن في صالحه أبداً.
ففي العادة، كان كلٌّ من دوق ليشانييل والمركيز بيرتو قاسييْن في معاملتهما لجيزيل.
عندما كانت تتوسل إليهما، كانا يلعبان دور من يمنح الرحمة.
لكن الآن، لم تعد جيزيل تتوسل إليهما.
وقد سلطت :مسرحية الحب’ الصغيرة هذه الضوء على التغيّر في علاقتها بهما.
‘لأجل تنفيذ خطة ‘التخلص من البعوض’ اليوم… لا بد أن ألفت الأنظار إلى التغير في علاقتي مع دوق ليشانييل.’
وكأن دوق كالينوس قرأ أفكارها، إذ مد يده نحوها وهو يحدّق فيها بانتباه ليسرق انتباهها مجدداً.
“لا تنظري إلى أحد غيري طويلاً. أشعر بالغيرة.”
“نعم! لن أنظر إلا إلى دوقي الحبيب! أعدك!”
ارتسمت ابتسامة مرسومة على فمه، فجعلت الجو من حوله أكثر برودة.
“إذاً، هل نبدأ برقصة الحفلة الآن، سيدتي؟”
“نعم، بكل سرور!”
ابتسمت جيزيل وأمسكت بيده لتبدأ أولى رقصات الحفل.
خلال رقصة الوالز الراقية، التي التقت فيها الأقدام وتبادلت الأنظار، بدأ دوق كالينوس يهمس لها:
“سمعتُ يوماً عن فارس، قطع ذراع كل من تجرأ على لمس سيدته.”
“ماذا؟!”
“لا يزال الوقت مناسباً لفعل المثل.”
كان يقصد قتل دوق ليشانييل!
خفضت جيزيل صوتها بسرعة وقالت:
“لا، هذا سيشعل حرب أقاليم! حتى لو أردنا قتله، نحتاج إلى مبرر، مبرر!”
وفي تلك اللحظة، بدأت تلتقط بأذنيها أصوات الهمسات من حولها.
“هل ما أراه حقيقي فعلاً؟”
“جيزيل ترقص مع دوق كالينوس حقاً…”
“أن يكون لها شائعات مع كلا الدوقين…”
“بل إن دوق كالينوس أعلنها صراحة. كنت أظنها مجرد زواج مصلحة!”
رغم أن الحاضرين حاولوا خفض أصواتهم، فإن حواس جيزيل المتقدة التقطت كل شيء.
كانت تسمعهم جميعاً أثناء الرقص.
‘تماماً كما خططت.’
كان لا بد من توضيح أن علاقتها بدوق ليشانييل انتهت تماماً، وأن هناك رجلاً جديداً في حياتها، بطريقة مرئية وصادمة بما يكفي.
ولذا، كان لا بد من ثلاث ضربات صادمة دفعة واحدة.
“آه، جيزيل متحمسة جداً للخروج مع حبيبها بعد وقت طويل~♡”
ثم ابتسمت بخفة وقالت بصوت مرتفع، كأنها توجه الضربة القاضية:
“أتعلم، دوقي؟ لو أن رجلاً غريباً تجرأ على لمس جيزيل، ماذا ستفعل؟”
حينها، همس دوق كالينوس بنبرة باردة، كأن الغضب يفور في أعماقه لمجرد الفكرة:
“سأسحقه باسم العائلة.”
“وجيزيل أيضاً! لو تجرأ أحد على لمس دوقها الحبيب، سألقّنه درساً لن ينساه! فلا أحد غيرها له~♡”
“بالطبع. وسأُمسك بيدكِ أكثر.”
شدد قبضته على يدها، واقترب وجهه حتى كاد يقبّلها.
سمعت جيزيل أصوات الحاضرين المتفاجئين، لكنها رمشت بعينين مضطربتين.
‘…لم أُدرج هذا القدر من التلامس في الخطة! ولماذا أصبح مندفعاً هكذا بعد أن أدرك مشاعره؟!’
قبضة يده التي تمسك بها بشدة، النظرة الحارّة في عينيه.
وذلك الوجه الهادئ الساخن، كما لو أن كل شيء طبيعي!
“بصفتنا حبيبَيْن مزيفَيْن، هل هذه اللحظة تستدعي قبلة؟”
فكرت جيزيل:
‘لقد وقعت في ورطة حقيقية.’
هزّت رأسها بقوة ووجهها يكاد ينفجر من الاحمرار.
“لا، هذه تُعد جريمة خدش حياء علنية!”
شخصية مجنونة مزيفة مثلها لا يمكنها أبداً مجاراة جنون حقيقي كهذا.
***
انتهى وقت الرقص.
بالطبع، وبفضل تهديدات دوق كالينوس، لم يكن بوسعي سوى أن أرقص معه وحده.
ومع ذلك، بعد ساعات من الرقص وكأننا نُروّج لفكرة أن “أنا وزوجي دوق كالينوس نعيش حياة زوجية سعيدة”، حلّ أخيرًا وقت المساء من حفلة التنكر.
“هل نذهب إلى الشرفة، سيدتي؟”
“نعم، سيدي. لنذهب ولنتناول كأسًا من الشامبانيا.”
بدأ الناس يتفرقون وهم يحملون كؤوس الشامبانيا.
بعضهم اتجه لإجراء أحاديث سرية على الشرفة، وبعضهم الآخر ليقضي وقتًا ممتعًا بلعب البوكر.
‘يُفترض أن يقترب مني دوق ليشانيل الآن تقريبًا.’
وفيما كانت الجموع تتفرق، شعرت بأجواء غريبة.
‘هناك شيء مريب.’
ابتسمت برقة نحو دوق كالينوس، الذي كان يحتضن خصري.
“سمو الدوق.”
“نعم، جيزيل. هل نذهب إلى الشرفة نحن أيضًا؟”
“هممم…”
همست له بكلمات صغيرة وكأنني أسرّ له بسر، ثم ابتسمت بابتسامة مشرقة.
“قبل ذلك، سأمر على الحمام!”
“سأرافقكِ.”
“لا، وحدي، وحدي!”
أفلتُّ منه بسرعة ومشيت عدة خطوات، ثم اجتزت الممر وفتحت باب الحمام.
لكن…
“همم؟”
رغم أن الباب كان يحمل لافتة “الحمّام”، إلا أن الداخل لم يكن كما ينبغي.
تمتمت لنفسي بهدوء.
“هل هذه شعوذة بصرية؟”
مستحيل، هل يمكن أن يكون دوق ليشانيل قد تحرك بهذه السرعة؟
…وفي تلك اللحظة تمامًا، سُمِع صوت يخرج من بين الدخان.
“لا يمكن ذلك. إنها مجرد تعويذة بسيطة. آه، جيزيل. لقد جئتِ إليّ بنفسك أخيرًا.”
عند سماعي لصوت دوق ليشانيل المليء بالابتهاج، عبست بوجه صريح.
“لا، بل أنت من استخدم حيلة للقبض عليّ، صحيح؟”
بدا أن الغرفة كانت غرفة سيجار، حيث امتلأ الجو بدخان كثيف. وسط تلك السحب، نظر إليّ بعينين معتمتين.
وفي تلك اللحظة، مدّ دوق ليشانيل يده نحوي، وكاد أن يلمس عظمة الترقوة لكنه توقف فجأة.
“يا إلهي، كم هذا مؤسف…”
أحسست بأنه يهمس بصيغة صلاة.
‘هل هذه هي الصلاة؟ المهارة التي تفعّل حجر الحظ؟’
حين لاحظت أن عينيه صارتا غائمتين، شعرت بأن هناك شيئًا غير عادي.
‘إن كانت بهذه البساطة، فسيكون الأمر سهلاً… لا بد أن هناك طريقة أخرى.’
وبينما كنت مترددة بين الشك واليقين، همس لي بصوته الحاد المعهود:
“أنتِ حمقاء. لقد دخلتِ بنفسك إلى مكان قد يكون خطرًا.”
“ههه، وما الذي يدعوك إلى توبيخي فجأة؟”
“هل تظنين أن دوق كالينوس يحبكِ حقًا؟ هذا ليس سوى شهوة دنيئة.”
“آآه، نعم نعم.”
حين وضعت إصبعي في أذني وكأنني أنظفها بتكاسل، رمقني بنظرة دقيقة، لكن هذا لم يكن المهم.
ما يهم هو أن يده كانت تقترب مني.
‘درجة الحرارة، الرطوبة، الإضاءة… كلها تأكدت منها.’
خبرة عشر سنوات في العمل المؤقت.
إن اعتبرتُ دوق ليشانييل مجرد زبون مزعج وليس بعوضة تافهة، فيمكنني توقع كل تحركاته.
‘رادار الزبائن المزعجين، تفعيل.’
ضيّقت عينيّ وأنا أراقب تصرفاته بدقة وكأنني أحفظها عن ظهر قلب.
وفجأة، مدّ يده نحوي وهمس بصوت منخفض:
“اليوم سيكون الأمر مؤلمًا قليلًا، جيزيل. أنا غاضب جدًا بسبب تمردك.”
التعليقات لهذا الفصل " 126"