الفصل 125
***
“أ-أنا…”
لم أكن قادرة على فهم مشاعري تجاهه على وجه الدقة.
وما دمت لا أفهم حتى قلبي، فمن الصعب أن أقبل مشاعره…
كان دوق كالينوس يحدّق بي بنظرة هادئة كأنه يفهم موقفي تمامًا.
“أعلم أن جيزيل لا تحمل المشاعر نفسها التي أحملها لها بعد.”
همس بصوته الخافت الذي ظل يخترق أذني برفق.
“لذا، سأبذل جهدي. حتى أتمكن من كسب قلبكِ.”
حين هربت منه محاوِلة تهدئة نفسي، سمعت صوته يناديني من خلفي.
“سنكون معًا في حفلة التنكر.”
تجمد وجهي احمرارًا من نبرة صوته التي حملت قوة غير متوقعة.
‘يلعب بمشاعري كما يشاء، أليس كذلك؟’
كنت واثقة أنه مهووس بالأبحاث ولا خبرة له في الحب، لكن ربما كنت مخطئة.
عضضت شفتي بقوة وتوجهت إلى وجهتي التالية.
إلى غرفة غارنو.
طرقت الباب بخفة، وسرعان ما سمعته يسعل ثم خرج، واتسعت عيناه حين رآني.
“أوه، حضرتِ، سيدتي!”
…أوه، كم هو مرهق بهذه الطريقة!
لكن رغم ذلك، شعرت أن الاضطراب في قلبي بدأ يهدأ قليلًا.
هززت رأسي في سري، ثم دخلت غرفته وقلت مباشرة:
“لدي سؤال واحد.”
“همم؟”
“أود تفقد جميع الأدوات السحرية في هذا القصر، بما في ذلك تلك التي أتت من القارة الشرقية.”
أنا بالكاد أفهم أدوات هذا القصر، أما أدوات القارة الشرقية فهي شديدة الخصوصية.
“إنها هناك على الجدار، لمَ لا تتفقدينها؟”
مددت رأسي باتجاه الجدار وبدأت أتفقد الرف العلوي واحدًا تلو الآخر.
“هذه جرعَة تجعل الخصم عاجزًا… كح كح، طوّرها أحد الخصيان في القارة الشرقية منذ زمن بعيد.”
“واو…”
كم هو شيء غير إنساني…
تمتمت بذلك في سري، ثم نظرت إلى الأسفل، فرأيت صدفة لامعة.
“هل تحتوي على لؤلؤة؟”
“أجل، أعتقد ذلك؟ حتى أنا لا أعلم ماهية هذه اللؤلؤة بالضبط.”
أملت رأسي بتساؤل ثم رفعت الصدفة، فرأيت اللؤلؤة تظهر بينما تفتح الصدفة فمها.
‘كأنها نسخة حقيقية من أدوات السحر في القصص الخيالية.’
لحظة، إن كانت أداة من القصص الخيالية…
عندها لمعت السعادة في عيني. التفت إلى غارنو بابتسامة مشرقة وقلت:
“سيد غارنو! هل لي أن أستعير هذه الأداة السحرية؟”
“بالطبع، ما دامت السيدة تطلبها، لمَ لا أوافق؟”
قالها وهو يعاود استخدام الألقاب الرسمية ويهز رأسه باحترام.
أدخلت الأداة التي على هيئة صدفة في جيبي، وانحنيت له باحترام.
“إذن، إلى اللقاء!”
نظر غارنو إلى ظهر جيزيل وهي تغادر بسرعة، ثم أمال رأسه بتعجب.
‘هل هناك داعٍ لتلك الأداة السحرية؟’
ثم توقف فجأة عن التفكير.
‘صحيح، لم أذكر لها ذلك.’
حسب ما قاله صانع الجواهر، فإن والدي جيزيل سألاه نفس السؤال عن “حجر الحظ” منذ عشرات السنين.
قال إن مظهرهما كان يوحي باليأس في تلك اللحظة.
‘سأخبرها بذلك حين تعود من حفلة التنكر.’
لكن لماذا اختارت ‘تلك’ الأداة تحديدًا؟
“إنها أداة أعمل على دراستها الآن…”
مع ذلك، إن أرادت جيزيل شيئًا، يمكنه أن يمنحها أي شيء.
طالما أنها ستبقى في قصر عائلته.
***
بعد مرور عدة أيام.
أقيمت الحفلة التنكرية وحفل الأعمال الخيرية في قصر دوقية ليشانييل.
وكانت قائمة الضيوف متنوعة للغاية، من النبلاء ذوي الرتب المنخفضة كالنصف بارون، إلى نبلاء ذوي رتب رفيعة يملكون أقاليم مزدهرة ويتمتعون بنفوذ واسع في المجتمع الأرستقراطي.
لكن ما جمعهم جميعًا، هو أنهم جميعًا يمتلكون “المانا” — أي أنهم أصحاب قوى.
“حفلة تنكرية تقيمها دوقية ليشانييل!”
“أليست مذهلة للغاية؟”
“لكن، لماذا جُمع السحرة تحديدًا؟”
بدأ الضيوف المقنّعون بالتوافد تدريجيًا، حتى أصواتهم كانت مبدّلة.
سادت أجواء الحفل، الذي أُقيم في ردهة القصر، رهبة تكاد تكون مقدسة.
في تلك اللحظة، تمتمت سيدة واقفة قرب الجدار بصوت منخفض:
“هل سمعتن؟ دوق ودوقة كالينوس سيحضران أيضًا.”
“يا إلهي، إلى هذا المكان… إلى حفلٍ تقيمه عائلة ليشانييل؟!”
لم يكن هناك أحد لا يعرف عن الفضيحة بين دوق ليشانييل والسيدة جيزيل دوقة كالينوس.
قالت إحدى السيدات النبيلات وهي تصلح قناعها بهدوء:
“حتى مع ارتداء الأقنعة، أليس من السهل معرفة الوجوه؟”
“بالضبط، لذا لا أستطيع فهم ما الذي يدور في ذهنها.”
لكن جيزيل، لا يُعلم إن كانت جريئة بوقاحة، أم مجرد بلهاء، كانت تضحك بخفة وهي تمشي.
“لكن، هذه الأيام لا يمكن التحدث عنها باستخفاف…”
“طبعًا، فهي تملك السلطة.”
نظرت النبيلات إلى بعضهن وهززْن رؤوسهن مرارًا.
صحيح أن جيزيل دوقة متميزة، لكن من وجهة نظرهن، لم تكن قد أنجزت ما يستحق كل تلك المكانة.
وفي غفلة، بدأ الحفل.
حتى وإن كانت الوجوه مخفية، فقد كان دوق ليشانييل قادرًا على التعرف إلى جيزيل.
فهي صاحبة ذلك القوام الهش والجميل والمثير للقلق.
‘جاءت جيزيل.’
تحرك بخطوات هادئة، أو ربما بثقة البطل.
لكن ما إن حاول التوجه مباشرة نحوها، حتى اصطدم بجوّ غريب.
‘جيزيل، ودوق كالينوس…’
رغم أن الناس من حولهم بدأوا يتهامسون، فإن جيزيل كانت تلتصق بدوق كالينوس قربًا حميمًا.
ابتسم دوق ليشانييل ابتسامة هادئة وهو ينهض ويتوجه إليهما.
“جيزيل.”
لا بد أنها تشعر بوجوده، بطريقة أو بأخرى.
سواء دفعته بغضب، أو ذرفت دموعًا إعجابًا، فكل تلك الاحتمالات لديه لها خطة مُعدة مسبقًا.
لكن في تلك اللحظة.
رآها تتشبث بذراع دوق كالينوس بمزيد من الألفة.
حتى صدر دوق كالينوس ارتجف تأثرًا.
رمق دوق ليشانييل جيزيل، التي كانت تتصرف كأنها تتحداه، بابتسامة نضرة.
ربما لم تكن جيزيل تعلم، لكن في هذا العالم، هناك من يعيشون على القيل والقال بجنون.
“يا إلهي، ما أوقحها.”
“كيف لها أن تتصرف بتلك الطريقة السوقية؟”
“كما توقعت، الأصل لا يختفي مهما حاولت التستر.”
خاصة مع كل حركة منه، كانت تلك النمائم تلتصق بجيزيل بلا رحمة.
فـ’حفلة التنكر’ تقام على أساس أن أحدًا لا يعرف من يكون الطرف المقابل خلف القناع.
ولهذا، كان بإمكان الجميع التظاهر بالجهل، وإطلاق الأحكام على شخصٍ ما دون تحفظ.
دوق ليشانييل أطلق ابتسامة ساخرة وسحب طرف شفتيه.
‘حسنًا، أكثر ما يثير فضولي هو كيف ستتصرفين مع كل هذه الشائعات.’
هل ستبكي كعادتها؟
أم ستكافح من أجل ترميم سمعتها المتداعية؟
أو ربما تتظاهر بالقوة وترفع كتفيها بفخر مصطنع؟
لكن تصرفها جاء مناقضًا تمامًا لكل توقعاته.
كانت حفلة تنكرية، بلا شك.
لكنها نزعت القناع عن وجهها وابتسمت ابتسامة هادئة.
“أوه، كأنني سمعت أحدًا يغتابني الآن، أليس كذلك؟”
أي شخص له باع طويل في المجتمع الأرستقراطي كان قادرًا بسهولة على تمييز من يكون خلف القناع.
ولذا، حتى السيدات والآنسات اللواتي أطلقن تلك النمائم كنّ مدركات لذلك، وظنن أنهن آمنات ما دمن يتظاهرن بالجهل.
لكن من يخلع قناعه بإرادته، أو بغير إرادته، لا يمكنه الادعاء بالجهل أو المطالبة بالخصوصية.
وجيزيل، التي تخلت عن سلاح ‘المجهولية’ بملء إرادتها، وجهت نظراتها الحادة نحو أولئك اللواتي كنّ يتهامسن.
“آه، جيزيل… حقًا لا تستطيع الاحتمال!”
من حولها ارتجفوا من حدة النظرة التي وجهتها.
“كنت أحرص دائمًا ألا ألمس أحدًا، لكن الآن… ماذا أفعل؟ هل أصفع إحداهن؟”
بقية الناس ركزوا على عبارة ‘هل أصفع إحداهن؟’ وكأنها كانت القطعة الأهم.
لكن دوق ليشانييل لم يكن مثلهم.
فقد بدا واضحًا أن مابين حاجبيه قد تجعد في لحظة خاطفة.
‘قالت إنها لن تلمس أحدًا آخر؟’
ذلك التلميح لم يكن إلا تهديدًا صريحًا بأنها لن تمده بالمانا كما كانت تفعل من قبل.
عيناه اشتعلتا ببريقٍ بارد كالسيف المسلول.
وفي الوقت الذي ركز فيه الجميع على جيزيل التي كانت تُظهر حبها دون خجل، حدث التالي:
“جيزيل لن تكون مع أحدٍ غير دوقها العزيز، إلى الأبـــد!”
قفزت إلى الأمام وارتمت في أحضان دوق كالينوس.
… أجل.
حتى في هذا الحدث الخيري، كانت جيزيل تواصل استعراض جنونها بلا تحفظ.
التعليقات لهذا الفصل " 125"