الفصل 122
***
بدا أن سيف دوق كالينوس قد يقطع دوق ليشانييل في أي لحظة.
قبضت على قبضتي بانفعال.
‘أوه، قد يكون هذا جيدًا بعض الشيء؟’
فكّرت للحظة: ألن يكون من الأفضل إنهاء كل شيء هكذا ببساطة؟
‘لكن إنهاء الأمر بهذه الطريقة سيكون خسارة، أليس كذلك؟’
فالضرر الذي لحق بي بسببه، ليس بالقليل، ولا أرغب في تسوية الأمر بسهولة.
ورغم كل شيء، لم يبدُ على دوق ليشانييل أي اضطراب، بل حدق بي بثبات دون أدنى تردد.
ربما هذا يعني أنه يملك وسيلة للرد.
هززت رأسي داخليًا، ثم أمسكت بيد دوق كالينوس.
“توقف، على أي حال، لن تقتله هنا.”
بصوتي المليء بالكراهية، تمتم دوق كالينوس بهدوء.
“بل يمكنني قتله، إن أصبت موضعًا حساسًا بدقة.”
تحرك دوق ليشانييل كما لو كان سيتفادى الضربة، وقد انزاح قميصه قليلًا.
“لا، سأتعامل معه بنفسي.”
ربّتُ بيدي على سيف دوق كالينوس، ثم خطوت خطوة للأمام، ونظرت إلى خصمي.
“دوق ليشانييل، سأخبرك الآن لماذا أكرهك.”
“…أسباب كراهيتكِ لي؟”
“أولًا، باقة الزهور تلك التي جئت بها، لا تنسجم مع النسبة الذهبية.”
بدا الارتباك على وجه دوق ليشانييل عند ذكر النسبة الذهبية، بينما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي دوق كالينوس.
“ثانيًا، أنت قبيح. أقبح من التروول الصغير الموجود في قصر كالينوس.”
حاولت طرده بالكلمات كما فعلت مع مركيز بيرتو، لكن هذا دوق ليشانييل.
تطلع في عينيّ، متسائلًا بجدية:
“ولكن، ألستِ تحبينني؟”
بالطبع، كنت أعلم أنه سيقول ذلك.
وهو أكثر وقاحة من مركيز بيرتو، وهذا ما يجعل تجاهله أكثر متعة.
أغمضت عينيّ ببراءة وقلت بلهجة طفولية:
“لا، لا أحبك. بل أكرهك. وقررت أنني سأتوقف عن الاهتمام بك نهائيًا.”
عندما استخدمت لهجة طفل غير ناضج، ظهرت شقوق طفيفة على ابتسامته، لكنها سرعان ما اختفت وعادت ملامحه هادئة.
“فهمت، على ما يبدو أن وجود دوق كالينوس بجانبك يمنعك من التعبير عن مشاعركِ بصدق.”
“أوه، لا، ليس الأمر كذلك.”
شعرت أن رأسي يكاد ينفجر من الغضب…
“ما هذا الجدار القذر من الهراء؟”
…آه، كانت نيتي أن أقولها في داخلي فقط، لكنها خرجت من فمي دون قصد.
بمجرد أن قلتها، انعوج فم دوق ليشانييل بتعبير غاضب، فشعرت براحة فورية تعود إلى قلبي.
استدرت نحو دوق كالينوس وحدقت به.
“لنذهب، لا جدوى من تبادل الكلمات معه بعد الآن.”
تمسكت بذراع دوق كالينوس الذي لم يتحرك ساكنًا.
لكن في تلك اللحظة…
رُميت نحوي كلمات كالسكاكين من خلفي.
“أنتِ لن تكوني سوى بائسة إن لم تكوني بجانبي.”
توقفت قدماي تلقائيًا.
“أنتِ تجلبين التعاسة لكل من حولك. فكّري بالأمر. مات والداك، وتعيشين الآن كطفيليّة في بيت ليس لكِ.”
لا، لم أعد أتحمّل.
تقدّمت نحوه فجأة وأمسكت بياقة سترته بقوة، وسحبته ناحيتي.
“اختفِ. قبل أن أقتلك.”
لم يكن يتوقّع أن أمسك بياقته، فقد ظهرت الصدمة على وجهه.
لكنني حين هممت بدفعه بعيدًا مرة أخرى، توقفت فجأة.
سمعت صوتًا خافتًا كأنه احتكاك قماش، مصدره عند ياقة ملابسه. نظرت إلى المكان بتركيز.
كان عقدًا بسيطًا مصنوعًا من حجر عادي، لكن…
في أي وقت آخر، كنت سأمرّ عليه دون اكتراث، فقط أتساءل: لماذا يرتدي دوق ليشانييل حجرًا كهذا؟
لكن الآن، الأمر مختلف.
‘أليس هذا حجر الحظ؟’
اتسعت عيناي دهشة.
‘لماذا يملك حجر الحظ؟’
شعرت بذلك غريزيًا.
عندما التقت عيناي بالحجر، اختلّ تعبير وجهه بشكل غريب.
ثم رمقني بنظرة، ودفعني عنه على عجل، وعاد لتعديل هندامه ببطء وهو يحدق بي.
نظرت إليه نظرة تحدٍّ، ثم ثبّتُّ بصري على مؤخرة عنقه التي كان يخفيها بعناية وكأنها لا تحتوي على شيء.
‘هذا الحشرة… لماذا يملك حجر الحظ؟ يجب أن أكتشف السبب.’
كان شعورًا داخليًا بأنّ هناك شيئًا غير طبيعي.
وفي خضمّ تلك المواجهة، اقترب أحد مساعدي دوق ليشانييل، الذي كان حتى ذلك الحين يكتفي بالوقوف في الخلف وهو يضرب الأرض بقدميه قلقًا.
“د، دوق. ا، اعذرني، لكن لدي أمر طارئ يجب إبلاغك به…”
“أنا مشغول الآن بأمر مهم.”
“إ، إعذرني، لكن…”
نظرت إليهم بثبات، دون أن أخفي حيرتي.
بدا العبوس على جبين دوق ليشانييل، متأثرًا بكلمات مساعده.
لا أعلم تمامًا ما الأمر، لكن لا بد أنه يخصّ شيئًا واحدًا.
‘المزار.’
لا بد أن أخبار المزار وصلت إلى مسامعهم أيضًا.
ارتسمت ابتسامة مائلة على شفتي، وكأنني أستهزئ به.
همس لي دوق ليشانييل وهو يحدق بي:
“…سأعود في وقت لاحق. في المرة القادمة، سنكون بمفردنا دون وجود أحد آخر.”
نظر إلى باقة الزهور بازدراء، ثم رماها على الأرض.
كان تصرفه أشبه برمي القمامة، لكنه مع ذلك، بدا أنيقًا لأنه هو من فعل ذلك.
حدّقت بصمت في الزهور المرمية على الأرض وفي ظهره المبتعد.
عندها فقط، أصبح قلبي أكثر برودة وصلابة.
‘نعم، لقد عاملني كما يعامل تلك الزهور.’
حين كان بحاجة إليّ، رفعني كزهرة نبيلة، لكن حين لم يعد بحاجة، رماني كما لو كنت نفاية بلا قيمة.
نظرت إلى الزهور التي رماها، ثم رفعت قدمي.
طَحَنْ.
“أ، أرجوكَ، كما تعطي الزهور لبقيّة السيّدات، أ، أعطني زهرة واحدة فقط…”
“أوه، جيزيل. لا تبكي. سأمنحك زهرة إن احتجتِ.”
….ولم يعطني واحدة قط.
والآن فقط، عندما أدرك أنني قد أهرب منه، جاء ومعه الزهور.
‘كم أنت جبان.’
دهست الزهور بكلتا قدميّ دون تردد، وشعرت براحة لا توصف.
عضضت على شفتي وأنا أحدق في ظهر دوق ليشانييل الذي كان يبتعد.
‘رغم ذلك، حصلت منه على معلومة قد تكون نقطة ضعفه.’
أجل، حجر الحظ.
‘يجب أن أحقق بشأن حجر الحظ بدقة.’
بينما فكرت بهذا، استدرت، وإذا بي أشعر بنظرات حادة من بعيد.
كان الرجال الثلاثة الذين طلبت منهم الهدوء بالجلوس للتأمل… غارنو، نيسلان، وكونت فلوريت، يقتربون بخطى ثقيلة ووجوههم يكسوها الصقيع.
***
حين دخلتُ إلى قصر فلوريت، كدتُ أن أتلقّى صفعة على ظهري.
“حين تلتقين بذلك اللعين، لا تضيّعي وقتك بالكلام معه! عليكِ أن تركليه فورًا في موضعه الحساس، هنا، هنا! فهمتِ، جيزيل؟”
“لقد قلتَ هذا الكلام للمرة العاشرة الآن.”
“صحيح. هااه… دعيني أشرب بعض الماء البارد أولًا.”
كان الكونت فلوريت يلوّح بيده كمن يستخدم مروحة، ثم زمجر وهو يضغط على أسنانه.
“وتلك الحادثة… حادثة الاختطاف تلك أيضًا! ماذا؟ أن تصبحي موجي، وتُختَطفي بتلك الطريقة؟! هذا لا يجوز! ألا تظنين ذلك؟ لا تتنكري كـموجي بعد الآن!”
“حاضر…”
وبينما كنتُ منكمشة أكتافي أتلقى التوبيخ بلا انقطاع، سُمِع ضجيج كبير من جهة نيسلان وغارنو، اللذين كانا جالسَين إلى جانبي يبدوان وكأنهما يقلقان عليّ.
توك-
سقطت جميع أدوات نيسلان السحرية من يده المرتبكة على الأرض.
“هـ، هل، هل سمعتُك جيدًا، صهري؟”
“ماذا؟ آه، ألم تكن تعلم؟ ظننتُك على علم، مثل غارنو…”
“همم؟ لم تكن تعلم؟ آه، صحيح، أنا نفسي لم أعلم إلا للتو.”
فتحتُ فمي بدهشة.
‘مـ، ما هذا الآن؟ كيف علم غارنو أنني موجي؟’
تجمّعت الدموع في عيني نيسلان حتى سالت منها دمعة كبيرة سقطت على الأرض.
“الـ، الفتاة التي… التي عالجتني…”
وفكرتُ.
لقد تورطتُ بحق.
“أنـ، أنـ، أنتِ إلى الأبـ، الأبـ…”
…لقد شعرتُ بذلك غريزيًا.
لو سمعتُ الكلمة التالية التي سيقولها نيسلان، فسيكون هناك شيء لن يعود كما كان إلى الأبد.
“سأختفي إلى الأبد ثم أعود مجددًا، نعم.”
نهضتُ بسرعة، محاوِلةً التراجع إلى الوراء، لكنني توقفت فجأة.
كان جسد دوق كالينوس الصلب خلفي مباشرة.
وقد طوّقني بذراعه وهمس بهدوء:
“زوجتي، إلى أين تظنين نفسكِ ذاهبة؟”
التعليقات لهذا الفصل " 122"