الفصل 108
***
“هل اسمكِ موجي؟”
“نعم، سمعتُ أنكِ استدعيتِني، جلالتكِ الإمبراطورة.”
كما هو متوقّع، بسرعة البرق!
انتشر الخبر، وبعد نصف يوم تقريبًا، وصلت إليّ رسالة سرية من الإمبراطورة عبر غييت.
لقد كان جهدي في نصب كل تلك الفخاخ حتى تصل قصة “موجي” إلى أذن الإمبراطورة مجديًا.
‘حسب شخصية الإمبراطورة، كنتُ واثقة من أنها ستفكر مباشرة بخطة بديلة إن شعرت بأن الإمبراطور والدوق ليشانييل عقدا صفقة مقابل حياتها.’
تذكّرتُ رحلة الشفاء العظيمة التي خاضها دوق ليشانييل كما وُصفت في “هل ستندم إذا متّ؟”.
فقد اعتاد أن يضغط على القصر الإمبراطوري ثلاث مرات مقابل علاجه، وكان يُملي إرادته بكل سهولة.
ولأن الإمبراطور لم يكن يملك خيارًا آخر، فقد كان يداريه ويتملقه بشدة.
لكن الآن، بدلًا من البعوض الضار، ها أنا ذي، من أملك مانا شفاء أصليّة!
“حالة جلالة الإمبراطورة بسيطة. إنها بسبب سمّ في الـ ‘سيلستين الأخضر’، ويمكنني معالجته.”
“……سمّ سيلستين الأخضر؟”
“نعم. سأشرح التفاصيل بعد انتهاء العلاج.”
بما أن قلادة التنكر السحرية كانت تمتص طاقتي بسرعة، لم يكن هناك وقت نضيعه.
رفعتُ كمي ونظرت إلى الإمبراطورة. عندها ابتسمت بخفة كما لو كانت مستسلمة وسألت:
“حسنًا، لا بأس. كم من الوقت يستغرق العلاج؟ هل آخذ في الحسبان سنة كاملة مثلًا؟”
“من يدري. أولًا، أعطني يدكِ من فضلكِ.”
مدّت الإمبراطورة ذراعًا نحيلة كغصن يابس نحوي.
ابتسمت بخبث في داخلي ببطء وأنا أقبض على ذراعها بقوة.
ضوء أبيض ساطع اخترق البقع السوداء التي غطّت ذراعها كالكدمات.
“أه……”
مع تأوّه ضعيف يعبر عن الألم، أغمضت الإمبراطورة عينيها بقوة.
“كيف حالكِ الآن؟”
“لم أعد أشعر بألم في رأسي، لكن……”
خفضت الإمبراطورة نظرها إلى ذراعها.
كل البقع الداكنة التي كانت متناثرة على الذراع النحيل اختفت تمامًا.
وعندما لاحظتُ اتساع حدقتيها، قلتُ بارتياح:
“لقد شُفيتِ تمامًا.”
سهل جدًا، أليس كذلك؟
“……ماذا قلتِ؟”
“لم تعودي تشعرين بالألم، أليس كذلك؟”
الجسد يعرف نفسه أكثر من أي أحد.
لكن بما أن دوق ليشانييل قد قال إن العلاج سيأخذ ثلاث جلسات، فمن الطبيعي أن تبدو مفاجأة الشفاء الكامل مربكة.
“لا أصدّق…… لا بد من إجراء فحص دقيق من قِبل الطبيب الخاص……”
“بالطبع، يمكنكِ استدعاء أطباء القصر فورًا.”
سمعتُ الإمبراطورة وهي تسحب حبل الجرس بيد مرتجفة، وتأمر وصيفاتها بإحضار الطبيب، بينما كنتُ أرقص فرحًا في داخلي.
أخيرًا، استطعتُ أن أنتزع لقب “منقذ العائلة المالكة” من دوق ليشانييل، وألقي حجرًا في طريق نجاحه المتصاعد.
‘لو أنه فقط لم يماطل في علاج المريضة، لما كنتُ سرقتُ مكانه بهذه السهولة.’
ولكي يوقف شهرة موجي لاحقًا، سيحتاج إلى كمية أكبر من المانا، أليس كذلك؟
‘لنرى إذن، كيف سيتحارب مع ظلاله المستقبلية.’
موجي شخصية تظهر هنا وهناك وتختفي فجأة.
يعني ذلك أنها تفيض بالغموض أكثر بكثير من دوق ليشانييل.
بكلمات أخرى، شهرة موجي ستزداد وتتضخّم أكثر من الواقع.
عندما فكّرتُ بذلك، شعرتُ بلذة الانتصار، وابتسمتُ بانشراح وأنا أرى الأطباء يدخلون واحدًا تلو الآخر بأمر الإمبراطورة.
ومن بينهم…
“آه، إنها السيدة موجي!”
…بعضهم كان يعرف اسمي بالفعل.
بل حاول أحدهم أن يتجاوز الإمبراطورة ويتقدم نحوي، فلوّحتُ بيدي دافعة إياه.
“أرجوك، افحص حالة جلالة الإمبراطورة أولًا.”
وبهذا، شاهدتُ مجموعة من الأطباء الأذكياء وهم يتجمهرون بسرعة لفحص حالة الإمبراطورة الصحية.
“يا، يا جلالة الإمبراطورة. ما الذي حصل؟”
“حالتكِ الصحية تحسنت، تحسنت كثيرًا!”
“تشبه حالتكِ الصحية السابقة تمامًا!”
ما إن انتهى جميع الأطباء من فحوصهم، حتى بدأت حدقتا الإمبراطورة بالارتعاش بشدة.
وفي اللحظة التي شعرت فيها بشفائها، احمرّت عيناها من التأثر.
ابتسمتُ وكأنني لا أعلم شيئًا وقلتُ:
“إنه لشرف لي أن أتمكن من علاجكِ، جلالتكِ الإمبراطورة.”
قبضت الإمبراطورة على طرف كمّي وهمست:
“إذن، إذن أخبريني فقط لماذا كنتُ مريضة، وماذا عن المكافأة.…”
“سأكتب سبب المرض في مذكرة. يمكنكِ أن تطلبي من طبيب القصر مراجعتها. وبالنسبة للمكافأة، فلا بأس. فأنا لا أعالج الناس طمعًا في مقابل.”
كنتُ فقط أنوي الانسحاب بهدوء.
لكن في تلك اللحظة….
بدأت دموع خفيفة تلمع في عيني الإمبراطورة.
“قيل إنكِ عالجتِ أيضًا الدوق السابق لعائلة كالينوس دون مقابل، أليس كذلك؟”
“آه، نعم.”
“……موجي، وجودكِ يجعلني أتساءل، هل هناك حقًا أشخاص طيبون بلا دوافع سياسية؟ لقد أصبحتُ ضعيفة القلب، حقًا.”
لقد عانت طويلًا من مرض مجهول السبب، لذا من الطبيعي أن تصبح حتى الإمبراطورة الرزينة أكثر عاطفية الآن…
‘خصوصًا أنها تعرف بأن دوق ليشانييل فاوض على حياتها.’
وبعد أن سمعتني أقول إنني لا أنتظر مكافأة، فلا شك أنها ستقارن بيني وبين الدوق الذي ساوم على حياتها.
كنتُ على وشك الإجابة بتواضع، مدفونة بنواياي الخبيثة، لكن…
في تلك اللحظة بالضبط، سُمع صوت باب يُفتح بعنف وضجيج قادم من بعيد.
“إمبراطورة! لقد وجدتُ طريقة لعلاجكِ! هناك مرأة تدعى موجي.…”
“جلالتك.”
“.…أه، أه؟”
“ألا أبدو بصحة جيدة الآن؟”
في تلك اللحظة، سقط شيء من يد الإمبراطور.
كان كتابًا كتبه هينيسي، وتدحرجت معه صورة ملوّنة تحمل فيها صورة دوق كالينوس على الأرض.
‘واو، توقيت سيئ جدًا.’
كنتُ قد فكرتُ في دفع هينيسي لجعل الإمبراطور يقرأ الكتاب، لكنه كان مجرد خطة احتياطية للمستقبل…
أخذ الإمبراطور ينظر إليّ وإلى الإمبراطورة بالتناوب وهو يتلعثم في الحديث.
“خلال فترة الاستراحة من الاجتماع السياسي، أردتُ تهدئة عقلي، فبدأتُ أقرأ كتابًا قدّمه لي هينيسي، كبير مجلس الشيوخ… وعرفتُ من خلاله عن شخص يُدعى موجي…”
“اهدأ، جلالتك.”
“ز- زوجتي. هل، هل شُفيتِ؟”
وانهمرت دموع بحجم أفخاض الدجاج من عيني الإمبراطور الحساس.
وفي نفس اللحظة تقريبًا…
“أنتِ إذًا، أنتِ موجي المذكورة في هذا الكتاب! كيف أنقذتِ إمبراطورتي… أوه، أهوههوهك…!”
تمتمتُ بصوت منخفض:
“يا للمصيبة، وقعتُ في ورطة….”
خصمي هو الإمبراطور الحساس الذي يُغمى عليه أحيانًا أمام دوق كالينوس.
يعني هذا أنني لن أتمكن من الفرار من هذا الموقف كما يحلو لي.
وهكذا، استمعتُ إلى الإمبراطور وهو يشهق ويشخر ويحكي لي كل قصة الحب التي جمعته بالإمبراطورة حتى الآن.
“……وهكذا، حدث كل شيء. آه! هل سرقتُ من وقتكِ كثيرًا؟ لا بد أن أقدم لكِ هدية شكر.”
“لا حاجة لذلك. حسنًا، أظن أنني سأذهب إلى الحمام قليلاً فقط……”
بعد أن استمعتُ طويلًا إلى المديح والثناء، تحجّجتُ بأنني ذاهبة إلى الحمام لأتناول جرعة من الإكسير، وغادرتُ المكان.
لكن بحلول ذلك الوقت، كانت قلادة التنكر السحرية قد استهلكت تقريبًا كل ما لديّ من المانا.
بسبب قلب المانا المنهك أساسًا، شعرتُ وكأن الدم سينفجر من عنقي.
فرفعتُ أنفي سريعًا وركضتُ إلى الخارج.
***
اجتماع القصر الإمبراطوري اليوم انتهى بتعليق مؤقت دون أي تقدم يُذكر.
سواء كان سكان الإقليم الشمالي يغضبون أو لا، كان دوق ليشانييل مسترخياً، متكئاً على ظهر مقعده.
كان يبدو وكأنه واثق تماماً بأن كل شيء سيسير حسب خطته.
في المقابل، كان الكونت فلوريت يحدق به بوجه متجهم.
‘كما توقعت، لا أطيقه على الإطلاق.’
وفجأة، حين نظر إلى تعابير وجه دوق كالينوس اللامبالية بجانبه، لاحظ فيها شيئاً من الغضب الخافت، فتحوّلت مشاعره السلبية نحوه إلى مشاعر إيجابية.
‘مقارنة بهذه النفاية مثل دوق ليشانييل، فالدوق كالينوس لا يزال بشراً على الأقل.’
لكن مهما حاول، لم يعد يحتمل مشاركة الطاولة مع ذلك الوقح المثير للغثيان.
وفكر أنه لو بقي في قاعة الاجتماع أكثر، فربما سينفجر ويُحدث مشكلة.
فنهض وغادر القاعة بسرعة كالريح.
ولحسن الحظ، كان بانتظاره ما يشغله ويشتت ذهنه.
فما إن ابتعد عدة خطوات عن القصر الذي يُعقد فيه الاجتماع، حتى قابل وجهاً مألوفاً.
“هممم؟ الطبيب غييت؟”
“آه، يشرفني لقاؤك، كونت فلوريت!”
“ما الذي جاء بك إلى القصر الإمبراطوري؟”
“جئت لأقابل الآنسة موجي. سمعت أنها استُدعيت على عجل إلى القصر، وفكرت أنني قد أتمكن من لقائها والاستماع إلى رأيها.”
“أوه، هكذا إذاً؟ كنت فضولياً أنا أيضاً.”
أخيراً، هل سأقابل تلك التي كثر الحديث عنها؟ موجي؟
ولأنه شعر بفضول غريب، قرر فلوريت الكونت أن يتبع غييت وهو يتحدث معه لتغيير مزاجه قليلاً.
“وأين تكون الآنسة موجي الآن؟”
“آه، على الأرجح قرب جناح الإمبراطورة… لحظة فقط. لنذهب معاً.”
رافقه الكونت فلوريت دون أن يُبدي اهتماماً كبيراً، وتوجها معاً نحو جناح الإمبراطورة.
لكن بينما كانا يعبران عبر العشب الكثيف بجوار الجناح، في محاولة لاختصار الطريق…
“أوه، ها هي هناك! يبدو أننا جئنا في الوقت المناسب!”
“هممم؟”
نظر الكونت فلوريت إلى حيث أشار جييت، وعلى وجهه تعبير فيه شيء من الترقب.
“هـ، هذه…”
“نعم؟ ما الأمر؟”
“لا، هـ، هل تلك المرأة هي موجي؟ أأنت جاد؟”
فتح الكونت فلوريت عينيه على وسعهما، وكأنه رأى شيئاً لا ينبغي أن يُرى.
وفي تلك اللحظة، كانت موجي تركض بسرعة وهي تغطي فمها وأنفها، دون أن يعرف أحد السبب.
وبينما لا يزال مذهولاً، أسرع الكونت فلوريت خلفها.
“لـ، لنتبعها أولاً!”
“هاه؟”
“سـ، بسرعة!”
التعليقات لهذا الفصل " 108"