الفصل 107
***
لسوء الحظ، كان جناح الإمبراطورة الذي كنت أهدف إليه مغلقًا تمامًا حتى من المسافة القريبة، فلم أستطع الاقتراب.
‘لا مفرّ، عليّ أن أجد أقرب مرج يمكن أن تمر به وصيفات جناح الإمبراطورة!’
صحيح أن دخول الغرباء إلى جناح الإمبراطورة ممنوع حاليًا، لكنه ليس في حالة عزل رسمي، لذا لا يمكن أن يُفصل تمامًا عن الخارج.
فرشتُ حصيرة نزهة على مرج صغير هو الأقرب إلى جناح الإمبراطورة، وفتحت علبة الطعام التي أعدتها لي إيفانكا والوصيفات، وعلّقت بفتور.
“هااام. جيزيل عديمة الفائدة بدرجة لا تُطاق، أفكر أن أنام فحسب.”
أحد تابعي عائلة كالينوس قال بنبرة توبيخ.
“ماذا تفعلين مستلقية هنا؟ لقد أتيتِ كل الطريق إلى القصر الإمبراطوري، وتقولين إنك ستنامين؟”
“هممم. جيزيل تحب النوم كثيييرًا!”
ثم تمددتُ بالكامل على الأرض.
كنت كسولة لدرجة أنني تدحرجت نصف دحرجة فقط، وبدأت أفتش بجانب علبة الطعام وأتمتم.
“آه صحيح، يريدون دوقة مثقفة… هممم، فلأقرأ شيئًا يليق بالثقافة.”
ثم أمسكت بكتاب، وعلى غلافه كان مكتوبًا إعلان جريء:
«عائلة دوق ليمو، تتلقى صفعة مهينة من طبيب عام عابر!»
“م-ماذا تفعلين؟ لا يجوز قراءة مجلة فضائح أمام القصر الإمبراطوري!”
“ماذا؟ إنها ضمن قائمة الأكثر مبيعًا!”
قالت جيزيل وهي تضع ساقًا فوق الأخرى وتشير إليهم بذقنها.
“جيزيل ستقرأ لك شيئًا ممتعًا جدًا، وإذا لم تسمع، سأشتكي للدوق!”
بدأ أبناء عائلة كالينوس يتمتمون بانزعاج من لهجتها غير المثقفة.
“هل تصل لحدّ ان تثير الفوضى في القصر الإمبراطوري أيضًا…؟”
“كما يقولون، من يسرّب من الداخل يسرّب من الخارج أيضًا…”
ومع أن قلقهم ازداد بلا نهاية، كانت جيزيل تضحك ببراءة وكأنها لا تدري بشيء.
ثم فجأة، اتخذت ملامحها طابعًا جادًا وتمتمت.
“الآن وأنا أفكر بالأمر… تعبير ‘صفعة مهينة’ يبدو راقيًا وجميلًا.”
“هاه، فعلًا….”
“هممم، فكّرت أنه لا يصح أن أستمتع بهذا الجمال وحدي، أليس كذلك؟”
ابتسمت جيزيل ببهجة، ثم بدأت تمسح بعينيها كالنسور مجموعة من الوصيفات المزينات بالورود المارة قربها.
بينما كان أبناء عائلة كالينوس يتنهّدون بحزن متسائلين أي وصيفة مسكينة ستقع في شباك جيزيل الآن، التقط رادارها وصيفة تمشي مسرعة بخطى قصيرة.
فصاحت جيزيل بصوت عالٍ يخلو من أي ذوق:
“أوي، أيتها الطفلة. تعالي هنا.”
“هـ-ها؟ طفلة؟”
“أجل.”
اقتربت الوصيفة بتردد من جيزيل، وبقية الوصيفات رمقنها بنظرات فضول.
قادت جيزيل الوصيفة بلطف، وأطعمتها بعض الكيك والفواكه من علبة الطعام، وكأن كل ما حدث كان تمهيدًا لجذب الانتباه، رفعت صوتها قائلة:
“حسنًا، الآن سنبدأ وقت التعلم عن سيرة العظيمة موجي. فهمتِ؟”
وسواء بدت الوجوه متجهمة من هذا اللقاء العشوائي لقراءة كتاب أو لا…
فقد كانت عينا جيزيل مركّزتين فقط على شخص واحد.
وصيفة تضع عقدًا مزينًا بشعار جناح الإمبراطورة على خصرها.
ومن تلك اللحظة، بدأت جيزيل بتمجيد موجي.
وخصّت الجزء الذي عالجت فيه موجي أهل “قرية ماير” بوقت طويل جدًا.
ومضت ثلاثون دقيقة كاملة…
والنتيجة: جيزيل أنهت قراءة كتاب كامل بصوت مرتفع وواضح.
وأبناء عائلة كالينوس ينهارون وهم يمسكون رقابهم من الإرهاق، ووجوههم شاحبة.
وأخيرًا، وصيفة الإمبراطورة تنظر إلى الكتاب بنظرة غريبة، نصف فضول، نصف ارتباك….
كل هذا لأن جيزيل خرجت في نزهة قصيرة، فصار القصر الإمبراطوري في حالة فوضى.
***
“لماذا تأخرتِ هكذا؟”
“ذ-ذلك لأن دوقة كالينوس استدعتني فجأة إلى جلسة قراءة…”
“همم؟ هل تعرفين الدوقة شخصيًا؟”
“لا… ليس كذلك…”
شرحت الوصيفة بسرعة ما حدث، فبدا على الإمبراطورة علامات الارتباك.
“أعتذر، يا جلالة الإمبراطورة… صحتكِ ليست على ما يرام، وكان عليّ الانتباه أكثر…”
“لا بأس. لقد منحتكِ إجازة قصيرة لأن العزلة مرهقة. إذا استمتعتِ بجلسة القراءة، فهذا يسعدني.”
لكن خلال تلك الثلاثين دقيقة، بدت بشرة الإمبراطورة أكثر شحوبًا من قبل.
‘إنها شخص طيب، فماذا يمكنني أن أفعل؟’
كانت الإمبراطورة امرأة تدعم الفنانين في الشوارع وتُبدي اهتمامًا بالناس البسطاء.
وبالرغم من أنها معزولة عن العالم حاليًا، إلا أن موقعها يفرض عليها الاطلاع على آخر شائعات المجتمع.
لذا، بدأت الوصيفة بنقل بعض من الشائعات عن دوقة كالينوس كأنها مسألة بسيطة.
“إذاً، هكذا حدث الأمر؟”
“نعم، يا جلالة الإمبراطورة… من المحرج قول هذا، لكنها كانت… فظة للغاية…”
“فهمت. وماذا عن الكتاب؟”
“الدوقة كانت تلحّ عليّ أن أقرأه، وقالت إنه يشعل الأحاديث في المدينة… فأحضرت نسخة منه…”
أخذت الإمبراطورة الكتاب بلا اكتراث، لكنها قرأته كاملًا رغم ألمها وتعبها.
شعرت وكأن عقلها النقي والهادئ تلوّث بالكامل…
لكن في أحد الأجزاء، ورد وصف تفصيلي للطريقة التي عالجت بها موجي سكان “قرية ماير”.
‘يبدو أن مرضهم يشبه ما أعانيه….’
وفجأة، ضاقت عيناها قليلاً.
“قالوا إن دوق ليشانييل سيزورني غدًا ليبدأ علاجي، صحيح؟”
“ن-نعم، صحيح.”
بدأت تقارن بين أسلوب علاج موجي الفريد، والعلاج المجرب الذي يقدمه دوق ليشانييل.
لكنها سرعان ما هزّت رأسها داخليًا.
‘ما هذا التفكير؟ بالطبع يجب أن أتلقى العلاج من دوق ليشانييل.’
قال الدوق إنه بعد ثلاث جلسات علاجية، ستتعافى تمامًا.
طالما أن هناك معالجًا معروفًا بقوة طاقته المقدسة، فلا داعي للمخاطرة مع شخص مجهول.
نهضت الإمبراطورة لتصفّي ذهنها.
“هل جلالة الإمبراطور في اجتماع؟”
“نعم.”
“صحتي تحسّنت قليلًا، عليّ أن أركز على شؤون الدولة. تقدّمي أمامي.”
***
من ناحية أخرى، كانت أجواء قاعة الاجتماع الدورية في القصر الإمبراطوري، التي شارك فيها الإمبراطور، باردة وكئيبة.
وكان ذلك بسبب النزاع بين دوق كالينوس ودوق ليشانييل حول مراجعة قوانين الحياة.
“أنت تطرح مشروع تعديل قانون الزواج، و لا تزال دوقًا أعزب.”
“هل هناك مشكلة في ذلك؟”
“أعني أن نظام الزوجات والمحظيات المقترح مقزز.”
“القانون ليس لحالات عامة، بل بسبب الاضطرابات الأخيرة في الدوقيات المجاورة، دخلت قبائل رحالون إلى الإمبراطورية، وهم معتادون على الزواج من عدة نساء بسبب موت الرجال مبكرًا، ألن يكون من المزعج فرض نظامنا عليهم؟”
“لكن مشروع القانون تم تقديمه بصيغة عامة، أليس كذلك؟”
“على أي حال، هو قانون موجه لحماية الفئات الضعيفة في المجتمع.”
لم يتراجع أيّ من الطرفين خطوة واحدة.
وفي هذا الوضع الذي بدا كصراع بين الأبيض والأسود، حاول الإمبراطور، الذي كان ضعيف البنية أصلًا، التوسط بصعوبة حتى لا يُغمى عليه.
“هيا، لنهدأ جميعًا… إذن، فلنأخذ استراحة قصيرة أولًا.”
وسط هذا الجو المتوتر، برز بعض النبلاء الذين شعروا بالريبة.
فعادةً ما كان الإمبراطور يتجنب مواجهة دوق كالينوس، ويوافق على آرائه في الاجتماعات.
ولكن في هذه المرة، بدا وكأنه يراقب ردود فعل دوق ليشانييل؟
في الواقع، كان بعض الحضور قادرين على تخمين ما يشغل فكر الإمبراطور.
‘بما أن الإمبراطورة مريضة، فلا بد أن يراقب دوق ليشانييل.’
ولذلك، حتى وإن كان الاقتراح لا يُعقل، كان عليه أن يُومئ وكأنه يقبله.
لكن الدوق ليشانييل لم يتوقف عند ذلك الحد من الأفعال اللبقة والمخادعة.
“يبدو أنه يجب علينا دفع قانون جديد لنقل قوات الشمال الخاصة إلى الحرس المركزي في العاصمة لبعض الوقت.”
“ما المقصود بذلك؟”
“بسبب تدفق المهاجرين من القارات الأخرى، أصبح الأمن في العاصمة مهددًا. وبما أن الشمال الآن في حالة استقرار، فلن يؤثر كثيرًا إن نُقلوا مؤقتًا.”
كان رأيه يبدو منطقيًا ظاهريًا.
لكن بالنسبة لأشخاص عائلة كالينوس، الذين لم يبلغوا بعد عن “بذور الوحوش”، كان ذلك بمثابة صاعقة.
فإذا تم تنفيذ القانون كما أراد الدوق ليشانييل، ستتضاعف أعباء جنود العائلة الخاصة.
استدار دوق كالينوس وحدّق في الإمبراطور الذي تحاشى النظر إليه عمدًا.
“هل تنوي فعلًا الموافقة على هذا القانون السخيف يا جلالة الإمبراطور؟”
حتى وإن كانت عائلة كالينوس ذات نفوذ، فلا فائدة إن مارس الإمبراطور حقه التشريعي.
بينما كان أفراد عائلة كالينوس يحدّقون ببعضهم ويكتمون أنفاسهم…
ومن خلال باب قاعة الاجتماع المفتوح، ظهرت الإمبراطورة تراقب الوضع وتتأرجح في مشيتها.
‘هذا كلام غير معقول!’
لم تكن غبية إطلاقًا.
الإمبراطور الذي لم يستطع حتى أن يرفع رأسه أمام دوق كالينوس. ومع ذلك، كان ذلك الرجل الذي سعى لاحتواء حتى سكان الشمال الخشنين بالحب.
فكيف لا يرفض مباشرة قانونًا تافهًا كنظام الزوجات والمحظيات، وقانونًا آخر يريد نقل جنود الشمال، الذين يجب أن يحموا الحدود ضد الوحوش، إلى العاصمة؟
‘بما أن من قدم المشروع هو دوق ليشانييل، هل يمكن أنه أبرم صفقة مع الإمبراطور مقابل نجاتي؟’
نظرة الإمبراطورة أصبحت باردة في لحظة.
لو كان هناك بديل، لما سمح الإمبراطور لنفسه بأن يُقاد هكذا…
ولكن…
‘لا يوجد إحتمال آخر.’
واتسعت عيناها فجأة.
التعليقات لهذا الفصل " 107"