الفصل 106
حاجبان مائلان قليلًا، عينان وبشرة صافية نقية، شفاه ممتلئة كأنها كرات زجاجية، ووجه شاحب يبدو طيبًا ومريضًا… رجل يبدو في غاية النقاء والرقة.
‘يا للروعة، حقًا وجهه نقي وجميل.’
بنيت اللوحة على أساس كونه أوسم رجل في عائلة كالينوس، لكن النتيجة كانت مختلفة تمامًا.
‘كما توقعت، الصورة لا تكتمل إلا بالإضافات.’
نظرتُ بخبث إلى ريويس والكلب الجالس في حضنه بهدوء وطاعة بين ذراعيه.
“ع-عينا الكلب… غريبتان…”
عندها، نظر إليّ الرسام الذي يتمتع بحسٍّ قوي بنظرة مرتجفة.
تبادلت النظرات مع الكلب، فعيناه السوداوان كحبات الزجاج كانت تلمعان ببريق مريب.
‘هذا طبيعي تمامًا.’
لأنه ليس كلبًا حقيقيًّا… بل إنه كوكو.
لم يكن أحد من الكلاب يجرؤ على الاقتراب من دوق كالينوس، سواء بسبب هالة الظلام القوية التي تحيط به، أو بسبب نظراته الحادة الناتجة عن شغفه المفرط في البحث العلمي.
لذا، لم يكن هناك خيار سوى اللجوء إلى كوكو، التنين.
“كوكو. (أيعقل أن يتحول هذا التنين العظيم إلى جرو؟!)”
“إن سارت الأمور جيدًا، سأرفع الشفافية ليوم واحد.”
“كوكو؟ (هاه؟)”
“وسأدعك تطلق النيران في إحدى القرى النائية.”
“نباح! نباح نباح! (أنا كلب! أنا جرو!)”
ابتسمتُ بخبث وأنا أراقب كيف يُرسم مشهد يضم الرجل الوسيم، والكلب، والطفل.
كان تطور الأحداث يعجبني تمامًا.
***
كان دوق كالينوس واقفًا بشكل مائل أمام المرآة يتأمل نفسه.
لم يسبق له أن فكّر في مظهره، لا مظهره هو، ولا مظهر الآخرين.
“رجاءً، ارسمه بشكل يبدو فيه لطيفًا قدر الإمكان.”
“آه، ارفع زاوية الفم قليلًا هنا.”
“لا، لا! بهذا الشكل يبدو وكأنها صورة في مذكرة بحث جنائي!”
لكن حين تذكّر جيزيل وهي توجّه الملاحظات للرسام بلا انقطاع وكأن شيئًا ما لا يعجبها…
بدأ يشعر بقلق غريب تجاه مظهره، رغم أنه لم يشعر بأي استياء منه من قبل.
‘هل أنا لست جذابا في نظر جيزيل؟’
ملامحه كانت قريبة من النسبة الذهبية.
لكن تلك الخصلات التي انتصبت فوق رأسه كالأعشاب الضارة بدأت تزعجه.
وعيناه الطويلتان والضيقتان المرتفعتان مثل عيون الثعلب بدت ذكورية أكثر من اللازم.
وبينما كان يتأمل ملامحه بتفصيل شديد في المرآة، نادى مساعده، بيترسون.
“بيتر، هل تحب السيدات عادةً الرجال الهادئين؟”
“اسمي بيترسون، يا سيدي. و-و… نعم؟ في الغالب، يفضلن الوداعة على التخويف.”
“ما معنى أن يكون الشخص ودودًا وهادئًا؟”
كان يشعر أن ملامحه لا يمكن وصفها بالوداعة حتى على سبيل المجاملة.
“أم أنني أبدو طيبًا بشكل معقول؟ لو نظرنا بدون تحامل…”
نظر إلى اللوحة التي تصوّره بنظرة باردة.
ثم قال لمساعده:
“جهّز لي عرضًا تشرح فيه كيف أستطيع أن أبدو هادئًا ولطيفًا هكذا. رتّب الفهرس جيدًا، واصنع خطة حسب التواريخ. لا يتجاوز عدد الكلمات ثلاثمئة ألف، وسلمه لي غدًا.”
إنه مدير قاسٍ يطلب المستحيل!
لكن بيترسون، حين رأى جدّية دوق كالينوس، فقد أي رغبة في الاعتراض.
“بدل أن تصبح لطيفا… ماذا لو استخدمت جسدك لتثير الإعجاب؟”
ارتفعت حاجبا الدوق باهتمام.
“…جسد لطيف وجذاب؟”
لماذا يخلط بين الاثنين؟!
“حضّر التقرير فورًا، وعدد الكلمات في حدود خمسمئة ألف، وسلّمه غدًا.”
لقد انتهيتُ… تمامًا…
***
وكما توقعت، فقد انتشرت قصة “العملاقة الصغيرة موجي التي أطاحت بعرين أسرة ليشانييل النقية” تأليف هينيسي في أرجاء الإمبراطورية كالنار في الهشيم.
أغلقت الكتاب وأنا أبتسم بخبث.
دوق كالينوس الوسيم، الذي بُيّضت صورته في غلاف الكتاب حتى صار من الصعب التعرف عليه.
والطفل الصغير الجالس بجانبه.
وحتى كوكو، الذي تحول إلى كلب.
بفضل هذا الغلاف المدهش، كانت مبيعات الكتاب تتصاعد بلا توقف.
ورغم وجود بعض الأصوات التي تتساءل “ما علاقة هذا الغلاف بمحتوى الكتاب؟”، إلا أنني تجاهلتها بسهولة.
‘لكن الغريب أن دوق كالينوس لم يظهر لي منذ ذلك اليوم…’
كأنه يتفاداني بطريقة مريبة.
وكان يكرر دائمًا “أنا لست مستعدًا بعد”، مما يزيد شكوكي.
راودني شعور بالخيبة لأنني شعرت أنه بدأ يخفي عني الأسرار.
لكننا لسنا زوجين حقيقيين.
فمن الطبيعي أن يكون هناك أسرار بيني وبينه، أليس كذلك؟
نفضت شعور الخيبة الذي علق بقلبي كالغبار، وابتسمت في محاولة للتفكير بإيجابية.
فما يزال لدي ضربة قاضية أخيرة!
‘إيصال معلومة للإمبراطورة بأن المرض الذي شفيت منه موجي يشبه مرضها!’
للأسف، منذ سقوط الإمبراطورة مؤخرًا، لم تُرَ مجددًا، وكأنها اختفت تمامًا.
حتى الشخصيات البارزة في المجتمع مثل كوردليا، أو السيدات المقربات من الإمبراطورة مثل شيربل، لم يتمكنّ من مقابلتها.
‘لكن إن استطعت دخول القصر الإمبراطوري، فقد أجد لي طريقًا ما.’
وفيما كنت أبحث عن فرصة قانونية لدخول القصر، وصلني تكليف جديد.
في صباح اليوم التالي.
قررت العائلات المقربة من غارنو من سلالة الدم أنه لم يعد بإمكانهم التغاضي عن الوضع غير المنطقي الذي كانت تقوم به الدوقة جيزيل كالينوس.
كانت تنام، وتأكل، وتلعب، وتتمشى فقط، أي أنها كانت تقوم بأعمال غير فعالة على الإطلاق!
“ما العمل مع هذه الدوقة عديمة الكفاءة التي لا تفعل شيئًا سوى الأكل واللعب؟ لا بد من تحذيرها على الأقل!”
“همم، لكن هل يجوز أن نذهب لتحذيرها من تلقاء أنفسنا من دون أن نُعلم السيد غارنو؟”
“على أي حال، السيد غارنو لا يبدو أنه يحب تلك المرأة كثيرًا، أليس كذلك؟ دعونا نبدأ بإحباط معنوياتها أولًا. ولنكلّفها بأبسط مهام الإدارة الداخلية.”
وبينما كانوا يتذمرون، اقتحموا غرفة جيزيل من دون سابق موعد.
وهناك رأوا جيزيل نائمة على الأريكة، وقد عقدت ساقيها بطريقة غير لائقة، وفمها مفتوح حتى سال منه اللعاب.
“إضافة الى كونها عديمة كفاءة، فهي تنام بهذا الشكل كل يوم؟”
“حقًا، لا تملك أي مهارات ومع ذلك تغط في النوم مجددًا… هِ، هِيييك.”
كانت قد غطّت عينيها بكتاب وكأن الضوء يزعجها…
“رواية رومانسية حارّة بعنوان: ليلة ذلك اليوم مع الدوقين الساخنين…؟!”
“ه، هذا… ما هذا الكتاب المنعدم الذوق؟!”
وبينما كانت تسمع أصواتهم، فكّرت جيزيل بتبلّد وهي لم تستفق بالكامل بعد.
‘لماذا لا يملكون ذرة إحساس؟’
ألا يشعرون بذلك من الهالة وحدها؟
أن جيزيل إنسانة.… غريبة الأطوار قليلًا؟
نظرت بعينين صافيتين وبراقة إلى أحد أفراد عائلة كالينوس، وسألته بعفوية:
“ماذا قلت للتو، يا عم؟”
أحدهم قفز في مكانه مذعورًا حين رأى جيزيل تفتح عينيها بشراسة وقد ظهرت بياض عينيها فقط.
“لو كنتِ مستيقظة، فتكلمي.…”
“تكلمت عني للتو، صحيح؟”
بدت ملامحهم غير مرتاحة أمام كلامها الصريح، لكنهم لم ينفوا الأمر كذلك. ثم جلسوا إلى جانبها مباشرة.
“أنا اسمي فيرينا. أساعد في المحاسبة ضمن الإدارة الداخلية للعائلة.”
“وأنا ماركو. أعمل في العلاقات الدبلوماسية بين العائلات.”
“وماذا تفعلين أنتِ يا سيدتي؟ لصالح عائلتنا، أعني.”
جيزيل لمست ذقنها.
بالطبع، كانت تقوم بالكثير، لكن هذا لم يكن هو المهم الآن…
“قلت إنك مسؤول عن العلاقات الدبلوماسية بين العائلات؟”
“أجل، هذا صحيح.”
“إذًا، هل بيننا وبين القصر الإمبراطوري أيضًا؟”
أجاب ماركو بكل وقاحة وهو يرفع ذقنه:
“نعم، كذلك.”
حينها، خطرت لجيزيل فكرة ممتعة جدًا: ستضغط على أنف ماركو المتغطرس، وستستغل ذلك لعلاج الإمبراطورة أيضًا.
“لا يمكنني تحمل القسوة التي يعاملني بها الجميع!”
ثم أخرجت كأسًا من جيبها.
سمعت الحاضرين يهمسون قائلين: “لِ، لماذا يوجد كأس في جيبها…؟” لكن ذلك لم يكن يهم.
“أحتاج لشرب كأس! سأذهب إلى القصر الإمبراطوري!”
“م، ماذا؟!”
“أنتم من قلتم أن أعمل، أليس كذلك؟! لذا سأذهب إلى القصر بصفتي دوقة كالينوس لأؤدي واجبي وألقي التحية على العائلة الإمبراطورية!”
“ومن يذهب إلى القصر بعد شرب الكحول؟!”
“أنا!”
“ه، ها، حقًا… لا يمكن الذهاب إلى القصر بهذه السهولة! هناك إجراءات رسمية لا بد من اتباعها، كالحصول على بطاقة دخول…”
“آه، صحيح؟ إذًا أعطوني بطاقة الدخول الآن! فأنا سأذهب مع المسؤول عن العلاقات الدبلوماسية في عائلة الدوق، وهذا يكفي لتجاوز الحراس، وجيزيل تعرف ذلك جيدًا!”
“م، ما هذا الكلام الذي لا يُعقل…؟!”
“آه، جيزيل في نزهة إلى القصر، لا لا~♡ بل ذاهبة للـعـمـل~!”
قفزت جيزيل واقفة.
كما توقعت، بدت ملامحهم مشوشة تمامًا وبدأوا يركضون خلفها.
“اسمعي! ت، توقفي حالًا!”
لكن جيزيل كانت قد انطلقت بسرعة وتجاوزتهم.
تمامًا مثل عازف المزمار في القصة الخيالية!
────── •❆• ──────
توضيح جملة ‘تمامًا مثل عازف المزمار في القصة الخيالية!’ هي استعارة تشير إلى قصة ‘عازف المزمار السحري’ ، وهي حكاية شعبية عن رجل كان يعزف على مزمار ويجعل الفئران (أو الأطفال، في بعض النسخ) تتبعه أينما ذهب.
التعليقات لهذا الفصل " 106"