الفصل 103
***
“هم؟ ريويس لا يشعر بأي ألم!”
“لكنّك قلت قبل قليل إنكَ تشعر بالدوار وكأنك ستتقيئ.”
“ذاك… ذاك كان فقط…”
قصر كالينوس، داخل غرفة ريويس.
بعد أن صرفت الجميع بحجة أنني أرغب بالبقاء وحدي مع ريويس، تظاهرت بأنني أضعه للنوم، ثم ناولته سراً جرعة مضادة للسم.
في البداية، عبس ريويس رافضًا، لكنه ما إن سمعني أتمتم: “الأمراء عادةً ما يشربون مثل هذه الأشياء”، حتى شرب الجرعة العلاجية ‘بصاق العفريت’، بشجاعة.
راقبته وهو يشرب الجرعة بوجه متألم، ثم أملت رأسي بتساؤل.
‘ولكن… إن فكرت في الأمر، هناك شيء غريب.’
الناس الذين كانوا بجانبه شعروا فقط ببعض الدوار، وكانوا بخير تماماً… حتى الآنسة شيربل لم تصب بأي شيء.
‘هل هناك من لديهم حساسية خاصة لهذا النوع من السم؟ وهل زرقة الشفاه من أعراض التسمم؟’
وما إن خطر لي هذا التساؤل، حتى لاحظت أن أسنان ريويس الأمامية ملطخة ببقع خضراء وزرقاء متداخلة.
ضغطت على شفتيه برفق، ثم نظرت إلى يدي.
وكما توقعت، تسربت صبغة خفيفة من شفتيه الزرقاوين.
اتسعت عيناي.
في هذا العصر، بعض الرسامين الفقراء كانوا يبلّلون أطراف فرشاتهم القاسية بلعابهم أثناء العمل.
صحيح أن ريويس ليس رساماً فقيراً، لكن لعدم امتلاكه أدوات رسم، لا بد أنه عضّ على طرف الفرشاة الجافة ليرسم.
ولأنه صغير السن، وقد ابتلع الصبغة مباشرة عبر الفم، فمن الطبيعي أن يتسمم بسرعة أكبر من الآخرين الذين اكتفوا بلمسها أو رؤيتها.
وما إن تأكدت من هذه الحقيقة، حتى رمش ريويس قليلاً، ثم فرك وجهه بالوسادة.
“آه… شبعت!”
ربّت على بطنه الممتلئ بيده.
بدا أنه تحسّن قليلاً مقارنة بما كان عليه سابقاً، حين كان يتصبب عرقاً بارداً…
‘لكن، لماذا لا يبدو وكأنه تعافى تماماً؟’
واصلت مراقبته، فبدأ يئن بتعب، ثم غطّ في النوم.
جلست بجانب ريويس النائم وأنا أفكر بقلق.
الجرعة الشاملة المضادة للسموم، “بصاق العفريت”. تحفة فخر دوقية كالينوس. لماذا لم تجدِ نفعاً؟
‘لحظة… في الرواية الأصلية أيضاً، لم يتمكنوا من اكتشاف أعراض التسمم بالزرنيخ، أليس كذلك؟’
قفزت واقفة من مكاني.
السيلستين الأخضر القادم من القارة الشرقية، والأطباء الذين لم يتمكنوا من تحديد السبب…
ببساطة، لم يُستخدم الزرنيخ كسم في هذه القارة من قبل!
‘إذن، كيف تمكّن ذلك الوغد من معالجة الأمر؟ هل استخدم القوة المقدسة؟’
وإن كان الأمر كذلك، فأنا التي لا أمتلك أية قوة مقدسة، هل أعجز عن إنقاذ ريويس؟
في خضم توتري الشديد، توقفت فجأة عن التفكير.
تذكّرت ما فعله دوق ليشانييل لإنقاذ الإمبراطورة في فصل “الإمبراطورة في خطر”…
‘هذا النوع البغيض من القصص دائماً ما يدمّر حياتي بأسوأ الطرق…’
كونه استخدم القوة المقدسة لإنقاذ الإمبراطورة… أليس هذا تطورًا تقليديًا للغاية؟
‘ربما، استخدم القوة التي سرقها مني… قد يكون هذا هو التفسير الأرجح.’
بتردد، رفعت يدي المرتجفة، ووضعتها بالقرب من قلب ريويس، تماماً كما فعلت مع نيسلان.
بدأ طرف إصبعي يتوهّج بضوء باهت.
ضوء أبيض خافت لمع كضوء نجم، أحاط بريويس للحظة ثم تلاشى.
عندها، بدأ اللون الوردي يعود تدريجياً إلى شفتيه الزرقاوين، واستعاد وجهه هدوءه.
بدا الآن سليماً تماماً لأي ناظر.
إذن، الاستنتاج هو…
‘ذلك السارق اللعين سرق قوتي، واستغلها ليعالج الإمبراطورة ويحصل على المجد؟’
واو، إنني أغلي من الغيظ حقاً!
***
استحضرت في ذهني مشهد دوق ليشانييل وهو يعالج الإمبراطورة، ثم بدأت أضرب الأرض بقدمي من شدة الغضب.
لقد سرق مني كمية ضخمة من المانا.
حتى مع كل الجرعات التي تناولتها بانتظام، لم أتمكن من تعويض ما انتزعه مني!
لذا، كان قادراً على معالجة الإمبراطورة بتلك القوة!
‘أقسم أنني سأقتلك، أيها الوغد المجنون.’
وبذلك، أصبحت لديّ الآن مهمتان واضحتان.
١. تعويض المانا التي سرقها مني ذلك الوغد، ومعالجة الإمبراطورة بدلاً منه.
٢. استنزاف المانا الخاصة به بالكامل.
ابتسمت ابتسامة خبيثة وأنا أحدق في الطاولة الصغيرة بجانبي.
نعم، لقد كنت أستعد لهذا اليوم منذ زمن.
حدّقت في صندوق المال السحري المملوء بالنقود التي تلقيتها، ثم نظرت إلى قصر عائلة السحر العريقة من النافذة وابتسمت.
‘لقد خزّنت ثروتي خصيصًا لهذا اليوم.’
ثم…
‘سيدي نيسلان، أعتذر، لكنني أحتاج دعمك الكامل هذه المرة.’
…سأستخدم استراتيجية تعذيب الأستاذ المقدس.
لكنني لا أتوقع منه أن يساعدني بإخلاص.
فالعائلات السحرية مغلقة على نفسها، ولا تقدم أسرار زيادة المانا بسهولة.
***
في صباح اليوم التالي.
كنت أنوي الاستمتاع بالنوم حتى وقت متأخر، لكن الضجيج القادم من خارج النافذة أيقظني عنوة.
“السيدة موجي طلبت مساعدتنا!”
“يا للعجب، لقد تمكّنا من التواصل مع السيدة موچي!”
“أخيراً جاء اليوم الذي سنرد فيه جميلها!”
….ما هذا الضجيج المبالغ فيه على وجه الأرض؟
كل ما فعلته الليلة الماضية هو أنني تركت رسالة في سوق الجرعات التابع لغييت.
وغييت، بدوره، أوصل الرسالة بنفسه إلى قصر كالينوس هذا الصباح.
لكن، لماذا تحوّل قصر كالينوس فجأة إلى ساحة احتفال صغيرة؟
‘أليست هذه العائلة ذات السمعة المظلمة؟ لم كل هذا الهرج؟’
بعيون نصف مغمضة، نظرت من النافذة وسألت إيفانكا التي كانت بجانبي.
“هل أنا وحدي من تجد هذا الوضع غريباً؟”
“لقد وضعت إيفانكا زهرة جميلة في شعرها من أجل السيدة موجي!”
“آه… صحيح. تبدين لطيفة، إيفانكا.”
….على أي حال، مع اقتراب وقت الغداء، كانت الفوضى في أوجها.
بعد تناول وجبة خفيفة، وأثناء نزهة قصيرة، فتحت عينيّ بدهشة حين رأيت حوالي مئة ساحر مجتمعين في مكتبة القصر.
تملكني الفضول لأعرف ما الذي يجري، فتسللت إلى الداخل.
هناك، كان والد زوجي، نيسلان كالينوس، يلقي خطابًا رسميًا بصوت جاد.
“السيدة موجي، منقذة عائلتنا، طلبت عوننا. فلنبذل أقصى ما لدينا لننقل لها أكبر قدر من المعرفة بأوضح أسلوب ممكن.”
وبجانبه، قال غارنو بصوتٍ مرتفع وواضح:
“أرى أن هذه فرصة لنقنع السيدة موجي بأن تصبح المعالجة الدائمة لعائلتنا.”
“أجل! سنرد الجميل عشرة أضعاف، لذا سنبذل كل ما لدينا!”
“أنصتوا جيداً. ما طلبته السيدة موجي هو: كيف نملأ قلب المانا بأقصى طاقته. فليعرض كلٌ منكم ما جمعه من معلومات وليجهّز تقريره، وسأعدّ نفسي كذلك.”
وقفت هناك أراقب المشهد بعينين مذهولتين، ثم خرجت من المكتبة بتعبير مشوش.
‘لا أصدق أن الأمر تطوّر إلى هذا الحد…’
الوصيفات بجانبي بدأن يتهامسن بصوت خافت.
“السيدة موجي تُعدّ في هذا القصر بمثابة بطلة حقا.”
“منذ ظهور <بذور الوحوش>، والجميع يتمنى ضمّ معالجة مثلها إلى العائلة.”
“فمن الصعب جدًا إيجاد معالجة ذات كفاءة في عائلتنا.”
…لا أعلم ما هي <بذور الوحوش> هذه تماماً، لكن…
فكرة الوقوع في مأزق بسبب هذا تجعلني أشعر أنني سأُسحق.
***
[مئة طريقة لملء قلب المانا]
ربما كان ذلك بفضل كل الجهود الجماعية التي بذلتها عائلة كالينوس.
كنت أتناول مئة جرعة يومياً لأملأ قلب المانا، وأسعى سراً بكل ما أوتيت من جهد وتعب لتطوير قدراتي.
جرّبت مجموعة مختلفة من الجرعات، واستمتعت بالاستماع إلى موسيقى غريبة استخدمها أحد الملحنين من بلاد بعيدة، بل وحتى جربت أطعمة تشبه “حبوب الامتناع” التي يتناولها حكماء فنون القتال في الروايات القديمة.
تلقّيت ماء الشلال الضخم المتدفق فوق رأسي….
وهكذا، بعد أسبوع من التدريب القاسي على طريقة “سبارتا” الأسطورية، صرت أقوى من ذي قبل.
لكن حينها، وصلني خبر مؤسف.
“جلالة الإمبراطورة فقدت وعيها.”
كانت تلك هي كلمات كوردليا، التي زارتني لتفقّد حالة كوكو.
“عائلة دوق ليشانييل أعلنت أنها ستقوم بعلاج جلالة الإمبراطورة… مع أنني لا أرتاح لهم.”
شعرت بأن كوردليا تراقب ردة فعلي بعناية، مدفوعة على الأرجح بالشائعات المتداولة بيني وبين دوق ليشانييل في المجتمع الراقي.
“فهمت. شكراً على هذه المعلومة القيّمة.”
وأخيراً، قررت عائلة ليشانييل التحرك لعلاج الإمبراطورة المريضة.
وفي الرواية الأصلية، يفشل الجميع، ثم يسطع نجم دوق ليشانييل وحده حين يعالجها ببراعة.
“كما هو متوقع من دوق ليشانييل! إنه حقًا مذهل!”
بمجرد أن تخيلت الناس يكررون هذه الجملة…
“آه، قشعريرة…”
“ماذا؟”
“لا، لا شيء…”
….لكنه ليس “لا شيء” فعلاً.
فقط تخيل ذلك الوغد وهو يستخدم قوتي ليحظى بكل هذا المديح من الجميع يجعلني أرتجف غيظاً.
‘حان الوقت لأسترد ماناي، بطريقتي الخاصة.’
ما أملكه الآن: أموال طائلة من عوائد حقوق التأليف، قدرات سحرية محصلة بفضل الجرعات، كوكو التنين الشفاف بسبب نقص المانا، والطائر المرافق سولسي، كرو.
وأهم شيء على الإطلاق…
‘مهارة جذب الانتباه (الضجة).’
ابتسمت ابتسامة خبيثة بينما أتذكّر حيل اليوتيوبرز المشاهير في إثارة الجدل.
وبعد أن ودّعت كوردليا، استدعيت إيفانكا، الهامستر الصغيرة.
“إيفانكا، تعالي.”
“نعم؟”
“هل يمكنكِ إحضار جرعة واحدة لي؟”
“بكل سرور! أي جرعة تريدين؟”
التعليقات لهذا الفصل " 103"