قالت الخادمة الصغيرة التي كانت إلى جانب الطفل الصغير، بوجه قلق لا يستقرّ:
“سيد ريويس، لا ينبغي لك أن تكون هنا….”
ولها كل الحق، فهذا المكان هو مستودع مهجور داخل قصر كالينوس.
وبشكل أدق، هو المستودع الذي جمع فيه دوق كاليـنوس معظم لوحات مركيز بيرتو.
كان من المقرر أن تُفحص تلك اللوحات للمرة الأخيرة قبل أن يتم تمزيقها والتخلص منها.
لكن دخول ريويس إلى ذلك المستودع سرًّا، بينما كان يلعب الغميضة مع إيفانكا، لم يكن محض صدفة.
قال ريويس وهو يفرد كتفيه بثقة:
“لكن الأمير، عليه أن يُضحك الأميرة التي تبكي، أليس كذلك!”
وعندما ارتسمت الدهشة على وجه الخادمة بسبب هذا الكلام الغريب، كانت الخادمة الصغيرة إيفانكا تبتسم ابتسامة عريضة وهي تهز رأسها.
“سيد ريويس يرى أن لوحة <المرأة الباكية> مرسومة بناءً على السيدة جيزيل، وهو يريد أن يحوّلها إلى <المرأة الضاحكة>.”
“همم؟ إيفانكا، كيف عرفتِ هذا؟”
“إيفانكا تفهم الأمور من أول نظرة!”
وبينما كانت إيفانكا والخادمة تتبادلان الحديث، كان ريويس يواصل رسمه بلا توقف، يمرر الفرشاة فوق اللوحة تلو الأخرى.
“همم، هل تظنين أن الأخت الكبرى ستحب هذه اللوحة؟”
“بالطبع، ستحبها كثيـرًا جدًا.”
كانت ضربات الفرشاة العشوائية لطفل صغير تُغطّي لوحة <المرأة الباكية> التي رُسمت بألوان خضراء قوية.
ثم…
“هيه! انتهيت!”
وضع ريويس فرشاته وهو يعلن اكتمال كل شيء، فنظرت الخادمة إلى اللوحة بلا اهتمام.
“سيد، سيد ريويس…”
وفي اللحظة التي اتسعت فيها عيناها بدهشة، صدرت صريرات خفيفة من باب المستودع وهو يُفتح.
***
بعد انتهاء حفل الشاي المتصنّع والمليء بالضحك الزائف.
كنت أبحث عن الطفل ريويس والهامستر الصغيرة إيفانكا لأجل الشفاء النفسي.
‘قيل لي إنهما في المستودع، فجئت مسرعة.’
تردّدت قليلًا أمام باب المستودع القديم.
فهذا المكان لا بد أن يكون مليئًا باللوحات البائسة التي رُسمت لي وأنا في أسوأ حالاتي.
وكان مجرد التفكير في ذلك يجعلني أتنهد، وأتردّد في إمساك مقبض الباب.
لكن عندما فتحت الباب، لم يكن في انتظاري لوحات اللعين مركيز بيرتو.
“…ما هذا؟”
ألوان برتقالية وصفراء ووردية فاتحة، امتلأت بها رؤيتي.
لوحة <المرأة الباكية> التي رسمها مركيز بيرتو في أشد لحظاتي بؤسًا، كانت من بين سلسلة لوحات تجسّد حزني.
لكن هذه اللوحة التي جسّدت أكثر أوقاتي انكسارًا، لم تعد تصورني أبكي في لوحة تجريدية.
بل تحولت، وإن كانت برسم متواضع، إلى امرأة تضحك وتحمل باقة من الزهور.
“أ، أنتِ لن تغضبي… لأني خرّبت اللوحة… صحيح؟”
الوجه المشوّه والمجرد في اللوحة قد تغيّر إلى وجه يبتسم بابتسامة غير متقنة.
ورغم أن الخطوط كانت عشوائية كما يفعل الأطفال، فإن المرأة التي تحمل الزهور الوردية الزاهية في اللوحة بدت في غاية السعادة.
“أ، أترين؟ أردت أن أريك إياها قبل أن تُمزَّق! ريويس هو من رسمها!”
وأنا أحدّق في اللوحة التي أعيد تلوينها بألوان زاهية، خطرت لي فكرة.
‘هكذا إذًا… تلك اللوحات لم تكن تعني شيئًا على الإطلاق.’
سنوات عشتها مطأطئة الرأس بسبب تلك اللوحات التافهة، ووقتي الذي كنت فيه أسيرة بضعة ضربات من فرشاة من مركيز بيرتو… لم أُدرك إلا الآن كم كان ذلك مؤسفًا.
لطالما ظننت أنني قد تحطّمت تمامًا على يده، وأنه أفسدني كليًا.
‘لكن هذا غير صحيح. حتى لو حاولوا إيذائي، لم أكن يومًا محطّمة.’
وحتى إن كنت قد تحطّمت…
فكما فعل ريويس، يمكن ببساطة أن أرسم فوق اللوحة التالفة لوحة أجمل وأزهى.
وأنا أشعر بخفّة في صدري، ابتسمت وأنا أربّت على رأس ريويس.
“نعم، إنها جميلة حقًا. ريويس، يمكنك أن تصبح رسّامًا!”
“هيه…”
إندسّ ريويس في حضني بخجل، ويداه متلطّختان بالأخضر.
وبينما كنت أنظر إليه وهو يلهث، مِلْتُ برأسي قليلاً ثم تجمّدت فجأة.
كنت فقط أنظر إلى اللوحة المليئة بالأخضر وأنا أتنفس بعمق، لكنني شعرت فجأة بضيق في النفس.
هل لاحظ أحد أنني أتنفس بسرعة؟
فجأة أمسكت إيفانكا طرف كمّي وهمست بقلق:
“سيدتي جيزيل! سيد ريويس، أخرجا بسرعة!”
“…لحظة فقط.”
تشبثت بيد ريويس المتلطخة بالأخضر، فقالت إيفانكا بحذر:
“في الحقيقة، لا يجب البقاء طويلًا في هذا المستودع!”
“…لماذا؟”
أجابت خادمة ريويس:
“آه، إذا مكثت هنا طويلًا، تشعرين بدوار خفيف. حتى الخادمات اللواتي ينظفن هنا كثيرًا ما يشتكين من الدوخة.”
“دوار، تقولين؟”
“نعم، حتى أن الخادمات يسمّونه لعنة مركيز بيرتو. أظنهن على حق، ذلك اللعين!”
ثبتُّ بصري المرتجف على الخادمة.
‘لعنة مركيز بيرتو.…’
رفعت يدي لألمس يد ريويس المخضّبة بالأخضر، ثم لمست لوحة أخرى من لوحات بيرتو.
بينما كنت أحدّق في الصبغة الخضراء العالقة بأطراف أصابعي، رفعت حاجبي بدهشة.
‘لا، لا أظن أن الأمر يتعلق بلعنة.’
بل، بالأحرى…
‘سمّ.’
نعم، بدا أن هذه الصبغة تحتوي على مادة سامة.
وفي اللحظة التي كنت أحدّق فيها بجدية في الصبغة الخضراء العالقة بأطراف أصابعي، انفتح باب المخزن مجددًا مُصدرًا صريرًا.
أنا وريويس وإيفانكا رمقنا أنظارنا نحو مصدر الضوء المتسلّل من الباب.
“ها أنتِ هنا، زوجتي. بحثت عنكِ طويلاً.”
“آه، سموك.”
“سام-تشون…!”
“لا أستطيع الاطمئنان إن لم تكوني بجانبي، زوجتي. لكن، لماذا أنتِ هنا؟ وأنتَ يا ريويس؟”
اقترب الدوق مطلقًا كلمات قد تصدم أي شخص يسمعها، وعبس وجهه وهو يتقدم نحونا.
“كنتِ تنظرين إلى هذه اللوحة.”
“نعم…”
“كنت أنوي استعادة كل اللوحات، لكن تبيّن أن هناك واحدة لم تُسترجع بعد.”
وإذا كان حدسي صحيحًا، فأظنني أعرف أين توجد تلك اللوحة المتبقية. نظرت إليه بعينين مرتجفتين.
“هناك شيء أودّ سؤالك عنه.”
“نعم؟”
“أين توجد تلك اللوحة المتبقية؟”
إن كان ظني في محله….
“إنها في القصر الإمبراطوري. في الحقيقة، كنا نرغب في استعادتها أيضًا، لكن التواصل المباشر مع القصر متعذر حاليًا، لذا تأخر الأمر.”
“……”
“كما تعلمين، جلالة الإمبراطورة تحب هذا اللون كثيرًا. ويُقال إن عائلة بيرتو قدّمت لها هذا النوع من الصبغة لتستخدمه في الرسم بنفسها.”
“إذن…”
“لكن لا تقلقي كثيرًا. ما إن نتمكن من التواصل، سنستعيدها حتمًا.”
“….قلتَ إنكم لا تستطيعون التواصل مع جلالتها. هل… هل الإمبراطورة مريضة؟”
“نعم. جلالة الإمبراطورة ليست في حالٍ جيدة.”
وسط كلماته المتواصلة، التقطتُ خيطًا مهماً جعل عيني تتسعان فجأة.
كيف لم يخطر ببالي حتى الآن؟
لقد كان معروفًا أن الصبغات الخضراء الزاهية في الماضي كانت تحتوي أحيانًا على الزرنيخ* وتسبب التسمم!
(* الزرنيخ هو مادة سامة موجودة في الطبيعة، ويؤدي التعرض لها إلى التسمم، وتشمل أعراضه: آلام في البطن، تغير لون الجلد، تلف في الأعضاء، وقد يسبب الموت في الحالات الشديدة.)
من المؤكد أن الإمبراطورة تعاني من تسمم بالزرنيخ بسبب تلك الصبغة.
لكن ما إن وصلت إلى هذا الاستنتاج، حتى صعقتني فكرة أخرى.
‘إذن، ماذا عن الأشخاص الآخرين الذين تعرضوا لتلك اللوحة؟ لحظة… ريويس؟’
اتسعت عيناي واندفعت نحو ريويس. كانت شفتا الطفل الصغير قد بدأت تميل إلى الزرقة.
“ريويس!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 102"