بعد أن اختتمتُ حديثي مع أوفيليا، اجتاحني الشكّ والتردد قبل أن أتمكّن من حسم قراري النهائي.

‘حسنًا، سأطرح السؤال مباشرة. أليس لأنه يعاملني برفق ويقدّم لي الهدايا باستمرار، فهذا دلالة على أنّه يكنّ لي المودة؟’

قد يبدو عجيبًا أن يحتاج المرء إلى قرار لمجرّد سؤال واحد، لكن إحساسي بالإحراج لو تبين أنّ توقّعاتي خاطئة كان يفوق حدود الخيال، لذا كان عليّ أن أتمسّك بعزيمتي بلا تردد.

في الظروف الطبيعية، لما جرأتُ على مثل هذا السؤال الذي قد يوقعني في سوء فهمٍ سخيف، بل وحتى أن أسأل شخصًا سبق ورفضني إن كان يعجب بي عكسيًا، فهذا ليس موقفًا عاديًا على الإطلاق.

لكن لو لم أسأل شيئًا الآن، لكنتُ غارقةً في الحيرة وأحترق داخليًّا، إذ أنّ الوقوف أمام شخص يعرف أنّي فكرت فيه مع كل تلك الأشياء والارتباك أمامه، كأنّه خداع للنفس.

والحمد لله أنّ اليوم كان يوم عطلة يتزامن مع عطلة الرجل، وليست مجرد لقاء قصير كما في وقت الغداء، فكان هناك متّسع كافٍ للحديث المطوّل.

وقفت متوترة أمام باب المكتبة، أرمقه بنظرة شبه فاحصة، ثم أخذت نفسًا عميقًا وأمسكت بمقبض الباب وسحبته بثبات.

الرجل، الذي كان ينتظرني في الداخل، نظر إليّ فور فتح الباب. وعندما التقت عيناه السوداوان بعيني، ابتسم تلقائيًا، ولا أدري إن كانت تعابيري طبيعية أم لا.

“سيدي، هل انتظرتم طويلًا؟”

“لا، لقد وصلت للتو أيضًا.”

اليوم كان مخصصًا للبحث عن معلومات حول الساحرات، كما فعلنا سابقًا عند البحث عن كتب الأحلام. مكتبة عائلة الدوق واسعة كأي مكتبة عظيمة، تحتوي على كتب نادرة من جميع أنحاء البلاد، وأخرى تجعل المرء يتساءل عن سبب وجودها.

أغلق الباب محاولًا إخفاء توتري، حينها لاحظت أنّ الرجل يحمل ورقة بيده. كان يقف أمام الطاولة، وبجانب الورقة كانت هناك أوراق أخرى موضوعة بعناية على الطاولة.

“ما هذه الأوراق؟”

“قائمة الكتب المتعلقة بالساحرات، طلبتها من الخادمة المشرفة على المكتبة. اعتقدت أنّ استخدام هذه القائمة سيكون أكثر كفاءة من البحث عن كل رف على حدة.”

“آه، أظن أنّ المشرفتين هما الآنومي ومورغان، صحيح؟ أيهما سألت؟”

“السيدة. هل تعرفانهما؟”

“كلاهما تعمل في القصر منذ زمن طويل، والمكتبة أحد الأماكن التي أزورها كثيرًا في عطلة يومي، والدوق يسمح لنا باستخدامها بحرية.”

تمتم الرجل لنفسه: ‘أحد الأماكن التي أزورها كثيرًا…’، لكنه لم يلتفت لذلك، وبدأ يتفحص الطاولة. كانت الأوراق مكتوبة بدقة، والكمية كبيرة نسبيًا.

‘إذا راجعت كل هذا، هل سيبقى وقت للمحادثة؟’

الهدف الأساسي الآن هو جمع المعلومات، لذا كان من الأفضل الانتظار قليلًا قبل طرح أي سؤال.

بدأتُ بالبحث عن المواد المناسبة في القائمة، وأجد الكتب الفعلية وفقها، فشغلتني العملية المتكررة تدريجيًا.

حين أدركت أنّ قلبي بدأ يهدأ قليلًا، كان الرجل قد رفع برجين من الكتب ووضعهما على الطاولة برفق.

وجدت أنّ كل ما يبدو مفيدًا قد جمعته، ورغم كثرة الكتب، فإنّ التعامل مع الكلمات كان مألوفًا بالنسبة لي.

“مع أنّ المكتبة كبيرة، إلا أنّ الكتب عن الساحرات كثيرة. ربما كان أحد الدوقات السابقين مهتمًا بالساحرات.”

“كنت أظن ذلك أيضًا. حتى لعائلة الدوق، وجود كل هذه المعلومات يدل على أنّها جمعت عن قصد.”

“هل المصادر المتعلقة بالساحرات نادرة؟”

“نعم. الآن يُنظر إلى الساحرات على أنّهن مجرد منبوذات، لكن في الماضي كان يُنظر إليهن كشر مطلق يجب القضاء عليه، لذا كان تسجيل المعلومات مرفوضًا.”

نبرة الرجل هادئة، لكنني ترددت للحظة. كان يبدو بلا اهتمام بالساحرات، ومع ذلك يعرف الكثير.

هل هذه المعلومات أخبرته بها والدته الساحرة، أم اكتشفها بنفسه؟ لا أعلم، لكن لم أستطع تخيل شعوره عند معرفتها لأول مرة.

كنت قلقة أن البحث عن الساحرات قد يبعث جروح والدته المتوفاة.

‘لكن لم يثبت أنّ جميع الساحرات شريرات.’

عدتُ إلى بداية الكتاب القديم لأقرأ من جديد. الكتاب القديم قدّم تعريفًا أكثر تفصيلًا عن الساحرات مقارنة بالكتب الأخرى.

[السحرة والساحرات يشتركون في استخدام طاقتهم لمهاراتهم، لكن بخلاف ذلك، هناك اختلافات واضحة.

السحرة يمكن أن يكونوا من أي جنس، ويمكنهم ممارسة أنواع مختلفة من السحر ضمن حدود قدراتهم. حتى السحرة المتوسطون نادرون.

لأن السحر يقتصر على ما تسمح به القدرة الفطرية، فإن نقص القوة أو التطبيق يقلل من السحر المتاح، ولا يمكن التغلب عليه بالإرادة أو الجهد.

الساحرات إناث فقط، ولا يستطعن استخدام سوى السحر المتعلق بموهبة واحدة، لكن مع دفع ثمن معين يمكنهن استخدام كل ما يغطيه هذا السحر.

المواهب والثمن يختلفان حسب الساحرة، وكلما زادت القوة زاد الثمن، لكن إذا كان بالإمكان دفع الثمن، فلا حدود للقدرة.

المؤلف مهتم جدًا بخصوصية وقدرات الساحرات، وكان يجتمع بهن ويدرس تفردهن…]

هذا الجزء وثّق فيه شخص عاش في عصر تعايش الساحرات مع البشر، وشاهد اختفائهن تدريجيًا.

[حدثت قضية حيث ساحرة تستخدم السم قتلت جميع أفراد العائلة الملكية ما عدا الإمبراطور السابع، وانتشرت فكرة أنّ الساحرات شريرات في جميع أنحاء الإمبراطورية.

في الواقع، لم تختلف الساحرات كثيرًا عن البشر، لكن قدراتهن الغامضة أثارت الرهبة بسرعة.

الإمبراطور السابع أمر بالبحث عن الساحرات وإعدامهن بلا رحمة، وانتشر ذلك بين المواطنين. اختفت معظم الساحرات، والبقية لجأن إلى الاختباء.]

‘مع أنّ الأمور لم تعد قاسية كما في السابق، إلا أنّ تصنيف النساء المريبات كساحرات لا يزال قائمًا.’

وُجدت عوامل وراثية في ولادة السحرة والساحرات، لكن يمكن أن يولدوا عشوائيًا أيضًا، لذلك يبدو أنّ معظم الساحرات يختبئن الآن.

أوقفتُ أفكاري العميقة عندما توقفت أصابعي عن الطبطبة على الطاولة. إذا كانت هذه هي التاريخ، فهل سيكون البحث عن هوية الساحرات سهلاً؟

لو كنت ساحرة، وكان أسلافي يُضطهدون بهذه الطريقة، لتجنبتُ كشف هويتي. فكيف يمكن إيجاد الساحرات؟

في تلك اللحظة، شعرت بوخز في إصبعي.

“آه.”

نظرتُ إلى إصبعي الذي لمس صفحات الكتب، ووجدت خدشًا صغيرًا. ألم حاد مع نزف قليل، لا يعيق التحمل لكنه يوجع.

الخدش بسيط، لا يستحق القلق الآن، لكن حين حاولتُ قلب الصفحة بحذر، أمسكت يد كبيرة إصبعي برفق.

شعرت بالندم فورًا.

‘كان يجب أن أخفي الإصابة فور حدوثها.’

رغم أنّي حاولت التركيز على شيء آخر لتخفيف التوتر، إلا أنّ قلبي بدأ ينبض بسرعة مع هذه اللمسة الصغيرة.

الرجل نظر إلى إصبعي بصمت، حاولت الابتعاد مبتسمة بطريقة محرجة، لكنه أوقف الدم عن التلطخ بالورق.

لم أكن أفكر في معالجة الخدش، لكن شعرت أنّه يجب مسحه قليلًا. أخرجت منديلًا بيدي الأخرى، فأخذه مني برفق دون عناء.

وجدت نفسي مذهولة وأنا أنظر إليه بعينين مستغربة، لكنه لم يلتفت لنظرتي كعادته.

“ألا يجب معالجة الإصابة؟”

“إنه مجرد خدش بسيط من الورق، ستلتئم سريعًا إذا توقفت عن لمسها. إذا كنتم تهتمون، سأضع دواءً لاحقًا.”

كم أتعامل مع الورق يوميًا، فهذه خدوش بسيطة. أجبته بلا مبالاة، لكنه هادئ جدًا بالنسبة لمن اعتاد على الألم الأكبر.

حين حاولت سحب يدي، أمسكها بقوة أكبر وتفقد جيبه. أدرك أنّني سأهرب، فأخرج شيئًا وقال بلا تردد:

“أردت تلبية طلبك قدر الإمكان، لكن لا يوجد وسيلة أفضل للعلاج الآن، فأتمنى تفهمك.”

“ماذا؟ تفهم؟ انتظر لحظة!”

بينما كنت مذهولة، فتح الرجل غطاء الزجاجة وسكب السائل الذهبي على إصبعي دون أي اهتزاز.

شاهدتُ إصبعي يلتئم فورًا ببريق خفيف، بينما كان الرجل يدفع الكتب بعيدًا بهدوء.

“سيدي، هذا ليس جرعة متقدمة، أليس كذلك؟”

“صحيح.”

“إذا قلّت الكمية، هل يبقى التأثير نفسه؟”

“…….”

صمت الرجل يعني أنّ كمية الجرعة تؤثر على المفعول.

لم أفهم كيف استخدم رجل جرعة مخصصة للإصابات القاتلة لعلاج خدش بسيط.

وأنا أرى السائل على الطاولة، خرجت مني كلمات صغيرة:

“لماذا تعاملني بكل هذا اللطف؟”

ابتسم الرجل فور سماعه، وقال:

“لأنكِ شخص مهم بالنسبة لي.”