1
دَقَّ صوتُ الطرق من خارج الغرفة.
‘آه…’
وعادةً، ألقيتُ نظرةً على ساعتي، فإذا بها تشير إلى وقت شاي الصباح المعتاد.
وعندما صدر الإذن بالدخول، دخل الخادمُ دافعًا عربة الشاي إلى الغرفة.
لم يكن عادةً هو من يُحضِر الشاي، لذا بدا متوتّرًا إلى أقصى حد، وكأنّها أوّل مرةٍ يدخل فيها المكتب.
بينما كان يُهيئ مساحةً على مكتب الدوق لوضع الأكواب، أمسك الإبريقَ بيدٍ مرتجفةٍ محاولًا سكب الشاي.
تملّكني شعورٌ بالقلق نيابةً عنه، وما هي إلا لحظات حتى أفلتت يدُه الإبريقَ، فاخترق الهواء قبل أن يسقط على الأرض.
كان الدوق جالسًا في منتصف المكتب، بينما وقف الخادم على الطرف الآخر، لذا لم يكن هناك خطر مباشر عليه.
لكن لا أحد يعلم ما قد يحدث إذا انسكب الشاي الحار أو تصادمت الشظايا.
في اللحظة نفسها، تحرّكَ الرجلُ الذي بجانبي بسرعة خاطفةٍ قبل أن يصل الشاي المغلي إلى يده، تمامًا كما لو كان يتنبّأ بالموقف.
شعرتُ بصدمةٍ عنيفةٍ وفتحتُ عينيّ فجأةً.
التقطتُ أنفاسي باضطراب، ورمشتُ عدة مرّاتٍ، فاستقبلت عينيَّ ضوءًا أزرقَ شاحبًا وسقفًا مألوفًا فوقي.
تحسّستُ بيدي ملمس اللحاف الناعم، وأدركتُ أنّني في غرفتي، لا في المكتب.
ما الذي حدث؟
قبل لحظات كنتُ هناك… المشهد تغيّر فجأة، واحتجتُ بعض الوقت لأدرك أنّ ما رأيتُه كان حلمًا.
إدراكي للحقيقة زاد ذهولي، إذ لم يكن الحلم مجرد خيال، بل كان حيًّا وواقعيًا للغاية.
“ما هذا الحلم الغريب؟”
كانت التفاصيل واضحة جدًا، لدرجة أنني لم أشكّ لحظةً في واقعيّتها.
رغم ذلك، لم يعد لديّ شعورُ النعاس، فاستيقظتُ تمامًا.
لم يكن هناك ما يُرعب، لكنّني استيقظتُ وكأنّني شهدتُ حادثًا.
تذكرت الخادمَ المرتجف، والإبريقَ الساقط، والماءَ المغلي، والرجل الذي مدّ يده لحماية الآخرين.
لم أرَ نهاية الموقف، لكنني شعرت أنّه لربّما أصيب. لم أكن معتادةً على أحلامٍ بهذه الواقعيّة، خصوصًا عن أشخاص بالكاد أعرفهم.
لو كان الحلم عن شخص مقربٍ مني، لكان أسوأ بكثير، لكن ما تركه كان شعورًا غريبًا يثير القلق والريبة.
لم يكن أكثر من ذلك.
سحبتُ الغطاء فوقي مجددًا محاوِلةً استعادة النوم، لكن بقايا الرؤيا الحيّة ظلّت تطاردني كظلّ خفيف.
الحلم كان غريبًا؛ لا هو واقعي تمامًا ولا وهمي بالكامل.
أدركتُ أنّه من ذلك اليوم بدأت الأمور تتغيّر في قصر الدوق، وبدأ عالمُ الهدوء الذي كنتُ أعيشه ينهار تدريجيًا.
كل شيء تغيّر منذ أن بدأ يظهر ذلك الرجل في أحلامي.
بعد ليلةٍ قصيرة من النوم المتقطع، وصلتُ إلى المكتب وأنا أحمل استنتاجًا بسيطًا:
‘ربّما ضغوط العمل أثّرت على أعصابي.’
لكنّني لم أزل أتساءل: لماذا رأيتُ في الحلم شخصًا يُصاب؟ ولماذا تحديدًا هو؟
حاولتُ طمأنة نفسي بأن الأمر مجرد صدفة، ورتّبتُ أفكاري وطرقتُ باب المكتب.
“سيدي الدوق، سينسيا هنا، أحضرت الأوراق التي تودّون مراجعتها هذا الصباح.”
“ادخلي.”
بدأ يومي كسائر الأيام: الدخول، إلقاء التحية، والحفاظ على ملامح هادئة.
إظهار الإرهاق قد يمنح الدوق، بطبيعته المرحة، سببًا للسخرية.
لكن اليوم كدت أنسى هذه القاعدة فور دخولي، إذ رأيتُه… ذلك الرجل الواقف خلف الدوق.
تجمّدتُ للحظة، ثم تماسكتُ. كان أحد الحُرّاس المرافقين، إذ اعتاد الدوق اصطحاب حارسٍ دائم بسبب مشاكل القصر ومؤامراته.
وبالمصادفة الغريبة، كان الحارس اليوم هو نفس الرجل الذي ظهر في حلمي البارحة.
كم تبدو الحياةُ ساخرة أحيانًا.
ابتسمتُ بتحفظ وقلتُ: “صباحُ الخير، أيّها الفارس.”
“نعم.”
اقتصرَ ردّه على كلمةٍ واحدة، دون تحية مقابلة، وهذا أمر طبيعي بالنسبة له.
جلستُ أُرتّب أوراقي وأراقبه من طرفِ عيني.
لم نتحدث يومًا خارج نطاق العمل، ولم أكن أعرف إن كان يعرف اسمي، ولم أطمح للتقرّب منه.
فهو صارم، مخيف قليلًا، كأنّ ملامحه صُوّرت من الجليد.
‘أعلم أنّ الحكم على الناس من مظهرهم ليس صائبًا، لكنّ هذا شعور طبيعي.’
كانت عيناه سوداويتين تمامًا، بلا بريق، مما يثير القلق والريبة في النفس.
نظرتُ إلى أوراقي محاوِلةً التظاهر بالانشغال، وفكّرتُ: لو جُرح هذا الرجل، فلن يُظهر ألمَه أبدًا.
لكنّ صورة الحلم عادت لتختلط بأفكاري.
‘مع ذلك، إن سكبَ الماء الحار على يده، فسيُصاب مثل أيّ إنسان.’
لم أجد تفسيرًا لرؤيته في حلمي، لكنني قررتُ المضي في عملي.
وبينما كنتُ منهمكةً في الكتابة، دَقَّ الباب مجددًا.
“ها قد جاء وقت استراحتي.” تمتم الدوق وهو يتمطّى.
نظرتُ إلى ساعتي؛ كان وقت الشاي الصباحي، تمامًا كما في الحلم.
دخل الخادم العربة، وبدت عليه العصبية نفسها.
وفجأة، اجتاحني إحساسٌ قويّ بالديجافو¹.
كلّ شيءٍ أمامي مطابقٌ تمامًا للحلم: الخادم المرتجف، الإبريق ذو النقوش نفسها، والجوّ المشحون بالصمت.
لم أستطع منع نفسي من النداء: “أيّها الفارس!”
التفتَ إليّ ببطء، عينيه السوداوين خاليتان من أيّ انفعال، كأنما استجاب لصوتي فقط.
أشرتُ بيدي إلى جانبي: “هل يمكن أن تأتي قليلًا؟ أريد أن أسألك عن أمرٍ بسيط.”
نظر إليّ الجميع بدهشة، حتى الدوق.
تقدّم الفارس نحوي بخطوات ثابتة، وعند لحظة ابتعاده عن العربة…
تحطّم الإبريق فجأة بصوت حاد!
شهقتُ، ولكن لم يُصب أحد بأذى.
نظرتُ إلى يدي الفارس، تمامًا كما في الحلم، وكان سالمًا دون أي خدش.
──── ୨୧ ────
الديجافو: هو شعور بأنّك رأيت أو عشت موقفًا من قبل، رغم أنّه يحدث للمرة الأولى.
التعليقات لهذا الفصل " 1"