كان آكسيون يرغب في فتح عينيه. لكنه لم يستطع. لم يكن جسده يطاوعه.
كان الأمر أشبه بما حدث له سابقًا عندما هاجمه إرهان في الأحراش. لكن خلافًا لتلك المرة، لم يتمكن من التنفس بشكل صحيح، مما سبب له ألمًا شديدًا.
تذكر كيف تلاشى وعيه في البحيرة. هل فشل مرة أخرى إذن؟ أي تعابير سيحملها وجه والده لو رآه على هذه الحال؟
“يا لك من أحمق.”
في الظلام، رنّ صوت والده المحمّل بالازدراء، الصوت الذي لازمه منذ طفولته، في أذنيه.
حتى أنه شعر بالامتنان لأنه لم يلتحق بالجيش الإمبراطوري وجاء إلى هنا بدلًا من ذلك. فلو فشل في التدريب بالجيش الإمبراطوري، لظل والده يحتقره طوال حياته، متهمًا إياه بتدنيس شرف العائلة.
تمنى أن يخرج من هذا الظلام بسرعة ليتنفس بشكل صحيح. فقد كان تذكره لتدريبات والده الجحيمية في طفولته يجعله يشعر بالجنون.
“كُل.”
في أحد الأيام، أحضر والده حبة دواء صغيرة وأمره.
لم يكن يرغب في تناولها خشية أن يحدث أمرٌ مرعب لو فعل، لكنه التقط الحبة ويداه ترتجفان.
“عندما يُصدر أمر، لا تسأل ولا تجادل أبدًا، بل نفّذ وحسب.”
كانت هذه الكلمات هي ما أكد عليه والده، الذي كرس حياته كلها للجيش الإمبراطوري، منذ طفولته.
بمجرد أن تناولها، أحس بدوار في رأسه وأخذ بصره يتلاشى تدريجيًا. قيل إنها حبة تحتوي على لعنة تُصيب بالعمى المؤقت.
“إذا أظهرت لي أداءً يرضيني، فسأمنحك الترياق.”
في الظلام، اخترق صوت والده البارد أذنيه.
لقد خضع لشتى أنواع التدريبات الشاقة، لكن هذا كان شيئًا لم يختبره من قبل. للتمكن من حمل السيف، تحسس محيطه بجد. وما كاد يعثر على السيف ويمسك به حتى ضربه والده بسيف خشبي.
طاخ!
عندما سقط على ركبتيه، سمع صوتًا صارمًا.
“تأرجح بسيفك مستمعًا إلى صوته!”
طاخ! طاخ!
تتابعت ضربات سيف والده الخشبي.
أصابه الخوف لعدم رؤيته أي شيء، فجثم على الأرض، ولفّ ذراعيه حول رأسه، وضمّ جسده. تمنى لو يهرب، غير مكترثٍ بصوت السيف أو أي شيء آخر.
“يا لك من أحمق.”
توقف والده عن الهجوم، وتمتم بصوت خفيض تجاهه.
ربما لأنه لم يكن يرى. كان صوته كالمعتاد، لكنه بدا أكثر وضوحًا في ذلك اليوم. ثم تبع ذلك صوت تنهيدة مليئة بالازدراء، وحتى أصوات خطواته وهو يغادر ساحة التدريب.
بمجرد أن تذكر الماضي، أحاط به اليأس والشعور بالهزيمة اللذان كان قد نسيهما بصعوبة. ظل صوت والده يتردد في أذنيه. وبدأ نفسه يضيق تدريجيًا. ألم يكن من الأفضل أن يختنق ويموت هكذا وحسب؟
“لقد اخترت الحياة على الموت. لذا أنت لست جبانًا، بل شخص شجاع.”
سمع صوت ‘تلك الفتاة’ التي أنقذته في الماضي. اشتاق إليها بجنون، تلك التي لا يعرف وجهها ولا اسمها.
هل سيموت هكذا دون أن يفي بوعده لها؟ كان أحمق كما قال والده تمامًا. ورغم كل جهوده المجنونة واليائسة بعد ذلك، بدا أنه لم يختلف كثيرًا عن طفولته العاجزة.
في تلك اللحظة، لامس إحساس غريب شفتيه. كان ملمسًا ناعمًا ودافئًا. لكنه بدا مألوفًا بشكل غريب.
“……!”
هذه بالتأكيد شفتا ‘تلك الفتاة’. لم يكن بوسعه أن ينسى أبدًا ملمس تلك القبلة التي تبادلها معها في الماضي.
هل هي بجانبي حقًا؟ لا يمكن! هذا مجرد وهم. لكن ملمس الشفتين كان حيويًا للغاية. وشيئًا فشيئًا، بدأ نفسه المكتوم ينفتح، وتضاءل الألم ببطء. لم يعد يسمع صوت والده بعد الآن.
حتى لو كان كل هذا مجرد وهم، تمنى أن يبقى معها. وبينما كان يفكر هكذا، مدّ ذراعيه لا إراديًا.
•
كانت إيليا تنفخ النفس بجدية في آكسيون الذي فقد وعيه.
انقبض!
تحركت شفتاه بصورة خافتة. شعرت إيليا بإحساس غريب بعدم الارتياح، لكنها سارعت في تقديم الإسعافات الأولية. بعد أن نفخت النفس، أبعدت شفتيها وضغطت على صدره.
ولق!
تدفقت كمية كبيرة من ماء البحيرة الذي ابتلعه من فمه. وشعرت بنبض قلب خافت، ولكنه محسوس، في صدره. صرخت بصوت يملؤه الأمل في وجوه أفراد الوحدة القلقين:
“لقد نجح الأمر! إنه حي!”
فارتسمت البهجة على وجوه أفراد الوحدة كذلك.
لم يبقَ سوى نفخة أخرى. وضعت إيليا شفتيها على شفتيه مرة أخرى. في تلك اللحظة، أحاط شيء صلب بجسدها. لقد مدّ آكسيون ذراعيه واحتضنها.
‘ما الذي أصابه فجأة؟!’
حاولت أن تسحب جسدها، لكنه احتضنها بقوة أكبر. أصبح جسداهما متلاصقين تمامًا.
ومض!
في تلك اللحظة، انفتحت عينا آكسيون الزرقاوان. نظر آكسيون إليها بصمت.
“ما الذي تفعله الآن…؟”
تمتم بتلعثم وهو يحدق بصمت في شفتيها. احمر وجه إيليا من تلك النظرة.
“كانت إسعافات أولية لإنقاذك…!”
لحظة، لماذا أبرر موقفي؟ أنا من أنقذته!
في هذه الأثناء، تجمدت تعابير وجه آكسيون بشكل غريب. هل يعقل أنني أخطأت للتو بين شفتا ذلك الرجل إرهان وشفتا ‘تلك الفتاة’؟ هناك حدود للأخطاء! شعر بالغضب والخزي من نفسه لدرجة أنه تمنى الموت. حدّق في إرهان وكأنه يوشك على قتله.
لطالما اعتبره وسيمًا، لكنه بدا اليوم أكثر وسامة لدرجة مزعجة.
“يا، هل أنت بخير الآن…؟”
“ابتعد عني!”
تراجع آكسيون إلى الخلف وصرخ ببرود.
نظرت إليه إيليا وهي لا تصدق ما تراه. لقد أنقذته، لكنه بدلًا من أن يشعر بالامتنان، راح يغضب. حتى أنها شعرت بالظلم.
‘لا بأس. شخصيته الغريبة ليست بالأمر الجديد.’
في تلك اللحظة، اقترب كيشا وثيو من الجهة الأخرى.
“ماذا يجري؟”
“لا شيء إطلاقًا!”
صرخت إيليا فور رؤيتهما، وهي تتخذ وضعية الاستعداد. قال كيشا بوجه جاد، على غير عادته:
“لقد ظهرت دوامة غير متوقعة في البحيرة. لم تكن خطيرة، وقد تمكنت أنا وثيو من السيطرة عليها، لكن البحث عن حجر الهالة في مثل هذه الظروف مستحيل، لذا تدريب اليوم ملغى. ليعُد الجميع إلى الثكنات.”
في تلك اللحظة، ترددت إيليا، وضاقت عينا كيشا.
“قائد الوحدة، ما الأمر؟”
“لدي ما أود قوله.”
“ماذا؟”
“لقد عثرت على حجر الهالة بالفعل.”
مدت إيليا حجر الهالة إليه.
ضاقت عينا كيشا. كان هذا حجر الهالة الذي ألقاه هو بالتأكيد. عندما رآه ثيو، ارتجفت عيناه.
‘هل أحضر هذا من بين تلك الوحوش؟’
علاوة على ذلك، لم تكن الوحوش وحدها، بل ظهرت دوامة مجهولة الهوية أيضًا. ورغم أن كيشا وثيو تمكنا من السيطرة على الوضع بفضل قدراتهما، إلا أنها لم تكن دوامة يمكن لأفراد هذه الوحدة تحملها.
لحسن الحظ، لم يكن هناك مصابون بجروح خطيرة بين أفراد الوحدة.
بالطبع، كان هناك العديد من أفراد الوحدة الذين تجمدت أطرافهم من تحمل البرد في البحيرة.
ولولا علاج ثيو السريع، لربما أصيبت الأطراف المتجمدة بالغرغرينا.
‘أرغب بالذهاب إلى قصر الدوق الأكبر بسرعة!’
نهضت إيليا من خيمتها وفتحت عينيها وصرخت في أعماق نفسها.
بعد خوض هذا التدريب الاستكشافي الميداني المروع، أدركت تمامًا أن التدريب باعتدال في ساحة التدريب وممارسة الأعمال التجارية للمنتجات الخاصة كان أشبه بالجنة.
على أي حال، بما أنه اليوم الرابع بالفعل، فسينتهي هذا الجحيم غدًا.
حتى أن التدريب الفعلي هو اليوم الأخير!
وغدًا، في اليوم الخامس، سيتعين عليهم المغادرة إلى قصر الدوق الأكبر في الصباح الباكر، لذا لن يكون هناك تدريب.
وكانت تنوي استخدام إذن الخروج فور عودتها.
‘أرغب في استنشاق هواء العالم الخارجي بسرعة!’
لكن الأمل لم يدم طويلًا، فقد سبقه القلق.
عادةً ما يكون التدريب الأخير هو الأشد قوة.
لو كان كيشا، فمن المرجح أنه رتب لتدريب غاية في السوء والفظاعة.
خرجت من الخيمة وأمرت أفراد الوحدة بالانتظار.
كان آكسيون أول من خرج اليوم أيضًا. عندما تلاقت عيناهما، سارع إلى تجنب نظرتها، وتجاهلته هي أيضًا.
ظهر كيشا ووزع عليهم الأسلحة ومعدات الحماية.
“خذوا.”
كان سيفًا ذو نصل حاد، وليس سيفًا خشبيًا.
لم يكن سيفًا جديدًا تمامًا، لكنه كان في حالة جيدة جدًا.
كانت معدات الحماية أيضًا قديمة ولكنها متينة.
“تدريب اليوم هو إخضاع الوحوش المقيمة في الروافد السفلية لسلسلة جبال كين.”
ضاقت عينا إيليا عند سماع تلك الكلمات.
لم تكن سلسلة جبال كين موطنًا لوحوش قوية جدًا. خاصةً في هذه الروافد السفلية.
بالطبع، كان عددها هائلًا.
ولكن في المرة الماضية، فتح كيشا بوابة واستدعى الوحوش التي تعيش هنا للتدريب، وتخلصت إيليا من معظم تلك الوحوش باستخدام الفخاخ السحرية.
وعليه، فإن عدد الوحوش المتبقية هنا لم يكن كبيرًا جدًا.
‘بالطبع، هذه المرة لن يكون كيشا قد ألقى تعويذة لمنع مهاجمة النقاط الحيوية كما فعل في المرة الماضية……’
لكنها هي وأفراد الوحدة لم يكونوا عاطلين عن العمل منذ ذلك الحين أيضًا.
لقد تطوروا بشكل ملحوظ عبر التدريبات المكثفة التي وضعها كيشا يوميًا.
حتى ذلك الجبان لينوكس أصبح بإمكانه الآن إخضاع الوحوش من الدرجة الدنيا إذا ما أُعطي سيفًا مناسبًا.
بقليل من الجهد، لم يكن البقاء هنا ليوم واحد أمرًا صعبًا.
ولم يكن من المعقول ألا يعرف كيشا هذه الحقيقة.
‘هناك شيء غريب.’
انتابها شعور بالقلق.
إنه ليس بالنوع الذي سيجري تدريبًا سهلًا كهذا في اليوم الأخير على الإطلاق.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 39"