كان آكسيون مُحتضناً بين ذراعي إرهان ووجهه مُضطرب.

 

‘كيف عرفت هذا؟’

 

على الرغم من أن رأسه كان دواراً والرؤية ضبابية بسبب النزيف الحاد، إلا أن هذا السؤال وحده كان يدور في ذهنه.

 

‘إذاً، إرهان هذا حقاً هو…’

 

في تلك اللحظة، عانقه إرهان مجدداً بجسده المرتعش.

 

التصق جسداهما ببعضهما البعض أكثر.

 

لامس تنفس إرهان أذن آكسيون.

 

في تلك اللحظة، تلاشت كل الأصوات المحيطة واختفت.

 

لم يبقَ سوى صوت تنفس الطرف الآخر وإحساس أنفاسه الحارة.

 

شعر آكسيون بإحساس مألوف ومُشتَاق إليه.

 

‘إنه مطابق تماماً لتلك اللحظة.’

 

مثلما عانقته هي تحت الجسر على النهر في طفولتهما.

 

رفع آكسيون رأسه بصعوبة ونظر إلى إرهان.

 

كان وجهه مشوّهاً لدرجة يصعب تمييزه بسبب الرؤية الضبابية الناتجة عن النزيف.

 

الشيء الوحيد الذي وقعت عليه عيناه هو خصلات شعره الأحمر التي كانت تنتشر ببطء.

 

“كيف عرفتِ أنني هنا… كُحْ!”

“لا تتكلم!”

 

صرخ إرهان بوجه مشوّه بحدة.

 

سعل آكسيون وهو يحاول بكل قوته تثبيت رؤيته.

 

‘إذا كنتِ هي حقاً.’

 

‘إذا كنتِ هي التي اشتقتُ لرؤيتها طوال هذا الوقت.’

 

أراد أن يرى هيئتها بوضوح بعينيه قبل أن يموت.

 

أليس هذا هو الوجه الذي تاق لرؤيته طوال حياته؟

 

لكن، على عكس إرادته، أصبحت جفونه ثقيلة جداً.

 

بدأ وعيه يتلاشى.

 

“أفق!”

 

صفعت إيليا خد آكسيون بيأس.

 

لم تكن حالته جيدة.

 

كانت حدقتا عينيه قد انقلبتا بالفعل إلى الخلف.

 

“أفق! افتح عينيك…!”

 

خرج صوت يائس من فمها.

 

في تلك اللحظة.

 

سُمع دوي هائل ورجّت الجبل الصخري بأكمله.

 

احتضنت إيليا آكسيون وغطّت جسدها غريزياً.

 

تأرجح جسداهما بشكل خطير، وبدأت شظايا الصخور تتساقط على ظهرها.

 

“آه!”

 

تحملت إيليا شظايا الصخور وهي تضغط على أسنانها.

 

عندما هدأت وتيرة تساقط الشظايا، رفعت رأسها بسرعة لتنظر إلى السماء.

 

اتسعت عيناها.

 

“هاها، جنون…”

 

خرجت شتيمة مرتخية من فمها.

 

•

 

“ما هذا؟”

 

تمتم كيشا وهو يلوّح بسيفه.

 

بدأ عدد الوحوش التي كانت تهاجمهم في الانخفاض بشكل ملحوظ منذ لحظات.

 

نظر إلى السماء.

 

توقفت البوابة عن قذف الوحوش.

 

ضاقَت عينا كيشا.

 

“ماذا حدث؟”

“إنها هناك!”

 

أشار ثيو، الذي ظهر فجأة، إلى مكان واحد.

 

يمكن رؤية نهاية البوابة التي انهار أحد أطرافها في سماء الجبل الصخري.

 

“لقد هاجموا البوابة مباشرة.”

 

رد ثيو بحماس على إجابة كيشا:

 

“إذا استمر الأمر هكذا، فهناك أمل. لا أعرف من فعلها، لكنها عملية رائعة. يجب أن نمنحه وساماً.”

 

أضاف كيشا ببرود:

 

“إذا انتهت هذه الحرب بسلام.”

 

فهم ثيو النبرة في صوته وأغلق فمه.

 

كان كيشا لا يزال ينظر إلى نهاية البوابة بوجه متوتر.

 

كان يعرف بغريزته، بعد خوضه معارك لا تُحصى.

 

أن أسوأ الأشياء تحدث عندما يسترخي المرء.

 

لا يمكن لهذه البوابة العملاقة أن تنهار إلى هذا الحد أبداً.

 

في تلك اللحظة.

 

اهتزت الأرض والسماء مع دوي هائل.

 

سقطت الوحوش المحيطة كلها في وقت واحد.

 

اهتز جسده وفقد توازنه.

 

وسُمع صوت عاصفة قوية من فجوة البوابة في السماء.

 

أمر كيشا الجنود على وجه السرعة:

 

“احتضنوا الصخور المحيطة!”

 

بعد أن انتهى من الكلام، احتضن هو وثيو الصخور المحيطة بهما.

 

اجتاحتهم العاصفة.

 

الجنود والوحوش المحيطة التي لم تستطع احتضان الصخور ارتفعت إلى الهواء.

 

تم سحبهم بسرعة إلى فجوة البوابة.

 

“تباً!”

 

بصق كيشا شتيمة وهو يراقب المشهد.

 

الآن، كانت البوابة تمتص كل شيء حولها بقوة شفط هائلة.

 

“بدلاً من قتلنا عبر الوحوش، قرروا المواجهة مباشرة.”

 

سرعان ما ابتلعت البوابة غالبية الوحوش التي أطلقتها.

 

لكن البوابة لم تتوقف واستمرت في الامتصاص.

 

اقتُلعت صخرة كانت هناك من جذورها.

 

“آآآآه!”

 

صاحت مجموعة من الجنود كانوا متمسكين بها.

 

وسرعان ما طاروا هم أيضاً إلى الهواء وابتُلِعوا داخل البوابة في لمح البصر.

 

لكن هذا كان مجرد البداية.

 

سُمعت أصوات صراخ من كل مكان، واختفى الجنود بالتتابع في البوابة.

 

يمكن القول إنهم فقدوا كتيبة بأكملها.

 

“قائد الجيش!”

 

صرخ ثيو نحو كيشا وهو متمسك بالصخرة.

 

كان يأمل أن يصدر أمراً في مثل هذا الموقف.

 

لكن كيشا بقي صامتاً.

 

هذا النوع من الأشياء لا يمكن حتى له ولثيو مهاجمته.

 

حتى لو اقتربا، فمع قوة الامتصاص القوية هذه، سيتم سحبهما قبل أن يتمكنا من تلويح السيف.

 

كانت هذه كارثة لا يمكن لقوتهم إيقافها.

 

كانت أسوأ بكثير من الحرب السابقة.

 

حتى لو استسلم الحلفاء واعترفوا بالهزيمة، فلن ينتهي الأمر.

 

هذه البوابة التي ستمتص كل شيء هنا ستجعل الإمبراطورية بأكملها دماراً لاحقاً.

 

“آآآه!”

 

اقتُلعت صخرة أخرى واختفى عشرات الجنود.

 

أغمض كيشا عينيه بإحكام.

 

لم يرغب في رؤية الجنود يموتون بلا حول ولا قوة.

 

“قائد الجيش!”

 

لكن لم يكن بإمكانه الاستمرار في إغماض عينيه وتجاهل الواقع إلى الأبد.

 

فتح عينيه وكأنه اتخذ قراراً وقال:

 

“ثيو، أنا ذاهب.”

 

“هاه؟”

 

أدار ثيو رأسه نحو كيشا بعيون متفاجئة.

 

كان كيشا يمسك بالصخرة بيد واحدة، وبيده الأخرى كان ينزع درعته القتالية.

 

بمجرد أن خلعها، طارت الدرع الثقيلة هي الأخرى نحو السماء كقطعة من الورق.

 

“سيدي القائد، ماذا تفعل…!”

 

لكن ثيو تلعثم عندما رأى الجزء العلوي من جسد كيشا الذي انكشف تحت الدرع.

 

اتسعت حدقتا عينيه.

 

كان جسد كيشا مغطى بالعديد من أحجار الأورا المتوهجة باللون الأحمر بحجم قبضة اليد.

 

“سيدي القائد، هذا…”

 

“أحجار أورا اللهب. لقد أعددتها مسبقاً.”

 

كان حجر أورا اللهب بحجم ظفر واحد يمتلك قوة تفجيرية هائلة.

 

لكن كيشا كان يحيط نفسه بعدد كبير من أحجار الأورا التي كانت أكبر من ذلك بكثير.

 

كيشا، المحاط بتلك الأحجار، كان بمثابة قنبلة نووية بشرية قادرة على تدمير مقاطعة بأكملها.

 

“اعتقدت أنني لن أحتاج لاستخدام هذا النوع من الأشياء.”

 

ابتسم بمرارة.

 

“أحضرتها كحل أخير لأنني لم أكن أعرف نوع الوحش الذي سيظهر. ولكن يبدو أن هذا هو الوقت المناسب لاستخدامها.”

 

حدّق كيشا في البوابة في السماء.

 

“بهذا القدر، سيسكت هذا المخلوق فمه طواعية.”

 

أدرك ثيو خطة كيشا وعارضها بشدة.

 

“هل يجب عليك فعل ذلك حقاً؟ لا بد أن هناك طريقة أخرى!”

 

رد كيشا بجدية:

 

“لا توجد طريقة أخرى. هذا هو الخيار الأفضل لمنع وقوع خسائر في صفوف قواتنا.”

 

“سيدي القائد العام! أرجوك…”

 

“ثيو.”

 

نادى كيشا عليه بهدوء.

 

“أنا أترك لك ما سيأتي بعد ذلك. وإيضاً…”

 

نظر كيشا إليه وابتسم.

 

ارتجفت عينا ثيو.

 

كانت تلك ابتسامة لطيفة لم يرها من قبل.

 

“شكراً لك على كل هذا الوقت الطويل. ولقد استمتعت بوقتي معك في الخدمة العسكرية.”

 

في اللحظة التي كان ثيو على وشك أن يقول شيئاً، أزال كيشا ذراعه عن الصخرة التي كان يمسك بها.

 

جسده المتوهج باللون الأحمر ارتفع بسرعة نحو السماء.

 

“سيدي القائد!”

 

صدح نداء ثيو الحزين مخترقاً العاصفة الهوجاء.

 

في خضم العاصفة، سمع كيشا ذلك النداء.

 

لكنه شدّ على أسنانه ونظر إلى الأعلى نحو السماء.

 

رأى الفتحة في البوابة التي كانت تتسع في الأعلى.

 

أخذ نفساً عميقاً ووضع يده على صدره الأيسر.

 

كانت هناك أكبر حجر أورا ملتصقاً هناك.

 

شعر بتوهج ناري قوي يهتز تحت إصبعه.

 

إذا ضغط على هذا، سيعمل المؤقت، وبعد ثوانٍ قليلة، ستنفجر جميع أحجار الأورا المتصلة بجسده.

 

بالطبع، سينفجر جسده أيضاً.

 

سيتحطم إلى أجزاء صغيرة لدرجة أنه لن يتم العثور على أي بقايا.

 

هل هذه هي النهاية؟

 

من المدهش أن شريط حياته لم يمر أمامه.

 

بدلاً من ذلك، تذكر الجملة التي كان يرددها يائساً طوال فترة خدمته العسكرية الطويلة.

 

‘يجب أن أصبح قوياً لحماية ما هو ثمين.’

 

“…يجب أن أصبح قوياً.”

 

كرر تلك الكلمات وضغط على حجر الأورا بإصبعه.