وفي الوقت نفسه، كان الأرشيدوق الأكبر ورئيس برج السحر يوقّعان في برج السحر على وثائق لإتمام اتفاقية تجارة الغابة الغربية.
آستر، الذي وقّع أولاً، وضع قلمه وقال. “بصراحة، لم أتوقع منكَ أن تسمح لنا باستكشاف الغابة الغربية، خاصةً وأننا لم نستطع المساعدة في حملة الإخضاع. شكرًا لموافقتكَ السريعة.” لقد كان هذا بيانًا حقيقيًا، صدر من آستر باعتباره رئيس برج السحر. لقد كان كايلانس أكثر استيعابًا مما توقّعهُ آستر. وعلى الرغم من حقيقة أن حملة الإخضاع قد تمَّ تحقيقها بالكامل من خلال جهود الأرشيدوق الأكبر، مما يمنح الإمبراطورية الحقوق الوحيدة للغابة الغربية إلّا أن كايلانس لم يُبد أي اعتراضات. لقد سمح كايلانس بالاستكشاف دون جدال وباع عددًا كبيرًا من جثث الوحوش بسعر السوق العادل. كان بإمكانه أن يطلب سعرًا أعلى بكثير، لكنه لم يفعل، لقد كان الأمر غير متوقع… على الرغم من أن كايلانس قد أرسل رسالة مكتوبة بخط اليد يُعلن فيها زيارته، إلّا أن آستر لم يتخيّل أنه سيأتي بمثل هذه النوايا الودية. من غير المُرجح أن تكون الأسئلة التي خطَّط لطرحها ممتعة، وليس أن آستر كان يتوقع شيئًا آخر. لم يكن الأمر مجرد نقص في الدعم لإخضاع الغابة الغربية. بل إن آخر لقاء لهما، بين آستر وكايلانس، انتهى بنهاية مريرة. لقد وجّه آستر ضربة لفظية لكايلانس أدّت إلى جرح عميق. لقد أخبرَ كايلانس أنه حتى في الموت، فإن آرييل بلانتيه لن ترغب في العودة إليه. آستر كان يرغب في أن يقضي كايلانس بقية حياته تحت وطأة خطاياه. لقد كان تصريحًا قاسيًا بلا رحمة، يتجاوز بكثير ما كان ضروريًا لمساعدة كايلانس في التخلّي عن مشاعره المتبقية تجاه آرييل. لم يمر سوى عام واحد منذ تلك اللحظة… من المؤكد أن كايلانس تذكر تلك الكلمات جيدًا. ومع ذلك، منذ اللحظة التي وصل فيها إلى برج السحر، لم يُظهر كايلانس أي علامة على الغضب أو الاستياء. لقد تعامل مع آستر باحترافية واحترام، وكأن شيئًا لم يحدث بينهما على الإطلاق. ظلّت نظرة آستر ثابتة على كايلانس، وكان تعبيره هادئًا ومدروسًا، بينما وقّع كايلانس بهدوء على الوثيقة النهائية. عندما وقّع آستر على الوثيقة النهائية، كان دوره كرئيس لبرج السحر قد اكتمل. الآن ليس بصفته رئيس برج السحر ولكن بصفته فردًا، خاطب آستر كايلانس ليس بصفته الأرشيدوق الأكبر سايارد، ولكن بصفته فرد أيضًا. “مع امتناني لا يسعني إلّا أن أشعر بفضول مستمر. كيف يمكنكَ مواجهتي بهدوء كهذا؟ الكلمات التي قُلتها ذلك اليوم لم تكن تافهة.” عندما انتهى كايلانس من التوقيع، واصل آستر حديثه. “هل نسيتها، السيدة بلانتيه؟” تمتم آستر في نفسه: “كلما شاهدتهُ أكثر، أصبحت الفكرة أقوى. لقد كان سلوك الأرشيدوق الأكبر الهادئ يجعل الأمر يبدو كما لو أنه قد انتقل بالفعل إلى مرحلة أخرى. وكأنه تخلص من الحزن والذنب المرتبط بالسيدة بلانتيه. ولعل هذا هو السبب الذي جعله قادرًا على قبول حملة الإخضاع والبقاء والعودة أقوى من ذي قبل.” لم يستطع آستر إلّا أن يتساءل عما إذا كان كايلانس قد ترك بالفعل آرييل عندما قرَّر لأول مرة قبول حملة الإخضاع. لم تكن هذه الأفكار المشوّهة مثل أفكار آستر، وكان يعلم أنه ليس لديه الحق في الترفيه عن ذلك. تمتم آستر في نفسه: “لقد وجّهتُ بالفعل ضربة قاسية للأرشيدوق الأكبر بكلماتي في ذلك اليوم، وكان ينبغي أن يكون هذا هو نهاية الأمر. سواء كان قد نسي السيدة بلانتيه أم لا، فهذا لم يكن من شأنه أن يُثير اهتمامي. في الواقع، بالنظر إلى الظروف، كان من الأفضل لو أن الأرشيدوق الأكبر قد انتقل إلى وضع آخر. من أجل لارييت وكذلك من أجلي. فلماذا أزعجني هذا الأمر؟” شعر آستر بغضبه يتصاعد عندما شاهد سلوك كايلانس الهادئ. لأنه تحت المظهر الخارجي الهادئ لكايلانس، لم يستطع آستر إلّا أن يرى وجه الرجل الذي تخلّى عن فايلين. لقد كان آستر يعلم أن هذه الأفكار غير منطقية، وأنها بعيدة كل البعد عن كونها طبيعية، لكن الكلمات انزلقت من شفتيه قبل أن يتمكن من إيقافها. في تلك اللحظة، وضع كايلانس القلم على الطاولة ورفع عينيه. “لم أنسَ. ولا لحظة. حتى الآن، لا تزال آرييل محفورةً في قلبي.” تحدّث كايلانس بهدوء، وكانت نظراته ثابتة بينما تصلّب تعبير وجه آستر. “هذه المعاهدة مسألة مختلفة تمامًا. وللتوضيح، لا أحمل أي ضغينة تجاهكَ یا رئيس البرج. الكلمات التي قلتها لي ذلك اليوم… ما زلتُ أعتقد أنها لم تكن خاطئة. أما بالنسبة لنقص الدعم خلال فترة الحملة، فلا ضير لدي في ذلك أيضًا. ففي النهاية، كان قراري هو المضي قدمًا دون إشراك برج السحر.” ظلت نبرة كايلانس معتدلة وهادئة. “لطالما كانت الغابة الغربية غابة طاقة ومليئة بالوحوش. وبعيدًا عن مصالح الإمبراطورية، فإن البحث الدقيق الذي يُجريه برج السحر قد يسهم بشكل كبير في تطوير السحر في جميع أنحاء القارة. لهذا السبب قرّرتُ التعامل مع هذه الصفقة مع برج السحر بطريقة تُركّز على المصلحة العامة. ولأكون صريحًا، لقد قدّمتُ تنازلات إضافية لأنني أُريد شيئًا منكَ يا رئيس برج السحر.” ضاقت عينا آستر بشكل حاد بينما كان ينظر بصمتٍ إلى كايلانس. “هل تريد مني شيئًا؟ هل يتعلّق بالأسئلة التي ترغب بطرحها؟” “نعم.” عند رد كايلانس الحازم، قبض آستر أصابعه على شكل قبضة. لم يستطع آستر فهم ما يُريده كايلانس منه. بعد كل شيء، رجل قوي مثل كايلانس، الذي أصبح الآن مُتساميًا، لم يكن لديه حاجة كبيرة لأي شيء يمكن أن يُقدّمه آستر. فكر آستر: “بالتأكيد… لم يأتِ للبحث عن أي شيء له علاقة بلارييت.” تحدّث آستر ببطء، وكان صوته هادئًا على الرغم من الشعور بعدم الارتياح الذي يتسلّل إلى صدره. “الصفقة مبرمة، فتحدّث بحرية. ماذا تُريد مني؟” أرسلت كلمات كايلانس السابقة، أنه لم ينسَ آرييل أبدًا حتى ولو للحظة، وميضًا من القلق عبر قلب آستر. ثم ردَّ كايلانس. “أُريد أن أعرف إن كانت أسطورة قلب المانتيكور حقيقية. أُريد أن أعرف إن كان ذلك المستحيل حقيقي.” “جعل الأسطورة حقيقة؟ ماذا تقصد تحديدًا…؟” لم يتمكن آستر من إخفاء ارتباكه الأولي. كان ذكر كايلانس المفاجئ لأسطورة المانتيكور بعيدًا كل البعد عما كان آستر يتوقّعه. توقّف آستر عن الكلام في منتصف الجملة ونظر إلى كايلانس، الذي ظلّ تعبيره هادئًا وثابتًا. وكأنه متأكد من عدم وجود أي سوء فهم، تحدَّث كايلانس مرة أخرى. “هل أنتَ غير مُطَّلع على أسطورة قلب المانتيكور؟” تردَّد آستر للحظة قبل أن يستعيد رباطة جأشه. أجاب بجدية. “أسطورة قلب المانتيكور… هل تقصد تلك التي تقول إنها تسمح لكَ برؤية الموتى؟” للمرّة الأولى، وميض من العاطفة عبر عيون كايلانس الهادئة المظلمة. “نعم، هذا صحيح.” عضّ آستر شفتيه في صمت، كلما طال صمته، ازداد التوتر في نظرة كايلانس، مع أن آستر لم يستطع الرد فورًا. لقد أربكت إجابة كايلانس الواضحة والحاسمة أفكار آستر. تذكّر آستر كلمات كايلانس السابقة واللحظة التي شَرعَ فيها فجأة في إخضاع الغابة الغربية. الآن، مع ذكر قلب المانتيكور، بدأت القطع تقع في مكانها… تمتم آستر في نفسه: “إن ما كان يبدو في السابق غير قابل للتفسير بشأن تصرفات الأرشيدوق الأكبر أصبح الآن منطقيًا تمامًا. لقد فهمتُ أخيرًا سبب قيامه بحملة الإخضاع. ولم يكن ذلك سعياً للموت، ولا لأنه تخلى عن السيدة بلانتيه. لقد كانت كل افتراضاتي خاطئة. لقد قبل الأرشيدوق الأكبر سايارد حملة الإخضاع من أجل البقاء على قيد الحياة للحصول على فرصة لرؤية السيدة بلانتيه مرة أخرى. لقد طاردَ قلب المانتيكور ليتمكن من إلقاء نظرة خاطفة على روحها. لقد أصبح واضحًا الآن، أنه لم ينساها، ولا حتى للحظة واحدة.” انخفض مزاج آستر. كان آستر يأمل أن يظل كايلانس مُثقلاً بالذنب والشوق لآرييل. بهذا المنطق، كان ينبغي أن يشعر آستر بالارتياح، لكن بدلًا من ذلك، شعر بثقلٍ في قلبه. على الرغم من أن كايلانس لم يعد يُذكّر آستر بالرجل الذي تخلى عن فايلين، إلّا أن القلق ظل قائمًا. لقد تلاشى غضب آستر، لكن عاطفة أكثر قتامة حلّت محلّه. شعور عميق بالحزن و… عدم الارتياح تجاه كايلانس. كان هذا القلق نابعًا من الأكاذيب التي رواها آستر لكايلانس عن آرييل. لكن ذلك لم يُثير أي شعور بالذنب أو الندم. لا يزال آستر يكره كايلانس. إن رؤية كايلانس جلبت إلى السطح أجزاء من ذات آستر كان يُفضّل عدم مواجهتها. في كايلانس، رأى آستر عيوبه الخاصة وصورة الرجل الذي تخلّى عن فايلين. وبينما أصبح تعبير آستر داكنًا، وضع كايلانس صندوقًا خشبيًا صغيرًا على الطاولة. تمَّ رفع الغطاء ليكشف عن حجر طاقة قرمزي. “قلب المانتيكور.” همس آستر بهدوء، وهو يتعرَّف على محتويات الصندوق. أومأ كايلانس برأسه. “هذا صحيح. هذا قلب المانتيكور. حالما أزلتُه، تحوّل إلى حجر طاقة مهما توسّلتُ، لم أجد أثرًا لروح.” كان كايلانس يتحدّث بثبات، وهو يُراقب آستر وهو يُحدّق بصمت في قلب المانتيكور. “هل هناك تعويذة أخرى لاستدعاء روح؟ أو ربما طريقة لاستخدام الطاقة في القلب لاستدعاء روح…؟ على أي حال، أعتقد أنكَ يا رئيس برج السحر، قد تعرف حلاً. لذا أسأل، هل يمكن أن تُصبح الأسطورة حقيقة؟” جاءت كلمات كايلانس أسرع من المُعتاد، في إشارةٍ نادرةٍ إلى الإلحاح. كان ذلك دلالة على يأسِ كايلانس، كان رئيس برج السحر أمله الأخير. تمتم كايلانس في نفسه: “كانت لدي الفرصة الوحيدة لرؤية آرييل مرة أخرى. الساحر الأقوى في الدائرة الأعلى بين الأحياء. إن كان بإمكان أحد فعل ذلك، فهو. وإن لم يستطع… فلا سبيل. من فضلك يا ربّ، دع هذه تكون الطريقة التي أستطيع أن أقابلها بها مرة أخرى.” وبينما تمسّك كايلانس بصلاته الصامتة، تحدّث آستر أخيرًا. “لا توجد طريقة لجعل الأسطورة حقيقية.” وكان جواب آستر حازمًا لا يتزعزع، ولم يُقدَّم حتى شعاعًا من الأمل. تعابير وجه کایلانس التي كانت ثابتة في السابق اضطربت. آستر، الذي رفع بصره بالفعل عن حجر الطاقة، التقى الآن بعيون كايلانس المضطربة بنظرة ثابتة. بصوتٍ باردٍ وقاطع، وجّه آستر الضربة النهائية. “الأسطورة المُرتبطة بقلب المانتيكور غير صحيحة منذ البداية.”
♣ ملاحظة المترجمة: في كل مرة أُترجم مشهد لآستر وكايلانس يكون الأمر أشبه بكونهما يتبارزان، كيف يُصبح النقاش بالكلمات كالشفرة… آستر وكايلانس، صراع العمالقة. من تُفضّلون، آستر أو كايلانس؟
التعليقات لهذا الفصل " 89"