في تلك اللحظة، قفز كايلانس، الذي كان مُتجمّدًا مثل التمثال. كأنه استيقظ من لحظةٍ ثابتة، أدار كايلانس رأسه ببطء.
وبالفعل، في اللحظة التي نادى فيها ديريل باسمه استعاد كايلانس وعيه. أدرك كايلانس أن الفضاء الفرعي قد انكسر وأنه عاد إلى العالم الحقيقي.
“صاحب السمو إصابتكَ…”
توقف ديريل عن الكلام بتعبير مؤلم، عندما لاحظ جرحًا كبيرًا لم يكن مرئيًا من مسافة بعيدة. جرح عميق يمتد من كتف كايلانس الأيمن إلى لوح كتفه، كان هذا الجرح هو الذي تسبّب في سقوط درع الكتف على الأرض.
أخرج ديريل على الفور جُرعة العلاج من الحقيبة الموجودة عند خصره.
“هذه الإصابة خطيرة. يجب أن تشرب هذا الدواء فورًا…..”
“كل شيء على ما يرام.”
لكن كايلانس رفض بشدة جرعة الدواء التي عرضها ديريل.
“ولكن سموّكَ…”
أراد ديريل أن يقول المزيد، لكن كايلانس نهض ببطء، ثم ناول ديريل ما كان يُمسكه. تمَّ وضع حجر ثقيل في يد ديريل. جوهرة حمراء تتوهج ببريق.
“هذا هو…”
عندما اتّسعت عينا ديريل، أجاب كايلانس.
“إنه قلب المانتيكور. حالما أزلتُه، تحوّل إلى هذه الجوهرة. احتفظ به يا ديريل.”
“كيف لي أن أحتفظ بمثل هذه القطعة الثمينة؟ إضافة إلى ذلك، إنها أثمن جائزة حصلتَ عليها من المانتيكور. جلالتكَ أرجوكَ، استرجعها.”
تحدّث ديريل بسرعة، لكن كايلانس هزّ رأسه.
“لم أعُد بحاجة إلى ذلك.”
“ماذا؟”
رأى ديريل يأسا عميقًا في عيني كايلانس.
حينها فقط ظهر ثقل اليأس على وجه كايلانس.
عند رؤية هذا، لم يكن أمام ديريل خيار سوى البقاء صامتًا. فكر: “لقد هزم سيدي المانتيكور القديم واستولى على قلبه، جائزة الأسطورة. ولكن لماذا؟”
لم يستطع ديريل أن يفهم، لكن كايلانس كان يُحدّق فقط في الجوهرة الحمراء بتعبير فارغ.
كان الحجر يتوهج بشكل أكثر كثافة في غروب الشمس، وكان يشبه إلى حد كبير آرييل لدرجة أن قلب كايلانس كان يؤلمه بشدة.
لقد ناضل كايلانس من أجل حياته وانتصر، لكنه لقيَ اليأس. كان الأمر مُثيرًا للسخرية، لكن هذا هو الواقع الذي كان على كايلانس مواجهته. لم يُخاطر كايلانس بحياته من أجل قلب المانتيكور نفسه، بل من أجل الحصول عليه من أجل مقابلة امرأة واحدة…
تردّدت الكلمات التي نطق بها المانتيكور قبل أن يُمزّق كايلانس قلبه في أذنيه.
[تأخذ قلبي للقاء الموتى، كم أنتَ أحمق، لقد ضاعت قوتكَ. لن تحصل أبدًا على ما تُريد. في النهاية، قد أكون أنا الرابح في هذه المعركة.]
تردّد صدى ضحك المانتيكور الساخر في جميع أنحاء الكهف، وكان هذا هو الصوت الأخير الذي أصدره. لقد قطع سيف كايلانس قلب المانتيكور.
كان كايلانس يُمسك بقلبه المانتيكور الذي لا يزال ينبض، وكان يُصلّي بحرارة. لقد كان يتوق لرؤيتها مرة أخرى… في جنونه، نادى كايلانس باسم آرييل. ولكن مهما حاول مُناداتها يائسًا، لم تظهر آرييل.
حتى عندما تحوّل القلب إلى حجر وتسرّب إليه الدم البارد، لم يعثر كايلانس على آرييل في أي مكان. الآن وقد عاد كايلانس إلى الواقع، كانت النهاية حقًا. وكما قال المانتيكور، لن ينال ما يريد أبدًا.
لقد كان هذا آخر أمل لهُ في مُقابلتها…
تمتم كايلانس في نفسه: “هل حقًا لن أراها مرة أخرى؟ منذ اليوم الذي ابتلعتُ فيه السم، لم تظهر آرييل حتى في أحلامي. هل كان ذلك لأنني لم أتمكن من العثور على الجاني الحقيقي بعد وكانت غاضبة مني؟ لو وجدتُ الجاني، هل سأكون قادرًا على رؤيتها مرة أخرى، حتى في أحلامي؟”
لقد كان كايلانس يعلم أن هذا مُجرّد هوس، لكن الشوق العميق الذي شعر به كايلانس تجاهها كان شيئًا لا يستطيع التخلّص منه. بدلًا من أن يتلاشى شوقه لها مع مرور الوقت، فإنه أصبح أقوى. لكن الواقع ظل باردًا وغير مُتسامح، وكأنه لم يُعطيه الحق في افتقادها.
“صاحب السمو؟”
نادی دیريل عليه بهدوء.
رفع كايلانس نظره. انتهت أفكاره الحزينة في تلك اللحظة.
مع نظرةٍ ثابتة، أعطى كايلانس أمره.
“ارفع المفرقعات النارية حتى يعرف حُراس الغابة أن عملية القمع كانت ناجحة.”
“نعم.”
بعد صمتٍ قصير، أطلق ديريل مفرقعات نارية في السماء.
ثم بعد لحظات أضاءت شرارات زرقاء السماء. أطلقت المفرقعات النارية تعبيراً عن النصر، وهتف الجنود الذين شاهدوها بصوت أعلى.
“كافٍ.”
دوى صوت كايلانس العميق في الهواء.
اختفت الهتافات التي ملأت الغابة كما لو كانت كذبة. التفتت عيون كل فارس وجندي إلى كايلانس. كانت عيون الفرسان والجنود مليئة بالحماس، وكادت أن تنفجر بالطاقة.
بصفته الجنرال الأعلى، أعطى كايلانس الأمر الأخير للمعركة. الأمر الذي كان الجنود ينتظرونه.
“انتهت المعركة وانتصرنا. لذا، على جميع القوات العودة إلى ديارها.”
لقد كانت نهاية معركة لن ينساها كايلانس أبدًا، معركة النصر، ولكن من دون مجد.
في ظلامٍ عميق لا يمكن اختراقه، وقفت لارييت، وهي تومض ببطء.
“أين هذا؟”
وبينما تلاشى صوتها الناعم في الظلام، تردّد صدى شهقة خفيفة من مكان ما.
على الرغم من أن الصوت كان يمكن أن يكون مُخيفًا في الظلام، إلّا أن لارييت لم تكن خائفة على الإطلاق. بدلاً من الخوف، كان صوت صراخ الرجل المتزايد يجعل قلبها يؤلمها بشدة.
“آه…”
كان اليأس والألم في صرخة الرجل العميقة الحزينة شديدًا وعميقًا. وبينما ملأ صراخ الرجل، الذي كان يضغط على صدر لارييت، الظلام، بدأ الظلام الذي كان من المستحيل اختراقه في التلاشي. بدأ الجليد بالظهور تدريجيًا. في البداية ظنت لارييت أنه الأرض، لكن مع انقشاع الظلام، أدركت أنها تقف على بحيرةٍ مُتجمّدةٍ شاسعة، ولم يكن بعيدًا عنها كان هناك رجل.
كان الرجل راكعًا على البحيرة المُتجمّدة، ومُنحني جسده وهو يبكي. تسرّبت الدموع التي ذرفها الرجل إلى سطح البحيرة المُتجمد، ونشرت ضوءً باردًا متلألئًا عبر الجليد.
وبينما كانت لارييت تُراقب الرجل فهمت غريزيًا.
كان الجليد الذي غطّى هذه البحيرة الواسعة مصنوعًا من دموع الرجل. لقد شكّلت الدموع التي لا تُعد ولا تُحصى التي ذرفها الرجل البحيرة الضخمة، وجمّدها حزنه فتحول سطحها إلى جليد.
كانت لارييت بلا كلام. لم تستطع حتى أن تتخيّل عدد الدموع التي ستملأ بحيرة ضخمة كهذه.
“كم يجب أن يكون عميقًا حزن هذا الرجل حتى يبكي بشدة، غير قادر حتى على رفع رأسه؟ ماذا كان يمكن أنه فقدَ حتى يبكي كثيرًا؟ ولماذا يؤلمني قلبي بشدة عندما أنظر إليكَ؟ مَن أنتَ حقًا؟ ما هو دوركَ في حياتي حتى تظهر في أحلامي وتبكي هكذا؟”
عندما شعرت لارييت بألم حاد في صدرها، أدركت أن كل هذا كان مُجرّد حلم. تردّدت صرخات الرجل المليئة باليأس عبر الصمت. لم تكن المرة الأولى التي رأت فيها لارييت ذلك.
“لقد أنقذتكَ من الظلام، فلماذا تستمر في الظهور في أحلامي، تبكي هكذا؟ لماذا؟ بغض النظر عن مدى جهدي في البحث في ذكرياتي، لا أستطيع أن أتذكّر أي شيء. هل نسيتكَ حقًا بسبب الحادث؟ إذا كنتُ قد فقدتُ كل ذكرياتي عنكَ حقًا… فلماذا لم تأتي للبحث عني؟ كان بإمكانكَ أن تأتي إليَّ أولاً. لماذا أنسى كل شيء عنكَ عندما أستيقظ من هذا الحلم؟”
تسابقت العديد من الأفكار في ذهن لارييت، لكنها عرفَت… لم يكن هناك ما يمكنها فعله في هذا الحلم.
وبعد فترة مُعيّنة، لم تعد لارييت قادرة على التصرُّف في الأحلام التي ظهر فيها الرجل. على عكس عندما أنقذتهُ في المرة الأولى، أو عندما اقتربَت منه في الغابة، لم تعد قادرة على فعل أي شيء الآن. وخاصة عندما بكى الرجل يائسًا في الحلم. لقد كان الأمر كما لو كانت مُقيّدة، غير قادرة على الحركة، وواقفة في مكانها كما لو كانت مُثبّتة في مكانها.
فجأة، أصبح تنفس لارييت متقطعًا. ازداد ألم صدرها حدّة. وضوح الألم يعني أن الوقت قد حان للاستيقاظ من الحلم، وسوف يرفع الرجل رأسه قريبًا.
في تلك اللحظة، تستيقظ لارييت من الحلم وتنسى أمر الرجل تمامًا. لن يبقى في أذنيها سوى صوت بكائه الحزين.
“إلى متى سيستمر هذا؟”
ثم كما هو الحال دائمًا، دموع الرجل المُتجمّدة تتدحرج وتتوقف عند قدمي لارييت. في الوقت نفسه، بدأ الجليد يتشقّق. بدأت الشقوق تحت قدميها، وسرعان ما امتدّت إلى حيث كان الرجل يقف. وكأنه في حالة ترقُّب، رفع الرجل رأسه ببطء. بدأت رؤيتها تتشوّش.
ثم حدث شيء لم يحدث من قبل… وميض من الضوء الأحمر جاء من يد الرجل. لقد كان شيئًا لم تراه لارييت أبدًا في أي من أحلامها. انتشر الضوء الأحمر عبر الجليد وتحرّك ببطء نحوها. عندما لامس قدميها شعرت بجسدها أخف. لقد اختفى الشعور الثقيل الذي كان يُثقل قدميها، وكأنها كانت مُقيّدة عندما ارتفعت عن الأرض.
“آه.”
أطلقت لارييت نفسًا مرتجفًا وبدأت بالركض نحو الرجل. استطاعت أن تشعر بالجليد يتشقّق تحت قدميها، لكنها لم تتوقّف. صرخت غرائزها بأن هذه كانت فرصتها الوحيدة للوصول إليه. تحطّم الجليد بسرعة، لكن لارييت أبقَت عينيها للأمام، رافضةً النظر إلى الأسفل. وبينما كانت رؤيتها ضبابية، عضّت شفتها السفلية، لامس طعم الدم لسانها. عندما رفع الرجل رأسه أخيرًا، تسارع قلبها، كأنه سينفجر.
“أبعد قليلاً، أبعد قليلاً. أريد أن أعرف مَن أنتَ. أُريد أن ألمسكَ. من فضلكَ فقط…”
في تلك اللحظة، وبينما كان صدى توسّلاتها اليائسة يتردّد، التقت عيون لارييت بعيني الرجل. فتح الرجل شفتيه، وعندما كانت يدها على وشك الوصول إلى يده انهارت الأرض تحت قدميها. غرقت هي والرجل في البحيرة، كانت تتخبط، لكن الرجل ظلّ يبتعد. لا شك أنه كان حلمًا، لكن الماء المُتجمّد غمر عنقها ووجهها، فخنقها.
عندما بدأت قوة لارييت تتلاشى شعرت أنها فقدت السيطرة.
التعليقات لهذا الفصل " 81"