لم يكن كايلانس متأكدًا إن كان حلمًا أم في الحياة الآخرة. التقى بآرييل هناك، ورغم استيقاظه فقد فقد وعيه مجددًا على الفور من شدّة الألم. ولكن هذه المرة لم تكن هناك أحلام. كأن كايلانس استيقظ للتو من نوم عميق، فتح عينيه بسهولة هذا الصباح. ولم يعد جسده يؤلمه. لم يكن هناك أي ألم، بل شعر كايلانس بالانتعاش كمَن نام ليلًا. لقد كان ذلك كافياً تقريبًا لجعله يتساءل عمّا إذا كان قد تناول السم القاتل حقًا… لقد توقّع كايلانس النتيجة.
كان كايلانس يتوقّع من الطبيب الإمبراطوري أن يُعلن أن جسده في حالة صحية غير طبيعية.
في الحقيقة، لو لم يكن لوييل، الذي انفجر في البكاء في اللحظة التي فتح فيها كايلانس عينيه واستدعى كل طبيب في القصر، لما كان كايلانس قد اهتمَّ بإجراء الفحص على الإطلاق.
وبعد كل هذا، ومع سنوات خبرته كفارس كان كايلانس يعرف جسده أفضل من أي شخص آخر.
توجّه كايلانس إلى الطبيب الإمبراطوري.
“لقد اجتهدتَ كما ترى، أنا بخير تمامًا، لذا يرجى العودة إلى جلالته. لا بد أنه قلق للغاية.”
“نعم، جلالتكَ. جلالته قلق عليكَ للغاية. لذا، إن سمحتَ لي أن أكون جريئًا، أتوسّل إليكَ، من فضلك لا تتخذ مثل هذه القرارات المتهورة مرة أخرى. إن استيقاظكَ بهذه الحالة الصحية الممتازة ليس بفضل مهاراتي الطبية، بل هو حقًا معجزة من السماء. من فضلك لا تُضيّع الفرصة التي أعطتها لكَ السماء.”
لقد حملت كلمات الطبيب الإمبراطوري وزناً ثقيلاً.
أجاب كايلانس بجدية.
“لن يتكرّر هذا. أقسم باسم سايارد.”
لم يحمل اسم سايارد شرف كايلانس فحسب، بل إرث أسلافه أيضًا. كان وعده صادقًا.
“سأثق بذلك يا صاحب الجلالة. ورغم أن حالتكَ الصحية الحالية رائعة بالفعل، سأُعطيكَ، كإجراء احترازي، منشطًا لمساعدتكَ على التعافي. يُرجى تناوله يوميًا، دون انقطاع، لمدة أسبوعين قادمين.”
“بالطبع.”
“ثم سأغادر.”
غادر الطبيب الإمبراطوري الغرفة مع كبير الخدم والخدم الآخرين تاركًا كايلانس بمفرده مع لوييل وديريل.
الآن لم يبق سوى ثلاثة في غرفة النوم. تجنّب كايلانس بمهارة نظرات تابعيه الأكثر ولاءً، واللذين يُشار إليهما عادة بذراعيه الأيمن والأيسر. لأنه شعر بالأسف عليهما حقًا.
كان قرار كايلانس أنانيًا. فرغم أنه حرص على أن يكونا في وضع جيد وآمن في غيابه، إلّا أنه لم يكن في النهاية سوى ذريعة مقنعة. فقد خدمه هذان الرجلان بإخلاص لأكثر من عقد من الزمان. بغض النظر عن مدى جودة الأدوار أو المناصب التي عرضها كايلانس عليهما، فإن خسارة السيد الذي أقسما على الولاء له كان سيترك ثقلًا ساحقًا من الذنب والندم لهما وفراغًا لا يُطاق. خاصة بالنسبة لديريل، ذنب عدمه حماية سيده كان سيطارده لبقية حياته.
ومع ذلك، ومع العلم بكل هذا… لا يزال كايلانس يختار آرييل. ولكنه كان قد أدار ظهره لإخلاصهما، وقال لنفسه أنهما سوف يستمران في حياتهما بدونه بطريقة أو بأخرى… لقد كان عملاً جباناً.
في اللحظة التي شرب فيها كايلانس السم، كان قد استهلکهُ خوف شدید لدرجة أنه لم يستطع التفكير في أي شخص آخر. عالم بدون آرييل، عالم لا يستطيع حتى أن يطلب منها المغفرة، كان من غير المحتمل لكايلانس الاستمرار في الوجود في مثل هذا المكان.
لكن الآن بعد لقاء آرييل، حتى لو كان مجرد وهم، والاستيقاظ مرة أخرى، عاد عقل كايلانس. ولذلك لم يتمكن من إجبار نفسه على مقابلة نظراتهما.
وبينما ساد الصمت الثقيل الغرفة، كان صوت ديريل هو الذي كسر الصمت.
“إنه لمن دواعي الارتياح حقًا أن أراكَ مستيقظًا وآمنًا، يا صاحب السمو.”
كان هناك ارتعاش طفيف في صوته العميق.
لم يفوّت كايلانس الارتعاش الطفيف، فرفع عينيه ليلتقي بعينيه. هذه المرة تجنّب الرجلان النظر إليه، وأخفضا رأسيهما، لقد أخفيا دموعهما.
نظر إليهما كايلانس وقدَّم اعتذارًا صادقًا.
“أنا آسف لن أختلق أي أعذار. كنتُ جبانًا وأنانيًا. لكن أعدكما أنني لن أتخذ مثل هذا القرار الأحمق مرة أخرى.”
في الوقت الحالي كان لدى كايلانس هدف لتحقيقه.
كان كايلانس يتحدّث ببطء، وكان صوته ثقيلًا بالندم.
“لذا، من فضلكما سامحاني.”
في تلك اللحظة، رفع لوييل رأسه فجأة.
“نُسامحكَ؟ أرجوك لا تقل هذا! كل هذا حدث لأننا لم نخدمكَ كما هذا خطؤنا ينبغي…”
“لا يا لوييل، كل هذا خطئي. لذا أرجوك لا تجعلني أكثر دناءة.”
وبينما كان لوييل يتردّد، وكانت شفتاه ترتجفان كما لو كان يكافح من أجل إيجاد الكلمات، كان ديريل هو من أجاب.
“نعم يا صاحب السمو أنا أُسامحكَ.”
“ديريل…”
ألقى لوييل نظرة على ديريل، جعلته يصرخ: “هل أنتَ مجنون؟”
ولكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء، نادى كايلانس باسمه.
“لوييل. انسَ الرتبة للحظة.”
لوييل، الذي كان يُحدّق في كايلانس بعيون مرتجفة، صفّى حلقه وكان صوته منخفضًا وخافتًا وهو يجيب.
“عندما فتحتَ نعمتكَ عينيكَ، كنتُ قد سامحتكَ بالفعل.”
كانت الإجابة مميزة جدًا بالنسبة للوييل لدرجة أن كايلانس لم يستطع إلّا أن يضحك.
و بينما تجمّد لوييل وديريل في مكانهما، مندهشَين من ابتسامة سيدهما النادرة، سأل كايلانس سؤالاً.
“قلتَ أنه قد مرَّ عشرة أيام منذ أن انهرتُ؟”
“نعم، جلالتكَ.”
أجاب ديريل.
ولكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء آخر، قاطعه لوييل بسرعة.
“جلالتكَ، إن كنتَ تفكر بالعودة إلى العمل فورًا، فلا تفعل. قال الطبيب الإمبراطوري إن احتمال الانتكاس وارد دائمًا. يجب أن ترتاح تمامًا خلال الأسبوعين التاليين أثناء تناول الدواء….”
“هناك شيء يجب أن أفعله.”
قاطعه کایلانس واختفت الابتسامة الخافتة من وجهه.
“إذا كان الأمر يتعلّق بتحضير الشمال لفصل الشتاء، فيمكنني أنا وديريل التعامل مع الأمر…”
“لا، ليس هذا سأُعيد التحقيق في كل شيء. لأكتشف من قتل والديّ حقًا، وأكشف الحقيقة وراء وفاة ماركيز بلانتيه.”
“بلانتيه.”
جعل الاسم عيني لوييل وديريل تلمعان من القلق. كان الأمر طبيعيًا. كانا قلقين، خائفين من أن كايلانس ما زال غير قادر على التخلّي عن آرييل. أن يدفعه هوسه إلى الجنون مجددًا، أو الأسوأ من ذلك، أن يدفعه إلى تجربة شيء دراماتيكي مرة أخرى.
لقد كان كايلانس مستيقظًا لمدة أقل من يوم. ولكنه لم يكن ينوي الموت حقًا.
تمتم كايلانس في نفسه: “كما قالت آرييل، لا يمكنني أن أموت دون أن أعرف شيئًا. لا، لا يمكنني. كان عليّ أن أكتشف الحقيقة حول الجاني الحقيقي وراء وفاة والديّ، وأُبرّئ اسم الماركيز بلانتيه الذي توفي بسبب سوء فهمي. كنتُ سأفعل ما تبقّى من العمل في هذا العالم. وبعد ذلك، أعيش بهدوء، مكرسًا نفسي للأشياء التي يمكنني القيام بها من أجل هذا البلد وعائلة بلانتيه حتى تأتي نهاية حياتي بشكل طبيعي. لأنها قالت لي ألّا أموت جبانًا.”
لكن شرح كل هذا للاثنين اللذين أمامه سوف يستغرق وقتًا طويلًا، وكان هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن على كايلانس القيام به، سيتعيّن عليه إثبات عزيمته بالعمل.
أعطى كايلانس لوييل وديريل أوامره.
“لوييل، في القبو الأول، خلف لوحة رويمانغ، توجد خزنة مخفية. سأُعطيكَ المفتاح، أحضر جميع الوثائق المتعلقة بحادث عربة والديّ من تلك الخزنة إلى مكتبي.”
“مفهوم.”
“يا ديريل، اذهب إلى أقصى الشرق، إلى ضيعة هيكستون، فورًا. ابحث عن أي شخص يعرف ديوبيك، اعرف ما فعله، أي نوع من الأشخاص كان، وهل تحدّث يومًا عن عائلة الأرشيدوق الأكبر. اعرف كل شيء.”
“كما تأمر.”
وبعد أن أصبحت أوامره واضحة، غادر لوييل وديريل الغرفة.
نهض كايلانس من سريره وتوجّه إلى غرفة الملابس. ارتدى ملابسه الرسمية وخرج من غرفته.
تمتم كايلانس في نفسه: “سوف أُعيد التحقيق في كل شيء من البداية. وسوف أجد الجاني الحقيقي. حينها فقط يمكن أن تظهر الحقيقة بشأن الموت الظالم للماركيز بلانتيه. لا بد أن يكون الشاهد الكاذب الذي اختلق تلك الحادثة، هو الجاني الحقيقي. لماذا يريد أي شخص قتل ماركيز بلانتيه؟ القاتل الحقيقي فقط هو الذي يعرف الإجابة. ولذا فإن العثور على الجاني الحقيقي كان السبيل الوحيد لكشف خيوط هذا اللغز المعقدة.”
مع نظرة مُصممة على وجهه شقّ كايلانس طريقه إلى مكتبه.
وفي نفس الوقت في برج السحر. في مختبر الأحجار السحرية الذي تمّ إنشاؤه حديثًا، وقفت لارييت بمفردها على مكتبها. بالطبع، لم تكن الوحيدة في المختبر. أما الآخرون فقد ذهبوا لتناول الغداء، حيث كان ذلك وقت استراحتهم.
لقد دعوا بالطبع لارييت للانضمام إليهم، لكنها رفضت. لم يكن لديها شهية اليوم. بسبب الحلم الغريب الذي حلمته الليلة الماضية. في حلمها، أنقذت لارييت رجلاً.
رجلٌ مُستلقي في ظلام دامس. قادته لارييت إلى مكان مشرق بنور ساطع. لقد شعرت وكأنها يجب عليها أن تفعل شيئًا. هذا صحيح. لم تكن لارييت تعرف الرجل من الحلم. ومع ذلك، وللغرابة لم تستطع لارييت تركه هناك… شيء ما في سكون عينيه المغلقتين جعل صدرها يؤلمها.
“إذًا…. لقد أنقذتهُ. لكنني لا أستطيع أن أتذكر وجهه.”
على الرغم من أنها بذلت كل هذا الجهد لإنقاذه، إلّا أنها عندما استيقظت من الحلم، لم تستطع أن تتذكر وجهه على الإطلاق. استطاعت لارييت أن تتذكر كل شيء آخر، لكن وجه الرجل كان فارغًا كما لو أن شخصًا ما قام بطلائه بالحبر الأسود.
حاولت لارييت أن تتذكر وجهه مرة أخرى، ولكن ربما لأنها كانت تُركز بشدة، شعرت بألم حاد مفاجئ في رأسها.
“آه…”
وبينما كانت تعبس وتضغط بأصابعها على صدغها، ناداها صوت قلق بشكل عاجل.
“ما الأمر؟ هل أنتِ مصابة؟”
كان صوتا مألوفًا. أنزلت لارييت يدها من على جبينها وأدارت رأسها. كان صوت آستر، وعيناه مليئتان بالقلق.
“أنا بخير يا أخي.”
ابتسامتها الخفيفة خفّفت من تعبير آستر المتوتر سابقًا.
“إذا كان هناك خطب ما، فلا تُخفيه، بل أخبريني فورًا. لقد أخبرتكِ مرارًا وتكرارًا الحادث الذي تعرّضتِ له لم يكن بالأمر الهين. آه….”
“يجب أن أكون حذرةً دائمًا، فقد تكون هناك آثار جانبية.”
أنهت لاربيت الجملة التي كان آستر على وشك أن يقولها.
سمعته يُردّدها مرات عديدة حتى كادت أن تحفظها. نظرت لارييت إلى آستر، الذي ارتفع حاجباه بانزعاج طفيف، وأطلقت ضحكة خفيفة.
لقد كان مشهدًا لا يمكن تصوّره في الماضي. لمقاطعة رئيس برج السحر في برج السحر في منتصف الجملة والضحك على تعبيره المنزعج، لا أقل. لو شهد أي سحرة آخرين ذلك، لكانوا قد صُدموا تمامًا. لكن لارييت لم تكن مثلهم.
لقد كانت لارييت الأخت بالقَسَم لرئيس برج السحر.
في اليوم التالي لتسجيل لارييت رسميًا في برج السحر، أخبرها آستر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 70"