ولكن ليس كل ما قالتهُ آرييل كان صحيحًا. لم يكن كايلانس يظن أبدًا أن آرييل ستكون سعيدة برؤيته مرة أخرى، ولم ينسَ ولو للحظة ما فعله بها. وحتى الآن ما زال يتذكرها بوضوح.
ابتعد كايلانس عن النهر. وببطء، ركع على الأرض.
“معكِ حق. كنتُ أنانيًا وانتحرتُ بسبب ذلك. افتقدتكِ كثيرًا، لم أعد أتحمّل. لم أكترث إن اضطررتُ للموت، أردتُ فقط رؤيتكِ مجددًا ولو لمرة واحدة. لكن آرييل….”
لم تجيب آرييل على كلماته فقط حدّقت فيه ببرود، لكن كايلانس استمرّ في التحدّث بهدوء.
ربما، كانت هذه هي اللحظة الوحيدة التي كان كايلانس يتمنّى حدوثها بشدّة.
“لم أنسَ خطاياي قط، ولا لحظة. ما فعلتهُ بكِ، وما سلبتهُ منكِ…. فكرتُ فيه كل يوم، مرارًا وتكرارًا، وندمتُ عليه. كنتُ أحمقًا. لم يقتل الماركيز والدي… بل أنقذهُ لكنني، وقد أعماني الانتقام، كنتُ جاهلًا جدًا لأرى الحقيقة. كان كل ذلك خطئي. لم يرتكب الماركيز أي جريمة. لقد أخطأتُ. آرييل، أنا آسف جدًا.”
عضّ كايلانس شفتيه ليكبح جماح الصراخ الذي هدّد بالاندلاع. ولكن مرة أخرى، لم تصدر آرييل أي رد.
رغم محاولته كبت مشاعره، خنقهُ التأثر. أراد كايلانس أن يرمي نفسه أرضًا، يصرخ بيأس، يتوسّل إليها بكل كيانه طلبًا للمغفرة.
لكن كايلانس لم يستطع فعل ذلك، خوفًا من أن يُثقل كاهل آرييل. بعد كل هذا، فهو لم يأتي إلى هنا ليطلب منها المغفرة.
“لستُ هنا لأطلب المغفرة. كيف أجرؤ على طلبها؟ أنا ببساطة… لا أريد أي ضغينة باقية في قلبكِ. أخشى أن تُلطّخ مشاعركِ الملتوية، مثلي روحكِ. لهذا السبب أتيتُ، لأعتذر. أنا آسف يا آرييل. أعلم أن هذا لن يُغيّر شيئًا، لكنني سأقبل أي عقاب إلهي ينتظرني. سواء أكان نار جهنم أم ظلامًا أبديًا، سأتحمّل كل شيء. سأدفع ثمن خطاياي، لذا أرجوكِ يا آرييل….”
صوت كايلانس كان يرتجف. كانت هذه هي الكلمات الأخيرة التي أراد أن يقولها لآرييل. وبمجرد أن نطق بهذه الكلمات، عرف أنه سيضطر إلى تركها.
تمتم كايلانس في نفسه: “لن ترغب في رؤيتي مرة أخرى أبدًا.”
ابتلع كايلانس بصعوبة، وأجبر شفتيه الثقيلتين على التحدّث.
“آرييل، أرجوكِ… لا تتمسكي بأي مشاعر سلبيّة. ابحثي عن السلام….. أرجو أن ترتاحي إلى الأبد في جنة الله.”
بكل ما أوتي من قوة، قال كايلانس كلماته الأخيرة.
لو لم تقاطعه آرييل.
“سلام؟”
تموّجت ضحكتها الساخرة فوق صوت الماء اللطيف. عندما رفع كايلانس عينيه، انحنت شفتي آرييل في ابتسامة ساخرة.
“أرحل بسلام، لا ضغينة؟ كيف لي أن أفعل ذلك؟ لم يُكشف شيء.”
“ماذا…؟”
عبّست آرييل، وكأنها في حيرة حقيقية من ارتباك كايلانس.
“قلتَ إن والدي لم يقتل والديكَ. فمن قتلهما إذًا؟ من هو الجاني الحقيقي؟”
ارتجفت عيون كايلانس المظلمة.
“أنا… أنا…..”
“وموت والدي هل كان انتحارًا حقًا؟”
وكان هذا هو نفس السؤال الذي سأله الإمبراطور.
هزّ كايلانس رأسه.
“لا. ربما لفّقتُ أدلة على الخيانة ودمّرتُ سُمعة الماركيز، لكنني لم أؤذه مباشرة قط. أردتُ محاكمته. لكن قبل يوم واحد فقط من التحقيق… لم أتخيّل قط أن الماركيز، الذي أنكر كل شيء بإصرار سينتهي به المطاف ميتًا….”
أصرّ كايلانس على أنه لم يقتل الماركيز بلانتيه، وتوقّف فجأة في منتصف الجملة.
لقد خطرت في ذهن كايلانس فكرة حادّة ومُزعجة: “أنكر الماركيز كل شيء بشدّة. وأعلن براءته. ثم….”
تذكر كايلانس النظرة التي كانت على وجه الماركيز بلانتيه عندما رآه آخر مرة. تمتم في نفسه: “لقد كان الماركيز بلانتيه ساخطًا وغاضبًا.”
نعم، كان كذلك، ولكن ليس إلى حد اليأس. لم يبدو عليه الهزيمة الكافية لإنهاء حياته. ولم يبدو عليه الاستسلام التام. على أي حال، بدا وكأن الماركيز بلانتيه كان يقاتل لإثبات براءته في المحكمة.
فكر كايلانس: “ومع ذلك الماركيز… انتحر؟ شيئ ما… لم يكن منطقيًا. ماذا فاتني أيضًا؟”
عندما توقفت أفكار كايلانس، تحدّثت آرييل، وكان صوتها مليئًا بالحزن المكبوت.
“كان والدي يُعلي من شأن شرف ماركيزية بلانتيه. لم يفعل شيئًا يشوّه سمعة عائلتنا. ومع ذلك، هل يُلام بالانتحار… على وصمة خيانة ثقيلة؟ لا أُصدّق ذلك. إن لم تكن أنتَ من فعلتَ ذلك، فلا بد أن أحدهم قتله.”
لم يتمكن كايلانس من الجدال مع آرييل. لقد بدأ هو أيضًا يعتقد أن الأمر لم يكن انتحارًا.
نظرت آرييل إلى كايلانس في صمت. ثم، دون أن تنطق بكلمة، خلعت الخاتم من إصبعها… خاتم الخطوبة الذي تبادلاه، ألقت الخاتم في النهر الجاري.
حدّق كايلانس بنظرة فارغة بينما انجرف خاتم الخطوبة بعيدًا يحمله التيار دون مقاومة. كان مشهد الخاتم وهو ينجرف مع التيار رمزيًا بشكل مؤلم، مثله تمامًا، عاجزا عن الوصول إلى آرييل.
صوت آرييل البارد قطع خدره كايلانس.
“كايلانس. أنتَ لا تعرف شيئًا. لا تعرف شيئًا عن قاتل والديكَ، أو عن موت والدي، ومع ذلك تعتذر؟ هل هذا كل شيء؟ أنسى الأمر، فما فات قد فات؟”
“لا، آرييل، لن أفعل ذلك أبدًا….”
“ثم عُد إلى الوراء.”
“ماذا تقولين…؟”
“عُد وابحث عن الحقيقة. اعثر على الجاني الحقيقي وقدّمه للعدالة. أنهِ محاولتكَ الجبانة للهروب بالموت.”
لفترة من الوقت رأى كايلانس عيون آربيل الزمرديتين تومض.
لم تكن آرييل تريد أن يموت كايلانس. حتى لو كان غباؤه قد دمّر كل شيء.
“آرييل…..”
تنهدت آرييل بعمق، ثم تراجعت إلى الوراء من ضفة النهر.
“إن أردتَ طلب السماح مني، فافعل ذلك بعد أن تكشف الحقيقة كاملة. حتى ذلك الحين، ليس لكَ حق عبور هذا النهر.”
مع ذلك، ابتعدت آرييل. لقد كانت تغادر… قفز كايلانس على قدميه ونادى عليها.
“آرييل! لم أكن مستعدًا… لم أكن مستعدًا لترككِ. فقط قليلًا أبعد، فقط قليلًا أبعد….”
بخطى يائسة، خطا كايلانس إلى النهر. غاصت قدمه عميقًا، فلم يجد تحتها أرضًا صلبة. كان النهر أعمق منه. لكن كايلانس رفض الاستسلام وبدأ يسبح مصممًا على الوصول إلى آرييل، لرؤيتها مجددًا… ولكن في تلك اللحظة أصبح التيار أقوى. اتّسع النهر، وتحوّل إلى محيط واسع لا حدود له.
ثم ضربت كايلانس موجة ضخمة. وانتهت المعجزة التي مُنحت له هنا. لقد تغلّبت الموجة على كايلانس وفقد وعيه، أو هكذا اعتقد.
“آه!”
وفجأة، هزّ ألم مبرح جسد كايلانس بالكامل، مما أجبرهُ على فتح عينيه على مصراعيها.
“جلالتكَ هل أنتَ مستيقظ؟ هل تسمعني؟”
“هاه… ها… ها….”
وصل صوت لوييل إليه، لكن كايلانس لم يستطع الرد.
كان الألم الحارق الذي يُمزّق جسد كايلانس يجعل حتى التنفّس مهمة شاقة.
ورغم ذلك، في خضم الألم، أدرك كايلانس شيئًا ما. لم يكن ميتًا، بل كان لا يزال حيًا. هذا لم يكن حلمًا.
“وآرييل…. آرييل ذهبت بالفعل.”
“انتظر يا جلالتكَ. سيصل الطبيب قريبًا.”
“اللعنة…! اللعنة…”
ضغط كايلانس على أسنانه وتمسك بصدره. ولكن لم يكن الألم الجسدي المُبرح هو الذي دفعه إلى فعل ذلك. إن حقيقة أن آرييل تركته حقًا، كان الألم الأكثر إيلامًا لكايلانس على الإطلاق. طفى خاتم الخطوبة أسفل النهر، وأصبح شكلها بعيدًا أكثر فأكثر.
“ها… آ… ري… يل…”
بعد أن ضغط على اسمها من خلال شفتيه المرتعشتين، استسلم كايلانس أخيرًا للعذاب المستمر الذي بدا وكأنه لن ينتهي أبدًا وفقد الوعي مرة أخرى.
لقد مرّت ثمانية أيام منذ أن فقد كايلانس وعيه. في غابة الوحوش في الجزء الغربي من الإمبراطورية، حيث كان هناك وحش قديم نائماً، بدأت المخلوقات ترتجف من الخوف. من أعماق الأرض، كانت قوة هائلة تنبعث. اختبأت وحوش صغيرة في الأشجار، في حين فرَّ البعض الآخر من الغابة تمامًا.
وهكذا، في ليلة اليوم التاسع، في أعماق الأرض، فتح الوحش الذي كان ينبغي أن ينام إلى الأبد… عينيه.
رائحة سحره لا تزال باقية. الساحر القديم الذي ختم الوحش على هذه الأرض منذ زمن طويل. لقد كان ثوران سحر الساحر من مكانٍ ما هو الذي أيقظ الوحش. تلألأت عيناه الصفراء الساطعة بينما ارتفع ببطء، رافعًا جسده الضخم… لقد حان الوقت لمغادرة الأعماق والخروج إلى السطح.
تردّدت صرخات الوحوش الثاقبة من حقل الوحوش الغربي. استمرّت الأصوات المزعجة طوال الليل، وبحلول الصباح الباكر ومع تعزيز دوريات الغابات، كانت الفوضى تختمر في أقصى الشمال، في دار الأرشيدوق الأكبر في الاقليم الشمالي.
لقد استعاد الأرشيدوق الأكبر، الذي سقط بعد تناول سم قاتل، وعيه لأول مرة منذ عشرة أيام.
اتكأ كايلانس على سريره، وخضع للفحص بهدوء. ورغم محاولته الانتحار بتناول سم قاتل، بدا غير مبالٍ. لقد كان الأمر كما لو أن فحص الطبيب الإمبراطوري لم يكن أكثر من فحص طبي روتيني.
لكن كايلانس كان الوحيد الذي بدا هادئًا؛ حيث كان الجميع في الغرفة متوترین. وخاصة لوييل وديريل.
وبمجرد أن انتهى الطبيب من فحصه، سأل لوييل، الأكثر نفاد صبر بينهما، بسرعة.
“كيف حاله؟”
أصدر الطبيب الإمبراطوري صوت طنين غريب ونظر إلى كايلانس.
تحدّث كايلانس بنبرة غير عاطفية.
“كما هو متوقّع، أنا بخير، أليس كذلك؟”
أومأ الطبيب الإمبراطوري برأسه.
“نعم، يصعب تصديق ذلك، لكن السم قد أُبطل مفعوله تمامًا، وشُفيت جميع الإصابات الداخلية الخطيرة تمامًا. بصراحة، عندما فحصتُ حالة جلالتكَ لأول مرة…. لم أتوقع نجاتكَ حتى لو استعدتَ وعيكَ، توقّعتُ مضاعفات خطيرة طويلة الأمد.”
“حسنًا، لا أستطيع أن أقول إنني تخيّلتُ يومًا أنني سأعود إلى الحياة بهذه الطريقة… ليس في هذه الحالة.”
قبضَ كايلانس على يده ثم أرخاها، كما لو كان مفتونًا بالدفء الذي يسري في جسده، تمتم في نفسه: “أن أظن أنني عدتُ إلى الحياة، وفي حالةٍ جيدة جدًا تمامًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 69"