راقب آستر العربة وهي تُؤخذ بعيدًا، ثم حوَّل نظره إلى كايلانس. نظرة خفيَّة لكن غريبة في عيني سيد البرج جعلت تعبير وجه كايلانس متوترًا.
قبل أن يتكلم كايلانس، كسر آستر الصمت.
“من حسن الحظ، أليس كذلك؟ أنها لم تكن السيدة بلانتيه.”
“نعم.”
أجاب كايلانس بصوت مُتقطع.
“في هذه الحالة سأعود إلى البحث.”
“شكرًا لكَ.”
أجاب كايلانس، وهو يومئ برأسه قليلًا قبل أن يستدير.
ربما كان ضغط اللحظة قد أثَّر على كايلانس، فمشاعره كانت لا تزال مُضطربة. كان كايلانس بحاجة إلى تهدئة نفسه بسرعة، فلو رآه الفرسان في هذه الحالة، فقد يُشتّت ذلك تركيزهم.
عاد كايلانس مسرعًا إلى الخيمة.
“كان هناك شيئًا واحدًا لم أُلاحظه.”
لم يُكمل آستر كلامه. بدلًا من معاودة البحث، وقف مكانه، عابسًا وهو يراقب العربة وهي تختفي في الأفق. في النظرة الأولى، بدا تعبير آستر حزينًا، وكأن النتيجة لم تكن ما يريده. ولكن لم يكن هذا هو الحال. كانت النظرة الغريبة في عيني آستر ترجع فقط إلى إنبهاره بمدى تطابق الشعر الموجود على الجثة مع شعر آرييل.
تمتم آستر في نفسه: “في الواقع، عندما رأيتها لأول مرة، على الرغم من أنني كنتُ أعلم أن السيدة بلانتيه كانت على قيد الحياة، لم أستطع إلا أن أتساءل للحظة عما إذا كانت هي حقًا.”
بالطبع، لم يعبث آستر بالجثة أو يتلاعب بها.
لكن آستر فكر للحظة وجيزة: “هل كان من الأفضل لو تبيّن أن الجثة هي جثة السيدة بلانتيه؟ على الرغم من أنني لا أزال لا أعرف سبب محاولة السيدة بلانتيه الانتحار، إلّا أن شيئًا واحدًا كان واضحًا، فهي لا تريد العودة إلى الأرشيدوق الأكبر. لو تم تأكيد أن هذه الجثة تعود للسيدة بلانتيه… ربما كان الأرشيدوق الأكبر قد سمح لها بالرحيل أخيرًا.”
لقد خطرت هذه الفكرة العابرة في ذهن آستر.
ثم أدرك آستر بسرعة مدى جرأة أفكاره، وتمتم في نفسه: “لو تم إعلان وفاة السيدة بلانتيه رسميًا، فلن يكون لديها مكان تعود إليه بعد استعادة وعيها. وبغض النظر عن علاقتها بالأرشيدوق الأكبر، كان لا بد من الحفاظ على مكانة السيدة بلانتيه في العالم.”
وأخيرًا نظر آستر بعيدًا عن العربة عندما اختفت في المسافة. وأطلق تنهيدة طويلة.
“لقد تأخر الوقت ولم أجد شيئًا.”
وفي وقت سابق من ذلك المساء، بينما كان يتظاهر بالانضمام إلى البحث، استخدم آستر تعويذة التكرار لزيارة العاصمة والتحقيق في ما حدث لآرييل. لكنه لم يعرف شيئًا جديدًا، فقط الحقائق التي يعرفها مسبقًا.
تمتم آستر في نفسه: “وكان الأرشيدوق الأكبر قد تقدَّم بطلب إلى الإمبراطور، وتمّ إزالة اللوحة التذكارية لعائلة بلانتيه من قائمة البيوت النبيلة المؤسسة. لا بد أن يكون هناك المزيد….. لم يكن هناك أي احتمال أن تحاول السيدة بلانتيه الانتحار لهذا السبب وحده. لقد وعدتني بأنها ستتغلّب على كل شيء.”
تنهّد أستر بإحباط ونظر بعيدًا عن سماء الليل.
فكر آستر: “ربما ينبغي لي أن أزور عقار بلانتيه.”
وبينما كان آستر يتّخذ قراره ويستدير، اصطدم كتفه بشخص ما.
“معذرة. هل أنتِ بخير يا سيدة؟”
الشخص الذي اصطدم بآستر كانت امرأة.
“أنا بخير، سيدي رئيس البرج.”
في لحظة، مدَّ آستر يده وسحب غطاء الرأس من رأسها.
وبينما التقت عينا المرأة المذهولتان بعينيه، تحدث آستر ببرود.
“أنتِ بخير، صحيح؟ أخبريني إذًا، من أنتِ لتنتحلي شخصية ساحر البرج؟”
كان الرداء الذي ترتديه المرأة لا لبس فيه، وهو رداء مُخصص لسحرة البرج. لكن آستر كان متأكدًا من أنها لم تكن أحد السحرة الذين أحضرهم معه اليوم.
من الواضح أن المرأة كانت في حالة ارتباك، فتحوَّلت فجأة وحاولت الفرار. ضحك آستر ضحكة جافة من جرأتها وفرقعَ أصابعه. في لحظة سقطت المرأة على وجهها أرضًا.
قال آستر ساخرًا.
“مذهل! لقد نجحتِ في الجمع بين اثنين من أقل الأشياء التي أُحبّها، السرقة والغباء.”
وبنقرة أخرى من أصابع آستر، تمّ رفع جسد المرأة من الأرض وإعادتها أمامه واقفةً منتصبةً. بصقت المرأة الرمال من فمها ونفضتها عن وجهها، وبدا عليها الاضطراب تمامًا.
“أسأل مجددًا من أنتِ؟”
قال آستر بحدّة.
“إذا لم تجيبي بشكل صحيح هذه المرة، فسأحرص على محاكمتكٓ بتهمة السرقة من البرج.”
وبينما كرر آستر سؤاله البارد، بدأت أكتاف المرأة تهتز قليلاً.
“حسنًا… أنا… أنا…”
قبل أن تتمكن من الانتهاء، تقدَّم لوييل للأمام ونادى باسمها.
“کارولین؟ ماذا تفعلين هنا؟”
“كارولين؟”
کرَّر آستر الاسم، وهو اسم غير مألوف بالنسبة له.
لقد أكدَّ آستر ما كان يشتبه به بالفعل، فهي لم تكن شخصًا من سحرة البرج الذين أحضرهم معه
ضاقت نظرة آستر الحادّة، وارتفعت حواجبه في انزعاج.
لقد اقترب لوييل، الذي كان قد لاحظ للتو وجود آستر، بتعبير مذهول.
كان التوتر بين آستر وكارولين واضحًا.
ألقى لوييل نظرة بينهما، لتقييم الوضع، قبل أن يكسر الصمت بعناية.
“سيد البرج… هل هناك مشكلة مع هذه المرأة…؟”
قبل أن يتمكن لوييل من إنهاء جملته، أشار آستر إلى كارولين.
“ألَا ترى؟ انظر ماذا ترتدي.”
وأشار آستر بشكل خاص إلى الرداء الذي كانت ترتديه كارولين، وهو رداء لا يُسمح إلّا لسحرة البرج بارتدائه.
وعندما سقط ضوء القمر على الرداء، ألقى لوييل نظرة جيدة أخيرًا وأصبح تعبيره جادًا.
لم يكن رداء الساحر مجرد لباس؛ بل كان رمزًا للهوية والمكانة، لا يرتديه إلّا من يعترف بهم البرج رسميًا. كان بمثابة دليل على انتمائهم، ووفَّر لمرتديه حماية البرج. كان في جوهره وسامًا للشرعية في مناسبات عديدة، استخدم السحرة أرديتهم لإثبات انتمائهم للبرج إذا نسَوا شاراتهم الرسمية.
كان ارتداء كارولين لمثل هذا الرداء جريمة جسيمة. كان الأمر أشبه بضبطها مُتلبّسةً وهي تحاول التسلّل إلى دولة أخرى بهوية مزيفة.
“هل فقدتِ عقلكِ؟”
ألقى لوييل نظرة على كارولين، وصرخ فيها قبل أن يُخاطبها بحدّة.
“انتظري، لماذا ترتدين رداء الساحر…..”
بدأ لوييل حديثه، لكن آستر قاطعه بحدّة.
“بصفتكَ مستشار الأرشيدوق الأكبر، لا بد أنكَ تدرك خطورة هذا التجاوز. والآن ما هي هوية هذه المرأة؟”
“حسنًا…”
تردَّد لوييل.
من الواضح أن لوييل متردّد في الإجابة. لو اعترفَ بأن مجرد خادمة، خادمة نبيلة، لا أقل، سرقَت وارتدَت رداء ساحر، لكان ذلك سيُثير غضب سيد البرج. لكن لم يكن هناك جدوى من إخفائه. لم يكن آستر من السهل خداعه.
وأخيرًا تحدَّث لوييل.
“هذه المرأة هي رئيسة الخادمات للدوقة فياستيس.”
لفترة من الوقت، تصلّب تعبير وجه آستر ولم يقل شيئًا.
لا بد وأن حقيقة أن مجرد خادمة سرقَت رداء ساحر؛ قد تركت آستر بلا كلام من شدّة عدم التصديق.
تماسك لوييل، متوقعًا أن ينفجر غضب آستر في أي لحظة.
لكن آستر لم يكن غاضبًا كما ظنَّ لوييل، بل بدا غارقًا في أفكاره.
ومن المؤكد أن هذا الوضع كان ينبغي أن يُثير غضب آستر. لو كان ثيودن حاضرًا، فمن المحتمل أنه كان سيغضب بشدّة ويُصر على سحب الخادمة إلى البرج لمواجهة عقاب شديد.
ولكن آستر لم يكن لديه أي اهتمام بمثل هذه المحنة المملة.
منذ اللحظة التي ضبط فيها كارولين، كانت خطة آستر بسيطة: معرفة من هي؟ ومن أين حصلت على الرداء؟ واستعادته، ثم ترك الأمر عند هذا الحد.
أما من كان أحمقًا بما يكفي لفقدان الرداء، فقد خطط آستر لتعقبه وضربه بتعويذة كرة نارية لتعليمه درسًا.
وبصراحة، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها سرقة رداء ساحر. كان العديد من السحرة منغمسين في أبحاثهم لدرجة أنهم كانوا يُضيّعون ممتلكاتهم باستمرار. ونتيجة لهذا الإهمال، أصبحت الأردية، المصممة في الأصل كرمز للوحدة بين السحرة بديلاً عن بطاقات الهوية.
لذلك افترض آستر في البداية أن هذه مجرد امرأة حمقاء أخرى استغلت المجموعة الكبيرة من السحرة، ووجدَت رداءً تمَّ التخلص منه بلا مبالاة وقرَّرت ارتدائه. لقد خطَّط آستر لإخافتها، ثم استعادة الرداء وترك الأمر عند هذا الحد.
لكن كان هناك شيء غريب في عيني كارولين. لم تكن تلك النظرة اليائسة لشخص مهووس بأن يصبح ساحرًا، بل كانت نظرة حذرة لشخص يخفي شيئًا ما. ولهذا السبب استمرّ آستر في دفعها.
فكر آستر: “خاصة في ظل الظروف الحالية. كانت هذه المنطقة محظورة مغلقة أمام العامة. البحر الذي سقطت فيه السيدة بلانتيه لتموت كما يُفترض. وهنا كانت امرأة في ثوب ساحر، تتربّص بشكل مريب. لقد كانت غريبة جدًا لدرجة لا يمكن تجاهلها. ولكنني علمتُ الآن أنها كانت رئيسة خادمات الدوقة فياستيس….”
كانت الدوقة فياستيس ابنة عم الإمبراطور، ومعروفة على نطاق واسع بأنها العرابة للأرشيدوق الأكبر سايارد. لقد رآها آستر مؤخرًا في حفلة الكونت بايرن، حيث كانت ترافق الأرشيدوق الأكبر.
فكر آستر: “مما لاحظته، لم تبدو علاقتهما متوترة كما أشارت الشائعات. بل لم تبدو وثيقة أيضًا. مع ذلك، كان من الصعب تخيّل خادمتها تذهب إلى هذا الحد، متنكرة ومتسلّلة هكذا. كان هذا السلوك السري متوقعًا بين الأعداء، لا بين الحلفاء. لو أرادت الدوقة فياستيس الحصول على معلومات، كان بإمكانها التواصل مع الأرشيدوق الأكبر بشكل مباشر، أو على الأقل إرسال خادمة له بشكل علني ودون أي حيلة. لماذا هذا النهج؟ لم يكن الأمر كما لو أن الأرشيدوق الأكبر منع الدوقة من الدخول.”
توقّف قطار أفكار آستر فجأة عندما أدرك حقيقة ما، وتمتم في نفسه: “ما لم يكن هذا بالضبط ما حدث. كلما فكرتُ في الأمر، كلما بدا لي أن شكوكي كانت صحيحة.”
في تلك اللحظة، كارولين، التي كانت صامتة حتى ذلك الحين تحدَّثت أخيرًا.
“أعتذر يا سيدي رئيس البرج. أعلم أن الأمر صعب التصديق، لكنني لم أسرق ذلك الرداء. استعرته لفترة قصيرة فقط.”
“استعرتيه؟”
“نعم. دفعتُ لأحد السحرة هنا وطلبتُ استعارته لفترة قصيرة. أُقسم أنني لم أسرقه. يمكنكَ تأكيد ذلك مع الساحر إن شئتَ.”
تمتم آستر في نفسه: “لم يبدو أنها تكذب. الآن وقد كُشفت هويّتها، لم تُظهر أي علامات على إخفاء أي شيء، أو محاولة الهرب. ومع ذلك، فكرة أن يقبل ساحر المال ليقرضها رداءه…”
لم يسع آستر إلا أن يتنهد يأسا، وتمتم في نفسه: “سأتعامل مع هذا الساحر الأحمق لاحقًا وأُفضّل أن أُدخل كرة نارية في فمه.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات