“كانت السيدة بلانتيه تحمل دائمًا ساعة الجيب. مع أنها كانت مُغلقة ولم تعد صالحة للاستخدام، إلا أنها ادَّعت أنها وفرَّت لها الراحة. لذا، من غير المرجح أن تكون ساعة الجيب فقط هي المفقودة. وتلك المشاعل التي لا تعد ولا تحصى….”
الآن، رأى آستر إن الشاطئ أصبح متوهجًا، مثل منتصف النهار مضاء بأضواء النيران المتمايل. لقد كان واضحًا أنهم كانوا في منتصف عملية بحث، يبحثون عن شخص ما.
ومهما كان المنطق، فإن النتيجة كانت واحدة.
“لم تكن ساعة الجيب فقط هي التي ذهبت إلى البحر. يبدو أن السيدة بلانتيه قد ماتت معها. لكن لماذا؟ لماذا عليها أن تكون في هذه المياه الجليدية في منتصف الليل؟ ولماذا أتدخَّل أنا؟ أنا لستُ من رعايا الإمبراطورية، وباعتباري سيد برج السحرة، فإن الحياد هو واجبي.”
تردَّد أستر، وتذكر لفترة وجيزة واجباته باعتباره سید برج السحر. ولكن بعد ذلك ظهر وجه في ذهنه.
[أخي]
الأخت التي فقدها آستر ذات يوم بسبب اختياراته السيئة. والآن آرييل، التي بدت صورتها وكأنها ضبابية ومتداخلة مع صورة فايلين.
لم يتردد آستر طويلاً.
“ثیودن ابقَ هنا وانتظر.”
عندما كان آستر على وشك القفز في البحر، أمسكه ثيودن في حالة من الذعر.
“هل ستقفز حقًا في الماء؟ الأمواج قوية جدًا، والسحر الذي أشعر به عمیق جدًا، عميق جدًا! حتى مع وجود دائرة سحرية قديمة لا يمكنكَ المخاطرة بحياتكَ هكذا، علينا انتظار هدوء الأمواج وجمع المزيد من السحرة….”
“ثیودن.”
قاطعته آستر بصوت حازم.
“هناك شيء لا تفهمه.”
سحب آستر ید ثيودن بعيدًا عن ذراعه وأمسكه بقوة بيده الأخرى، التقت عيونهم. تحت نظرة آستر الحادة، صمتَ ثيودن، وضغط شفتيه.
ثم انفرجت شفتا آستر القرمزيتان.
“أنا أقوى مما تظن. انتظر هنا بهدوء.”
مع ابتسامة لطيفة على شفتيه انزلق آستر من قبضة ثيودن.
قبل أن يتمكن ثيودن من نطق كلمة واحدة، غرق جسد آستر المُعزَّز بالسحر في البحر.
“لقد فقد عقله تمامًا!”
تُرك ثيودن وحده، وداس بقدميه في إحباط وشاهده في حالة من عدم التصديق، بينما اختفى آستر في الأمواج المتلاطمة.
عندما غاص آستر في البحر، استخدم السحر لإنشاء فقاعة من الهواء حوله، بلا تردد سبح أعمق في المياه المظلمة. كلما تعمَّق آستر، ازدادت طاقة الدائرة السحرية وضوحًا وقوة.
دفع آستر نفسه للتحرك بشكل أسرع. وأخيرًا رآها، كرة متوهجة من الضوء مغمورة تحت السطح المظلم. دائرة حماية سحرية تتألّق بشكل رائع في الأعماق المظلمة.
سبح آستر أقرب. كما كان يشتبه، كانت آرييل داخل حاجز الحماية. كان جسدها مترهلًا، وكأنها أُغميَ عليها. مدَّ آستر يده إليها، لكن ما إن لامست أصابعه الضوء، حتى انتابه ألم شديد حارق، أجبره على التراجع.
“أوه…”
سواء كانت إرادتها أو إرادة حاجز الحماية نفسه، رفض الحاجز آستر ودفعه بعيدًا.
بعد شفاء الحروق على يده بسرعة باستخدام سحر الشفاء الأساسي، وقف آستر ساكنًا، ونظرته ثابتة على الحاجز المتوهج.
“لو أحضرتُ معي سحرة رئيسيين آخرين، فمن المحتمل أن يتمكنوا من اختراقه معًا. ولكن هل ستبقى على قيد الحياة حتى ذلك الحين؟ ماذا لو كانت قد رحلت بحلول الوقت الذي نعود فيه؟”
عقد آستر حواجبه. نظر إلى يده المصابة والمحمرة، والتي لا تزال بعيدة عن الشفاء وقرَّر أن يغتنم الفرصة.
“الدوائر السحرية القديمة تستجيب لرنين الروح.”
أطلق آستر كل السحر بداخله، وحبس أنفاسه واقترب ببطء من حاجز الحماية.
“أنا هنا لإنقاذ من تحاول حمايته. أرجوك… دعني أمر.”
مع نداء صامت يائس، مدَّ آستر يده مرة أخرى، وكانت يده ترتجف وهو يتحرك نحو الضوء. في اللحظة التي لامست فيها يد آستر الحاجز المتوهج، تحطّم كما لو أن قوته الهائلة لم تكن موجودة أبدًا.
لقد انكسر حاجز الحماية، مستسلمًا لصدق نيَّة آستر.
أمسك آستر سريعًا بآرييل وساعة الجيب أثناء سقوطهما نحو الأعماق، احتضنها بقوة، ودفع نفسه إلى الأعلى في اندفاع من السحر.
“ها…”
اخترق آستر السطح وأطلق أنفاسه التي كان يحبسها، مع آرييل فاقدة للوعي بين ذراعيه، يحتضنها بقوة.
“سيدي رئيس البرج!!”
صدى صوت ثيودن المحموم من الأعلى.
“الإنتقال.”
عندما ارتفع آستر في الهواء مع آرييل بين ذراعيه، اتسعت عينا ثیودن من الصدمة.
“من… من هي؟”
بدلاً من الإجابة، حوَّل آستر عينيه نحو الشاطئ.
ظلت المشاعل تتحرك دليلاً على أنهم كانوا يبحثون عن آرييل.
“ينبغي عليَّ أن أُعيدها إليهم.”
ولكن عندما نظر آستر إلى وجه آرييل الشاحبة والجامدة، استقرَّ تردُّد عميق في صدره.
“لا. شيء ما أخبرني أنني لا أستطيع اصطحابها إلى هناك. السيدة بلانتيه، تم انتشالها من أعماق البحر. ماذا حدث لكِ؟”
تمتم آستر بهدوء، وكان صوته ثقيلًا وهو ينظر إليها.
في تلك اللحظة، تردَّدت كلمات آرييل السابقة في ذهن آستر.
[إذا حدثت معجزة، أعدكَ بأنني سأخبركَ أولاً، يا سيدي رئيس البرج]
قالت آرييل ذلك ذات مرة بابتسامة متعبة.
“لم أكن أريد أن أكتشف الأمر بهذه الطريقة.”
الآن بعد أن أصبح متورطًا، قرر آستر أن يرى الأمور حتى النهاية.
أحكم آستر قبضته على آرييل، ثم ابتعد عن الشاطئ وقال لثيودن.
“سنعود إلى برج السحر.”
تدفقت أشعة الشمس الناعمة عبر نوافذ ركن مكتبة القصر الملكي. رفع كايلانس نظره عن كتابه ورأى آرييل جالسةً أمامه. كان حاجبَي آرييل مقطبين بشكل رائع وهي تركز على النص السحري، منغمسة فيه تمامًا، كما لو كان الشيء الأكثر إقناعًا الذي قرأته على الإطلاق.
“كايل، هل تقرأ كتابكَ أم تُحدِّق بي؟”
تحدثت آرييل دون أن ترفع عينيها، وهي تدرك بوضوح نظرة كايلانس المستمرة.
أغلق كايلانس كتابه بهدوء.
“أنظر إليكِ. كيف يمكنني التركيز على كتاب وأنتِ جالسة بالطبع هنا؟”
كما لو كان الأمر الأكثر طبيعية في العالم، تحرك كايلانس ليجلس بجانب آرييل. بكل سهولة ويسر، وضع كايلانس ذراعه على كتفها، رمقته آرييل بنظرة منزعجة، لكنها لم تبتعد. وبدلًا من ذلك، اقتربت آرييل من كايلانس أكثر.
ضحك كايلانس بهدوء، وسقطت عيناه على الكتاب الذي كانت آرييل تقرأه.
“ممم. سحر يُمكّننا من رؤية المستقبل، أليس كذلك؟”
“أليس هذا مذهلاً؟ فكرة رؤية ما ينتظرنا….”
وبينما أضاءت عيون آرييل بالحماسة هزَّ كايلانس كتفيه بلا مبالاة.
“ليس حقيقيّا.”
“جديًا؟ أنتَ لستَ حتى مهتمًا بمعرفة كيف سيكون مستقبلنا؟”
“أنا لست فضوليًا.”
أجاب كايلانس دون أدنى تردّد، لكن عيون آرييل الزمرديتين كانت غائمة بخيبة الأمل.
وبينما بدأ تعبير آرييل يخفت، تحدَّث كايلانس مرة أخرى.
“لأنكِ ستكونين دائمًا بجانبي، وسأكون دائمًا بجانبكِ. سنعيش بسعادة إلى الأبد، فلا داعي للتساؤل. أعلم أن مشاعري تجاهكِ لن تتغيّر أبدًا.”
اتسعت عينا آرييل قليلاً، وظهرت المفاجأة على وجهها.
كان كايلانس يتوقع من آرييل أن تبتسم حينها، وأن تميل رأسها بلطف على كتفه بذلك التعبير الدافئ والجميل. لكن بدلاً من ذلك، تحوّل تعبيرها الناعم والدافئ إلى شيء بارد وحاد مثل الصقيع.
وبينما كانت عينا كايلانس الداكنتان تتأرجحان، مضطربتين، كسر صوت آرييل الجليدي الصمت.
“كاذب. تركتني. أنتَ لا تُحبّني.”
“آرييل…؟”
وبينما كان كايلانس يقف هناك في حالة صدمة، تحركت شفتي آرييل الشاحبتين، موجِّهة له ضربة أخيرة ساحقة.
“لقائكَ هو أكبر ندم في حياتي. لن أعود إليكَ أبدًا.”
تدفّقت الدموع من عيون آرييل الزمرديتين الجميلة.
“آرييل…”
لقد ابتعدت آرييل أكثر.
اجتاح كايلانس ألم حاد لا يُطاق، كأن قلبه على وشك الانفجار. كافح كايلانس لالتقاط أنفاسه، فمدَّ يده إليها بيأس، لكن آرييل صفعت يده بعنف. وبدون أن تنظر آرييل لثانية، استدارت ومشت بعيدًا.
“آرييل، آرييل…. لا تذهبي. أرجوكِ لا تذهبي. أتوسّل إليكِ….”
تردَّد صدى توسلات كايلانس اليائسة في الفراغ، لكن آرييل لم تتوقّف، ولم تنظر إلى الوراء، اختفت تمامًا.
في اللحظة التي اختفت فيها آرييل، انهار كل أثر للفرح وابتلع كايلانس ظلام دامس بالكامل كما لو كان يتربَّص به.
“آه… هاه… هاه…”
استيقظ كايلانس فجأة، وهو يلهث لالتقاط أنفاسه.
“لقد كان مجرد حلم، كابوس قاسٍ لا هوادة فيه.”
مسح کایلانس وجهه بيده المرتعشة، مسح العرق البارد. وبينما بدأ ذهنه المشوش يتلاشى، أدرك حقيقةً أكثر رعبًا.
“آرييل، تسقط من الجرف، أمام عينيّ. ابتلعتها الأمواج المظلمة الهادرة.”
سقط قلب كايلانس مثل الحجر.
“آرييل… لماذا… لماذا أنا هنا…؟”
لقد حاول كايلانس إنقاذها. وإن لم يستطع، فقد قرَّر كايلانس أن يتّبعها. لقد تذكر كايلانس بوضوح أنه كان يستعد للغوص في البحر.
“فلماذا كنتُ هنا مستلقيًا على السرير؟ ليس أي سرير، بل سريري الخاص، في مقر إقامة الأرشيدوق الأكبر. لا ينبغي أن أكون هنا. لا يمكن أن أكون هنا. كان ينبغي أن أكون معها.”
كان قلب كايلانس ينبض بقوة، كل نبضة منه مثل الطبول في صدره.
“لابد أن أجد آرييل.”
قفز كايلانس من السرير وفتح الباب.
لوييل، الذي كان على وشك دخول الغرفة، تجمَّد من المفاجأة، وكانت عيناه مفتوحتين على مصراعيهما.
“صاحب السمو أنتَ مستيقظ، صاحب السمو…”
لكن كايلانس تجاهله تمامًا، وسار بجانبه وكأنه غير موجود.
ركض كايلانس في الممر، وارتطمت قدماه العاريتان بالأرض، بعد لحظات اندفع خارج القصر. التفت إليه الفرسان والخدم المذهولون مصدومين، لكن نظرة كايلانس كانت ثابتة، وعقله مُنصب على شيء واحد.
نادى لوييل يائسًا وهو يركض خلفه، لكن كايلانس لم يلتفت، قاد الحصان إلى الأمام، راكضًا بأقصى سرعة نحو كاسكيد.
“عليك اللعنة…!”
كان لوييل يلهث بشدة، وراقب بعجز بينما تقلصت هيئة كايلانس في المسافة واختفى عن الأنظار.
تمتم لوييل في نفسه: “ركوب الخيل بدون حتى الملابس أو الأحذية المناسبة. لم يكن هذا هو ما عرفته عن سيدي. كان سيدي الذي خدمته دائمًا رمزًا للهدوء، ثابتًا لا يتزعزع مهما اشتدَّت الظروف. كان رجلًا هادئًا وعاقلًا. ولكن في مكان ما على طول الطريق، بدأ هذا الثبات يتزعزع. وبدأ كل شيء… مع فسخ خطوبته للسيدة بلانتيه.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"