لقد أثّرت كلمات الكونتيسة فورتي عليه، وغرقت مباشرة في قلب كايلانس.
كان صوت كايلانس منخفضًا وثقيلًا قبل أن يتوقف عن الحديث مع الكونتيسة.
“يمكنكِ الذهاب الآن.”
بعد انحناءة مهذبة، غادرت الكونتيسة فورتي بسرعة، تاركةً كايلانس واقفًا وحيدًا، يُحدّق في الفضاء بعيون فارغة.
تمتم كايلانس في نفسه: “آرييل طريحة الفراش بسبب الحُمَّى. والدي، الذي اعتزَّ بالسيف الذي أهداه له ماركيز بلانتيه كما لو كان إرثًا عائليًا. الماركيز الذي قيل أنه أنقذ حياة والدي.”
لقد أدى سيل الاكتشافات الصادمة إلى تحويل عقل كايلانس إلى مستنقع فوضوي.
“أين ذهب كل شيء خطأ؟”
تجمّد كايلانس عند الفكرة غير المدعوة التي عبرت ذهنه.
“خطأ؟”
لقد طرح كايلانس السؤال بصوت عال، وكأنه يتحدَّى نفسه.
“ما الذي يمكن أن يكون خطأ؟”
ثم تجولت الأفكار في ذهن كايلانس: “حتى لو كان كل ما قالته الكونتيسة صحيحًا، فإن ماركيز بلانتيه قام بقتل والديّ. وكانت هذه أيضًا حقيقة لا يمكن إنكارها. هل يمكن للعمل الماضي المتمثل في إنقاذ والدي أن يُبرِّئه بطريقةً ما؟ لا، بل على العكس، فقد جعل أفعاله اللاحقة أكثر شناعة، فالرجل الذي أنقذ أميرًا ذات يوم، قتلهُ بلا رحمة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. نعم، بغض النظر عمّن كان ماركيز بلانتيه في الماضي، فقد أصبح في نهاية المطاف وحشًا أعماه الجشع.”
تذكر كايلانس بوضوح العثور على الفارس، الذي كان الناجي الوحيد من حادث العربة ومعرفة الحقيقة عن ذلك اليوم منه.
[لقد كان ذلك بأمر من ماركيز بلانتيه]
تمتم كايلانس في نفسه: “وكان نفس الفارس يحمل عملة ذهبية عليها شعار عائلة بلانتيه. هذا كل ما يهم الآن… وكانت هذه، قبل كل شيء، الحقيقة النهائية. لا أستطيع أن أسمح للماضي أن يهزّني.”
ناضل كايلانس لتثبيت قناعاته الهشّة، التي شعر أنها على وشك الانهيار تمامًا. لكن شقوق إيمانه كانت عميقة جدًا، تسلّلت الشكوك من خلالها تنخر في قلبه وتجعله يتسارع قلقًا.
فكر كايلانس: “هل يمكن أن يكون هذا صحيحًا حقًا…؟ هل قتل الماركيز دي بلانتيه والديّ حقًا؟ مثل قصص أبي والماركيز التي لم أعرفها أبدًا، هل كان هناك شيء لم أكن يعرفه؟ ولو، ولو فقط، لم يقتل الماركيز والديّ…. طوال هذا الوقت، لم أكن أفكر إلّا بالانتقام. تخلّيتُ عن آرييل وسحقتُ الماركيز بلا رحمة، وكرستُ نفسي لتدمير كل ما يمثّلهُ ماركيز بلانتيه. ولكن إذا كان هدفي في الانتقام خاطئًا منذ البداية…. الوحش سيكون أنا.”
تجمّد دم كايلانس عند هذه الفكرة، يده المرتعشة، فقدت قبضتها تمامًا، كان الأمر كما لو أن كل إحساس في جسدهِ قد اختفى.
عندما انفتح باب غرفة دراسة الإمبراطور فجأة. خرج فاین مدركًا مزاج الإمبراطور وتوقف فجأة، عندما رأى كايلانس، ارتسمت على وجه فاين علامات الفزع.
“صاحب السمو… هل أنتَ بخير؟”
افترض فاين أن كايلانس سيكون في انتظاره في غرفة الاستقبال، كما هو موضّح.
بدلاً من ذلك، وقف كايلانس خارج مكتب الإمبراطور مباشرة وكانت نظراته غير مركزة بطريقة لم يرها فاين من قبل. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الخدم القريبين بقوا على مسافة بينه، وكأنهم غير راغبين في الاقتراب منه.
بعد أن استشعر التوتر غير المعتاد في الهواء، اقترب فاين بحذر من كايلانس.
“صاحب السمو.”
عند سماع صوت فاين، استعادت عيون كايلانس المظلمة الضبابية وضوحها تدريجيًا. لكن وجه كايلانس ظل ثابتًا وتعبيراته لم تتغيّر. لقد كان من الواضح أن شيئًا ما قد حدث، على الرغم من أن فاين كان يعلم أنه من الأفضل عدم السؤال.
وكان من واجب الخادم أن ينتظر سيده حتى يتكلم أولاً. متظاهرًا بعدم ملاحظة تعبير كايلانس المضطرب، خفّض فاين نظره باحترام وبدأ في التحدّث.
“لقد هدأ جلالته كثيرًا. يمكنكَ الآن دخول غرفة الدراسة.”
“لقد حدث أمر عاجل.”
قبل أن يتمكن فاين من الانتهاء، قاطعه كايلانس.
فكر فاين: “هل هناك شيء أكثر إلحاحًا من مقابلة جلالته، حاكم إمبراطورية بنتيوم؟”
“عفوًا؟”
نظر فاين إلى كايلانس في حيرة.
لكن العزيمة في عيون كايلانس كانت لا تتزعزع.
“اعتذر لجلالته نيابة عني.”
ترك كايلانس تلك الكلمات القصيرة، ثم استدار. تردد صدى صوت فاين المضطرب يناديه في الممر، لكن كايلانس لم يتوقف.
على أي حال، تسارعت خطوات كايلانس وهو يسير في الممر.
كان كايلانس يحتاج إلى المعرفة. للتأكد من أنه قد غفل عن شيء ما بالفعل، المعرفة ما إذا كان الماركيز بلانتيه هو الجاني بالفعل. والذي كان بإمكانه الإجابة على أسئلة كايلانس لم يكن الإمبراطور.
“صاحب السمو؟”
وبينما كان كايلانس على وشك الخروج من القصر الإمبراطوري بسلوك مكثف وعاجل، اقترب منه ديريل بتعبير مذهول.
“هل حدث شيء…؟”
قبل أن يتمكن ديريل من إنهاء جملته، قاطعه كايلانس.
“سأذهب إلى منزل فياستيس. يجب أن أرى عمتي.”
في تلك اللحظة صدى صوت هدير منخفض ومشؤوم عبر السحب في سماء الشفق. رفع كايلانس نظره، امتدت الغيوم الداكنة بلا نهاية، منذرة بهطول أمطار غزيرة وشيك. ذكّره ذلك باليوم الذي تعرّض فيه والداه لحادث مميت.
“دعنا نذهب.”
ركب كايلانس العربة، مصمماً على تجاهل الشعور المتسلل بالخوف الذي يخدش عقله.
بدأ المطر يهطل بغزارة من السماء المظلمة بسبب السحب الكثيفة المشؤومة.
في تلك اللحظة، عادت العربة التابعة لماركيزية بلانتيه إلى العقار، بعد زيارة منزل فياستيس.
في الداخل، جلست آرييل مثل دمية بلا حياة، كما لو أن روحها تم استنزافها من جسدها.
“سيدتي، انتظري لحظة. سأحضر مظلة… أوه، سيدتي!”
قبل أن يتمكن السائق من إنهاء جملته، نهضت آرييل من مقعدها.
“كل شيء على ما يرام.”
تحدثت ببطء وهي تنزل من العربة، غمرها المطر تمامًا لكن آرييل واصلت سيرها وكأنها لا تشعر بشيء.
انزعج كبير الخدم من هذا المنظر، وهرع نحوها ومعه مظلة، لكن آرييل دفعت يده بعيدًا.
“اتركه. هذا أفضل.”
كان الخادم على وشك الاحتجاج، قائلاً إنها مريضة بالفعل ولا تستطيع تحمل البلل، لكنه توقف فجأة.
لم يكن المطر فقط هو الذي يتدفق على خدود آرييل، بل كانت الدموع. ولم تكن دموعًا جديدة. كانت عينا آرييل منتفختين وحمراوين، لقد كانت تبكي لفترة طويلة، قبل وقت طويل من خروجها من العربة.
تجمد كبير الخدم، غير قادر على قول أي شيء. لقد كانت المرة الأولى التي يرى فيها آرييل تبكي هكذا، وتنهار بهذه الطريقة المدمرة.
حتى عندما مات الماركيز بلانتيه، لم تشعر آرييل باليأس، وكأن العالم قد انتهى.
نعم، لقد أصبح كبير الخدم الآن شاهدًا على يأس آرييل الشديد، وهو حزن عميق لدرجة أنه لم يجرؤ على فهم أعماقه.
بعد أن تركت آرييل كبير الخدم المذهول خلفها، دخلت القصر. شعرت بكل خطوة ثقيلة لا تُطاق، كما لو كانت تغرق في مستنقع، كما لو أن الأرض نفسها تسحبها إلى هاوية مظلمة لا قرار لها، تهمس لها أن تقترب.
ثم صرخ صوت مرعوب.
“سيدتي! ماذا بحق السماء… سأذهب إلى الطبيب فورًا!”
انطلقت كلمات ميلا المذعورة وهي تندفع إلى الردهة، مرعوبة من حالة آرييل المبللة والمبعثرة.
ولكن قبل أن تتمكن ميلا من التصرف، أمسكت آرييل بمعصمها بسرعة.
“ليس هناك حاجة لطبيب.”
ارتجفت ميلا من لمسة يد آرييل الباردة، تجمدت كلماتها في حلقها وهي تُحدّق في عيني آرييل الخاويتين، عينان بدتا خاليتين من الحياة، وكأنها لم تعد تنظر إلى شخص حي.
فكرت ميلا: “لقد كان لون عيني سيدتي الأخضر الزمردي الجميل، يحمل الآن ثقلاً لا يوصف من الحزن، وهو شيء عميق لا يمكن وضعه في كلمات.”
مع تجمّد ميلا من الصدمة، أطلقت آرييل معصمها. کسر صوت آرييل الصمت.
“هل عادت عمتي؟”
“لا، ليس بعد.”
“لقد ذهب جيدران معها، أليس كذلك؟”
“نعم… لقد فعل.”
“جيد.”
وكان رد آرييل هادئًا، لكنه حمل شعورًا غريبًا بالارتياح.
أطلقت آرييل تنهيدة عميقة ومرّرت يدها برفق على وجهها، ممتنة لأن عمتها وجيدران لم يكونا هنا لرؤيتها في مثل هذه الحالة المزرية.
“ميلا، لا أحتاج مساعدتكِ الآن. اذهبي واستريحي.”
“ولكن سيدتي… صحتكِ….”
“أريد فقط أن أرتاح. سأشعر بتحسن بعد قليل من النوم. أرجوك تأكدي من عدم دخول أحد إلى غرفتي.”
ترددت ميلا، وامتلأت عيناها بالقلق وهي تنظر إلى آرييل. أخيرًا، خفّضت عينيها وأجابت بهدوء.
“نعم سيدتي.”
بدون كلمة أخرى، مرت آرييل بجانبها وصعدت الدرج. اختفت هيئة آرييل الهشة ببطء على الدرج، تاركة ميلا وكبير الخدم الذي دخل القصر للتو، واقفين في الردهة، وكلاهما ينظران إليها بقلق عميق.
عندما اختفت آرييل عن الأنظار، التفت كبير الخدم إلى ميلا وتحدث.
“ميلا، أرسلي شخصًا إلى السيدة أرجين فورًا. اطلبي منها العودة إلى القصر فورًا.”
“نعم.”
غادرت ميلا القصر بسرعة.
بقي كبير الخدم في مكانه، بلا حراك، وظلت نظراته ثابتة على أثر الماء الذي تركته آرييل خلفها أثناء سيرها. بدت الخطوط العشوائية والفوضوية على الأرض وكأنها تعكس حالتها الذهنية المتدهورة.
“من فضلك، لا تدع شيئًا يحدث…”
مع تنهد ثقيل، استدار كبير الخدم وأمر الخدم بتنظيف الأرضية قبل أن يغادر للقيام بمهام أخرى.
أغلقت باب غرفتها خلفها. وبدون أن تتخذ خطوة أخرى، انهارت آرييل على الأرض، وانزلقت إلى أسفل وكأن ساقيها لم تعد قادرة على دعمها. غمر فستانها الرطب أرضية الرخام، وتسرّب البرد إلى جسدها. لكن آرييل لم تشعر بشيء، لا برد، ولا دفء. كل ما شعرت به هو دموع لا تنتهي تنهمر على وجهها. مثل صنبور مكسور، دموعها لم تتوقف. لكنها لم تبكي أو تصرخ. لقد كانت تبكي في صمت.
لا، لكي أكون صادقة، لم تكن آرييل تعلم أنها كانت تبكي على الإطلاق. كان عقلها يعيد كلمات الدوقة مرارًا وتكرارًا.
[لم يكن لوالدكِ أي نية للتمرد. لقد رأيتُ بأُم عينيّ أن الأدلة على خيانته المزعومة كانت مُلفّقة. من قتل الأرشيدوق الأكبر والأرشيدوقة سايارد الراحلين، والدي كايلانس هو والدكِ. هذه هي الحقيقة المظلمة التي أخفاها الماركيز طوال هذا الوقت.]
كلمات لم تكن آرييل تعرفها، وحقائق لم ترغب في تصديقها. والخنجر الذي اخترق قلبها، المشاعر الحقيقية لكايلانس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"