الفصل 97. الإمبراطور الخاطئ
توقف كارسن فجأة عند صوتي.
‘الحمد لله… لم يفقد صوابه تمامًا بعد.’
تنفست الصعداء، ثم سارعت أتابع الكلام قبل أن يفوت الأوان.
“لقد فقد وعيه بالفعل، والأطفال بخير.”
“…….”
“لذا يكفي إلى هذا الحد. لقد نال جزاءه بما فيه الكفاية.”
لم يكن في إشعال الموقف أكثر أي فائدة.
ظل كارسن صامتًا، غير أنه ثبت بصره عليّ.
التقت نظراتنا، وشعرت أن حدّة عينيه قد خفّت قليلًا.
ثم خفّض ذراعه ببطء، وانحنى ليلتقط الدمية الممزقة الملقاة على الأرض. بعدها اقترب مني بخطوات ثابتة.
ارتجف الأطفال واختبأوا خلف ظهري، وقد بدا الخوف جليًّا عليهم.
‘ليس غريبًا، فقد رأوا قبل قليل وحشًا يفتك برجال أشداء دون أن يرمش.’
أما أنا، فكنت أرقبه بهدوء. حدسي أخبرني بما سيفعله تاليًا.
تردد قليلًا، ثم مدّ يده بالدمية نحو الفتاة الصغيرة.
“…آسف.”
“……؟”
أمالت الطفلة رأسها متسائلة. فأشار كارسن إلى الدمية.
“الدمية… لقد تمزقت كثيرًا.”
“لا، لا بأس!”
هزّت الفتاة رأسها سريعًا، واحتضنت الدمية الممزقة بكلتا يديها، كأنها أغلى ما تملك.
“شكرًا لأنك استعدتها لي. كنت أعرف أن الأخ صاحب الشعر الفضي شخص رائع!”
ارتسمت ابتسامة باهتة على محيا كارسن عند سماع كلماتها.
كانت الشمس تميل إلى الغروب حين قررنا مرافقة الأطفال حتى منزلهم.
لم يكن في وسعي تركهم يعودون بمفردهم بعد ما حدث.
وبينما كنا نسير، ابتعدنا تدريجيًا عن قلب العاصمة حتى بلغنا أطرافها.
‘هذا المكان….’
كان مختلفًا تمامًا عن وسط المدينة المزدحم ذي المباني الفخمة.
لم يظهر هنا سوى بيوت واهنة مصنوعة من ألواح خشبية رقيقة بالكاد تقي أهلها من البرد.
إنها حقًا مساكن الطبقة المنسية.
وقد كان هذا المنظر صادمًا بالنسبة لي، أنا التي قضيت معظم وقتي في القصر.
“هاربر! ليري!”
ركضت نحونا امرأة ما إن رأت الطفلين.
“أمّااه!”
أسرعت ليري لترتمي في حضنها.
“لقد أقلقتما قلبي! أين كنتما؟”
“ذهبنا إلى السوق الكبير.” أجاب هاربر.
“إلى هناك ثانية؟ ألا تعلمان كم هو خطير أن تذهبا وحدكما؟ لا… ما هذا الجرح في وجهك!”
قال هاربر مطمئنًا: “أنا بخير. لقد اعترضنا رجال سيئون، لكن هؤلاء السادة أنقذونا.”
التفتت المرأة إلينا لتدرك وجودنا، ثم انحنت شاكرة.
“يا إلهي… لقد أنقذتم ولديّ. لا أدري كيف أكافئكما.”
أجبتها بابتسامة: “لا داعي للشكر، فقد كان واجبًا.”
كنت أهمّ بالعودة أدراجي، لكن الطفلة أمسكت بطرف ثوبي.
“لا تذهبي يا أختي! ابقي ولعبِي معنا قليلًا.”
وانضم إليها هاربر: “نعم، أرجوك.”
وقفت مترددة، ثم رضخت أمام عيونهم البريئة.
“حسنًا… لكن قليلًا فقط.”
“واااه!” صاحا بفرح.
جلسنا لاحقًا حول موقد نار صغير، يلتف حوله أهل الحي ليستدفئوا.
الأطفال خرجوا للّعب مع رفاقهم، فيما قدمت لنا المرأة وعاءً من الحساء.
“أعذروني، ليس لدينا ما نقدمه سوى هذا الحساء الخفيف.”
قلت وأنا أتذوقه: “بل هو لذيذ ودافئ، شكرًا لك.”
كان الطعم أبسط مما أعرفه في القصر، لكنه غمرني بالراحة.
غير أنني لم أستطع منع نفسي من الاختناق ضحكًا عندما سمعتها تقول:
“هل كنتِ في موعد مع زوجكِ؟”
“كُح كُح! ل-لا…! ماذا تقولين؟”
مسحت فمي بسرعة، متلعثمة.
أشارت بيدها نحو كارسن الجالس غير بعيد، يتحدث مع رجال الحي بحرية تامة وكأنهم أصدقاؤه منذ زمن.
“ذاك الرجل. ظننته زوجك.”
نفيت سريعًا: “لا، إنه مجرد… صديق.”
ابتسمت المرأة محرجَة: “آسفة إذن. لكنكما بدوتما متقاربَين للغاية.”
أدرت بصري نحو كارسن مرة أخرى. كان يضحك معهم وكأنه شخص عادي، بعيد كل البعد عن صورة الملك الدامي.
لكن سرعان ما شدّني حديث آخر من طاولة قريبة.
“إلى متى سنحتمل هذا الوضع البائس؟ كل ذلك بسبب الإمبراطور الحالي!”
“اصمت! إن سمعك أحد حرست القصر، ستُساق إلى السجن بتهمة الخيانة!”
“الخيانة؟ بل الخيانة أن ندع النبلاء ينهبوننا بينما الإمبراطور يتجاهلنا!”
تدخلت المرأة مفسرة: “لا تكترثي لهم، إنهم يتذمرون هكذا كل يوم.”
لكني أصغيت بانتباه.
“ظننت أن الإمبراطور معروف بعدله، أليس هو من حاول تحسين حياة الشعب؟” سألتها.
ردّت بأسف: “ذلك يخص النبلاء وحدهم. نحن الفقراء لم يتغير حالنا. فالإمبراطور لم يقدر على كبح جماح حزب النبلاء.”
ثم اقتربت مني أكثر وهمست:
“والأسوأ… أن الناس ما زالوا يهمسون بأنه اغتال والده الإمبراطور السابق ليستولي على العرش.”
شعرت بالقشعريرة.
لقد كان هذا نفس الشائعات التي قرأتها في القصة الأصلية… بأن سيف ولي العهد جيروم وُجد في قلب والده.
رغم التحقيقات، لم يُعرف القاتل قط، وبقيت التهمة تطارده.
لكن… في القصة التي أعرفها، مع مرور الوقت تغيّرت نظرة الناس بفضل سياساته العادلة وزواجه من الإمبراطورة الفقيرة.
أما هنا… فالوضع مختلف تمامًا.
الآن، بدلاً من أن تتركز الكراهية على “هيلينا الشريرة”، بات الشعب يرى في جيروم إمبراطورًا ضعيفًا وغير شرعي.
‘لقد غيّرت مجرى الأحداث حين أقلعتُ عن أفعال الشريرة… وها هي النتائج غير المتوقعة.’
وبينما غرقت في التفكير، كان صوتهم يعلو:
“لقد غضب الرب نفسه! لأننا ابتلينا بإمبراطور خاطئ!”
قبضت يدي بصمت.
قد لا يكون لي شأن بما يقولون، لكنه جرح شيئًا ما في داخلي.
وفجأة…
“سيّدييي!”
رنّ صوت مألوف من بعيد، قاطعًا أفكاري.
💠 انتهى الفصل 97 💠
التعليقات