الفصل 96 – لستما مذنبين
لماذا يا ترى كانت الدمى التي أهديتها للأطفال بيد هؤلاء الرجال؟
بالطبع، كان التخمين سهلاً. لا بد أنهم انتزعوها منهم بالقوة، ومعها صندوق الفطائر أيضًا.
كيف يجرؤون على سلب أطفالٍ ضعفاء ممتلكاتهم!
اشتعل الغضب في داخلي وهممتُ بمطاردتهم، لكن كارسن أمسك بمعصمي.
قال بهدوء:
“لماذا تتوترين هكذا؟ دعي أولئك لي، بينما أنتِ الأفضل أن تبحثي عن الأطفال.”
“آه…”
معه حق.
أين هم الأطفال الآن؟
نظرتُ حولي فلم أرَ لهم أثرًا. قلبي انقبض قلقًا من احتمال أن يكونوا مختبئين في زاويةٍ ما، يبكون خوفًا بعدما تعرّضوا للأذى.
ترددت قليلًا إن كان من الصواب أن نفترق، لكن… هذا كارسن. أعرف جيدًا مدى قوته. يمكنني أن أثق به.
أومأت برأسي:
“حسنًا، سأبحث عن الأطفال وأعود إليك.”
ابتسم ابتسامة مقتضبة:
“إلى حين عودتك.”
في زقاقٍ مظلم قليل المارة، جلس الرجال ذوو الوجوه الغليظة يتضاحكون وهم يفتحون صندوق الفطائر.
“من أين جاء أولئك الصغار بالمال ليشتروا فطائر كهذه؟”
“وهل يهم من أين؟ الأهم أنها الآن في أيدينا.”
تمامًا كما توقعت، كانوا قد سلبوا الأطفال.
“آه، الرائحة وحدها تكفي! هذه من ذلك المتجر الشهير، لا شك أنها لذيذة.”
وبينما هم ينهمكون بالطعام، سأل أحدهم زميله الذي جلس جانبًا يحتضن دمية الدب الكبيرة:
“لكن، سايمون… لمَ أخذتَ الدمية أيضًا؟ لا تؤكل ولا تُباع.”
سايمون ابتسم ابتسامة مائلة وقال ببرود:
“كان ممتعًا. منظر الطفلة وهي تبكي بحرقة تصرخ: أرجوك أعدها!… لا تعرفون كم كان مسليًا.”
هزّ رفاقه رؤوسهم باستهزاء:
“أنت نذل حقًا.”
ابتسم ببرود:
“شكرًا على الإطراء.”
لكن ضحكاتهم قُطعت بصوتٍ عميق هادئ:
“أظن أن من الأفضل أن تعيدوا ما أخذتم.”
التفتت الأنظار، فكان عند مدخل الزقاق رجل ذو شعر فضي يقف بثبات… كارسن.
زمجر أحدهم:
“ومن تظن نفسك؟ جئتَ لتأخذ الفطائر؟”
رفع كتفيه بلا مبالاة:
“الفطائر شأنكم. ما يعنيني هو تلك الدمية فقط. أليست غريبة في أيدي رجالٍ غلاظ مثلكم؟”
اشتعل غضبهم:
“ما هذا الوقح! تحب أن تنكسر عظامك؟”
ابتسم بخفة:
“لا أظنني أستطيع الرحيل قبل أن تعيدوها.”
قفز اثنان منهم نحوه… لكن بضربةٍ واحدة، كانا ملقَيَين على الأرض يتلوّيان ألمًا.
ارتبك البقية، لكن الغضب أعماهم فانقضّوا واحدًا تلو الآخر… وكلهم انتهوا بالطريقة نفسها، يسقطون أرضًا عاجزين.
مسح كارسن يديه وقال بهدوء وهو ينظر نحو سايمون:
“لم يبقَ سواك. ما رأيك أن تنهي الأمر وتعيدها؟”
ضحك سايمون بسخرية وهو ينهض ببطء:
“هاها… لستَ ضعيفًا كما ظننت. لكن لو كنتَ وليّ أمر أولئك الصغار… كان الأجدر بك أن تحسن حمايتهم.”
رد كارسن ببرود:
“وفّر خطبك. أعد الدمية.”
سايمون ابتسم ابتسامة خبيثة، وأخرج خنجرًا صغيرًا من جيبه الخلفي.
وفي غمضة عين، شق به الدمية إلى نصفين.
هزّها أمامه متعمدًا الاستفزاز:
“ها هي… لكن للأسف، لم تعد كما كانت.”
ثم ألقاها أرضًا ببرود.
انخفض بصر كارسن نحو الدمية الممزقة، فغامت عيناه بلونٍ قاتم يقطر بالبرودة.
في تلك الأثناء كنتُ أركض في الشوارع أبحث عن الأطفال. لحسن الحظ، لم يطل الأمر حتى سمعت بكاءً قريبًا.
“أووواااه! أخي…!”
كانت الصغيرة تبكي حتى كادت تختنق، بينما أخوها يحاول تهدئتها بلهجة جافة لكن يده تمسح دموعها برفق.
“ها أنتما!” ناديت وأنا أقترب.
هرعت الصغيرة إليّ:
“لقد أخذوا فطائرنا… وحتى دميتي…!”
احتضنتها وربتُّ على ظهرها:
“لا بأس، أنا هنا. كل شيء سيكون بخير.”
لكن عيني وقعتا على أخيها… وجهه مغطى بالكدمات.
أولئك الأنذال… ضربوا طفلًا؟!
أخرجت منديلي بسرعة وربطت به جرحه. انكمش متألمًا، لكنه تحمّل بصمت.
تمتم بخجل:
“آسف… لقد أخذوا الهدية التي أعطيتِنا… كان يجب أن أحميها.”
انحنيت لأجعله ينظر في عينيّ، وقلت بحزم:
“لا تعتذر. أنتم لم تخطئوا في شيء. الخطأ على من سرقها، لا على من سُلبت منه.”
ارتعشت شفتاه، وحاول حبس دموعه، لكني ضممته إلى صدري:
“لستَ مذنبًا في شيء.”
وببطء، ردّ عناقي بذراعيه الصغيرتين، بينما شعرت بحرارة دموعه تبلل كتفي.
عدتُ بالأطفال إلى حيث كان كارسن. لكن المشهد الذي رأيته جعل أنفاسي تُحبس:
الزقاق صار ساحة معركة، الفطائر مبعثرة، والدمية ممزقة… والرجال الخمسة يتلوّون على الأرض فاقدي الوعي تقريبًا.
أما كارسن، فكان يقف بثبات فوق سايمون، يضغط على ذراعه المكسورة.
كان سايمون يصرخ متوسلًا:
“لم نؤذِ الأطفال، صدقني! مجرد… مجرد الدمية…!”
لكن صوت تكسّر عظمه ملأ المكان، وأطبق كارسن يده على فمه هامسًا ببرود:
“اصمت. ماذا لو سمعك الأطفال؟”
تجمد سايمون رعبًا.
أما أنا، فارتجفت من تلك النظرة الباردة في عيني الملك… لم أرَ مثلها من قبل.
إنه ليس فقط الرجل الهادئ الذي عرفت. إنه حقًا “ملك كالوس” الملقب بــ سيد الدماء.
رفع قبضته ليجهز عليه، فصرخت بأعلى صوتي:
“توقف! أرجوك، كفى!”
التعليقات لهذا الفصل " 96"