الفصل 95 – إنه يحبني
عادت فَي إلى غرفتها وأمرت جميع الوصيفات بالخروج.
وبعد أن تأكدت من أنّ لا أحد حولها، أخرجت شيئاً كانت تخفيه بين طيات ثوبها.
إنه رسالة الإمبراطورة.
همست بارتباك:
“ما الذي دفعني إلى أخذ هذا…؟”
عندها فقط أدركت ما اقترفت يداها. كان تصرّفاً اندفاعياً حتى هي نفسها صُدمت منه. لكن الآن… فات الأوان لتعود وتضع الرسالة في مكانها.
ترددت لحظة، ثم مزّقت الظرف ببطء، وبدأت تقرأ.
[ملك مملكة كالوس وصل إلى القصر. قال إنه يرغب في التجوّل داخل المدينة، فسأرافقه.]
ملك مملكة كالوس؟ آه… الضيف الأجنبي الذي وصل اليوم.
تذكّرت فوراً. إنها المملكة التي ساعدت الإمبراطورة على حل أزمة الجفاف.
قالت بتنهيدة:
“إذن هما مقربان لدرجة أن تتولى بنفسها تعريفه على المدينة…”
واصلت القراءة.
[خشيت أن تبحثي عني، لذلك تركت لك هذه الرسالة. لا تقلقي، لن يكون هناك أي خطر.]
تجمدت نظرات فَي عند جملة واحدة بالذات:
“لن يكون هناك أي خطر.”
كلمات عابرة كتبتها هيلينا بلا قصد، لكنها بدت في عيني فَي كطعنة خفية.
لا تقلقي… لا تقلقي…
كانت كلمات هيلينا تتردّد في أذنها حتى أثارت قشعريرة في جسدها.
قطبت فَي حاجبيها بعنف. ثم فجأة مزّقت الرسالة إرباً بلا رحمة.
ـ تمزق… تمزق…
ألقت بالقصاصات داخل الموقد. التهمتها النار سريعاً حتى صارت رماداً أسود.
جلست على الأرض وهي تلهث. وضمّت ركبتيها إلى صدرها.
أمّي كانت محقّة…
لطالما حذرتها والدتها، أنتيا:
هيلينا تلك المرأة الطموحة لن تكتفي بما تملك، وستحاول الاستيلاء حتى على جيروم نفسه.
وفجأة اجتاحها الخوف. شعرت أن هيلينا على وشك أن تنتزع منها حب حياتها.
مستحيل…!
صرخت في داخلها:
جيروم وأنا مقدران لبعضنا!
ألست أنا من أنقذ حياته؟
هو يحتاج إليّ كما أحتاج إليه. لا أحد يستطيع أن يفصل بيننا.
لكنّ قلبها لم يهدأ.
إن كان جيروم لا يكنّ أي مشاعر لهيلينا، لما شعرت بهذا القلق أصلاً.
لكن في الآونة الأخيرة تغيّر.
عينيه الدافئتان لم تعدا كما كانتا، وصوته الحاني بات مختلفاً.
كل تلك التغيّرات أشعلت في داخلها ريبة قاتلة.
ماذا لو… أحب جيروم هيلينا؟
ما الذي سيؤول إليه مصيري؟
ارتجفت. هل… سيهجرني؟
“لااا! لاااا!”
صرخت وهي تمزق شعرها بيديها.
“مستحيل! أنا من أنقذته، ليست هي!”
تمتمت مراراً، بصوت أشبه بالتنويم:
“إنه يحبني… جيروم يحبني… جيروم يحبني…”
في تلك اللحظة، شعرتُ فجأة بقشعريرة حادة تسري في جسدي. ارتعشت دون وعي.
ما هذا الشعور…؟
حتى أذناي أحسستا بحكة غريبة.
هل هناك من يذكرني بسوء؟ فكرة مجنونة خطرت ببالي.
رمقني كارسن باستغراب.
“ما الأمر؟”
أسرعت أنفي الأمر:
“لا، لا شيء.”
لا بد أنه مجرد وهم. أجبرت نفسي على الهدوء، ووضعت ثمرة الفاكهة من يدي جانباً.
كنا في سوق شعبي يعرض فواكه غريبة وأعشاب طبية قادمة من خارج البلاد. وبينما أتأمل، استوقفني نبات صغير ذو أوراق دقيقة وزهور بيضاء على أطراف سيقانه.
سألت البائع:
“ما هذا العشب؟”
ابتسم البائع:
“هذا يُسمى برسيل. ممتاز لإزالة الإرهاق. جربي رائحته، إنها زكية جداً، حتى إن بعضهم يستعملها لصناعة العطور.”
مددت يدي، لكن فجأة اصطدمت بيد شخص آخر كان قد سبقني.
“آه، عذراً.”
لم يجب. اكتفى بهز رأسه.
لكن حين تحركت رداؤه، لمحت بين طياته شيئاً مألوفاً…
شعر أحمر مجعَّد!
مستحيل…!
كان ذلك المشهد كفيلاً بأن يرسل قشعريرة تسري في جسدي
ذلك الصوت القاتل في يوم المهرجان…
ـ “لماذا تلك المرأة لا تزال على قيد الحياة؟”
الذكرى دوّت في أذني. عقلي صار أبيض تماماً.
وفي الوقت نفسه، عند بائع الدمى في السوق، كان الرجل يلعن حظه.
“تبا… أخذوا أغلى دمية عندي!”
لم يبدُ عليه أي ندم، فقط غضب لأنه خسر ماله.
“هيه، صاحب الدكان.”
ثلاثة رجال اقتربوا. أحدهم ذو شعر رمادي، كونراد.
سأل بلهجة حادة:
“هل مرّت من هنا شابة بشعر بني مع شاب ذي شعر فضي؟”
ارتبك البائع، لكن قبل أن يتهرب بالكلام، انضم المارة الذين شاهدوا الحادثة قبل قليل:
“نعم، نعم! لقد لعبا لعبتك المخادعة، ولولا الفتى الفضي لكانت الفتاة البريئة قد خُدعت!”
“صحيح! ذلك الوغد كاد أن يسرقها!”
انهالت الشهادات من كل مكان، ووجوه الرجال الثلاثة ازدادت قسوة مع كل كلمة.
شعر البائع بالرعب حين أمسك كونراد بتلابيبه:
“تكلم! ماذا فعلت بتلك السيدة؟”
ارتجف صوته:
“لنهدأ… نتفاهم بالكلام…!”
أما أنا، فكنت ما زلت مأخوذة بصدمة رؤيتي لتلك المرأة.
هل هي فعلاً هي…؟
أردت التأكد من صوتها. لكن للأسف، غادرت دون أن تنطق بكلمة.
كنت ممزقة بين أن ألحق بها أو أتجاهل الأمر.
لكن قبل أن أقرر، دوّى صوت صاخب من أحد الأزقة:
“هاهاها! اليوم غنيمتنا كبيرة!”
التفتّ، فرأيت رجالاً متجهمي الوجوه يحملون صناديق حلوى. لكن الذي شدّ نظري أكثر…
كان بين أيديهم دمية دب كبيرة يزيّن عنقها شريط وردي.
تسمرت مكاني.
“تلك… دمية الطفلة!”
التعليقات لهذا الفصل " 95"